فوز كاتب العبث والعدمية بنوبل في الأدب لعام 2025
شبكة النبأ
2025-10-11 03:48
أعلنت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم اليوم الخميس فوز الكاتب المجري لاسلو كراسناهوركاي بجائزة نوبل في الأدب لعام 2025.
وجاء فوزه بالجائزة نظرا "لأعماله الإبداعية والمفعمة بالرؤية التي تؤكد مجددا قوة الفن، وسط أجواء الرعب من نهاية العالم".
وذكرت الأكاديمية في بيان لها "لاسلو كراسناهوركاي كاتب ملحمي بارز في تراث أوروبا الوسطى... ويتميز بأسلوبه العبثي والغريب للغاية".
وأضافت "لكن لديه جوانب أخرى، إذ يتطلع أيضا إلى الشرق بتبنيه لهجة أكثر تأملا ودقة".
وتثير اختيارات الأكاديمية انتقادات بقدر ما تثير من ترحيب وإعجاب.
تدور أحداث روايات كراسناهوركاي بين القرى والمدن النائية في أوروبا الوسطى، من المجر إلى ألمانيا، قبل أن تمتد إلى الشرق الأقصى، حيث تركت رحلاته إلى الصين واليابان أثرا عميقا في كتاباته.
وقالت الأكاديمية إن الناقدة الأمريكية سوزان سونتاج منحت كراسناهوركاي لقب "سيد نهاية العالم" في الأدب المعاصر، وهو "حكم توصّلت إليه بعد قراءتها روايته الثانية "ميلانكولي أوف ريزستنس" (كآبة المقاومة)".
وُلد كراسناهوركاي، وهو ثاني مجري يفوز بالجائزة بعد إيمري كيرتيست عام 2002، في بلدة جيولا الصغيرة جنوب شرق المجر بالقرب من الحدود الرومانية.
وتدور أحداث روايته الرائدة "ساتان تانجو" الصادرة عام 1985، في منطقة ريفية نائية، وأحدثت ضجة أدبية في المجر.
وقالت الأكاديمية "تُصوّر الرواية، بعبارات قوية ومؤثرة، مجموعة من السكان المحرومين في مزرعة جماعية مهجورة في الريف المجري قبيل سقوط الشيوعية".
ويرتبط كراسناهوركاي بشراكة إبداعية وثيقة مع المخرج المجري بيلا تار الذي حول العديد من أعماله إلى أفلام، بما في ذلك "ساتان تانجو" و"ذا فيركمايستر هارمونيز".
ونال تعاونهما إشادة واسعة من النقاد. ففي عام 1993، حصل على جائزة بيستنليسته الألمانية لأفضل عمل أدبي عن روايته (كآبة المقاومة).
من هو لاسلو كراسناهوركاي؟
ولد الكاتب في 5 كانون الثاني/يناير 1954 في غيولا بجنوب شرق المجر، وتستقطب كتبه قراء خصوصا في ألمانيا حيث عاش على مدى سنوات، وفي المجر حيث يعتبر من أعظم كتاب البلاد على قيد الحياة.
نشأ كراسناهوركاي في كنف عائلة يهودية من الطبقة الوسطى واستلهم من تجربته مع النظام الشيوعي فضلا عن الرحلات الكثيرة التي أجراها بعدما انتقل للإقامة في الخارج للمرة الأولى العام 1987 في برلين الغربية، بفضل منحة.
وبات كراسناهوركاي ثاني مجري ينال جائزة نوبل للآداب بعد إمري كيرتيش الذي فاز بها عام 2002 وتوفي في آذار/مارس 2016.
في العام 2015، فاز كراسناهوركاي بجائزة مان بوكر العالمية البريطانية عن مجمل نتاجه.
وشدد ستيف سيم-ساندبرغ على “النظرة الفنية للازلو كراسناهوركاي المجردة من الأوهام والقادرة على إدراك هشاشة المنظومة الاجتماعية وإيمانه الراسخ بقدرة الفن”.
وعدد الكاتب المجري بين مصادر إلهامه الرئيسية فرانتس كافكا والمغني جيمي هندريكس ومدينة كيوتو اليابانية.
كاتب السوداوية والكآبة والعبث
وشكلت منطقة ريفية خلفية لروايته الأولى “تانغو الشيطان” الذي صدر في العام 1985. وشكلت الرواية “حدثا أدبيا لافتا” في المجر وساهمت في بروز نجم الكاتب على ما اوضحت لجنة نوبل.
وعلق الكاتب بعد إعلان فوزه في تصريح للإذاعة السويدية “أس أر”، “انا سعيد جدا وهادئ ومتوتر كثيرا في آن”.
وكان اسمه متداولا منذ سنوات في توقعات وتكهنات النقاد الأدبيين.
وجاء في بيان اللجنة أن كراسناهوركاي “كاتب ملحمي عظيم يندرج في تقليد أوروبا الوسطى الممتد من كافكا إلى توماس بيرنهارد، ويتمّيز بالعبثية والمغالاة الهزلية”.
وتابع “لكن ثمة أكثر من وجه لنتاجه، وهو يتطلع أيضا إلى الشرق باعتماده نبرة أكثر تأملا وأكثر رهافة في تعابيره”.
وقال ستيف سيم-ساندبرغ أحد أعضاء لجنة الأكاديمية السويدية التي تمنح الجائزة “إلى جانب تركيبة جمله الفضفاضة والمتعرجة، التي أصبحت علامته المميزة ككاتب، يفسح أسلوبه في المجال أمام بعض الخفة وأمام جمالية شاعرية كبيرة”.
وقال الكاتب نفسه عن أسلوبه الصعب والمتطلب بأنه يعكس “التمعن في الواقع إلى حد الجنون”، كما وُصف بـ”الهوسيّ” بسبب ميله إلى كتابة جمل طويلة وفقرات قلما تنتهي.
يُوصف الروائي المجري لازلو كراسناهوركاي بأنه “كاتب ذو أسلوب آسر”، وهو يتميز بكتاباته المتطلبة ونتاجه المطبوع بالكآبة وبأجواء رؤيا نهاية العالم.
وقال مترجم أعماله إلى الإنكليزية الشاعر جورج سيرتش لوكالة فرانس برس عام 2016 “إنه يجذبك حتى يتردد صدى العالم الذي يستحضره وينعكس على داخلك، حتى يُصبح رؤيتك الخاصة للنظام والفوضى”.
وقال الكاتب نفسه عن أسلوبه الصعب والمتطلب بأنه يعكس “التمعن في الواقع إلى حد الجنون”، كما وُصف بـ”الهوسيّ” بسبب ميله إلى كتابة جمل طويلة وفقرات قلما تنتهي.
واكتسب المؤلف شهرة واسعة في بلده المجر بفضل روايته الأولى “تانغو الشيطان” Satantango عام 1985 التي تناول فيها موضوعَي السوداوية العصرية والكآبة، ولا تزال أشهر أعماله.
وتتمحور الرواية على الحياة في قرية متداعية في المجر خلال الحقبة الشيوعية، وتتوزع القصة على 12 فصلا يتكوّن كل منها من فقرة واحدة، وصفها سيرتش بأنها “تدفق حمم بركانية سردي بطيء”.
وقال المؤلف في مقابلة إن الكتاب موجه لمن “يريدون شيئا آخر غير الترفيه… ويفضلون الجمال المؤلم”.
واقتُبِس من “ساتان تانغو” عام 1994 فيلم روائي طويل للمخرج المجري بيلا تار يحمل العنوان نفسه، وتتجاوز مدته سبع ساعات.
كذلك اقتبس تار في فيلمه “فيركميستر هارمونيز” Werckmeister Harmonies عام 2000 رواية كراسناهوركاي “كآبة المقاومة” الصادرة عام 1989، والتي تدور أحداثها أيضا في منطقة موحشة خلال الحقبة الشيوعية.
ويُشبَّه كراسناهوركاي بالكاتبين الايرلندي سامويل بيكيت والروسي فيودور دوستويفسكي، فيما رأت فيه الناقدة الأميركية سوزان سونتاغ “معلّما مجريا معاصرا في مجال أجواء نهاية العالم، يُلهم المقارنات مع (الكاتب الروسي نيكولاي) غوغول و(الكاتب الأميركي) هيرمان ميلفيل”.
واعتبر الناقد في مجلة “نيويوركر” جيمس وود روايته “حرب وحرب” الصادرة عام 1999 بأنها “واحدة من التجارب الأكثر إقلاقا التي عرفتها كقارئ”.
وكتب وود “شعرتُ بأنني اقتربتُ من سكنى شخص آخر بقدر ما يستطيعه الأدب”.
في العام 2015، فاز كراسناهوركاي بجائزة مان بوكر العالمية البريطانية عن مجمل نتاجه.
وأشار كراسناهوركاي الذي كان أول مجري ينال هذه الجائزة، إلى أن من بين مصادر إلهامه الكاتب المجري بين مصادر إلهامه الرئيسية فرانتس كافكا والمغني جيمي هندريكس ومدينة كيوتو اليابانية.
وقال يومها “آمل في أن أجد، بفضل هذه الجائزة، قراءً جددا في العالم الناطق بالإنكليزية”.
وأضاف ردا على سؤال عن صور أجواء نهاية العالم في أعماله “ربما أنا مؤلّف يكتب روايات لقراء يحتاجون إلى جمال الجحيم”.
اعماله الادبية
ترسخت مكانته كأحد أبرز كتّاب الأدب الحديث في أوروبا، مع روايات مثل "كآبة المقاومة" (1989) التي وصفتها الناقدة الأمريكية سوزان سونتاغ بأنها "رواية نهاية العالم"، و"حرب وحرب" (1999) التي تتناول رحلة أمين أرشيف بسيط من بودابست إلى نيويورك في محاولة لنشر ملحمة قديمة.
أما روايته "بارون وينكهايم يعود إلى الديار" (2016)، فتركز على حكاية نبيل عجوز يعود من المنفى إلى بلده مدفوعاً بحب قديم، وتعد من أكثر أعماله طرافة وسخرية.
ويمتد تأثير كراسنهوركاي أيضاً إلى الشرق الأقصى، إذ ألهمته رحلاته إلى الصين واليابان كتابة أعمال مثل "جبل شمالاً، بحيرة جنوباً، طرق غرباً، نهر شرقاً" (2003)، و"سيوبو هناك في الأسفل" (2008)، وهي مجموعة من القصص المستوحاة من الأسطورة اليابانية حول "سيوبو"، حارسة الحديقة التي تثمر كل ثلاثة آلاف عام فاكهة الخلود.
روايته الصادرة عام 2021 بعنوان "هيرشت 07769" وصفت بأنها من أبرز الروايات المعاصرة، لما قدمته من تصوير دقيق للاضطرابات الاجتماعية في ألمانيا قبيل جائحة كورونا. وتدور أحداثها في بلدة صغيرة بولاية تورينغن، تعصف بها الفوضى والعنف والحرائق المتعمدة.
وجاء في وصف دار النشر البريطانية "ذا سيربنتز تايل" لأحداث الرواية: "فلوريان هيرشت، عملاق طيب القلب، يتيم تبنّاه نازي جديد ودرّبه على تنظيف الشعارات الجدارية. أما رئيسه، المولع بموسيقى باخ، فيغضب لأن مجهولين يرشّون رموز الذئب على النصب التذكارية للمؤلف الموسيقي في مدينتهم شرق ألمانيا".
وفي أحدث رواياته الساخرة "زشيمله أودافان"، يعود كراسنهوركاي إلى المجر من خلال شخصية العم جوزي كادا، البالغ من العمر 91 عاماً، الذي يخفي سراً يجعله صاحب حق في العرش، لكنه اختار أن يختفي عن العالم.
في روايته الأولى "تانغو الشيطان" تسود أجواء العدم السوداوية والخواء واللامبالاة المنبثقة من غياب السلطة.
يصمم الكاتب مشاهده وشخصاياته بشكل خارج عن المألوف والمتوقع، ولكن وفقا لهيكلية مقصودة.
تتداخل في الرواية الأحلام مع الواقع، وتتطور الأحداث بمنطق الحلم وأحيانا الكابوس.
أما في روايته "ميلانخوليا المقاومة"، فنجد نفس الأجواء العبثية القريبة من أجواء الأحلام، والشخصيات والأحداث الخارجة عن المألوف.
تدور هذه الرواية حول فرقة سيرك تصل إلى بلدة صغيرة لتعرض شيئا واحدا: حوتا ضخما.
يثير المشهد أجواء سوداوية ومخيفة في القرية، وانتظارا لحدوث شيء مخيف لكنه مجهول.
تتمحور الرواية حول الأجواء عوضا عن الحدث، وكعادة كراسناهوركاي، يدور السرد بجمل طويلة جدا وتتطلب متابعتها تركيزا قويا قد يؤدي لإرهاق القارئ.
لكن الكاتب يقول إن التواصل الكلامي المسموع يستخدم "خطابا مطولا"، لا يفصل الجمل فيه سوى "فواصل"، فكيف لا يتعب السامع من المتابعة؟ لماذا سيتعب من قراءة الجمل الطويلة تحديدا؟
قال المؤلف في إحدى مقابلاته الصحفية إنه يكره علامات الترقيم، ويرى أنها محاولة لخلق نوع من الشكل المنضبط للنص، وبما أنه تمرد على الشكل المألوف في السرد فلا يتوقع منه الالتزام بأساسيات السرد التقليدي وشكل أدواته.
تجده أحيانا يقفز من مشهد غير مكتمل إلى مشهد آخر، وكذلك يقاطع شخصياته بشخصيات أخرى أحيانا في منتصف الجملة.
أجواؤه بشكل عام مكثفة، شاعرية حينا وفي حين تتحول إلى الجفاف والكآبة.
لا تسير الرواية على نسق واحد على أي مستوى، بل تتناوبها الحالات والأجواء المختلفة.
حول المخرج المعروف بيلا تار بعض رواياته إلى أفلام طويلة بالأبيض والأسود والتزم فيها بأجواء الروايات، ولم يخرج عنها في أي مستوى.
على غرابة أجواء روايات كراسناهوركاي وصعوبة لغتها وأسلوب سردها إلا أنها لاقت ترحيبا من القراء في المجر، واحتفى بها النقاد في الغرب.
كآبة المقاومة وتانجو الخراب
تعد رواية "كآبة المقاومة" عملًا غرائبيًا يتناول سلسلة من الأحداث الغامضة التي تقع في مدينة صغيرة في هنغاريا (المجر)، حين يصل إليها سيرك يعرض حوتًا محنطًا يقال إنه الأكبر في العالم.
يثير قدوم السيرك شائعات غريبة تتحدث عن نوايا خفية للعاملين فيه، بينما يتمسك السكان المذعورون بأي مظهر للنظام يمكنهم العثور عليه.
في الرواية تظهر شخصيات محورية، أبرزها السيدة الشريرة "إيزتر" التي تسعى للسيطرة على المدينة، وزوجها الضعيف، وفالوسكا وهى الشخصية النقية صاحبة الروح النبيلة، التي تمثل المركز الهش والمؤلم في النص.
تغوص الرواية محكمة البناء، والمشحونة بالتوتر، بعمق في النفس البشرية.
أما رواية تانجو الخراب، التي أشار إليها بيان لجنة نوبل، فتُعد واحدة من أهم أعمال كراسناهوركاي، وهي تحفة أدبية سوداوبة تدور أحداثها في قرية معزولة خلال بضعة أيام ممطرة.
لا يبقى في القرية سوى عدد قليل من السكان الذين يعيشون بين الخيبات والانكسارات والأوهام، حتى يظهر شخص يوهمهم بأنه المخلص المنتظر.
بأسلوبه المتفرد، يغوص الكاتب في عقول شخصياته، فيكشف للقارئ تفاصيل أفكارهم وأفعالهم، حتى تلك التي تبدو غير منطقية.
جدير بالذكر أن المخرج المجري بيلا تار اقتبس الرواية في فيلم شهير يحمل الاسم نفسه، وقد حقق نجاحًا نقديًا واسعًا، وحصد العديد من الجوائز العالمية.
في "تانغو الخراب"، نحن أمام شخصيات مهمشة وضائعة وبائسة، في إحدى قرى المجر النائية، حيث مجموعة من القرويين البسطاء مقيدون بشرط إنساني ضيق وخانق، فهم محبوسون في قرية منعزلة وبعيدة فقدت موردها الاقتصادي، وظلوا بها غير قادرين على المغادرة منسيين ومهملين، ودارت حياتهم برتابة بين أوكارهم القذرة والمتصدعة، وبين الحانة التي يتجمعون فيها، وتفصلهم عنها وعن بيوتهم شوارع طينية ومطر غزير ومستمر، ويمضون على هذا الحال غارقون في التخيل والشرب في انتظار المخلص، "أرمياس"، والذي يأتي في النهاية.
تتقاطع الحكايا في جوانب كثيرة بين الكتابين، بغض النظر عن عنصر الشكل الدائري الذي يضيق في تانغو الخراب بينما يتسع ويكون فضفاضاً أكثر في كآبة المقاومة، ففي العمل الثاني ننتقل من القرية إلى فضاء المدينة، إذ يصور الكتاب سلسلة حوادث غامضة في مدينة صغيرة في المجر، تبدأ مع وصول سيرك متنقل يعرض حوتًا محنطًا هو الأضخم في العالم، فيثير وصوله شائعات غريبة، وتسري أقاويل تزعم أن للعاملين في السيرك غايات سرية خفية، يترافق هذا مع بعض الظواهر غير المفهومة، فيتشبث السكان المذعورون بأي شكل للنظام يستطيعون العثور عليه.
في العملين نرى الواقع ممسوخًا، الخراب يطغى على كل شيء، والعفن يتسلق حتى النفوس التي تغطيها طبقة سميكة من الصدأ والعجز والقلق، فتعلق برتابة تكرارية تضاعف من الفوضى التي يتعامل معها كل فرد كشيء جانبي لا يخصه على وجه التحديد، وينفي لاسلو تركيزه بشكل خاص على الفترة السياسية في المجر حينها، وهي فترة انهيار الشيوعية في بلاده، وترافق هذا مع حركات تمرد وسيادة الفوضى وانعدام أي شكل للنظام، بقدر ما يذهب إليه من هدف وهو النبش في نفسية الإنسان، بصفته شذوذ الطبيعة وعنصر مخرب لها، ويرد هذا في عدة مواقع في كتابيه، كخطاب السيد إزتر في كآبة المقاومة لنفسه: "إن القدرة البشرية الفريدة على بلوغ مستويات إهمال ولا مبالاة مذهلة للعقول قدرة، من غير شك لا حدود لها أبداً"، هذا التنقيب في النفس البشرية والذي يكشف عن جانب طاغي قاتم ومخرب، بصفته الأساس المكون لهذه النفس.
من هنا جاءت كتابات لاسلو سوداوية خالية من البهجة مفعمة بنكهة تدميرية، ولم يكن هذا على صعيد القدرة على تصوير المكان فقط، والذي نرى من خلاله البيوت متداعية على شفا الانهيار، الجدران يغطيها طبقات متقشرة من الكلس وتسلقت شبكات العنكبوت والأعشاب الضارة كل حيز ومساحة.
تشترك روايات لاسلو بوجود منطقة من التساؤلات العدمية والقلقة لأشخاص منسيين في مكان ما، ثم يصل إليهم وافد جديد يعدهم بالخلاص، ووصول هذا الوافد يترافق بتغيرات جذرية في شكل النظام والحياة، يؤنسن هذا الوافد الخراب ويمنحه شكلاً آخرًا، ففي الوقت الذي لدينا فيه ظهور شخصية أرمياس في تانغو الخراب، لدينا أيضاً في الجانب الآخر من كآبة المقاومة قدوم السيرك والأمير المجهول وانبعاث شخصية السيدة إزتر القاسية والمتسلطة مدعية تخليص المدينة من الخراب الذي يعيث فيها، وتغرق شخوص العملين في عجز جماعي عن الفعل، تنتظر مصيرها وتؤمن أن الفعل لن يغير شيئًا، هي فقط تنظر إلى السماء منتظرة إشارة لقدوم مخلصها.
في الكتابين نحن أمام شخصيات سلبية وسوداوية للغاية، ضبابية ومكتئبة، تشبه إلى حد كبير الجو العام للعمل، تفضل السكر كطريقة للهروب، والتخيل كمحاولة للعيش.
ففي الكتابين نحن في الزمن الحاضر ونرصد المخاض الذي تتضمنه الفترة الراهنة، إلا أن هذا الحاضر مرتبط بشكل كبير بالماضي والمستقبل، وهذا يكون واضحًا في تانغو الخراب بشخصية الطبيب، فهو الذي سيربط الماضي بالمستقبل مروراً بالحاضر، وهذا يرينا تأثر الكاتب بفلسفة كيركيجارد بما يتعلق بحالة المتناهي واللامتناهي، وكذلك بفكرة العود الأبدي لنيتشه، ومن هنا فنحن بالتالي لا نسير مع الكاتب في خط مستقيم، إنما في حلقة مستديرة ومغلقة.
وقد نلتمس تأثير نيتشه على لاسلو بشكل كبير في تانغو الخراب، فبعد سرد الأحداث بالتوازي وبشكل دائري، يعنون الكاتب الفصل الأخير بـ"اكتمال الدائرة"، بالتالي يبدو أن ما يريده هو أن نقرأ العمل بشكل دائري، للفهم الكامل على صعيد الشكل والمضمون، وهذا ما يعيدنا إلى مقولة نيتشه: "إن كل اتجاه لخط مستقيم، هو اتجاه كاذب، فالحقيقة منحرفة لأن الزمان نفسه خط مستدير أوله وأخره".
قد يبدو للقارئ عند اكتمال الدائرة وكأنه قد دخل فخًا بقدميه، فالعمل لا ينتهي بنهاية حلقته المستديرة، إنما يعلق القارئ في هذه الدائرة دون أن يرى نهاية واضحة له أو للشخصيات، فيجد نفسه مرغماً، على التنقيب والبحث والاكتشاف، والذي يأخذ بدوره شكل حلقة دائرية.
أظهر الكاتب نفسه ناطقاً بلسان خراب أبدي، فجعله خراباً مكتوباً بلغة جميلة وغنية، حيث الرعب كامن في كلّ شيء. في الوقت ذاته، مع كل حدث، يشعر القارئ أن هذه هي النهاية، لكن الكاتب يخبرنا، أن لا شيء ينتهي أبداً، ويحكمنا وفق «زمن نهاية العالم». إنّه يقيدنا إلى دوامة من الرغبة الخطيرة للاستمرار ريثما يوصلنا بطريقته الساحرة في السرد إلى قناعة مدمرة، عززها التسلسل المدوّخ لتفاصيل رسمها الكاتب.
جوائز نوبل في مجال الأدب
من بين الفائزين السابقين بجائزة نوبل للأدب الشاعر والكاتب الفرنسي سولي برودوم الذي نال الجائزة لأول مرة، والروائي وكاتب القصص القصيرة الأمريكي وليام فوكنر عام 1949، ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق ونستون تشرشل عام 1953، والكاتب التركي أورهان باموق عام 2006، والكاتب النرويجي يون فوسه عام 2023.
وتبلغ قيمة الجائزة 11 مليون كرونة (1.2 مليون دولار) وتمنحها الأكاديمية على الإنجازات في مجالات الأدب والعلوم والسلام بناء على وصية مخترع الديناميت ورجل الأعمال السويدي ألفريد نوبل منذ عام 1901.
وفازت بالجائزة العام الماضي الكاتبة هان كانج لتصبح أول كورية جنوبية والمرأة الثامنة عشرة التي تحصل على الجائزة.
وتثير اختيارات الأكاديمية انتقادات بقدر ما تثير من ترحيب وإعجاب.
وتعرضت الأكاديمية لانتقادات عندما منحتها للمغني ومؤلف الأغاني الأمريكي بوب ديلان في عام 2016 لما قيل إن أعماله ليست أدبا صحيحا، وللكاتب النمساوي بيتر هاندكه في عام 2019.
وشارك هاندكه عام 2006 في جنازة الرئيس الصربي سلوبودان ميلوسيفيتش، الذي يعتبره كثيرون مسؤولا عن قتل آلاف الألبان في كوسوفو وتشريد ما يقرب من مليون آخرين في الحرب الوحشية التي شنتها القوات الخاضعة لسيطرته في عامي 1998 و1999.
في العام الماضي فازت الكاتب الكورية هان كانغ بالجائزة العريقة لتصبح أول امرأة آسيوية تنال هذا التكريم.
منذ استحداث جائزة نوبل للآداب يهيمن الرجال والأدب الغربي على سجل الفائزين. فثمة 18 امرأة فقط بين 122 فائزا بالجائزة فيما الكتاب باللغات الآسيوية أو الشرق أوسطية الفائزون بها قلة. ولم ينل الجائرة أي كاتب بلغة إفريقية.