متلازمة التفاوت العرقي في أمريكا
مصطفى ملا هذال
2020-05-30 06:50
جورج فلويد كان آخر من انضم لقائمة المقتولين بسبب التميز العنصري في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد توفي الرجل الأسمر، مساء 25 مايو/أيار الحالي، في مدينة مينابوليس، أكبر مدن ولاية مينيسوتا الأمريكية.
ويعمل فلويد الامريكي من أصول أفريقية حارساً في أحد مطاعم المدينة، وأوقفه عناصر الشرطة خلال بحثهم عن مشتبه به في عملية تزوير، اذ أظهر شريط مصور مدته عشر دقائق، شرطياً أبيض، يثبت فلويد أيضا، ضاغطا بإحدى ركبتيه على عنقه.
بيانات نشرتها صحيفة "واشنطن بوست"، أوضحت أن 1014 شخصاً أسودا، قتلوا على يد الشرطة في عام 2019. وتبين عدة دراسات أن الأمريكيين السود، أكثر عرضة لأن يقعوا ضحايا للشرطة مقارنة بالأعراق الأخرى.
ويرجع تاريخ نظام العبودية في أميركا إلى القرن السادس عشر، قبل أن يتم حظره في عام 1808 من قبل الكونغرس، وإلغائه فعليا في فبراير/شباط 1865 بتوقيع الرئيس الأميركي أبراهام لينكولن على "التعديل الثالث عشر في الدستور الأميركي" والذي حرر الجميع من العبودية، ورغم مرور اكثر من قرن ونصف على إلغاء العبودية في أميركا، إلا أن التنميط العنصري ما زال يشكل قاسماً مشتركاً في مأساة الأمريكيين من أصل أفريقي، كما يقول.
هذه الحادثة أدت الى تسخين الحوارات حول معاملة الأقليات في امريكا، التي تعتبر من اكثر البلدان استقبالا للمهاجرين من أصول وجنسيات مختلفة؛ كونها تتمتع باستقرار سياسي واقتصادي كبيرين، فضلاً عن توفر فرص العمل مما يسهل العيش ويخفف من ضغوطات الحياة.
وقد جوبه الاعتداء هذا الذي راح ضحيته احد مواطني البشرة السمراء، بخروج المئات من المحتجين على هذا التصرف الذي يتنافى مع المبادئ الإنسانية والأعراف الأخلاقية، لكن ما تعرضوا له المعترضين من ردة فعل من قبل السلطات في المدينة لم يكن متوقعا.
ان تصاعد العنف ضد المتظاهرين على أسلوب تعامل احد رجال الشرطة في المدينة، يوضح الكثير من الحقائق المرة التي لم نعرفها من قبل وقد يكون خُدع بها المجتمع الدولي، الذي ترسخت لديه صورة نمطية بان امريكا هي موطن الحريات، ومنبع حقوق الإنسان وانصاف البشر، لكن ما حدث ينسف هذه الصورة ويوضح الحقيقة بعينها.
بينما الجهات الدولية المهتمة في حقوق الإنسان لم تصمت كثيرا وعبرت عن ادانتها لهذه الممارسات، اذ نددت مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ميشال باشليه، بمقتل رجل اسود بعد توقيفه في الولايات المتحدة، داعية السلطات الأمريكية إلى اتخاذ "خطوات جادة" لوضع حد لحوادث قتل أمريكيين من أصول إفريقية.
الولايات المتحدة وفي جميع المناسبات الدولية نجدها تحث دول العالم على تجنب العنصرية وصيانة حقوق الأفراد، بينما ما شاهدناه إبان الاحتجاج هو مخالف لما سوقته لنا وسائل الإعلام الغربية والأمريكية تحديدا.
في حين نجد الإعلام في الجانب الآخر مساهم وبشكل كبير في تعميق الصورة النمطية السيئة عن السود وسط المهاجرين إلى أميركا، الأمر الذي أدى إلى تخوف اغلب طبقات المجتمع الامريكي من ذوي البشرة البيضاء من السكن في مناطق الأميركيين من أصل أفريقي.
أمر جعل المواطنين من أصل غير أمريكي يحتاجون إلى مخاطبة المجتمع والكشف عن قضايا أساسية مثل وجود أعداد كبيرة من السود في السجون الأميركية، وإحداث تعديل في النظام العدلي لحماية السود، وجعل لهم ممثلين في السلطة، يناشدون بحقوق الإنسان ويعملون مع الطبقات الأخرى من أجل التغيير، لإنهاء الممارسات والفصل العنصري الذي يظهر في المدارس والسكن ومختلف الأماكن.
الواقعة التي نعيش تطوراتها المتلاحقة استطاعت ان تبين هشاشه النظام الامريكي القائم على السطحية في إدارة المؤسسات، وربما تكون نقطة الشروع نحو نظام يعيش في ظله المهاجرين بحرية اكبر بعيدا عن القيود والضغوط التي تمارس بين فترة وأخرى.
الولايات المتحدة انشغلت في تلميع صورتها لدى الشعوب المختلفة وتركت داخلها يتخبط بعدم التنظيم واحقاق الحقوق، اذ لا يزال اصحاب البشرة السمراء يصعب عليهم مزاولة حياتهم كنظرائهم من البيض، فعلى سبيل المثال لو أجرينا مقارنة بسيطة على المستوى السياسي.
عندما تتبع مسير العملية السياسية تجد الفرق شاسعا في عدد الرؤساء الذين تسنموا المنصب من اصحاب البشرة السوداء مقارنة بغيرهم وهذا دليل واضح على مدى التهميش والعنصرية الحاضرة.
اذا كان الأمر سائر على هذه الشاكلة وبهذه الطريقة فلماذا تتبجح الولايات المتحدة وتحاول ان تأخذ دور الأم الحنون للبشرية بصورة عامة، فتدخلاتها مستمرة في تحديد مصير الشعوب بحجة ضمان حقوق الأقلية وتحقيق الرفاهية لها.
الا انها غير ما تدعي فهي سبب في دمار اغلب دول العالم التي تعيش حالة من الفوضى وعدم الاستقرار السياسي، والشواهد على ذلك كثيرة، آخرها هو ما فعلته بالعراق الذي زعمت انها تريد إنقاذ شعبه من سطوة النظام الظالم كما وصفوه.
الازدواجية التي تعيشها الولايات المتحدة بانت بشكل جلي، وعلى المجتمع الدولي وخلال هذه الأزمة الداخلية ان يتخذ موقفا لما يحصل من انتهاك للحقوق وصل لغاية القتل والضرب المبرح، مثلما تفعل عبر تدخلاتها بشؤون الدول دون طلب منها او رغبة.