إدارة العمل الإنساني في الكوارث والزلازل

جميل عودة ابراهيم

2023-02-13 06:06

زلزال تركيا وسوريا، يوم الاثنين الفائت، الموافق 6/2/ 2022، والذي راح ضحيته - إلى الآن - نحو (5434) شخصا في تركيا، ونحو (17100) شخصا في سوريا، بالإضافة إلى آلاف المفقودين والجرحى والمشردين، ناهيك عن دمار مئات المباني والمنشئات الخاصة والعامة، يطرح سؤالا في غاية الأهمية، وهو:

هل أن دولنا وحكوماتنا قد أولت لمثل هذه الكوارث والزلازل أهمية خاصة حتى تتمكن من الحد من آثارها على المواطنين والممتلكات، بما يعزز قدراتها الذاتية على مواجهة الكوارث الطبيعية والإنسانية؟ أم أن ذلك الزلزال المدوي سيكون مثابة جرس إنذار للحكومات والمجتمعات لإعادة النظر في إستراتيجيتها من أجل الاستعداد لمواجهة الأخطار في حال وقوعها لا سامح الله؟ وكيف يمكن أن يساعد العمل الإنساني في تخفيف معاناة المتضررين، بالإضافة إلى الجهود الحكومية؟

يمكن تعريف الكارثة بأنها (حادثة كبيرة الحجم، تنجم عنها خسائر جسيمة في الأرواح والممتلكات، وتتطلب مواجهتها قدرات وطنية كافية، أو معونة دولية إذا كانت القدرة على مواجهتها تفوق القدرات الوطنية). والكارثة هي حدث مفاجئ، يحدث من دون إنذار سابق غالبا، ويتسم حدوثه بوقوع خسائر، قد تطال الأرواح أو الممتلكات، أو تتجسد آثارها على شكل أضرار بيئة أو صحية أو غيرها. وفي مرحلة الكارثة يمر السكان المتضررون بصدمة عميقة، وكلما كان الخروج من وقع الصدمة أسرع كانت السيطرة عليها وإدارة الكارثة أفضل، وإمكان التقليل من حجم خسائرها أكبر.

وتنقسم الكوارث إلى نوعيين؛ الكوارث الطبيعية: والكوارث الطبيعية أحداث تنتج عن مخاطر طبيعية تؤثر تأثيراً كبيراً في مجتمع منطقة ما و/ أو في اقتصادها و/ أو بنيتها التحتية. وقد تكون الحادثة الطبيعية فيضاناً أو زلزالاً أو عاصفة أو إعصاراً أو ثوراناً بركانياً يؤدي إلى أضرار هائلة أو خسائر كبيرة في الأرواح. وتترتب على الكوارث الطبيعية تحديات ومشاكل ذات طابع إنساني وفقاً لمدى ضعف السكان والقدرة المحلية على الاستجابة.

والكوارث من صنع الإنسان: وهي تلك التي يتسبب في حدوثها الإنسان مثل الحروب والأزمات النووية والكيمائية والبيولوجية. وقد تكون الكارثة صغيرة محددة النطاق، أي أنها محصورة في منطقة معينة، ولها أثار محددة أيضا، وقد تكون الكارثة واسعة النطاق، وهي توع من الكوارث يؤثر في مجتمع إلى حد يتطلب مساعدة وطنية أو دولية.

ولم تعد الكوارث حوادث غامضة لا يمكن التعرف إلى أسبابها أو تلمس أنماطها وأنواعا، كما في الماضي. فقد سهل التطور العلمي الذي تشهده البشرية اليوم في مجالات العلوم المختلفة، إمكان التنبؤ بيوم الكوارث ومكانها وحدتها، كما تم التعرف إلى أنماط تحكم أنواعا معينة من الكوارث وتحديد تكرارها وآليات حدوثها، مما يعني ارتفاع قدرة الإنسان -إلى حد ما- على الحد من آثارها وأضرارها على الرغم من عدم القدرة على منعها في كثير من الأحيان.

يعتقد البعض أن الكوارث واسعة النطاق تحدث في البلدان الفقرة، وأن المجتمعات المتقدمة الأكثر ثراء تتمتع بحماية أفضل. إلا أن هذه الفكرة تلاشت نتيجة سلسلة من الحوادث بما فيها كارثة تشير نوبيل النووية في أوكرانيا في عام 1986، والزلازل المدمرة في كوبي وسنداي في اليابان عامي 1995و2011 على التوالي، وتسونامي جنوب أسيا في عام 2004، وإعصار كاترينا في الولايات المتحدة في عام 2005، وهكذا.

ولا شك أن كل كارثة تقع، سواء كانت طبيعية أو من صنع البشر، وسواء كانت محدودة النطاق أو واسعة النطاق هي بحاجة إلى إدارة للحد منها، أو إدارة لغرض التنبؤ بحدوثها، ووضع الحلول التي تمكن المجتمع من تقليل عدد الخسائر المادية والبشرية. وتعرف إدارة الكوارث بأنها (الإجراءات التي تتخذها جهة ما للاستجابة للحوادث غير المتوقعة، والتي تؤثر عكسيا في الناس أو الموارد وتهدد استمرارية عمل الجهة)، ولا يقتصر عمل إدارة الكوارث على الحد من الآثار السلبية المرتبطة بالكارثة، بل يتضمن بعدا يتعلق بالتخطيط ووضع الاستراتيجيات الملائمة للتقليل من مخاطر الكوارث والوقاية منها.

ويمكن القول إن إدارة الكوارث هي الوسائل والإجراءات والنشاطات كافة التي تنفذ بصفة مستمرة في مراحل ما قبل الكارثة وإثناءها وبعد انتهائها، والتي تهدف من خلالها إلى تحقيق منع وقوع الكارثة كلما أمكن، ومواجهة الكارثة بكفاءة وفعالية، وتقليل الخسائر في الأرواح والممتلكات إلى اقل حد ممكن، وإزالة الآثار السلبية في البيئة المحيطة، وإزالة الآثار النفسية التي تخلفها الكارثة لدى المتضررين، وتحليل الكارثة والاستفادة منها في منع وقوع الكوارث المشابهة، أو تحسين وتطوير القدرات في مواجهة تلك الكوارث.

ورغم أن الدول هي المسؤولة عن إدارة الكوارث والزلازل والأزمات، وتتحمل التصدي لها، والحد من أثارها البشرية والمادية، سواء كان ذلك بمساعدة الدول الأخرى أم من دون مساعدتها، إلا أن الوقائع تؤكد أن الحكومات في الدول المتضررة لا تستطيع لوحدها أن تتحمل إدارة الكوارث، لاسيما إذا كانت واسعة النطاق، ولو كانت من الدول المستقرة والغنية، بل لابد من تدخل السكان المحليون والمنظمات الإنسانية المحلية والإقليمية والدولية لمساعدتها على تجاوز محنتها، وتلبية احتياجات السكان المتضررين من عمليات بحث عن المفقودين، وطبابة الجرحى، وتوفير المأوى لمن فقد منزله. وتوفير الغذاء وغيرها من المستلزمات الإغاثة والطوارئ.

بناء على ذلك كان للعمل الإنساني الذي يقدمه السكان المحليون، أو الفرق التطوعية، أو المنظمات الإنسانية دور مهم في الحد من تلك الكوارث والأزمات. فهو النشاط الهادف إلى إنقاذ الأرواح وتخفيف المعاناة والحفاظ على كرامة الإنسان في أثناء الأزمات والكوارث وبعدها فضلا عن تعزيز التأهب لمثل تلك الحالات.

ويمكن تصنيف المساعدة الإنسانية التي تقدمها الجهات التطوعية في ثلاث فئات بناءً على درجة الاتصال بالسكان المنكوبين: المساعدة المباشرة؛ وهي توزيع السلع والخدمات وجهاً لوجه، والمساعدة غير المباشرة؛ وهي مساعدة يقل فيها الاتصال بالسكان درجة واحدة على الأقل وتشمل أنشطة مثل نقل سلع الإغاثة أو عاملي الإغاثة، والدعم في مجال البنية التحتية الذي يشمل تقديم خدمات عامة تيسر الإغاثة، مثل إصلاح الطرق وإدارة المجال الجوي وتوليد الطاقة، ولكن هذه الخدمات لا تكون بالضرورة مرئية أو موجهة حصراً لفائدة السكان المنكوبين.

تستند المراحل الثلاث للمساعدة الإنسانية في حالات ما بعد الكوارث وما بعد النزاعات، وهي الإنقاذ والإغاثة والإنعاش، إلى مبادئ حقوق الإنسان المتمثلة في الحماية والوفاء والاحترام. ونظراً إلى أن أعمال الإنقاذ والإغاثة والإنعاش تعتمد على الأوضاع المحددة لكل سياق، يؤدي العمل الإنساني في بعض الأحيان إلى ممارسات قد تتعدى على حقوق الإنسان للمتضررين أو تنتهكها. ولهذا السبب، يجب اعتماد نهج قائم على حقوق الإنسان في إجراءات التأهب لحالات الطوارئ والمساعدة الإنسانية.

فقد أطلقت الأمم المتحدة في كانون الأول/ ديسمبر 1999 الإستراتيجية الدولية للحد من الكوارث التي تهدف إلى تحسين التأهب لمواجهة الكوارث الطبيعية والحد من الأضرار التي تحدث بسبب الأخطار الطبيعية مثل الزلازل والفيضانات وحالات الجفاف والأعاصير من خلال نظام الوقاية. وتم توسيع نطاق استراتيجية الأمم المتحدة الدولية للحد من الكوارث في سنة 2001 لتعمل كمركز تنسيق منظومة الأمم المتحدة للحد من الكوارث.

وتقوم الإستراتيجية الدولية للحد من الكوارث بتنسيق الجهود الدولية في حملة الحد من أخطار الكوارث لخلق وعي عالمي بفوائد الحد من أخطار الكوارث، والدعوة إلى مزيد من الاستثمارات في إجراءات الحد من الأخطار، وإعلام الناس بتقديم خدمات عملية وأدوات مثل شبكة الحد من الأخطار (شبكة الوقاية)، وإصدار منشورات بشأن الممارسات الجيدة وموجزات قطرية وتقرير التقييم العالمي للحد من أخطار الكوارث التي تعتبر تحليلًا لأخطار الكوارث العالمية والاتجاهات العالمية.

وقد أشارت (المبادئ التوجيهية للقوانين الدولية للاستجابة في حالات الكوارث) الصادرة عن الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر إلى عدة توصيات منها: -

1. على الدول المتضررة تحمل المسؤولية الأساسية في أراضيها عن الكوارث لتقديم المساعدة في مجالي الإغاثة والإنعاش؛

2. يجب على الجمعيات الوطنية للصليب الأحمر والهلال الأحمر بصفتها جهات فاعلة في المجتمع المدني المحلي أداء دور داعم أساسي على المستوى المحلي؛

3. يجب على الجهات الفاعلة المساعدة وعلى موظفيها التقيد بقوانين الدولة المتضررة والقانون الدولي الواجب التطبيق، والتنسيق مع السلطات المحلية واحترام كرامة الإنسان للأشخاص المتضررين من الكارثة في جميع الأوقات؛

4. على الجهات الفاعلة المساعدة أن تكفل تقديم مساعدتها للإغاثة من الكارثة والمساعدة الأوّلية للإنعاش وفقًا لمبادئ الإنسانية والحياد والنزاهة؛

5. وبغية تقليل الآثار العابرة للحدود ومضاعفة فعالية أي مساعدة دولية قد يتطلبها الحال، على جميع الدول أن تضع إجراءات لتيسير تبادل المعلومات حول ما يحل بها من كوارث وأن تتعاون مع الدول الأخرى والمنظمات الدولية المعنية بالأنشطة الإنسانية؛

6. على المجتمع الدولي، بما في ذلك الجهات المانحة، والجهات الفاعلة الإقليمية والمختصة الأخرى أن تقدم الدعم للدول النامية وللجهات الفاعلة المحلية من المجتمع المدني والجمعيات الوطنية للصليب الأحمر والهلال الأحمر لبناء قدراتها للوقاية من الكوارث والتخفيف من آثارها والتأهب لها والتصدي لها على المستوى المحلي؛

7. ينبغي الشروع في الإغاثة من الكوارث أو تقديم المساعدة الأولية للإنعاش فحسب بموافقة الدولة المتضررة، ومن الناحية المبدئية استنادًا إلى مناشدة.

..........................................
** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-Ⓒ2023
هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...
http://ademrights.org
ademrights@gmail.com
https://twitter.com/ademrights

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي