مركز الامام الشيرازي ناقش تحديات العمل المنتج في ظل الدولة الريعية

مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث

2024-06-19 06:28

عقد مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث، ضمن النشاطات الفكرية المتواصلة لملتقى النبأ الأسبوعي حلقته النقاشية الشهرية، تحت عنوان (تحديات العمل المنتج في ظل الدولة الريعية)، مقارنة مع مناسبة عيد العمال العالمي، وذلك في مقر مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، وقد حضر الحلقة مجموعة من العاملين في المراكز البحثية، والأكاديميين، وقد قدم الباحث في المركز محمد علاء الصافي، ورقة بحثية جاء فيها:

"تتسم الاقتصاديات الريعية بتأثرها الشديد بالمتغيرات والتقلب الدائم لأدائها بين النمو والركود، الأمر الذي ينعكس على الاستقرار السياسي للدول التي تعتمد اعتمادًا رئيسياً على عوائد الريع المتغيرة، بدلًا من اعتمادها على الاقتصاد الحقيقي القائم على الإنتاج، ومن ثم، تكون أكثر عرضة لعدم الاستقرار؛ بسبب اندلاع الأزمات السياسية والاقتصادية فيها. وكذلك الحال في الدول المنتجة للنفط التي تعتمد بشدة على عائدات النفط، رغم استمرار زيادة الطلب على النفط ومنتجاته وعلى ما يبدو لأمد طويل، كثير من الدول نجحت في تحقيق طفرات، بفضل ارتفاع أسعار النفط، ثم وقعت في مأزق عند انخفاضها.

نموذج الدولة الريعية

الاقتصاد الريعي يعني اعتماد البلد على استخراج ثروة طبيعية من باطن الارض. وتقوم الدولة باستملاك العائدات والتحكم بها، وتلعب دور الموزع للثروة، حيث تصبح الدولة هي المانح او رب العمل الكبير، ويصبح الشعب هو المتلقي للمنحة والاجير لدى الدولة.

وفقًا للأطر النظرية التي تناولت نموذج الدولة الريعية، فإن الدولة تصاب بما يطلق عليه "لعنة الموارد"، خاصة الدول النامية المنتجة للنفط؛ إذ ساهمت إيرادات النفط في تحقيق طفرة من النمو لدى هذه الدول، من دون أن تصاحبها تنمية حقيقية، أو إصلاح سياسي ومؤسسي، فالدولة تعتمد في الحصول على مواردها من إيرادات النفط، من دون وجود إنتاج حقيقي، ومن ثم يكون اقتصادها معتمد كليًا على سعر النفط، وتوظف تلك العائدات لتكسب ولاء نسبة كبيرة من المواطنين الذين يتحولون إلى رعايا منتفعين بما توفره لهم من خدمات، فتتجنب ضغوطات الشعب ومطالبه، من خلال علاقة زبائنية، تمنح الدولة شرعيتها للاستمرار في الحكم مع استمرارية ارتفاع مستوى معيشة المواطنين.

إنخفاض الريع يهدد شرعية النظام واستقراره. وينتج من الريعية غياب المحاسبة والشفافية في ضوء عدم الاعتماد على تحصيل الضرائب من المواطنين، بوصفها موردًا رئيسًا للدولة، أو تنظيمها بقوانين، فضلًا عن الفساد في توزيع العائدات النفطية على الدوائر المقربة من السلطة الحاكمة، ومن ثم يتسبب نموذج الدولة الريعية في تعزيز السلطوية، وعرقلة الديمقراطية في الدول النامية الضعيفة مؤسسيًا.

ويمكن أن نعزو أسباب المشكلات التي يعاني منها العراق سابقا ولاحقا إلى الأمراض التي غرسها النظام المركزي في الدولة والمجتمع، فالتبعية للمركز دائما تجرّد الأطراف من القدرة على الإبداع والتطوّر رغم تنوع مصادر الثروات والامكانيات من منطقة الى أخرى، بل تكبّل العقول بعقل مركزي واحد، وحين تسعى العقول الأدنى إلى التطوير والتميز، يتصدى لها العقل الحاكم (وإن كان أدنى منها فهما ورؤية وابتكارا)، فيقمعها ويحجّم دورها وقدراتها، وتنأى بنفسها عن أية رغبة أو محاولة في الابتكار والتطور الفكري أو المادي.

منذ اكتشاف النفط، والعراق ينزلق بسرعة الى صفة الدولة الريعية، وهو وصف يطلق على الدول الغنية بالموارد الطبيعية مثل النفط والغاز، اي الدولة ذات الاقتصاد الريعي الذي يعني اعتماد الدولة على مصدر واحد للدخل، وهذا المصدر غالبا ما يكون مصدرا طبيعيا ليس بحاجة إلى آليات إنتاج معقدة سواء كانت فكرية أو مادية كمياه الأمطار والنفط والغاز. الدولة الريعية هي الدولة التي تستمد كل أو جزءاً كبيراً من إيراداتها الوطنية من بيع أو تأجير مواردها الأصلية للعملاء الخارجيين. والعراق دولة ريعية بامتياز حيث يقوم العمود الفقري لاقتصاده على النفط.

العراق بلد نفطي، هذا صحيح. ولكن الصحيح ايضا ان العراق بلد ذو ارض ومياه وايدي عاملة شبابية كبيرة. وتخلفه الاقتصادي المتمثل بالاقتصاد الريعي الاحادي، والبطالة والاستيراد المتفوق على الانتاج، وتضخم الجهاز الوظيفي التابع للدولة، والفقر، وغير ذلك، هو في جوهره عبارة عن خلل حاد في نظام الدولة ككل. وأي اجراء اقتصادي لا يعالج هذا الخلل انما هو اجراء سطحي.

الاصلاح الاقتصادي لابد ان يتضمن اعادة ادخال الانسان في العلاقة الانتاجية مع الطبيعة، اي تفعيل الزراعة والصناعة، والابتكارات وقطاع التكنلوجيا والخدمات المتعلقة بها. ضمن هذه الرؤية لا يكون حل لبطالة الخريجين المتنامي في كل عام، بتعيينهم في دوائر الدولة، وانما بتوفير فرص عمل لهم في الزراعة والصناعة والتجارة وقطاع الخدمات المتنامي بقوة. كما ان اطلاق حملة لدعم ومساعدة المشاريع الصغيرة والمتوسطة، عبر صناديق القروض الميّسرة والحسنة وإعادة تنشيط المعاهد الإدارية والمهنية ومراكز الاعداد والتدريب المهني وتحديثها بمتطلبات سوق العمل المستحدثة، ومساعدة الشباب العاطل على الانخراط فيها يمثل حلا اخر. هذا فضلا عن استثمار الاموال المكتنزة في البيوت. وظيفة الدولة ليس تعيين الشباب العاطل في دوائرها، أو توزيع رواتب الاعانة للجميع دون استثناء ونشر ثقافة الكسل والنوم لأهم فئات المجتمع، وانما بتشريع القوانين وتهيئة البيئة المناسبة التي تشجعهم على العمل المنتج، وتحمي انتاجهم، وتيسر لهم العمل. وحين لا تنتبه الدولة والمجتمع كلاهما الى الحل الاقتصادي الانتاجي لمشاكل البطالة والفقر والاقتصاد الريعي والاحادي والاستهلاكي، فهذا يعني اننا ندور في حلقة مفرغة، ونعيد انتاج التخلف الاقتصادي، ونرسخ ظواهره السلبية كالبطالة المقنعة والفقر والاعتماد الكلي على النفط والاستيراد.

ان دولة فاسدة وفاشلة لايمكن ان تكون اداة للإصلاح، وخاصة الاصلاح الاقتصادي، لكن شعبا واعيا فعالا يمكن ان يكون هو المصلح ورائد الاصلاح. بعد تأكّد فشل الدولة وفسادها لا يمكن الرهان عليها للإصلاح، ولا يمكن الرهان الا على المواطن الفعال والمجتمع الفعال لتحقيق الاصلاح المطلوب، وخاصة الاصلاح الاقتصادي. فاذا قيل ان الشعب غير قادر على ذلك، معناها وصلنا الى مرحلة الفشل الاخيرة!

الحركة الشعبية الاحتجاجية طوال سنوات، لم تجعل التحرر من الاقتصاد الريعي هدفا لها قط، بل طالبت بأهداف تزيد الطين بلّه مثل المطالبة بالمزيد من الوظائف الحكومية بدل مطالبة الدولة بالمساعدة على تهيئة فرص عمل في الاقتصاد الانتاجي، في الزراعة والصناعة خاصة، ودعم القطاع الخاص والعاملين معه، وهذا يعني ان المتظاهرين هم ابناء الدولة الريعية، اعضاء المجتمع الاستهلاكي الذين تربوا في احضان الاقتصاد الريعي ولم يتمكنوا من الخروج من هذه الدائرة الضيقة الى الدائرة الاوسع للدولة الحضارية الحديثة، ذات الاقتصاد الانتاجي. لا يكون الحراك اصلاحيا ما لم يجعل من اهدافه تحرير الدولة والمجتمع من الاقتصاد الريعي، الاحادي، الاستهلاكي، وربما تأثرت الحركة الاحتجاجية بأفكار الأحزاب اليسارية وشعارات الاشتراكية المتوارثة رغم فشل التجربة الاشتراكية التي استمرت لعقود في العراق والعالم عموما.

مما ينبغي العمل على تحقيقه في اطار الاصلاح، تحرير الدولة من الاقتصاد الريعي والانتقال الى الاقتصاد الانتاجي، ومن المجتمع الاستهلاكي الى المجتمع المنتج، ومن التوظيف في الدوائر الحكومية دون الحاجة الى العمل الاقتصادي المنتج في القطاع الخاص.

الديمقراطية نظام سياسي يعتمد بالدرجة الاولى على المشاركة السياسية الشعبية الواسعة والقوية والمستقلة. وقوة الشعب لا تقاس بقدرته على التظاهر والاعتصامات والاضرابات، وانما تقاس بدرجة استقلاليته الاقتصادية عن الدولة. فكلما ارتفعت هذه الدرجة ازداد الشعب قوة، وكلما تدنت استقلالية المجتمع الاقتصادية كلما ضعفت قوته السياسية امام الدولة، او الطبقة السياسية الحاكمة، او الحكومة.

المجتمع المنتج اقتصاديا قوي سياسيا، والمجتمع المستهلك اقتصاديا ضعيف سياسيا، قوة المجتمع الاقتصادية تنبع من طبيعة الاقتصاد. فالاقتصاد الريعي ينتج مجتمعا استهلاكيا ضعيفا امام الدولة-الحكومة، والاقتصاد الانتاجي ينتج مجتمعا قويا امام الدولة والسلطة.

وتتغير معادلة المصالح في الدولة والمجتمع. فيكون من مصلحة النخبة السياسية الحاكمة الاستمرار في الامساك بأزّمة الدولة والحكم والاقتصاد، ومن مصلحة المواطنين التوظيف في دوائر الدولة باعتبار ذلك الطريق الوحيد للحصول على حصة من عائدات النفط.

ومثل هكذا نخبة حاكمة لا يمكن ان تكون "رافعة اجتماعية للديمقراطية" لان "ما يحرك هذه النخبة ويشكل سلوكها السياسي هو الرغبة الجامحة للامساك والسيطرة والاستحواذ على الريع". وهكذا تلد الدولة الريعية الاستبداد والتسلط بسبب بنيتها والقوى التي تستند اليها.

ولا تكون الديمقراطية هدفا للنخبة الحاكمة ولا هدفا للشعب المحكوم، لأن النظام السياسي القائم على الاقتصاد الريعي لا يحتاج الى عملية سياسية ديمقراطية شعبية وانما يكفيه منظومة تحالفات تقليدية تمكن القوى الفاعلة فيه من الاستمرار بالإمساك بالسلطة ومنافعها، وتوظيف اكبر عدد ممكن من المواطنين في دوائر الحكم.

الدولة الريعية لا تحصل على مواردها من الضرائب المفروضة على المواطنين وبالتالي فهي لا تخضع لمحاسبة المواطنين، وتضعف معها الأجهزة الرقابية فتصبح مستقلة سياسيا استنادا الى استقلالها الاقتصادي والدولة المستقلة عن مواطنيها تعيق التحول الديمقراطي وتمنع تطور المجتمع المدني هذا يقطع الطريق امام بناء وتطور مؤسسات ديمقراطية حقيقية تستند الى المواطنة.

وهذا ما حصل في العراق تدريجيا منذ قيام النظام الجمهوري في ١٤ تموز عام ١٩٥٨ الى الان حيث واصل القطاع النفطي هيمنته على الاقتصاد وتراجع حجم مساهمة القطاعين الزراعي والصناعي الى ٩.٢٪ و٢.٣٪ على التوالي. فيما شكلت الايرادات النفطية 95 ٪ من الايرادات العامة في عام 2023 وانخفاضها في اخر تقرير للمالية لشهر شباط من العام الحالي الى 93% وهذا الانخفاض جاء نتيجة تقليل حصة العراق التصديرية ضمن منظمة أوبك لا لتطور القطاعات الأخرى.

يرتبط الاصلاح السياسي عضويا بالإصلاح الاقتصادي. والاصلاح الاقتصادي يعني الخروج من دائرة الدولة ذات الاقتصاد الريعي والمجتمع الاستهلاكي الى الدولة ذات الاقتصاد الانتاجي والمجتمع المنتج. ويقع عاتق الاصلاح السياسي- الاقتصادي على عاتق الحاكمين والمحكومين معا مع الاقرار باختلاف طبيعة دور كل طرف منهما.

لكن المهم ان يكون هذا هدفا مشتركا لكليهما حيث لا يمكن التحرر من تبعات الاقتصاد الريعي الا بهذه الشراكة والتعاون في الجهد المبذول لتحقيقه. وهذه كلها خطوات في طريق اعادة النصاب الصحيح للمركب الحضاري ومنظومة القيم الحافة به، وتمهيد لقيام الدولة حضارية حقيقية في العراق.

نفتح باب النقاش من خلال طرح السؤالين الآتيين:

السؤال الأول: كيف تؤثر الدولة الريعية على قيم العمل وثقافة الإنتاج في المجتمع؟

السؤال الثاني: ما هي السياسات اللازمة لتشجيع حب العمل ونبذ الكسل بين افراد المجتمع؟

المداخلات

عسكرة القوى العاملة 

- الأستاذ احمد جويد، مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات:

العراق كان من الشعوب العاملة والمنتجة والتي تعتمد بشكل أساس على قطاع الزراعة، وهو شعب غير كسول، وكان انتاجه الزراعي يصدر للخارج، بعد اكتشاف النفط تغير الحال رغم التطور في القطاع النفطي الإنتاجي وزيادة الموارد لكن في الوقت نفسه تحول الأنظمة الحاكمة في سياساتها نحو الحروب والصراعات، أدى الى تحول القوى العاملة الى قوة عسكرية وضاعت الثروة البشرية والموارد في تلك الصراعات وتم إضعاف جميع القطاعات الإنتاجية في البلد وتحول الشعب شيئاً فشيئاً نحو ثقافة الكسل والاعتماد على العمالة الأجنبية التي بدأت منذ الثمانينات وفي كل القطاعات.

عدم اتاحة الفرص للقطاع الخاص ساهم بشكل كبير على التقليل من قيمة العمل وثقافة الإنتاج في المجتمع، كذلك الفساد وسوء الإدارة في الدولة أدى الى ضياع الثروة الأهم الا وهي الثروة البشرية، وأصبح الشغل الشاغل للشباب بعد ضعف القطاع الخاص هو البحث عن فرصة عمل في القطاع الحكومي ولو بأقل الأجور لضمان عمل مستدام بأقل الجهود.

سياسات التحول نحو مجتمع عامل

- الأستاذ باسم الزيدي، مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث:

الدولة الريعية التي يعاني منها العراق أسبابها تعود لثقافة عدم حب العمل أو نبذ العمل، المهنة منبوذة وهي اشتقت من المهانة والذل كما كان يعاب على الرجل قديما عند العرب، حتى جاء الإسلام والذي نجد فيه الكثير من الاحاديث عن أهمية العمل ونبذ الكسل وربطت العمل بالعبادات وان البركة والرزق يأتي منه بالإضافة للنصوص القرآنية التي تشجع على ذلك وهي كثيرة جدا.

نحتاج الى سياسات جديدة للتحول نحو مجتمع عامل ومنتج، لا محاولات خجولة لا ترتقي لمستوى التحديات ومتطلبات سوق العمل ومنها:

التحول الرقمي مسألة مهمة جدا وهناك محاولات ضعيفة جدا حاليا في هذا الجانب، تمكين الابتكار وتشجيع المبتكرين ورواد الاعمال وزيادة القدرة على التكيف مع متطلبات سوق العمل، وهذا سيضمن لنا تقليل التكاليف وزيادة الإنتاج، وتحسين إدارة الاعمال ومخاطر وتحديات سوق العمل لأن البيانات ستكون متوفرة وخاضعة للتحليل صعوداً أو نزولاً.

قد تكفل لكم بالرزق وأمرتم بالعمل

- الشيخ مرتضى معاش:

حركة الانسان مستمرة والانسان أما ان يعمل أو يكسل، على الانسان ان يتحرك دائماً للامام، بالعمل الصالح الجيد ليربح عامل الوقت ويختصر الجهد للوصول الى حياة مستقرة وفاعلة وعدم التكاسل والتهاون لأنه يخسر الزمن والفرص ويبقى في اسوأ حال.

قال تعالى: (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه)، والدين الإسلامي يشجع على العمل والسعي دائماً، فبادروا في العمل قبل أن ينتهي الأجل.

العمل هو المحرك الأساس للمجتمعات اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وهو من يساهم بالدرجة الأولى بتقدمها ونموها وهذا ما نلحظه بكثير من المجتمعات خاصة في الشرق الأقصى وأصبحت تختلف كثيرا عن مجتمعاتنا في الشرق الأوسط، فهم شعوب تعتمد على الإنتاج بينما شعوبنا تعتمد على الاستهلاك والريع واستنزاف الثروات.

الورقة البحثية ركزت على الدولة الريعية ويحتاج أن تركز أكثر على مفهوم العمل، العمل هو محرك لمجتمعات وهو قيمة أساسية لنهضة الأمة.

البيئة التربوية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية كلها مؤثرة في نظرتنا للعمل، فمثلا يتربى الذكور في مجتمعاتنا على الدلال والخدمة من قبل النساء (الام، الأخت، البنت، الزوجة)، ولو ندقق في الاحصائيات نجد ان النساء اصبحوا اكثر إنتاجية في العمل بسبب ذلك، على الدولة إيلاء هذا الموضوع الهام الأولوية القصوى، وعليها رسم السياسات العامة لذلك.

الاقتصاد الاشتراكي يحفز الناس على الكسل، والاقتصاد الرأسمالي يحفز على العمل والابداع، وهنا يجدر الإشارة الا انه كيف نستطيع التوفيق بين مبادئ حقوق الانسان والاقتصاد الرأسمالي، لأنه كما هو معروف الرأسمالية هدفها الربح على حساب حقوق الانسان.

العالم اليوم في الغالب يتحول نحو نموذج الدولة الريعية بشكل غريب، وهذا ما أكدت عليه تقارير صندوق النقد الدولي، حيث ان معظم الدول في العالم شهدت نموا اقتصاديا مرتبط بالسياسيات الريعية وحتى في دول ديمقراطية غربية، وذلك لأن الحكومات تنفق بقوة خلال سنة الانتخابات لتحاول كسب أكبر عدد من الناخبين وهذا العام 2024 تحدث الانتخابات في 60% من دول العالم لذلك تحقق النمو مؤقتا بفضل هذه الانتخابات.

النظرية الإسلامية هي الوسطية والاعتدال، حيث أن قيمة الانسان هي بما يعمله ويحسنه، وتبقى الدولة مسؤولة عن حماية ومساعدة الفئات الضعيفة غير القادرة على العمل وفي نفس الوقت فتح باب التنافس والعمل للجميع.

الدين الإسلامي الحنيف يحرض على العمل، والسعي في الرزق وأن في السعي والع البركة.. "فبادروا في العمل قبل أن ينتهي الأجل" كما يقول الامام علي (ع)، وكذلك من وصاياه: "واعلموا أن ما نقص من الدنيا وزاد في الآخرة خير مما نقص من الآخرة وزاد في الدنيا. فكم من منقوص رابح ومزيد خاسر. إن الذي أمرتم به أوسع من الذي نهيتم عنه. وما أحل لكم أكثر مما حرم عليكم. فذروا ما قل لما كثر، وما ضاق لما اتسع. قد تكفل لكم بالرزق وأمرتم بالعمل".

مجتمع مؤمن بالعمل

- الدكتور خالد العرداوي، مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية:

العمل هو قضية بديهية، العقل يستقبح الكسل ويستحسن العمل، من واقعنا الاجتماعي لو خطب رجل امرأة فأول ما يسألون عنه في الرجل ما هو عمله؟، لذلك هو معيار أساسي مرتبط بشخصية الانسان.

القرآن الكريم فيه من النصوص الكثير حول العمل وأهميته، (يَا أَيُّهَاالْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ) أي: إنك ساع إلى الله، وعامل بأوامره ونواهيه، ومتقرب إليه إما بالخير وإما بالشر، القضية تكمن في بناء النموذج المحفز للعمل، فنحن نركز ونناقش دائماً النظرية الاشتراكية أو النظرية الرأسمالية في الاقتصاد ونقارن بينهم ونعرض إيجابيات وسلبيات وتجارب وتحديثات لها ومن ثم نذكر أن النظرية الإسلامية هي الأكثر تكاملية وتحقق الوسطية والاعتدال ولكن لم يستطع المجتمع الإسلامي بناء النموذج والقدوة الناجحة وتسويقها للعالم حتى يسير العالم على تطبيق النظرية الإسلامية، العالم اليوم يريد ان يلمس النتائج ويطبقها ولا يحتكم فقط للشعارات أو يسمع كلامنا لمجرد اننا نتحدث، وللأسف الشديد هذا هو السبب الأساس لعدم تقدمنا.

بدون ان نغير هذه المعادلة ونظرتنا للعمل والنظام الاقتصادي على جميع المستويات، اجتماعيا وسياسيا وفكريا وثقافيا فلا يمكن أن نؤسس لدولة ومجتمع مؤمن بالعمل ولديه فلسفة ونظرية اقتصادية وتجربة حقيقية تتطور باستمرار لا مجرد شعارات لا تغني أو تسمن من جوع.

- الصحفي إبراهيم حميد خضير، ماجستير اعلام:

تنويع مصادر الإنتاج في الدولة بالاعتماد على الزراعة باعتبار ان العراق توجد فيه ثروة المياه ووفرة الأراضي الصالحة للزراعة، والتحول نحو دعم القطاع الصناعي سيكون كفيلا بالتحول شيئا فشيئا نحو الاقتصاد المتنوع لا الاقتصاد المعتمد بالكامل على الريع بنسبة عالية جدا من الاعتماد على الثروة النفطية، كذلك الاهتمام بالصناعات التكنلوجية والالكترونية لحاجة العالم اجمع لها وليس فقط العراق سيكون من اهم أبواب التحول نحو قطاعات إنتاجية جديدة.

- الصحفي أوس ستار الغانمي:

العمل من اهم عوامل تقدم المجتمعات والكسل اليوم اصبح ظاهرة تميز مجتمعاتنا ومن الواجب تغيير هذه العادة نحو العمل والإنتاجية الحقيقية وعلى الدولة والمؤسسات المختصة بث روح العمل والإنتاج وتفعيل المصانع والقطاعات الإنتاجية كافة حتى يكون مجتمعنا فاعلا ومؤثرا.

ترسخ الثقافة الريعية

- الباحث حامد الجبوري، مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية:

هناك الكثير من الدول التي تمتلك ثروات طبيعية وبإمكانها ان تعتمد اسلوب الدولة الريعية لكنها لم تتخذ هذا المسار بإدارة النظام الاقتصادي بل اتخذت جوانب أخرى ومثال على ذلك دولة النرويج التي اكتشف فيها النفط في سبعينيات القرن الماضي لكن لم تتحول لدولة مشابهة للعراق لأسباب عدة، أهمها انها كانت حينها دولة مؤسسات وشعبها يمتلك ثقافة سياسية والشعب في هذه الحالة يستطيع ممارسة الديمقراطية واختيار من يمثلونه ويشرعون القوانين الضامنة والمحافظة على الثروات، وهذا ما لم يحدث في العراق ببساطة لأنه عانى من سنوات طويلة من الحكم الاستبدادي على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية وهذا ما انعكس على ثقافة البلد حتى الان.

سيطرة الحكومة على جميع مقدرات الدولة وهي التي تكون الجهة المنفذة والمنتجة والموزعة في نفس الوقت والشعب بأكمله تابع لها ويستلم الريع منها، جعل من ثقافة الشعب هي الريع وترسخ ذلك بشكل كبير وهذا ما نلحظه كل يوم، وتضررت الدولة والشعب بالمجمل من هذه السياسات الاقتصادية الخاطئة.

نحن نحتاج الى إعادة النظر بالجانب الاقتصادي في العراق من خلال قطاع التربية والتعليم، لأنه هو القطاع الأساسي الذي يخلق المهارات ويدربهم ويزج الايدي العاملة في سوق العمل ويحقق اقتصاد السوق الذي يوفر الفرص والذي يسعى جميع الاقتصاديين اليه ويجعل ملف إدارة الموارد والأموال لصالح المجتمع، النفط والثروات هي للشعب وليس للحكومة.

- الاديب علي حسين عبيد، شبكة النبأ المعلوماتية:

الدولة الريعية من أهم مساوئها هو تدمير القيادات الكفوءة بسبب فقدان روح التنافس والشغف وقتل الروح الإبداعية للموظفين باعتبار ان الجميع موظفين لدى الدولة وفي كل الأحوال رواتبهم وامتيازاتهم متحققة سواء قدموا انتاج ام لم يقدموا وهذا أدى الى ضعف الكوادر واختفاء المؤثرين وحتى الراغبين في تغيير هذا الواقع في معظم مؤسسات الدولة.

تمدد الدولة الريعية

- الباحث حيدر الأجودي، مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية:

نحتاج الى تعدد الأقطاب الاقتصادية في العراق وتنويع مصادر الإنتاج، في ظني ان الشعب العراقي كان يحب العمل ويميل لثقافة الإنتاج لكن سياسيات الحكومات المتعاقبة قبل 2003 وما بعدها كانت سيئة وتدميرية وأسست لثقافة الاتكالية بشكل كبير، العراق له خبرات كبيرة في مجال الزراعة وإنتاج المحاصيل الاستراتيجية لكن ما نشهده من تفاوت بالتعامل مع الجهات السياسية والدينية التي تستثمر في هذا المجال وتوفير الطاقة الكهربائية والتسهيلات لهم دوناً عن الآخرين هذا يساهم بشكل كبير ان يبتعد الناس عن العمل بسبب فقدان الثقة والتسهيلات وقد تكون هذه سياسات متعمدة وليست أخطاء، والاتكال على الوظيفة الحكومية فقط لعامة الناس حتما سيساهم بتمدد الدولة الريعية وتبعاتها.

- الطالب علي احمد جويد:

التقدير والتحفيز للعمال يؤدي بكل تأكيد الى ترسيخ ثقافة حب العامل لدى الناس، كذلك نحتاج ان ننوع مصادر الإنتاج في العراق وخاصة الزراعة، المجتمع العراقي له تجارب مميزة في قطاع الزراعة وبالامكان ان يكون هو الساند وربما الأساس ضمن موارد الدولة.

- الكاتب حسين علي حسين:

عند معرفة الفرد أن الأموال تأتيه بصورة دورية دون جهد سوف يؤدي ذلك إلى كسل انتاجي وعزوف عن إنتاج الأفكار والابتكارات لذلك فإن الدولة الريعية تؤثر على الإنتاج الإبداعي الذي إن وجد سوف تأتي كل انواع النتاجات بعده.

 تؤثر اساليب الدولة الريعية على نفسية الفرد والمجتمع حيث تجعله أكثر خمولا واتكالية وبالتالي لا تعطي الدولة الريعية جواب على سؤال مهم تبادر في ذهني وهو، ماذا ستعمل الدولة بعد نفاد النفط؟

من الوسائل التي من الممكن أن تشجع حب العمل هي الأسرة والتربية وإدارة الذات كلها أمور أن اجتمعت في فرد واعي سيؤدي ذلك إلى حب العمل والتفاني به.

من المؤكد أن تزايد وعي الفرد ومعرفة حقوقه وواجباته وكذلك الموارد المالية التي تأتيه من مكافئات وعلاوات ووسائل تشجيعية تؤدي كلها إلى زيادة حب العمل ونبذ الكسل.

يمكن اقتراح التحول من الدولة الريعية إلى الدولة الرأسمالية وتشجيع القطاع الخاص ذلك ما يدفع الفرد لحب عمله والإبداع به وبالتالي التقدم في الدولة إلى أعلى المراتب في جميع الجوانب.

من الريع الاستهلاكي الى الاستثمار الانتاجي

- الأستاذ عباس الصباغ:

لم تعدْ مفرحة تلك الانباء التي تتحدث عن وتائر تصدير النفط وعن اسعاره في السوق العالمية صعودا لتمويل موازنات الدول التي تعتمد الريع في اقتصادها كالعراق، ويبقى القلق مزمنا لمن يراقب الخط البياني لمناسيب تلك الاسعار في حالة هبوطها المستمر وعدم استقرارها، فقد تلازم الريع فلسفةً واجراء بالاقتصاد العراقي منذ اكتشاف النفط فيه وتصديره لأغراض تجارية مطلعَ خمسينيات القرن الماضي لرفد موازناته المالية منذ ذلك التاريخ وحتى الان فارتبط الاقتصاد العراقي الموجّه توجيها مركزيا والبعيد عن اقتصاد السوق بسعر البرميل الذي كان ولايزال محتكما الى عوامل عدة منها خضوعه الى مناسيب العرض والطلب والظروف المناخية والتقلبات السياسية الحادة بين الدول، ونتيجة لتلك المعطيات والتي تفيد بان حوالي 98 % من الموازنات المالية يتم تسديد فواتيرها من تصدير النفط فيكون الاقتصاد العراقي بمجمله تحت رحمة سعر برميل النفط وهو ما عانى منه هذا الاقتصاد ومنذ عام 2014 وبالتزامن مع هجمة داعش وإن كانت تحدث “طفرات” مفاجئة في اسعاره صعودا الا انها سرعان ماتتهاوى نزولا لذات الاسباب المتعلقة بمناسيب العرض والطلب والازمات السياسية الدولية والتقلبات المناخية، فلا شيء ثابتا في اسعار النفط مايعنى انه لا اقتصاد ثابتا مادام يعتمد اعتمادا شبه كلي على تصدير النفط فيكون هذا الاقتصاد عرضة للهزات والتقلبات وبشكل مستمر الى ازمات واختناقات مالية تجعل مهندسي الموازنات العامة ومبرمجي ميزانياتها في موقف حرج اذ يُعدّ تذبذب أسعار النفط أحد تحديات التنويع الاقتصادي في العراق لأنه مالياً واقتصادياً يعتمد على الريع النفطي بشكل كبير جداً، فأي تذبذب في أسعار النفط، لأي سبب كان سينعكس بشكل مباشر على الريع النفطي الذي يمثّل الركيزة المالية العامة إيراداً وانفاقاً، فالموارد المالية شحيحة وغير مستقرة وسط متطلبات كبيرة ومتزايدة، ناهيك عن اشتراطات صندوق النقد الدولي في حال اقراضه بعضَ الدول التي تضطر الى الاقتراض منه كما فعل العراق تخطّيا لازمته المالية التي كانت اكثر من خانقة خاصة إبان الحرب الضروس ضد داعش التي استمرت لما يقرب من ثلاث سنين وهي حرب استنفدت اموالا طائلة ستلحقها اموال باهظة تتطلبها إعادة إعمار المناطق التي استولى عليها داعش فضلا عن إعادة توطين النازحين الذين نزحوا من تلك المناطق لذات الاسباب.

ونستشفّ ممّا تقدّم ان خطورة متلازمة الاقتصاد الريعي تكمن في ارتهان الاجيال الحالية ضمن اقتصاد مهزوز ومعرّض الى مفاجآت تكون في اغلب الاحيان غير سارة وتكون الاجيال اللاحقة عرضة الى نضوب تلك الموارد فلكل مورد عمر افتراضي ومحدد فيتحتّم تشكيل صندوق سيادي نفطي في العراق ليحفظ حقوق الاجيال القادمة وهو ما غفلت عنه الطبقة السياسية منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة، فلا يجوز الاعتماد كليا على الاقتصاد الريعي حاليا او مستقبلا كونه اقتصادا متذبذبا فلا تتمكن الحكومات من تحديد أسعاره وتثبيتها لان أسعاره تتحدد في الاسواق الدولية ولتفادي خطورة متلازمة الاقتصاد الريعي الكامنة في عدم الاستقرار الحالي والنضوب المستقبلي؛ لذا يجب تحويل الاقتصاد الريعي العراقي الاستهلاكي إلى اقتصاد انتاجي استثماري، وذلك من خلال توفير المناخ المشجّع للمستثمرين على الاستثمار في القطاعات الانتاجية. وتفعيل القطاع الخاص (اقتصاد السوق) وعدم اقصاء الدولة بالكامل أي لابد أن تأخذ دور الاشراف والموجّه للقطاع الخاص وهنالك حاجة الى تنشيط القطاعات الاقتصادية الاخرى والتي تكسر احتكار النفط وهي بحاجة ماسة الى بنى تحتية واسعة النطاق ورصد أموال طائلة وتشريع قوانين تعمل على تهيئة جو ملائم لتنشيطها وتوفير الكوادر البشرية والدعم المالي واللوجستي لأي قطاع اقتصادي حيوي وفي أجواء مريحة من الطمأنينة والثقة المتبادلة فضلا عن تهيئة أرضية مناسبة للعمل الاقتصادي كالتقليل من حلقات البيروقراطية المثبّطة للعمل،فقد استطاعت دول عديدة التعايش مع الريع النفطي وفي الوقت ذاته الحفاظ على التجارة الحرة والتخطيط الاقتصادي والاستثمار.

فالعراق لاتنقصه الامكانات الاقتصادية او الزراعية او السياحية او الصناعية او الخبرات البشرية ليكون ذلك مصدراً اساسياً من مصادر تنويع مصادر الريع مع تنشيط القطاع النفطي ذاته الذي بقي قطاعا متهالكا ومتداعيا وفي بعض الأحيان لايكفي هذا القطاع لسد حاجة السوق المحلية فهو قطاع ستحتاج اليه الاجيال اللاحقة.

(وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {التوبة/105}) لايوجد تنبيه اعلى من هذا الأمر الالهي الذي حث على وجوب وحتمية العمل، لاسيما ان كان صالحا فصلاحية هذا ان يكون خالصا لله تعالى وللصالح العام ولمنفعة الناس جميعا، فهذا العمل سيعرض للتقييم (والتقويم) على مصادر الشارع المقدس وكل ماينفع الناس هو مشمول بالعرض على ساحة القدس سبحانه وتعالى وعلى رسوله الكريم "صلى الله عليه وآله" فهو الشاهد والشهيد على ماجرى ويجري الى يوم القيامة والى بقية المعصومين (عليهم السلام) وهم الشهداء مع جدهم المصطفى (اعمالكم تعرض علّي)، وهم الشهود ايضا، فلايخرج العمل وتقييمه وتقويمه ايضا عن هذا الثالوث المقدس انطلاقا من الحديث النبوي الشريف في حديث المعرفة: «يَا عَلِيُّ مَا عَرَفَ اَللَّهَ إِلاَّ أَنَا وَ أَنْتَ، وَ مَا عَرَفَنِي إِلاَّ اَللَّهُ وَ أَنْتَ، وَ مَا عَرَفَكَ إِلاَّ اَللَّهُ وَ أَنَا»، فتنحصر هذه المعرفة الشريفة باركان هذا الثالوث المقدس، وينحصر العرض الشريف للأعمال وينحصر تقييم وتقويم الاعمال صالحها وطالحها بهذا الثالوث المقدس ثالوث المعرفة الالهية وفقا لمبدأ (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ {الزلزلة/7} وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ {الزلزلة/8}) وهذا التوجيه هو اكبر دافع لنبذ الكسل والتكاسل والحث على العمل الصالح بشروطه وشرائطه التي لاتحيد عن التقييم والتقويم ايضا ضمن نظرية المعرفة التي لامناص عنها في الدنيا والاخرة، لمنع تكرار حدوث متلازماته الفقر والجهل والتعاسة والمرض عن الفرد والمجتمع وصولا الى الدولة ككيان حاضن للجميع لانتاج مواطن صالح ينتج مجتمعا صالحا ودولة يعم فيها الامن والرخاء وفي دولة كريمة.

إحداث ثورة تعليمية

الاستاذ صادق الطائي:

أكثر البلدان فيها ثروات والبعض ثروات طائلة تصنع منها دول ذات قدرة وامكانيات حياتية مؤثرة، في نفس الوقت توجد بعض الدول ذات ثروات متعددة ولكنها تعد من الدول الفقيرة، هناك مثل تضربُه الكتب والمحاضرات حول كيف يكون التعامل الحضاري مع الامكانيات بشكل منتج وليس بشكل (ريعي) السودان تملك اكثر من مليون راس بقر وفي نفس الوقت سويسرا تملك نصف مليون رأس بقر، ولكنها تربح أكثر من السودان، لأنها أدخلت التكنلوجيا والانتاج التجاري في الحليب الجاف وانواع الاجبان والاغذية والمعلبات الغذائية.

هذا يعني ان الثقافة الريعية ودنو الثقافة الاقتصادية والانحطاط وامية الفكر العلمي والانتاجي تفرز لنا هكذا تخلف. بالمناسبة قتل وتصفية (٤٥٠) عالما ومفكراً عراقياً ورجل علم في ٢٠٠٣ عندما احتلت الولايات المتحدة الامريكية العراق، ألا يعني هذا محاربة مباشرة وتحولها الى عدو لدود للفكر الانتاجي للدول النامية، وادخال التكنلوجيا في الصناعات ومحاربة الاقتصاد الوطني، أنه يريد اقتصاد (ريعي) قائم على الفساد وعصابات السرقة المنظمة وصناعة أنظمة تابعة للانظمة المستكبرة المستبدة نحن الدول المستضعفة نعطي البترول ونشتري البنزين وبنزين الطائرات والنفط الاسود وكثير من مشتقات البترول والتي تعد أكثر من (٢٠) من غذاء ودواء وحاجات حياتية عديدة.

هناك دول اقتصادها قائم على الصناعة والتكنلوجيا والانتاج العلمي والتصدير (سيارات ومكائن وكذلك اجهزة اتصال) كل هذه لا تعيش او تدخل في الريعية، نقطة التشابه والارتكاز هو انه لا تأتي من خلال نشاط وعمل الغير، مثل البترول والغاز والذهب وغيرها من ثروات الارض.

التعليم وإحداث ثورة تعليمية بشكل واسع بين الجماهير يزداد، الوعي الثقافي، ثقافة الرقي والتصاعد نحو التقدم وبناء أفكار فوقية تغلق جميع أبواب الفساد والانحراف.

الظاهرة الريعية ومخاطر المال المجاني

- الاستاذ حسن كاظم السباعي:

لو راجعنا القاموس التقليدي من كتب الأثر والتراث بل وربما حتى النصوص الدينية لوجدنا أن مفهوم الريع هو نفسه المتداول عند الأقدمين وكان يوصف بالربا، وفي الأزمنة المتقدمة وصف بالاستثمار وجني الأرباح البنكية أو جوائز السحب واليانصيب او المنح وما أشبه..، وكل تلك المفاهيم مع تعدد أسمائها وصفاتها تؤدي إلى نفس النتيجة حيث تثمر أموالا جاهزة من غير تعب أو مشقة والذي يؤدي بدوره إلى الخلل في النظام الاقتصادي حيث يدعو إلى الكسل والخمول بدل العمل والنشاط والإبداع في مختلف مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية. 

فالأصل في الحياة هو الاستفادة العامة وتلبية حاجات المجتمع واستثمار جميع الفرص للحفاظ على الحقوق، إلا ان الظاهرة الريعية بجميع مفاهيمها تؤدي إلى انتفاع فئة على حساب فئة أخرى، ذلك لأن الهدف قد تحوّل من انتفاع الغير أو حتى الانتفاع المتبادل؛ إلى انتفاع شخصي بحت فصار الهم تكثير الثروة بأي ثمن من الأثمان ولو على حساب السلب والنهب والسرقة وذلك في نوعه الجديد وعنوانه البراق الذي يعنون بعنوان النظرية الريعية..

من هنا وبناء على هذا الأساس ولو عدنا مرة أخرى إلى الأثر الذي يذكره القرآن عن الربا نراه يصف هذه الفئة بـ "لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس" حيث خرجوا عن طريق الاعتدال وأصبحوا سكارى الأموال التي تأتي إليهم بسهولة ويسر، إضافة إلى حالة الأنانية والانفراد التي تصحبهم في نهب الثروات العامة وتخصيصها لأنفسهم، وتركهم "أحل الله البيع" وهو رمز للعمل والنشاط الذي يخدم جميع الأطراف..

ومن جهة أخرى من يحصل على هذا النوع من المال لا يستطيع أن يترك هذه الطريقة وهو قد حصل عليه بسهولة فكيف يترك الأسهل ويتجه نحو الأصعب..

أما الحل أو السياسة اللازمة لنبذ هذه الظاهرة؛ فهو في الدرجة الأولى يكون بالكف عن تلميع جميع صوره وأشكاله في الإعلام والثقافة العامة التي غيّرت مسمياتها إلى أسماء جذابة ممدوحة ومحببة، فالذي يحظى بأرباحها يطلق عليه اسم المحظوظ والذكي والعبقري والقدوة في مجال جني الأرباح والذي ينبغي أن يحتذى به، بل ويطلقون على أنه نوع من التجارب المقبولة؛ "ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا"، فلو كشف النقاب وظهرت حقيقة الريع للجميع وان مفهومها واقعا لا يختلف عن أية سرقة أخرى فإنها إما ستضمحل أو تتضاءل، وإما في أقل التقادير سيتعامل مع المولعين بها كما يتعامل مع اي مجرم أو جان آخر -وإن لم يكف المجرمون عن إجرامهم-.. ولكن لابد وأن يأتي يوم للمحاسبة.

* مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث/2002–Ⓒ2024

http://shrsc.com

ذات صلة

ما حجم خسارتنا للغدير؟الغَديرُ.. اختيار الرَّجُلِ المُناسبِ في المكانِ المُناسبِالحرية مسؤولية والمسؤولية حريةالاستثمارُ في الحُبّ صعبالدكتوراة الفخرية.. ما لها وما عليها