هل يمكن لقيادة العراق الجديدة أن تفوز بالسلام وتحافظ عليه؟
مركز بروكنجز
2018-11-27 04:16
بقلم رانج علاء الدين
أصبح للعراق الآن حكومة جديدة، بعد ستة أشهر من إجراء الانتخابات على خلفية فترة طويلة من عدم الاستقرار السياسي والاضطرابات الاجتماعية. مع القيادة الجديدة لرئيس الوزراء عادل عبد المهدي والرئيس برهم صالح – اللذَين يوصفان على نطاق واسع أنهما إصلاحيان وتقدميان ويميلان للغرب – هناك آمال كبيرة بأن البلاد ستفتح صفحةً جديدةً بعد ثلاث سنوات دامية ومضنية من القتال ضد ما يُسمى بالدولة الإسلامية (داعش).
يعاني العراق عدداً من المشاكل، لكن مع هذه الحكومة الائتلافية الجديدة، التي تضم الطوائف والفئات الرئيسية في العراق (عبد المهدي سياسي شيعي وصالح سياسي كردي)، يمكن أن تكون هناك فرصة هامة لاغتنام الزخم الشعبي ودفع البلاد إلى الأمام.
ما زالت الصعوبات قائمة
لا تزال التحدّيات كبيرة لمنع عودة داعش ومعالجة الانقسامات الطائفية ومظالم العرب السُنّة والمؤسسات الضعيفة. ولا يزال العراق يعاني بنى تحتية متداعية وفساداً مستشرياً وضعفاً أمام التأثير الخارجي، ناهيك عن قطاع عام متضخّم ونمو سكّاني سريع جداً. بمعنى آخر، إصلاح العراق سيستغرق سنوات، إن لم يكن عقوداً.
تتشكل الحكومة الجديدة وسطَ مطالب عامة وصاخبة على نطاقٍ واسع من أجل تحقيق الإصلاح. فلم يفز رئيس الوزراء العراقي الأخير حيدر العبادي بولاية أخرى وسط استياءٍ عام ومعارضة من رجال الدين الشيعة الذين وقفوا ضده بسبب سجلّه السيئ في المنصب. ومع خروج العبادي، تكون هذه المرة الأولى منذ 13 سنة التي لم يعد فيها العراق بقيادة حزب الدعوة الإسلامي الذي فشل في العديد من النواحي في تلبية توقعات الناس. ولا بد من الإشارة إلى أنّ الموصل سقطت في يد داعش في يونيو 2014، وكان نوري المالكي رئيساً للوزراء في ذلك الوقت.
سيكون على رئيس الوزراء عبد المهدي، المرشح التوافقي، أن يواجه في عمله نظاماً سياسياً مختلاً وشللاً مؤسساتياً، وهذه مشاكل قد تستغرق أجيالاً لمعالجتها. فهو يرث هيكلية قديمة قائمة على تقاسم السلطة على أساس العرق والطائفة منذ أكثر من عشر سنوات. علاوة على ذلك، يواجه كل من عبد المهدي وصالح ضغوطاً وقيوداً من مجتمعاتهما الخاصة: فمهدي، وهو عضو قديم في الطبقة الحاكمة الشيعية، عليه أن يستكمل تشكيل حكومته، وسطَ ضغوطٍ من فصائل شيعية متنافسة قوية قد تنسف جهوده في الحكم أو التقدم في الإصلاحات. أما صالح، وهو عضو بارز منذ فترة طويلة في الاتحاد الوطني الكردستاني ورئيس وزراء حكومة إقليم كردستان العراق السابق، فقد تم تعيينه بشكل مثير للجدل ضد إرادة أقوى حزب في كردستان، الحزب الديمقراطي الكردستاني.
فسحة أمل؟
على الرغم من هذه التحدّيات الحقيقية، فإن هناك مجالات يمكن أن تستفيد منها البلاد من الانفتاح من أجل السلام والاستقرار. فقد استؤنِفت، يوم الجمعة، صادرات النفط من كركوك، بعد توقفها في أكتوبر الماضي بسبب الأزمة بين أربيل وبغداد حول استفتاء الاستقلال الكردي التاريخي. إذا تمكّنت العاصمتان – بمساعدة وجود وجه جديد في بغداد – من البناء على هذا الزخم لمعالجة الخلافات الأخرى (المتعلقة بالأراضي والمحروقات وتقاسم العائدات)، قد يخلّف ذلك أصداءً إيجابيةً في جميع أنحاء البلاد. لن يكون الأمر سهلاً من الناحية السياسية، إلا أنّ الوقائع الاقتصادية يمكن أن تعزّز عملية بناء السلام.
إنَّ حلَّ التوتر من شأنه أن يرسل الإشارات الصحيحة إلى المجتمعات العراقية الساخطة والمحرومة، ويمكن أن يقلل الاستقطاب، وهذه تطوّرات قد تساعد في منع عودة داعش. وقد يكون هذا عاملاً يساعد على بدء مرحلة إعادة الإعمار التي أصبح العراق بأمسِّ الحاجة إليها.
في الخريف الماضي، تورَّط الأكراد والعرب في اشتباكات في مدينة كركوك المتنازع عليها. وكان السبب المباشر لهذه الاشتباكات هو استفتاء الاستقلال الكردي، الذي جرى على الرغم من المعارضة القوية من الولايات المتحدة وبغداد وجيران العراق. (94 في المئة من الناخبين الأكراد أيَّدوا الانفصال). بموجب أوامر رئيس الوزراء العبادي في ذلك الوقت، شنَّت بغداد هجوماً في أكتوبر- شمل الجيش والميليشيات الشيعية – ضد قوات البيشمركة في كركوك. كان الخطاب القومي الكردي استفزازياً بلا شك. وفي نفس الوقت، تحمَّلت الدولة العراقية – بصفتها السيادية – عبء الاستجابة بشكل مسؤول، الأمر الذي لم تفعله. لم يُعزّز هذا الإخفاق القوميةَ الكردية والشكوك تجاه بغداد فحسب، بل أدّى أيضاً إلى تدهور العلاقات بين العرب والأكراد.
لم ينبغِ أن يكون الأمر بهذه السهولة على مسؤولين منحازين للولايات المتحدة (كالعبادي) استخدام العنف من أجل الدّفع بأجندة سياسية ضد جهات فاعلة أخرى منحازة للولايات المتحدة (كالأكراد). إنّه تذكيرٌ مهمٌّ بأنه يمكن تدمير سنوات من الاستثمار في المصالحة وبناء السلام في غضون ساعات أو أيام. كان من الممكن الوصول إلى تسوية سلمية بين أربيل وبغداد، بعد ثلاث سنوات من التضحيات من قبل البيشمركة والجيش العراقي، بعد الاستفتاء. وكان من الممكن أن يكون ذلك قد أرسى فصلاً جديداً من التعايش السلمي، وهو خروج ملحوظ عن ممارسات الإكراه والعقاب الماضية، وخاصة تجاه العرب السُنّة الساخطين في العراق، الذين عانوا قمع بغداد لأكثر من عقد من الزمان.
في نهاية المطاف، أصبحت فترة ما بعد الاستفتاء اختباراً حاسماً لمعرفة ما إذا كان العراق والولايات المتحدة قد تعلما أهم درس على الإطلاق: وهو أنّ الحفاظ على السلام أكثر أهمية من كسب الحرب. وعليه، هناك فرصةٌ جديدة في ظل الحكومة الحالية ودروسٌ هامة يجب أخذها بعين الاعتبار.
دور واشنطن
لا يمكن للولايات المتحدة أبداً أن تكون جهة غير فاعلة أو سلبية في العراق. فالتزام الحياد يمكن في حد ذاته أن يُعتبر تشجيعاً لطرفٍ ضد آخر. وفي الأزمة بين بغداد وأربيل العام الماضي، عارضت واشنطن الاستفتاء الكردي، لكنها لم تتخذ إجراءً سياسياً في أعقابه، مما مكَّن بغداد من حشد قواتها ضد البيشمركة.
وتظل الولايات المتحدة إلى حدّ كبير في وضع احتواء تداعيات النزاعات في العراق والتوسط لتخفيف التوتر وإيجاد بيئة مواتية للتسويات السلمية. ينبغي على واشنطن أن تعتبر تغيير القيادة العراقية فرصةً للاستفادة من دروس الماضي، وذلك من خلال تثبيط مقاربات الرجل القوي وجعله من الصعب على الجهات العراقية الفاعلة اللجوء إلى القوة من أجل الدّفع بأجندات سياسية، وبالتالي فتح صفحة جديدة بالفعل. في الوقت الراهن، ليس أمام أربيل وبغداد أي خيار سوى العيش المشترك، للضرورة الاقتصادية ولأن بغداد لا تستطيع إغلاق الباب في وجه الأكراد من دون مزيد من الضغط على شرعية الدولة العراقية بعد أكثر من عقد من المقاومة العنيفة من العرب السُنّة. هذه نقطة انطلاق غير ملائمة، لكن من المحتمل أن تكون بنَّاءة لفتح صفحة جديدة. بتشجيع من الولايات المتحدة، يمكن للطرفين الالتزام بحوار حقيقي يسعى إلى منع نشوب الصراع مرّة أخرى.
يجب على القادة العراقيين أن يظلوا يقظين
والأهم من ذلك هو ألّا يكرّر العراق أخطاءَ الماضي ويشعر بالرضا عندما يبدو وضع ما بعد الصراع هادئاً بشكل خادع. فهذا الرضا هو الذي يعزّز عودة الصراع: فعلى سبيل المثال، ظهر داعش في العام 2014 بعد الفشل في الحفاظ على السلام، بعد سنوات من العنف الطائفي الدامي بين العرب السُنّة والشيعة. بعبارة أخرى، الفوز بالسلام لا يهم إلا إذا أمكن الحفاظ عليه.
وبغضّ النظر عن تحدّيات الحكم التي تواجه العراق، فهو لا يزال عرضة بشكل كبير لعودة الصراع. فقد شهد العراق منذ العام 2003 صراعات طائفية لا حصر لها وإبادة جماعية واحدة معروفة. ومن بين 105 دولة شهدت حروباً أهلية بين عاميّ 1945 و2013، انزلق أكثر من النصف (59 دولة) إلى صراعٍ عنيف بعد إحلال السلام – وفي بعض الحالات أكثر من مرّة. فهل يتمتّع العراق بالقيادة المناسبة القادرة على تجنيب البلاد الانزلاق نحو المزيد من الصراعات العنيفة؟ السجّل ليس رائعاً. يقول السياسيون العراقيون، من كل الأطياف الدينية والعرقية، كلاماً جميلاً، لكنهم فشلوا في النهاية في الحفاظ على السلام. وبالتالي، أمام الرئيس صالح ورئيس الوزراء عبد المهدي فرصة لتفادي هذا المصير ووضع معايير جديدة أمام القادة العراقيين في المستقبل.