الشرق الأوسط يتكيّف مع أمريكا ترامب

لا غنى عنها، ولكن لا يمكن الاعتماد عليها

Newsweek

2025-11-23 04:31

يقدم الكاتب والباحث غالب دالاي في مقالته المنشورة عبر مجلة "تايم" (TIME)، تحليلاً استشرافياً للمشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط في ظل ولاية دونالد ترامب (في نوفمبر 2025).

يتمحور المقال حول فكرة مركزية مفادها أن دول المنطقة باتت تنظر للولايات المتحدة بمنظور مزدوج: فهي "لا غنى عنها" كقوة أمنية وحيدة قادرة على حسم الصراعات وردع التهديدات، لكنها في الوقت ذاته "غير موثوقة" كحليف استراتيجي دائم. ويستعرض كيف يتكيف قادة المنطقة —وعلى رأسهم ولي العهد السعودي— مع هذا الواقع الجديد عبر "مغازلة" إدارة ترامب لانتزاع مكاسب أمنية وعسكرية، بالتوازي مع تنويع تحالفاتهم مع قوى أخرى مثل الصين وباكستان، تحسباً للتقلبات الأمريكية وتزايد المخاطر الإسرائيلية.

وفيما يلي ترجمة المقال:

تحدد صفتان متناقضتان الدور الأمريكي في الشرق الأوسط اليوم: أمريكا غير الموثوقة، وأمريكا التي لا غنى عنها. لا يزال الاستياء من السياسة الخارجية الأمريكية مرتفعاً من عمّان إلى أنقرة، ومن القاهرة إلى الدوحة، ومن بغداد إلى الرياض، ومع ذلك، فإن حكام المنطقة يتقربون بقوة من إدارة ترامب.

منذ شهر سبتمبر (2025) وحده، زار الولايات المتحدة لإجراء محادثات مع الرئيس ترامب كل من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والرئيس السوري أحمد الشرع، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني. تُمثل هذه الزيارات اعترافاً بمركزية الدور الأمريكي في الشؤون الإقليمية وتوضح كيف تتكيف النخبة الحاكمة في المنطقة مع "أمريكا ترامب".

على مدار العقد الماضي، وتماشياً مع الحوار العالمي، اكتسبت فكرة أن دول الشرق الأوسط تتبنى نهجاً متعدد الأقطاب في علاقاتها الجيوسياسية والجيواقتصادية زخماً كبيراً. لقد أصبحت المنطقة متعددة الأقطاب بشكل لا لبس فيه من حيث بنيتها التحتية الاقتصادية والتكنولوجية والاستراتيجية. فقد أصبحت الصين الشريك التجاري الأكبر للخليج، متجاوزة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ومنطقة اليورو. وتلعب شركة "هواوي" للاتصالات الآن دوراً محورياً في التكنولوجيا الحساسة وشبكات الجيل الخامس (5G) عبر جميع دول مجلس التعاون الخليجي.

ولمواجهة النفوذ الإقليمي الصيني المتزايد، دعمت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في عام 2023 "الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا"، وهو مشروع مصمم لربط الهند بأوروبا عبر البحر والسكك الحديدية من خلال الخليج والأردن وإسرائيل (توقف المشروع لاحقاً بسبب الحرب في غزة). في الوقت نفسه، لا تزال معظم دول الشرق الأوسط جزءاً من مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، وتنضم إلى ممرات تجارية بديلة مثل مشروع "طريق التنمية" العراقي، وهو مشروع مشترك بين العراق وتركيا وقطر والإمارات العربية المتحدة. ومع ذلك، فإن هذا المشهد المتعدد الأقطاب بشكل متزايد لا يمتد إلى الأمن الإقليمي.

أمريكا "التي لا غنى عنها"

أثبتت الحرب في غزة أنه لا توجد قوة أخرى -سواء الصين أو روسيا- اقتربت من استبدال الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. في مسائل الحرب والسلام في المنطقة، لا تزال كل الطرق تؤدي إلى واشنطن. فبدون الضغط والإصرار الأمريكيين، لم يكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليعتذر لقطر عن الضربة التي استهدفت الدوحة أو يوافق على وقف إطلاق النار في غزة. وبالمثل، بدون القبول الأمريكي، لن تتمتع حكومة "الشرع" في سوريا بالشرعية الدولية أو بآفاق واقعية لإعادة الإعمار، والتي تعتمد على تحرك واشنطن نحو إلغاء عقوبات "قانون قيصر" بشكل دائم (حيث تم تعليقها حالياً لمدة 180 يوماً فقط).

إن حيوية القوة الأمريكية تعني أنه في المدى القصير، ستضاعف دول المنطقة رهاناتها على علاقاتها مع واشنطن. فبعد الهجوم الإسرائيلي في سبتمبر على الدوحة، سعت قطر إلى علاقات أمنية أكثر قوة مع واشنطن، ووقع الرئيس ترامب أمراً تنفيذياً استثنائياً يلزم الولايات المتحدة "باتخاذ جميع التدابير القانونية والمناسبة، بما في ذلك العسكرية إذا لزم الأمر"، للدفاع عن قطر في حال تعرضها لهجوم. وعلى الرغم من أنه ليس تحالفاً دفاعياً قائماً على معاهدة، إلا أن الاتفاق الأمني اقترب جداً من محاكاة بند الدفاع المشترك لحلف الناتو.

كما وعد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي التقى ترامب في البيت الأبيض يوم الثلاثاء، بزيادة الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة لتقترب من تريليون دولار، وسعى إلى شراكة أمنية أقوى بين المملكة وواشنطن. عرض ترامب وضع "حليف رئيسي من خارج الناتو" وتعهد ببيع رقائق الذكاء الاصطناعي المتقدمة ومقاتلات الشبح F-35 للمملكة. وعلى الرغم من عدم تحقق ذلك بعد، إلا أن المسؤولين السعوديين والأمريكيين يناقشون اتفاقية دفاع مشترك.

لسنوات، كانت تركيا مستاءة من الوجود العسكري الأمريكي في سوريا بسبب شراكة واشنطن مع قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد، والتي تعتبرها أنقرة فرعاً لحزب العمال الكردستاني (PKK). في الصيف، استأنفت تركيا وحزب العمال الكردستاني عملية سلام بعد موافقة الجماعة المسلحة على نزع سلاحها وحل نفسها. وبسبب قلقها مما تراه سياسات إسرائيل "التنقيحية" وعدوانها العسكري في سوريا، اتجهت تركيا مرة أخرى نحو واشنطن، حيث ترى أن الولايات المتحدة هي القوة الوحيدة القادرة على كبح جماح إسرائيل.

أمريكا "غير الموثوقة"

ومع ذلك، لا يزال هناك تصور قوي لعدم موثوقية أمريكا في المنطقة. اهتز الشعور بالاستقرار في دول الخليج العربي عندما أطلقت إيران صواريخ باليستية على قاعدة العديد الجوية في قطر رداً على انضمام الولايات المتحدة لحرب إسرائيل ضد طهران وقصف المنشآت النووية الإيرانية. وفي سبتمبر، لم تمنع الضمانات الأمنية الأمريكية الضربة الإسرائيلية على الدوحة. وقبل ذلك، في سبتمبر 2019، عندما استهدف المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران منشآت النفط في السعودية بطائرات مسيرة، جاء الرد الأمريكي دون التوقعات في المملكة.

كما تشكك الدول العربية في طبيعة علاقاتها الأمنية مع الولايات المتحدة ومصداقية الالتزامات الأمريكية، لأن شراكاتها الأمنية مع واشنطن مرتبطة جزئياً بحالة علاقاتها مع إسرائيل. على سبيل المثال، كانت السعودية تأمل في معاهدة دفاع رسمي مع الولايات المتحدة. لكن مثل هذا التحالف القائم على معاهدة يتطلب موافقة مجلس الشيوخ الأمريكي، وهو أمر من غير المرجح منحه ما لم توافق المملكة على الانضمام إلى "اتفاقيات إبراهيم" وتطبيع العلاقات مع إسرائيل.

أعرب الأمير محمد بن سلمان عن استعداده للانضمام إلى اتفاقيات إبراهيم لكنه ربط ذلك بمسار واضح نحو إقامة دولة فلسطينية. وبالنظر إلى المعارضة الإسرائيلية الواسعة لقيام دولة فلسطينية، فإن احتمال التطبيع السعودي الإسرائيلي لا يزال خارج الطاولة في المستقبل المنظور. قد تضطر السعودية إلى الحد من طموحاتها بشأن معاهدة دفاعية مع واشنطن.

في العام الماضي، أصبحت دول الخليج تنظر بشكل متزايد إلى التوسع العسكري الإسرائيلي كتهديد. ومن المرجح أن يشجع المنطق القائل بأن علاقاتهم مع الولايات المتحدة مشروطة بحالة علاقاتهم مع إسرائيل، على اتباع استراتيجيات بديلة. وبالفعل، بعد أسبوع من الهجوم الإسرائيلي على الدوحة، وقعت المملكة العربية السعودية اتفاقية دفاع مشترك مع باكستان المسلحة نووياً.

إن الشعور بعدم الموثوقية الأمريكية، المقترن بالاعتقاد بأن العلاقات مع واشنطن مشروطة بالعلاقات مع إسرائيل، من المرجح أن يدفع معظم دول الشرق الأوسط إلى اتباع استراتيجيات "تنويع" في صناعاتها الدفاعية وشراكاتها الأمنية على المدى المتوسط إلى الطويل. ومن المرجح أن تعمق معظم دول الشرق الأوسط علاقاتها مع بكين.

إن وجود مراكز قوى متعددة يوفر خيارات متعددة، لكن مراكز القوى هذه (أو الأقطاب) لا تحمل نفس الأهمية. تظل الولايات المتحدة الشريك الأكثر أهمية وتفضيلاً لمعظم دول الشرق الأوسط في شراكاتها الأمنية ومشترياتها الدفاعية. لكن فشل أمريكا في الوفاء بالتزاماتها الأمنية سيضر بمكانتها في المنطقة ويسرع البحث الإقليمي عن التنوع الاستراتيجي، مع ما يترتب على ذلك من تداعيات إقليمية وعالمية.

* غالب دالاي، زميل استشاري أول في "تشاتام هاوس" ومدير مشارك لبرنامج الأنظمة العالمية في جامعة أكسفورد

ذات صلة

الإدارة الأخلاقية للدولة في مشروع الامام الشيرازيضفاف الرافدين المهملة: جريمة بحق إرث العراقمعيار القبول برئيس الحكومة: بين الشرط الأعلى والشرط الأدنىالموت وسرّ الرحيلأسواق النفط.. وفرة المعروض وارتفاع الإنتاج وتباطؤ الطلب تفرض ضغوطاً على الأسعار