تطبيق اللامركزية في العراق وتأثيرها على الاستقرار السياسي
شبكة النبأ
2018-02-01 05:10
بدرية صالح عبد الله
تأتي أهمية تبني المركزية واللامركزية السياسية باعتبارها سياسة حكم من خلال علاقة ذلك بطبيعة النظام السياسي اذا كان ديمقراطيا او استبداديا. ففي النظام الديمقراطي تعني اللامركزية (السياسية او الإدارية) توزيع الصلاحيات او تفويضها، وعلى مستوى توزيع الصلاحيات دستوريا او قانونيا او تفويضها للأطراف الإقليمية او المحلية ومن أهم أهداف تحقيق اللامركزية هي تخفيف العبء عن المركز والاهم من ذلك هو إعطاء الفرصة ومجال للتعددية الى إدارة أحوالها وبالتنسيق مع المركز الجديد الذي تشكل وعلى شرط ان يكون مركز اتحادي ديمقراطي وليس مركز استبدادي في حين تطبيق اللامركزية في غياب نظام ديمقراطي يؤدي الى نتائج عكسية من تشتت وتفتت وفقدان وضوح جهة المسؤولية. ان إحدى مرتكزات النظام الديمقراطي هو مبدأ الفصل بين السلطات وهذا يعني توزيع الصلاحيات على السلطات التشريعية لجهة ما.
وفي هذا المجال فأن تبني سياسات تعمل على تعزيز دور السلطة التشريعية من خلال انتخابات حرة ونزيهة وجعل القضاء حر وفاعل وبناء مؤسسة تنفيذية (الحكومة) هي خطوات ضرورية لتعزيز اللامركزية في النظام السياسي مما يقلل من فساد واستغلال مراكز النفوذ في السلطة . وعند الحديث عن اللامركزية وتطبيقها في العراق.
لقد شهدت الدولة العراقية تجارب عديدة معتمدة تصورات المركزية واللامركزية ، وبعد عام 2003 اعتمد اللامركزية السياسية و الإدارية ليس على صعيد النص الدستوري والقانوني فحسب بل وفي إطار التطبيق فقد نصت المادة الأولى من دستور العراق النافذ بسنة 2005 على (جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة نظام الحكم فيها جمهوري نيابي برلماني ديمقراطي وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق) كما قلنا وهذه المادة من المبادئ الأساسية للدستور العراقي لعام 2005، تتكون السلطات الاتحادية من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وتمارس اختصاصاتها و مهامها على أساس مبدأ الفصل بين السلطات وتتكون السلطة التشريعية الاتحادية في مجلس النواب ومجلس الاتحاد لكن الدستور لم يوضح على اي أساس قام هذا النظام الفدرالي في العراق مما يفتح الباب أمام اي نوع من النظم الفدرالية على العكس من قانون إدارة الدولة العراقية بالمرحلة الانتقالية لعام 2004 كان اكثر توضيح للفدرالية الذي اشترط منع قيام نظام فدرالي في العراق على أساس الاصل او العرق او الأثنية او القومية او المذهب.
ولم يحدد الدستور العراقي بدقة تنظيم بنيته الفدرالية ولا مبادئ تشكيله للمناطق الفدرالية و احال ذلك الى الجهات التشريعية المختصة وتضم الفدرالية العراقية عاصمة البلاد والأقاليم والمحافظات اللامركزية التي لا تنتظم في الاقاليم والإدارات المحلية . كما يضع الدستور نظام مرن لتغيير البناء الفدرالي سامحا للأقاليم ضم محافظة او عدة محافظات ويجيز لعدة اقاليم الاتحاد بإقليم واحد وعند ذلك بمقدور محافظة او عدة محافظات ان تكون اقليم وتكون عضوا مهما في الفدرالية.
اذا وضع الدولة العراقية بعد التغيير 2003 مبني على شكلين وهما الاول : اتحاد فدرالي فيه اللامركزية السياسية ويتكون من المركز بغداد وإقليم كردستان مع اقاليم مفترقة سوف تؤسس مستقبلا . والثاني : محافظات غير مرتبطة بإقليم تعتمد اللامركزية الإدارية وفقا للمادة (22) من الدستور يضم مجلس الاتحاد ممثلين عن الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم وينظم تكوينه وشروط العضوية فيه واختصاصاته وكل ما يتعلق به وفقا لقانون يسن بأغلبية ثلثي اعضاء مجلس النواب ولكن لم يصدر هذا و في الباب الخامس من الدستور تحدد شكل النظام الاداري في العراق (يتكون النظام الاتحادي في جمهورية العراق من عاصمة و اقاليم ومحافظات لا مركزية و إدارات محلية) ولقد واجهت الفدرالية في العراق تحديات كثيرة تهدد نجاحها على الرغم من اقرار الفدرالية في العراق دستوريا وفقا لنصوص دستور 2005 إلا انها كخيار استراتيجي لا زالت غامضة ولم ترسخ جذورها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا في اغلب مناطق العراق.
ووفقا للدستور العراقي الدائم لعام 2005 فقد حدد ملامح وخصائص هذا النموذج العراقي السياسي ضمن المواد الدستورية (110 ولغاية 121) التي حددت صلاحيات الحكومة الاتحادية ومنح صلاحيات واسعة لحكومات الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة بإقليم والتي تنشأ مستقبلا لأنه صفة الغموض ظاهرة في غالبيته النصوص المنظمة لتشكيل النظام السياسي ودولته وتبين مفهوم اللامركزية والفدرالية مما قادت الى فشلها في تحقيق التوازن ما بين السلطات الحكومة الاتحادية و الاقاليم لأنها اثارت المشاكل بسبب التنازع والتعارض في الاختصاصات الدستورية و اثارت في نفس الوقت مشاعر الامتعاض لدى البعض وتخويفهم من النتائج المستقبلية ولو رجعنا للدستور العراقي لوجدنا المادة (110) قد حددت اختصاصات السلطة الاتحادية المتمثلة (برسم السياسة الخارجية والتمثيل الدبلوماسي والتفاوض بشأن المعاهدات والاتفاقيات الدولية وسياسات الاقتراض والتوقيع عليها و ابرامها ورسم السياسة الاقتصادية والتجارية والخارجية السيادية) ثم جاءت المادة (114) لتحديد الاختصاصات المشتركة بين السلطة الاتحادية وسلطة الاقليم في سبعة بنود وهذه المادة جاءت بصيغة تكون الاختصاصات الاتية مشتركة (بين السلطات الاتحادية و الأقاليم) إلا انها وفي استعراضها لبعض الاختصاصات المذكورة اشتركت المحافظات غير المنتظمة لإقليم فيها وهذا امر غير صحيح لان المحافظات غير المنتظمة لإقليم تعمل على وفق مبدأ اللامركزية الادارية والاختصاصات التي تمارس اختصاصات ادارية يتكفل القانون لا الدستور بتحديدها.
وعليه فأن اشتراك المحافظات غير المنتظمة بإقليم في ممارسة اختصاصات الاقاليم نفسها هو خلط بين اللامركزية السياسية واللامركزية الادارية اضافة الى ذلك اغلب الاختصاصات المشتركة تتعلق برسم السياسات العامة في المجالات المختلفة لذلك فأن الترجيح تكون للسلطة الاتحادية بمعنى ان الاولوية للاختصاصات الاشتراكية المشتركة التي جاءت بها اللامركزية السياسية تكون للسلطات الاتحادية وليس للأقاليم.
ويجب الإشارة هنا ان غياب الثابت الوطني السياسي يؤدي إلى تشظية السلطة و إضعاف المركز كما ان الواجب الوطني يقتضي أعطاء رمزية عالية للعاصمة سياسيا ورمزية عالية لوجود مركز يدير البلاد ويعالج مشاكل المواطنين ان نجاح تطبيق اللامركزية الادارية هو بدوره يؤدي بشكل تدريجي بنجاح اللامركزية السياسية وان تطبيق اللامركزية السياسية لا يعني الانفصال او الانعزال او الاستقلال لان الفدرالية هي نتيجة رغبة اما الاتحاد او الانفصال.
وعودا على المادة (110) نرى انها تتناقض مع ما جاء في الفقرة اولا ورابعا من المادة (121) اذ تؤكد هذه المادة على ان (الدستور العراقي يمنح الاقاليم والمحافظات صلاحيات سيادية واسعة لفتح مكاتب لها في السفارات والبعثات الدبلوماسية لمتابعة الشؤون الثقافية والاجتماعية والإنمائية للإقليم) اي هناك ثمة تناقض بين صلاحيات الحكومة الاتحادية والحكومة الاقليمية في مجال التمثيل الدبلوماسي حيث المتعارف عليه في الانظمة الفدرالية ان هذه هي من خصوصية الحكومة الاتحادية .
(وهذا ما تقوم به حكومة إقليم كردستان) كذلك نصت المادة (110) الفقرة ثانيا على (وضع سياسة الامن الوطني وتنفيذها كما في ذلك انشاء قوات مسلحة و ادارته امنيا وحماية وضمان امن حدود العراق والدفاع عنه) يتعارض مع ما جاء في الفقرة خامسا من المادة (121) التي منحت إدارة الاقاليم بشكل خاص صلاحيات انشاء قوات الامن الداخلي الخاصة بالأقاليم من الشرطة و الامن وحرس الاقليم .
اما المادة (111) أكدت على (ملكية النفط تعود الى الشعب بأكمله) وكذلك المادة (112) ، (ان إدارة شؤون النفط والغاز المستخرجة من الحقول الحالية على اساس مشترك بين الحكومة الاتحادية والأقاليم وتوزع الواردات بشكل منصف يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع أنحاء البلاد) في حين نرى ان هناك تناقض بين هذه المادتين وبين المادة (115) التي تتضمن للسلطات الاقليمية حق استثمار و ادارة الحقول الجديدة لكل الموارد الطبيعية من غاز ونفط والمعادن فالتناقض والتعارض بينهما يتمحور فيما هو عام ملك الشعب العراقي بأجمعه والحق الخاص للإقليم ويفترض القانون ان يسيطر العام على الخاص وليس العكس . فضلا عن ذلك منحت المواد (115-121) الأقاليم السلطات واسعة على حساب سلطات المركز وهذا يعد تشويه في أللامركزية السياسية العراقية.
لان المادة (115) أعطت الأولية لقانون الاقاليم والمحافظات الغير منتظمة بإقليم في حالة الخلاف في الصلاحيات المشتركة حيث نصت المادة (115) على كل ما لم ينص عليه في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية يكون من صلاحية الاقاليم و المحافظات غير المنتظمة في اقليم والصلاحيات الاخرى المشتركة بين الحكومة الاتحادية و الاقاليم تكون الاولوية فيها لقانون الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة لأقاليم في حالة الخلاف بينهما ولهذا جاء الدستور ليساوي بين الاقاليم والمحافظات وهذا (ارباك في مضمون ومسار اللامركزية السياسية) في ممارسة الاختصاصات التي لم يحصرها الدستور وهذا بدوره يؤثر على الاستقرار السياسي في العراق ويعد مصدر لتهديد الاستقرار السياسي يضاف الى جمله التهديدات الاخرى وهذا جائز لان الاقاليم تعمل وفقا اللامركزية السياسية بينما تعمل المحافظات غير المنتظمة بإقليم على اللامركزية الادارية.
ايضا هناك خرق وتجاوز لللامركزية السياسية من خلال نص المادة (121) ثانيا والتي تنص على (يحق لسلطة الاقليم تعديل تطبيق قانون الاتحادي في الاقليم في حالة وجود تعارض او تناقض بين القانون الاتحادي وقانون الإقليم) . وهذا النص غير واضح من حيث الصياغة لأنه ذكر عبارة تعديل وتطبيق في حين المقصود هو تعطيل تطبيق القانون الاتحادي وتطبيق قانون الاقليم . ومن حيث المضمون النص يخترق قاعدة ثابتة في النظام البرلماني هي الاولوية للنظام الاتحادي في حالة التعارض بين القوانين الاتحادية وقانون الأقاليم ، اذا كان على المشرع العراقي في الدستور العراقي ان ينتبه الى ان تعدد السلطات التشريعية في الدولة الفيدرالية . اي هناك سلطات تشريعية عامة وسلطات تشريعية خاصة كما في أمريكا – ألمانيا ، إلا ان الدستور العراقي لعام 2005 قد ناقض طبيعة النظام الاتحادي من خلال ما تضمنته اللامركزية السياسية.
اذا التساؤل هنا ما هي الاجراءات الفاعلة لمنح قوة اكبر للحكومة المركزية الاتحادية مستقبلا لكي تحافظ على وحدة الدولة العراقية والاستقرار السياسي والهوية الوطنية وما هي الكيفية التي تكون بها الحكومة المركزية الاتحادية قابلة للاستمرار وعادلة وقوية ؟ الجواب هو تكون الوسيلة من خلال معالجة التناقضات الاتحادية التي اوجدتها اللامركزية السياسية من خلال نصوص دستور 2005 ، وقد يحصل التوتر بين الحكومة المركزية وحكومة الاقليم بسبب ما جاءت به اللامركزية السياسية وان كان مثل هذا التوتر أمر طبيعي في اي نظام فيدرالي وهو بالتأكيد اذا ما حصل مستقبلا سيؤثر على فاعلية وأداء النظام السياسي الاتحادي و أداء الحكومة المركزية وعلى استقرار العراق وهذا ما ينعكس سلبا على الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في العراق لذلك يجب البحث عن سبل قانونية وسياسية اخرى اكثر واقعية ووطنية عبر التعديلات الدستورية في الدستور خصوصا المتعلقة بالشأن الاتحادي، وعند الأخذ باللامركزية السياسية علينا ان نوفق بين التنوع والوحدة داخل النظام السياسي الواحد للدولة بمعنى ينبغي مراعاة حقوق الاقليات الاخرى حيث ان التعدد الديني والثقافي واللغوي الذي سيشكل سمة مجتمعية مميزة لفئات مختلفة و لا يمكن انكار حقوقها، كما ان التجانس العرقي والثقافي يخلق دولة ناجحة اذا ما توفرت متغيرات اخرى وفي مقدمتها السياسات العامة التي يتخذها النظام السياسي (المحلي) . اذا هناك عنصران مهمان لضمان نجاح اللامركزية السياسية بوجه خاص وديمومة النظام الفيدرالي والحفاظ على استقرار العراق بوجه عام هما (أطراف فيدرالية مشتركة + وحكم مشترك)، اضافة الى ذلك كل النظم الاتحادية تحتاج الى نقطة مركزية من الولاء قادرة على التعامل بصورة فعالة مع القضايا والمشاكل ذات الاهتمام المشترك من اجل الاحتفاظ بقدر من الولاء لمواطنيه على المدى البعيد . وهذا ما ينطبق على المجتمع العراقي رغم التعدد والتنوع الذي ينطوي عليه الا انه مجتمع متجانس الى حد كبير في اللغة والدين والتكوين القومي.