ملحمة الإيثار الحسيني تنهض بالمسلمين مجددا

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

شبكة النبأ

2025-08-04 04:28

(أغلب حكّام البلدان الإسلامية ألزموا أنفسهم بأن يحولوا بين شعوبهم وبين التقدم)

الإمام الشيرازي

إنَّ ما قدمه الإمام الحسين عليه السلام من تضحية وإيثار في ملحمة استنقاذ الإسلام والمسلمين، كان ينبغي أن يضع أمة الإسلام في موقع متقدم بين الأمم، بل في موقع القمة، لأن الإيثار الحسيني لم يسبق أن حدث له شبيه عبر تاريخ البشرية الطويل، فالمخرجات التي صنعتها واقفة الطف كان يتقدمها إزاحة الأمويين من حكم الدولة، وكذلك إزاحة الدولة العباسية، وحتى يومنا هذا لا يزال الحكام الطغاة ترتعد فرائصهم من قوة التأثير الحسيني.

وقد عايشنا ورأينا بأعيننا كثيرا من الحكام المستبدين، كيف يخافون من الإمام الحسين، فيتخذون قرارات وإجراءات عملية تسعى أن عزل الناس عن الإيثار والتأثير الحسيني، مثل منعهم من إحياء مراسيم استشهاد الإمام ومنعهم الزوار من مواصلة شعيرة المشي باتجاه كربلاء في الأربعين الحسيني، ومنهم حتى طبخ الطعام وإقامة المواكب والمجالس.

كل هذا كان يحدث بسبب خوف الحكام المستبدين من الإمام الحسين عليه السلام، ومن قوة تأثيره في قلوب ونفوس الناس، وتنوير عقولهم وتقوية إرادتهم، وتحريك دماء الثورة والرفض في أجسادهم، ولهذا يخشى الحكام وحكوماتهم الفاسدة من مواجهة الفكر الحسيني الذي زرع في الناس القدرة على مواجهة الحكم الجائر ومقارعته حتى الاندحار والسقوط التام.

ولكن للأسف لم يستثمر المسلمون هذا الإيثار الحسيني فيما بعد، وخاصة الحكام الذين لا يروق لهم أن تتطور عقول الناس ويزداد وعيهم، لأنهم لا يستطيعون حكم الناس الواعين بالقوة الغاشمة وبالاستبداد والظلم، لذلك تأخر المسلمون عن الأمم الأخرى.

الإمام الراحل آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، يقول في كتابه القيم الموسوم بـ (رسالة عاشوراء الجزء 1):

(إن هجْر المسلمين للإسلام الذي قتل الإمام الحسين (عليه السلام) من اجل إحيائه، هو سبب تأخر المسلمين بهذا الشكل الغريب، فلقد عاد الإسلام مهجوراً حتّى عند الحكومات التي تدّعي الإسلام لفظاً وتتركه عملاً، حيث الواجب هو العمل بأحكام الإسلام وقوانينه واقعا، لا ادعاء لفظ الإسلام والتشدّق به فقط). 

المخرجات المتميزة لعاشوراء

نعم فتلك المخرجات العظيمة لملحمة عاشوراء، لم يتم استثمارها كما يجب، فغادروا روح الإسلام، ولم يعملوا بتعاليمه السمحاء التي تضمن لهم مركز الصدارة في قيادة أمم العالم أجمع، ولهذا ظهرت معالم واضحة عن تأخر المسلمين حتى بلغت الفجوة بينهم وبين أمم أخرى واسعة وكبيرة، وهذا يرجع إلى كون المسلمين لم يتمسكوا بالإسلام كما يجب.

ومن أكثر العلامات وضوحا على تأخر المسلمين في غضون المئة سنة الماضية هي علامة الأمّية الجماعية، على الرغم من أن عددهم يصل إلى ملياري نسمة، وهذا يدعو إلى الدهشة حقا، فهل يُعقل أن نسبة عالية من هذا العدد الكبير لا يقرأون ولا يكتبون؟

هذا هو الواقع بالفعل، فمعظمهم يغطسون في الأمية من أرجلهم حتى رؤوسهم، والسبب لا يعود للأفراد أنفسهم، وإنما يقف وراء هذا التجهيل المتعمَّد الحكام غالبا، فهؤلاء الجائرون الظالمون الفاشلون يعرفون بأن عروشهم لا تصمد أمام العقول المتنورة المتعلمة، لذلك حاولوا بكل ما يستطيعون أن يضعوا العراقيل أمام تطور الأفراد في القراءة والكتابة والتعليم. 

لذا يقول الإمام الشيرازي: 

(إن من أبرز مظاهر تأخر المسلمين اليوم، رغم كثرة نفوسهم البالغ ملياري نسمة هو: إن الكثير منهم ـ كما تؤكد الإحصائيات والمعلومات أمّيّون لا يعرفون القراءة والكتابة، وليس ذلك أمراً طبيعياً بل يتعمّده كثير من الحكام، وقد رأيت أنا في العراق نماذج حية على ذلك).

ويضرب لنا الإمام الشيرازي أمثلة على عملية التجهيل المتعمد التي يقول بها الحكام والحكومات الفاشلة، وهي أمثلة تدل دونما أدنى ريب على الأهداف المبيّتة لأولئك الحكام الذين لا يروق لهم رؤية الإنسان المتعلم المبتكِر المتطوِّر، إلا إذا كان يؤيدهم ويقف في خدمتهم، في هذه الحالة يطمئنون له، ويدعمونه كونه يأتمِر بأوامرهم.

أما المعارضون لهم ولحكمهم، فسوف يشنون عليه حرب الإقصاء والتهميش ومن ثم الانتقال إلى المطارة والتعذيب والاعتقال والحبس والنفي خارج البلاد، وهذا ما حدث مع الإمام الشيرازي نفسه عندما قدم على إجازة فتح مدرسة للتعليم، فقامت الحكومة بمسلسل روتيني عجيب غريب، حتى تضمن عدم إنجاز هذا الهدف المهم بالنسبة للناس والخطير بالنسبة للحكام وحكوماتهم، وهكذا استمرت المماطلة لوقت طويل بينما هي لا تستحق أكثر من أيام لا أكثر.

حدث هذا في العهد الملكي الذي يُنظَر له على أنه ينطوي على شيء من الحريات، وعندما بدأ عهد الحكومات الانقلابية في العراق، أصبح المنع معلنا، بل وباشر الحكام بإصدار أوامر بغلق الكثير من المدارس، ألا يدعو هذا التصرف إلى العجب، أن يقف الحاكم بوجه التقدم والتطور لبلاده وشعبه، ولكن هذه هي حقيقة أولئك الحكام الفاشلين.

السبب الرئيس لتأخّر المسلمين

يقول الإمام الشيرازي: (من تلك النماذج إنا كنّا نريد فتح مدرسة إلهية باسم مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام) لتقوم بتثقيف ما يمكنها من الناشئة، فحالت الحكومة العراقية ـ وكانت آنذاك حكومة ملكية وكان فيها شيء من الحرية ـ من فتحها واشتغالها بالتثقيف، وقالت: بأنه لابد من اجازة رسمية لذلك، فلما قدّمنا طلب إجازة، كانت الحكومة تماطلنا في منح الاجازة، ولم توافق على صدورها إلا بعد مدة طويلة).

وهكذا يمكن أن نعزوا السبب الرئيس لتأخر المسلمين ولدانهم إلى الحكام الذين يخشون شعوبهم إذا توجهت إلى التعليم والوعي والتثقيف، وكذلك هناك أسباب أخرى من بينها عدم تحمل المواطن نفسه لمسؤوليته في استثمار عقله وقدراته الذهنية بالطريقة الصحيحة، فإذا كان الحكام يفرضون التجهيل على الناس، ينبغي أن يتعلموا مواجهة هذا الأسلوب الخبيث.

ومع أن الإسلام حث المسلمين على أهمية التعليم وطالبهم بالسعي نحو العلم والتعليم، إلا أن أغلب الحكام في الدول الإسلامية وضعوا الخطط النظرية والتطبيقية الكفيلة بتحجيم العلم والعلماء، ومحاصرة العقل والعقلاء، ومنع العلوم من أن تتدفق على العقول وبالتالي تشكل تهديدا مباشرا لعروشهم التي بنُيَت على جماجم الشهداء.

كما يقول الإمام الشيرازي:

(إنّ أغلب حكّام بلاد الإسلام نراهم قد ألزموا أنفسهم أن يحولوا بين شعوبهم وبين أيّ تقدم في أيّ مجال من مجالات الحياة، والتي أولها العلم، مع أنه ورد في الحديث الشريف: (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة).

ولكي نستعيد مجدنا كأمة ذات تاريخ مشرق، وثقافة إسلامية عظيمة، علينا أن نتخذ من عاشوراء منهجا للإصلاح، ومواصلة العلم والتثقيف ومضاعفة الوعي، وزرع الخوف في قلوب الحكام المستبدين، حتى يكفوا عن العبث بمقدرات المسلمين، ويبتعدوا عن حملات التجهيل المتعمد التي يقومون بها عبر أدواتهم بين حين وآخر لضرب محاولات التحرر والتقدم.

المهم بالنسبة للمسلمين الآن، كيف يستفيدوا من الفكر الحسيني ومن مبادئ الإمام الحسين، ويلتزموا بموازين التفكير والعمل إسلاميا، حتى يغادروا دائرة التأخر التي انغلقت عليهم منذ قرون وقرون، لكي يستعيد المسلمون مكانتهم، ويندحر أعداء التعلّم والتقدم.

حيث يقول الإمام الشيرازي:

(إذن يجب علنيا أن نجعل من عاشوراء منبراً لإحياء موازين الإسلام في العلم والعمل، حيث جاء في الحديث الشريف: (إنَّ ولي محمدٍ من أطاع الله و إنْ بعدت لحمته و إنَّ عدو محمدٍ من عصى الله و إنْ قربت قرابته).

إن ما حدث من حالات نكوص في حياة المسلمين باتت واضحة لهم أولا، وحتى لأعدائهم من الحكام الفاسدين المستبدين، وهذا يبيت لماذا لم يستطع المسلمون مواكبة التقدم العالمي، وعليهم اليوم أن يستثمروا الإيثار الحسيني بالطرائق التي تمنحهم خرائط العمل الصحيحة نحو التقدم إلى أمام، حتى يكون بمقدورهم مواكبة الأمم الأخرى، ومغادرة منطقة التأخر إلى الأبد.

ذات صلة

الكوفة.. عاصمة الدولة الموعودةمجاعة غزة والاعتراف بدولة فلسطينيةفك الاختناق يضيق الخناقواشنطن بين لعبة الخداع واستراتيجية النهايات المفتوحة لأزمات المنطقةاعطونا بديلا مقنعا لهذا النظام كي نصطف معكم