الكتاب والمكتبة مناهل التوعية والتثقيف
رؤى من أفكار الإمام الشيرازي
شبكة النبأ
2025-12-22 04:22
(المكتبات الكثيرة تستقطب الكتب، وسيجد المؤلف المجال مفتوحاً لمضاعفة التأليف)
الإمام الشيرازي
في رحلته التنموية الفكرية الدينية الطويلة، يسعى الإنسان المنتِج إلى وضع بصمته الخاصة في الحياة، بحيث يتفرَّد من خلالها بين الآخرين، فليس جميع الناس عاشوا لكي يستثمروا حياتهم وقدراتهم لتطوير أنفسهم وأفكارهم أولا، ومن ثم يسعون لنقل هذا الثراء الفكري والديني للآخرين، حتى تكون حياتهم ذات مغزى وجدوى، تهدف إلى بناء الإنسان ثقافيا وفكريا.
لذلك حينما نطل على السيرة العبِقة للإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، سوف نلاحظ استثماره الكبير لرحلته الزمنية الكامنة بين لحظة الولادة ولحظة الرحيل إلى رحاب الله تعالى، فقد أنتج الإمام ما يفوق الأف وخمسمائة كتاب عبر رحلته مع التأليف، ولهذا طالب الجميع بتحصيل الثقافة والوعي، وسعى إلى زرع حب الكتاب في قلوب الناس وحثّهم على المطالعة الذكية التي تُسهم في زيادة الوعي والتثقيف.
وسعى الإمام أيضا إلى الترويج للكتب عبر المكتبات، وتوصيل الفكر الإسلامي إلى أبعد نقطة في العالم، واقترح حوافز ومشجعات كثيرة لجعل المكتبة والقراءة من أولويات الإنسان المسلم، ومن هذه المشجعات على سبيل المثال، إقامة أسبوع ثقافي سنوي تُجنَّد له الإمكانيات كافة لكي يكون وسيلة لنشر الوعي والتثقيف وانتشال الإنسان من مستنقع الظلام.
الإمام الشيرازي يقول حول هذا الموضوع في أحد مؤلفاته الثمينة يحمل عنوان (إلى نهضة ثقافية إسلامية):
(ينبغي أن يُقام أسبوع ثقافي في كل عام، يقوم فيه حملة الإسلام بحملة تثقيفية واسعة النطاق في القرى والأرياف والمدن بكل الوسائل والسبل لغرض نشر الإسلام والفضيلة، وتركيز دعائم الإيمان). لأن مثل هذا العمل خليق بإيجاد جو مفعم بالحركة والنشاط المثمر لأفضل الثمار في حقول العقيدة والعمل).
وكذلك يقترح الإمام أن تتم مضاعفة إقامة معارض الكتاب، لكي تكون هناك فرصة للحصول عليها، واطلاع الناس على الأفكار الموجودة في متون الكتب، فالمؤلّف الناجح هو الذي يدرك حاجة المجتمع إلى نوع الأفكار ولبّ الثقافة التي تناسبه وترتقي به، ويقوم المؤلف بطرح تلك الأفكار في كتبه، وتقديمها كغذاء لعقول الناس التي تحتاج إلى الكثير من أغذية الفكر والثقافة والأحكام والقيم التي تنهض بالناس وترتقي بعقولهم وأفكارهم.
مغريات لزيارة معارض الكتب
كما يقترح الإمام الشيرازي أن تكون هناك مغريات لمن يزور المعارض، تجعلهم في علاقة محبة دائمة، بحيث يصل الإنسان إلى شعور قاطع بحاجته إلى الكتاب وارتباطه به، وهذا ما توفره المكتبات للناس، فإذا وجدنا مكتبات كثيرة في المدن والأقضية والنواحي، هذا سيدل على أن هذا المجتمع من محبي عالم الكتب والمكتبات.
حيث يقول الإمام الشيرازي:
(لابد أن تنعقد في كل عام معارض للكتب شبيهة بالمعارض الخاصة لترويج (الصناعات الدولية)، أو الأزياء أو في الصناعات الأخرى، ولابد أن تجند لها أكبر قدر ممكن من المغريات التي تضاعف من إقبال الناس على هذه المعارض).
ولهذا يشجع الإمام الشيرازي على كثرة المكتبات، لأن رفوف المكتبة سوف تمتلئ بالكتب وليس بشيء آخر، حيث يجد الناس ما يحتاجونه من كتب في هذه المكتبات، وهذا يعني كلما ازدادت المكتبات تزداد الكتب، وهي التي توفر فرصا كثيرة لتحصيل الوعي وزيادة الثقافة، كما أن كثرة المكتبات تدل على أن هذا المجتمع مثقف و واعٍ لأنه على علاقة جيدة مع الكتب.
يصف الإمام الشيرازي (رحمه الله) الكتب والمكتبات بأنها زينة تعمل على نشر الثقافة بين الجميع، لهذا فإن المجتمع القارئ المحب للكتب سوف يحث المستثمرين على الاستثمار في بناء المكتبات، ومن ثم في التجارة بالكتب التي يحتاجونها كي ترفع من مستوياتهم في الثقافة والفكر والوعي بشكل عام، وقد يقول قائل هنالك كتب إلكترونية في عالم اليوم، لكن معظم الناس يرتبطون بالكتاب الورقي أكثر من سواه.
لذا يقول الإمام الشيرازي:
(لابد من إنشاء المكتبات الإسلامية، في كل مكان: في المسجد، والحسينية، والمدرسة، والدار، والدكان، والنادي، وحتى المواصلات وغيرها. فإنها زينة تساعد على نشر الثقافة، وتشجع المؤلفين ووسائل التثقيف - كالمطابع وما إليها - فإن المكتبات الكثيرة تستقطب الكتب، والمؤلف يجد المجال مفتوحاً لديه لزيادة التأليف هذا بالإضافة إلى نشر الوعي بين المجتمع).
ولا يكتفي الإمام بتثقيف المسلمين ومضاعف وعيهم، بل يذهب إلى أبعد من ذلك حين يدعو إلى ترجمة كتبنا وأفكارنا الإسلامية السمحاء إلى جميع اللغات الحية التي تُسهم بطريقة وأخرى في نشر تعاليم الإسلام وقيمه التي تساعد الناس على أن يكون من صنف الإنسان المحب للخير والمنتِج له، وبذلك يتحول بنو الإنسان إلى الخير والوعي السديد والثقافة السليمة.
وقضية الترجمة لها شروطها بالطبع، فهي بالإضافة إلى دقتها وسلامتها وقدرتها على نقل الأفكار بدقة متناهية، تكون وسيطًا ناجحا لنقل أفكار وتعاليم الإسلام إلى من يحتاجها كونها تساعد على نشر الفضيلة والخير وتدحض الرذيلة والشر، لذلك هذه العملية تحتاج إلى تخطيط كبير ومنتظم، ودقيق، ويجب أن يقوم بهذه المهمة الكبيرة خبراء يفهمون جيدا في قضية الترجمة وطباعة الكتب وترويجها ونشر على مدار السنة وتوصيلها إلى المناطق والمدن النائية.
إحصاء اللغات في العالَم
وهذا يتطلب جهودا نوعية متخصصة، كأن تتم عملية إحصاء اللغات المقروءة في العالم، وتبدأ عملية اختيار الكتب المهمة للمباشرة في ترجمتها، ومن ثم يتم التخطيط أيضا لسويقها، وإيصالها إلى الأماكن التي تم فرزها بشكل صحيح ودقيق، ويبقى الهدف الأسمى من هذه العملية أن صل الفكر الإيجابي إلى جميع الناس في العالم، بهذه الطريقة كان يفكر الإمام الشيرازي، وبهذه الهمّة العالية التي يمتلكها في شخصيته المثابِرة الميّالة لخير الإنسانية كلها.
حيث يقول الإمام (رحمه الله):
(لابد أن يقوم العاملون في حقول التثقيف الإسلامي بتعميم الثقافة الإسلامية بمختلف اللغات، ويجب أن يتم ذلك ضمن تخطيط شامل، مثل أن نحصي اللغات في العالم، ثم نجعل في أمهات بلاد تلك اللغات مراكز للترجمة والنشر ونصدر الكتب والمجلات إلى تلك المراكز لتترجَم إلى تلك اللغات وتُنشر).
ثم يطرح الإمام مقترحا نادرا حقا حين يشجع أصحاب الحوانيت والمحالّ أن تكون لكل واحد منهم (كلمة اليوم)، يطرح فيها فكرا إيجابيا يحث الناس على عمل الخير ويشجعهم على إصلاح أنفسهم وعقولهم وأفكارهم واستثمار أعمارهم بالشكل الصحيح، ولنا أن نتخيّل الزبائن المشترين يأتون إلى هذا المحل أو ذاك ليشاهدوا كلمة مكتوبة في ورقة أو لوحة معلقة في واجهة ذلك المحل تقدم لهم فكرة إيجابية وتحثهم على هذا العمل السليم أو ذاك.
إنه مترح ينم عن شعور عظيم بالمسؤولية، حيث يضطر ملايين من الناس إلى زيارة المحال للتبضع، وهذه الملايين كلها تطالع وتقرأ هذه الأوراق التي تحمل (كلمة اليوم) وهي معلقة على واجهات المحال كلها، فأي فعل تثقيفي مدهش سيتم بشكل يومي، وأية ثقافة سوف تصل لنسبة هائلة من الناس، ويمتاز هذا المقترح بالبساطة وقلة التكاليف وإمكانية التنفيذ بسهولة كبيرة.
يقول الإمام الشيرازي:
(ينبغي لكل صاحب حانوت ومحل أن تكون عنده بعدد أيام السنة كلمات توجيهية باسم (كلمة اليوم) يضع الواحد منها كل يوم وراء الزجاج أو في مكان يمكن قراءته لمن يمر بالمحل. وكذلك ينبغي أن تكون له (كلمة الأسبوع) و(كلمة الشهر) و(كلمة الموسم).
بهذه الطريقة تكون المكتبة جاذبة للكتاب، ويكون الكتاب ملازما للمكتبة، ويكون كلاهما عنصران مؤثران لتنمية الثقافة وتقديم الوعي للناس، ولعل ما طُرحَ في أعلاه، يمكننا تنفيذه في أي وقت، وحتما سوف تكون نتائجه الثقافية والعلمية كبيرة جدا، فالإمام الشيرازي (رحمه الله) قدم لنا في كلماته حلولا سهلة التنفيذ في أي زمان ومكان، لكي ترتقي بعقول الناس وبحياتهم إلى الأفضل والأجمل.