هل وجود القوات الامريكية في العراق شرعي؟
القاضي سالم روضان الموسوي
2025-08-17 04:35
ان القوات الامريكية دخلت الى العراق بوصفها قوة احتلال، وان وجودها بهذه الصفة له اثار مهمة في القانون الدولي والمواثيق الدولية، ومنها ما يتعلق بالحق بالمقاومة، الا ان العراق والولايات المتحدة الامريكية ذهبا الى تقنين وجود تلك القوات واعتبارها قوات صديقة، وان وجودها بناء على موافقة العراق، وتم تنظيم اتفاقية (انسحاب القوات الامريكية من العراق وتنظيم انشطتها خلال وجودها المؤقت فيه) وبعد الاتفاق على بنود الاتفاقية، لابد من المصادقة عليها بموجب قانون يصدر من مجلس النواب استناداً لأحكام المادة (61) من الدستور والنصوص القانونية في قانون التصديق على المعاهدات والاتفاقيات، وبخلاف ذلك فإنها لا تعتبر نافذة في العراق، وفعلاً تمت المصادقة بموجب القانون رقم 51 لسنة 2008 وأصبحت نافذة بعد نشرها في الجريدة الرسمية (الوقائع العراقية) العدد 4102 في 24/12/2008.
لكن هذه الاتفاقية وان أصبحت نافذة، الا ان التزام العراق بها مقرون بشرط يتمثل بإجراء الاستفتاء عليها من قبل الشعب، حيث ان قانون التصديق اشترط ان يتم عرضها على الشعب العراقي عن طريق الاستفتاء الشعبي العام وعلى وفق ما ورد في نص المادة (2) من قانون التصديق والتي جاء فيها (أولاً – تعرض اتفاقية انسحاب القوات الأمريكية من العراق وتنظيم أنشطتها خلال وجودها المؤقت فيه على الشعب العراقي للاستفتاء الشعبي العام في موعد أقصاه يوم ٣٠ تموز ٢٠٠٩. ثانيًا - تنظم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات عملية الاستفتاء الشعبي العام وفق مقتضيات الدستور والقانون).
ثم اعتبر التزام الحكومة العراقية بهذه الاتفاقية مقرون بنتائج ذلك الاستفتاء، فاذا نجحت ونالت نسبة التصويت الشعبي، فإنها تصبح ملزمة للحكومة العراقية، اما اذا لم تحقق نسبة التصويت المطلوبة فإنها لا تلزم الحكومة العراقية وتعتبرها متحررة من كل الالتزامات الواردة فيها وعلى وفق ما ورد في المادة (3) من قانون التصديق التي ورد فيها الاتي (تلتزم الحكومة العراقية بنتائج الاستفتاء الشعبي العام.).
وحيث ان الاستفتاء لم يتم لغاية الان، فهل تعتبر الاتفاقية ملزمة للحكومة العراقية، وان شرط الاستفتاء هو شرط فاسخ ان تحقق عدم نيلها نسبة النجاح يؤدي الى الغائها وكأنها لم تكن.
ام انها تعتبر موقوفة وغير ملزمة للعراق لإنها معلقة شرط واقف وهو شرط اجراء الاستفتاء؟ وفي هذا الافتراض فان وجود القوات الامريكية يصبح وجود غير شرعي وانها ما زالت قوة احتلال، وان العراق ما زال تحت الاحتلال، وهذا سوف يجعل من العراق في مركز الدولة ناقصة السيادة لإنها ما زالت دولة محتلة، ومن ثم سوف ينعكس على جميع التزاماته الدولية ومنها عقد الاتفاقيات بما فيها اتفاقية خور عبدالله.
او قد يرى البعض وجود تفسير اخر، بمعنى ان الاتفاقية ملزمة للحكومة العراقية لكن متى ما تم الاستفتاء وقضى بإسقاطها، فان العراق عند ذاك متحلل من جميع ما ورد فيها من التزام وانها غير ملزمة للعراق، لان نص المادة (3) لم يرد فيه نص بان الاتفاقية لا تنفذ الا بعد الاستفتاء، وانما فقط بان الحكومة العراقية تلتزم بها تبعا لنتيجة الاستفتاء.
وفي الفرض الثاني نجد ان الاستفتاء حدد له تاريخ أقصاه 30/7/2009، ولم يرد فيه أي إشارة الى جزاء عدم تنظيم الاستفتاء، وهل يعتبر الاستفتاء منتهياً ولا موجب له في حال تجاوز المدة باعتبارها مدة سقوط، وهذا يقودنا الى فرض اخر، هل تعتبر الاتفاقية منتهية لإن الشعب لم يصادق عليها لعدم اجراء الاستفتاء عليها، باعتبار ان نطاق الاستفتاء الزمني انقضى ولا يمكن العودة اليه.
او قد يرى البعض ان هذه المدة هي تنظيمية وليس مدة سقوط مثلما فسرته المحكمة الاتحادية بموجب قرارها العدد 71/اتحادية/2019 في 28/7/2019 عندما اعتبرت المدة المحددة لإجراء الاستفتاء الواردة في المادة (140) من الدستور بانها مدد تنظيمية وتبقى سارية المفعول لحين اجراء الاستفتاء، وهذا يعني ان الحكومة ملزمة بإجراء الاستفتاء وعليها ان تلتزم بالنتائج التي تظهر اما بقبولها او رفضها.
مع ان المحكمة الاتحادية العليا قد نظرت في طعنين بعدم دستورية تلك الاتفاقية، الأول تم رد الطعن فيه لأسباب شكلية باعتبار ان الطعن وقع قبل نفاذها بموجب قرارها العدد 44/اتحادية/2008 في 20/7/2009، والطعن الثاني رد موضوعاً باعتبار ان الطعن كان ينصب على ان العراق وقت ابرامها لم يكن يملك السيادة الكاملة لأنه كان تحت الاحتلال، الا ان المحكمة وجدت ان الحكومة العراقية مؤهلة لإبرام الاتفاقية وعلى وفق ما جاء في قرارها العدد 15/اتحادية/2009 في 15/6/2009.
وفي كل الفرضيات المطروحة نجد ان الوجود الأمريكي ما زال يعتريه العوار وانه غير شرعي، فاذا افترضنا ان الاتفاقية اسقطت لان الاستفتاء عليها لم ينظم في المدة المحددة في قانون التصديق عليها، فان الحكومة العراقية ستكون غير ملزمة باي التزام فيها، اما اذا اعتبرنا انها سارية المفعول وما زالت نافذة، وان ابطالها او استمرار العمل بها يكون عند ظهور نتائج الاستفتاء الشعبي العام، وعدم اجراء هذا الاستفتاء تقصير من الجهات ذات العلاقة سواء في السلطة التنفيذية او مفوضية الانتخابات باعتبارها هي الجهة المسؤولة عن تنظيم الاستفتاء، وهو قصور يوجب المحاسبة، لان تنفيذ الاستفتاء التزام قرره القانون وهو نص نافذ.
وبهذه المناسبة ادعو جميع أصحاب الاختصاص الى اغناء هذه الإشكالية بالبحث والتحقيق والتدقيق، لان الأثر المترتب على تطبيق نص القانون بإجراء الاستفتاء سوف يخلق مراكز قانونية، قد تؤثر على جميع التزاماته الدولية بما فيها اتفاقية خور عبدالله وغيرها من الاتفاقيات الجائرة التي أرغم العراق عليها.