فك الاختناق يضيق الخناق
مصطفى ملا هذال
2025-08-04 04:22
بينما تتظاهر الحكومة الحالية بتقدم واضح في ملف الكهرباء، الا ان الصيف الحالي يفضح جميع الادعاءات، ويؤكد فشل كل المحاولات المراد منها فك الاختناقات، اذ يعيش المواطن في صيف لاهب تحت وطأة ارتفاع درجات الحرارة الى مستويات قاسية، مقترنة بزيادة ساعات انقطاع التيار وانخفاض ساعات التجهيز.
هذه المفارقة بين التصريحات والواقع الفعلي، كان محطة وقوف لدى الجمهور في اغلب المحافظات لا سيما في كربلاء التي على موعد مع أكبر المناسبات الدينية، وهي زيارة الأربعين المليونية التي تتطلب جهدا استثنائيا لضمان استقرار الطاقة في المناطق الرئيسة والطرق التي تشهد تدفق ملايين الزوار.
قبل شهور من الآن صرحت رئيس لجنة الطاقة في مجلس المحافظة على ان الصيف القادم سيكون صيفا مختلفا، من حيث ساعات التجهيز والانقطاع، وبالفعل كان الموسم الحالي مختلفا تماما من حيث زيادة ساعات الانقطاع، فلم نصادف في السنوات الماضية انقطاع يستمر لسبع او ست ساعات مع ذروة الصيف.
وبالتزامن مع ذلك صدرت خلال الأسابيع الماضية عدة بيانات رسمية من الحكومة المحلية أكدت فيها أن الحكومة تعمل على فك الاختناقات الحاصلة في شبكة الكهرباء، مشيرة إلى دخول خطوط جديدة للخدمة وصيانة خطوط رئيسة، بما يضمن حسب قولها، استقرار المنظومة وزيادة التجهيز.
يحاول الخطاب الحكومي طمأنة الشارع بأن الأزمة على وشك الانفراج، في محاولة واضحة لتخفيف حدة الانتقادات السياسية والشعبية، لكن هذا الخطاب يثير الشكوك، خصوصا في ظل غياب بيانات دقيقة حول أسباب الانخفاض الفعلي في ساعات التجهيز بعيدا عن السبب المعلن وهو العمل على فك الاختناقات.
كما يمكن اعتبار استباق الزيارة الأربعينية بخطاب التفاؤل حملة تهدف إلى احتواء أي احتجاجات محتملة، خاصة في المحافظات الجنوبية التي شهدت سابقا موجات تظاهر واسعة بسبب تردي الكهرباء، ولهذا السبب تذهب الى اعتماد أسلوب التهدئة المؤقتة.
العراق يعيش واحدة من أكثر فترات السنة قسوة، إذ تجاوزت درجات الحرارة في الوسط والجنوب حاجز الـ50 مئوية، في وقت تتزايد فيه الحاجة للطاقة لتشغيل المكيفات والمبردات تصبح الحاجة لاستقرار المنظومة الكهربائية أمرا مصيريا.
تؤكد بيانات الحكومة أن إنتاج الطاقة الكهربائية في العراق وصل إلى مستويات قياسية هذا العام، متجاوزا حاجز 25 ألف ميغاواط، غير أن التحدي الحقيقي يكمن في توزيع هذه الطاقة ونقلها إلى المستهلكين، إذ تعاني الشبكات من قدم في البنى التحتية وسوء في إدارتها.
هذا الخلل البنيوي يتفاقم بفعل التجاوزات على الشبكة وضعف الجباية وعدم استقرار مصادر الوقود، ما يجعل أي زيادة في الإنتاج عاجزة عن الوصول إلى المواطن بشكل فعلي.
الأزمة الكهربائية في العراق لا تبدو قريبة الانفراج بالمعنى العملي، لأن مشكلتها أعمق من مجرد اختناقات فنية، ما لم يتم إصلاح هيكل إدارة الشبكة وتطوير البنى التحتية ورفع كفاءة التوزيع والجباية، ستبقى أي زيادة في الإنتاج بلا أثر ملموس للمواطن.
كما أن إدارة الأزمة إعلاميا لا يمكن يعوض الفشل الميداني، على الرغم من انها تعد محاولات حكومية لطمأنة المواطنين بأن الأزمة في طريقها إلى الانفراج في خطاب إعلامي مكثف، ربما بهدف امتصاص الغضب الشعبي المتوقع في حال استمرار القطع، خاصة أن الصيف يتزامن مع أحداث دينية كبرى تستقطب الأنظار عالميا.
المواطن العراقي، الذي أصبح معتادا على سماع وعود متكررة منذ عام 2003 بشأن تحسين المنظومة الكهربائية، يجد نفسه أمام واقع مألوف، حرارة خانقة وتجهيز محدود، ما يزيد من حدة الموقف أن الحكومة تحاول تقديم الأزمة على أنها مسألة وقت قصير، في حين أن الخبراء يؤكدون أن حل المشكلات الهيكلية في النقل والتوزيع والإدارة يحتاج إلى خطط طويلة الأمد واستثمارات ضخمة، لا إلى حملات إعلامية سريعة.