مؤسسة النبأ ناقشت حالة الاعلام العراقي في 2022 وتحديات 2023

شبكة النبأ

2023-02-04 05:51

تحرير: حسين علي حسين

عقدت مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام جلسة حوارية في ملتقى النبأ الأسبوعي، جاءت تحت عنوان

(تقييم حالة: الاعلام العراقي عام 2022 - التحديات والفرص خلال 2023)، حضرها عدد من الباحثين والأكاديميين والكتّاب والصحفيين والإعلاميين.

حيث قال الباحث الأستاذ علي الطالقاني إن تقرير لجنة دعم الصحفيين jac في جنيف كشف عن الانتهاكات التي طالت الصحفيين العراقيين خلال العام 2022. وذكر التقرير أنّ العراق سجّل أكثر من 200 انتهاكاً خلال العام الجاري. بحسب موقع IQ news

وأضاف: عالميا قالت منظمة "مراسلون بلا حدود" إن عدد الصحفيين المسجونين في أنحاء العالم وصل إلى مستوى قياسي جديد عام 2022، وذلك بعدما ارتفع العدد إلى 533 صحفيا، في حين قُتل 57 صحفيا على مدى الـ12 شهرًا الماضية.

وأكدت المنظمة في حصيلتها السنوية ارتفاع عدد الصحفيين الذين قُتلوا إلى 57، ولا سيما بسبب الحرب في أوكرانيا، وذلك بعدما تم تسجيل مستويات "متدنية تاريخيا" بلغت مقتل 48 صحفيا عام 2021، و50 صحفيا عام 2020. ويزيد عدد الصحفيين المسجونين هذه السنة بـ40 صحفيا عن العام الماضي، الذي سجل في الأساس عددا تاريخيا بلغ 488 صحفيا، حسب المنظمة الحقوقية.

ثم قال: وفي بيان مشترك بشأن سلامة الصحفيين بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة لعام 2022، قال رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة ورئيس المؤتمر العام لليونسكو ورئيس مجلس حقوق الإنسان: نذكّر بالأهمية القصوى لضمان تمكين الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام من ممارسة عملهم بصورة حرة ومستقلة وآمنة وخالية من أي عائق أو تهديد أو أعمال عنف انتقامية.

فلا يمرّ يوم إلا ونستحضر مدى أهمية المعلومات التي يقدمها الصحفيون والعاملون في وسائل الإعلام للديمقراطية، وتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها، ومكافحة الفساد، وتحقيق التنمية المستدامة، وصون السلم والأمن الدوليين.

وقد اعتمدت هيئاتنا قرارات وإعلانات والتزامات عديدة بشأن سلامة الصحفيين، ومنها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر في عام 2021 بشأن سلامة الصحفيين ومسألة الإفلات من العقاب (القرار 76/173)، وقرار مجلس حقوق الإنسان الصادر في عام 2020 بشأن سلامة الصحفيين (القرار 45/18)، والاعلام الصادر في عام 2021 بشأن المعلومات بوصفها منفعة عامة (قرار المؤتمر العام لليونسكو 41م/41). فضلاً عن ذلك، وُضعت "خطة عمل الأمم المتحدة بشأن سلامة الصحفيين ومسألة الإفلات من العقاب" التي اعتمدها منظومة الأمم المتحدة في عام 2012، والتي تمثل إطاراً للتنسيق بين مختلف الجهات المعنية على صعيد الأمم المتحدة.

وأضاف الطالقاني: ثمة تحديات كثيرة ما زال يتعيّن التصدي لها في هذا الصدد، ومنها ارتفاع معدل حالات الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين، وتنامي عدد الصحفيين المحتجزين وازدياد تعرضهم للمضايقة القانونية، وللعنف عبر الإنترنت، واستخدام أدوات المراقبة لعرقلة العمل الصحفي، وتنامي عمليات الاعتداء على الصحفيات، وازدياد عمليات القتل في الأماكن الخالية من النزاعات.

ولمواصلة إحراز التقدم في الدفاع عن سلامة الصحفيين وحرية التعبير وانتفاع الجميع بالمعلومات خلال السنوات العشر المقبلة، لابد من دعوة الدول الأعضاء، ومنظومة الأمم المتحدة، والهيئات الإقليمية، والمجتمع المدني، والسلطات القضائية، وجميع الجهات الفاعلة المعنية إلى توحيد الجهود لمواصلة تعزيز البيئة الآمنة التي تمكّن الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام من ممارسة عملهم، وحماية حق كل المواطنين في الحصول على معلومات جديرة بالثقة، غالباً ما تساهم في إنقاذ الأرواح.

إحصائيات عن حالة الصحافة في العراق

من جهته نقل الأستاذ عصام علاوي مدير تحرير وكالة النبأ للاخبار، مجموعة من الارقام عن الانتهاكات التي طالت الصحفيين العراقيين خلال العام 2022، حيث سجّل العراق أكثر من 200 انتهاكاً خلال العام الجاري. بحسب موقع أي نيوز، فيما رصدت جمعية الدفاع عن حرية الصحفيين في العراق 380 انتهاكا ضد الصحفيين العراقيين خلال العام الجاري، وذكر تقرير الجمعية إن بغداد تصدرت المحافظات بمعدل 80 انتهاكا خلال عام 2022 تليها أربيل بـ 73 حالة انتهاك، ويعتبر العراق واحدا من أخطر البلدان بالنسبة للصحفيين، إذ وضع جدول التصنيف لحرية الصحافة العراق في عام 2021، بالمرتبة 163 من أصل 180 دولة، وتقول الاحصاءات أن 237 صحفيا من جنسيات مختلفة داخل العراق قُتلوا خلال الفترة ما بين 2003 و 2020، وبينت الإحصائيات أخطر السنوات التي مر بها الصحفيون داخل العراق، إذ شهد عام 2006 و 2007 قتل 88 صحفيا على يد جماعات مختلفة.

أكثر أنواع الانتهاكات شيوعا في عام 2022 انتهاكات الضرب ومنع وعرقلة التغطيات من قبل القوات الأمنية الرسمية، واعتقال واحتجاز دون مذكرات قبض، وكذلك مداهمات وهجوم مسلح على مؤسسات إعلامية، ومنازل صحفيين ودعوات قضائية ضدهم وإصابات أثناء التغطية، وحالات تهديد بالقتل والتصفية الجسدية، وحالات تقييد جاءت نتيجة كتب رسمية صادرة من جهات حكومية.

بعد ذلك تم طرح سؤالين للنقاش:

السؤال الأول: كيف تُقّيم واقع الاعلام العراقي خلال 2022؟

السؤال الثاني: ما هي التحديات والفرص خلال 2023؟

المداخلات

وضع تقييم ستراتيجي للإعلام

الدكتور حسين السرحان/ أكاديمي وباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية:

أنظر إلى الإعلام كجزء من منظومة الدولة كلّها، ومنظومة الدولة تضم النظام السياسي الحاكم، وإدارة الشؤون العامة، والمؤسسات الأخرى أيضا والمجتمع، فإذا أردنا تقييما أساسيا للإعلام العراقي نحتاج إلى أن نقيّم الخطط التي تم العمل في ضوئها والأهداف التي تحققت، أو عدم تحققها، لذلك أنا أرى أن مسألة التقييم صعبة، لكنه يمكن الكلام في نظرة عامة عن واقع وسلوكيات الإعلام العراقي.

الإعلام العراقي بصراحة منقسم، منقسم سياسيا، ومذهبيا، وقوميا، أو على أساس العرق، عربي، كردي.. وللأسف الإعلام العراقي غير مستقل، وهذه الصفة ليست معيبة في الإعلام بقدر ما يعبر الإعلام نفسه عن وجهة نظر معينة، أو يراعي مصالح الجهة السياسية التي يتبع لها، ولا أتصور يوجد في العالم مؤسسة إعلامية مستقلة تماما، لكن يبقى الحاكم الأساس أن هذه المؤسسات الإعلامية العراقية، تنصاع وتكون في خدمة توجهات حزبية ضيقة وهي توجها مشوهة، مخادعة قائمة على أساس تلبية المصالح الحزبية، وحتى وصلت إلى المصالح الشخصية، زعماء الأحزاب وغيرهم.

لذلك نلاحظ أن الإعلام يلهث وراء تعزيز هذه المصالح، والسبب لا يعود للإعلام نفسه لاسيما أن الإعلام العراقي يضم شخصيات مهمة كثيرة، وإنما تبقى حبيسة توجهات سياسية معينة، لذلك نلاحظ ان بعض السلوكيات والتحركات والنشاطات السياسية تخدم الجهة الحزبية بشكل مباشر، في حين – وهذا لا ضير فيه- إذا كانت الجهة الحزبية تسعى وراء المصلحة الوطنية، لأن الاختلاف الحزبي والتعددية السياسية هي شيء إيجابي في النظام السياسي وفي الدولة التي تعتمد رؤية أو هدف تشجيع المشاركة السياسية.

لكن السبب يكمن في الأحزاب نفسها التي تمول هذه المؤسسات الإعلامية، وأيضا توجهات هذه الأحزاب التي تجبر القوانين على هذه المؤسسات، كي تتبنى توجهات معينة وطرح أفكار معينة وطرح برامج وعناوين معنية باتجاه خدمة هذا الهدف.

كما أن التفاهة سيطرت على قطاعات واسعة في الدولة العراقية وباقي العالم أيضا، كذلك سيطرت التفاهة على الإعلام أيضا، ونلاحظ هناك شخصيات معينة يعوَّل عليها اليوم وتظهر في القنوات الفضائية، على أساس كثرة المشاهدات والاعجابات والمشاركات وغيرها.

من المؤسف أن نحجز القمر الصناعي ساعة كاملة بمبلغ كبير من الدولارات لكي نعرض شخصيات تافهة فقط لكثرة الحصول على مشاهدات بسبب المشادات التي تحدث بين هذه الشخصيات الهزيلة.

في ظل أزمة مركبة تعيشها الدولة العراقية، أزمة سياسية، أزمة اقتصادية، أزمة اجتماعية، أزمة تعليم، أزمة تنشئة، أزمة في كل شيء، فمن غير المعقول توجد كل هذه الأزمات ونأتي نستضيف شخصيات بهذا المستوى الهابط على الفضائيات، والمشكلة الأساس أن هذا الإعلام اليوم خصوصا بعد تشكيل الحكومة الأخيرة، أصبح الإعلام كله باتجاه واحد، كان هناك نوع من التعارض الإعلامي ولكن حاليا الكل هم نفس النسق، علما يوجد لدينا 44 قناة فضائية أو أكثر، وهذه القنوات جميعا تصب في مسار معين، فهي التي تظهر على الرأي العام، لذا من غير المعقول أن الجهات أو المؤسسات التي تؤثر في الرأي العام تخدم جهات وشخصيات معينة أو توجهات سياسية أو حزبية معينة.

بالنسبة للفرص الممكنة للإعلام في سنة 2023، بالإمكان للمختصين بالإعلام والنقد الأدبي والمختصين بالتنشئة الاجتماعية والعلوم الاجتماعية والإنسانية، بإمكانهم أن يقفوا ويدققوا كثيرا في كثير من النقاط، وفي رأيي من الممكن وضع تقييم ستراتيجي للإعلام، وبإمكان مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام والتي هي مؤسسة إعلامية وتضم نخبة جيدة من الشباب بإمكانها أن تتعاون مع مؤسسات أخرى وتقوم بإصدار تقرير استراتيجي في نهاية كل عام يتضمن السلوكيات الإعلامية وتقييمها وطرح البدائل أو التشريعات أو الأطر القانونية أو السياسية أو الاجتماعية، التي تعمل على تصحيح مسيرة الإعلام العراقي.

أنا أنظر إلى هذه الخطوة باعتبارها خطوة رائدة، ومن الممكن أن تنفرد بها مؤسسة النبأ ويكون لها دور إذا كان التقرير متقنا وليس كلاما فقط، بل تقرير مبني على استطلاعات رأي ومسوحات ميدانية، يحتاج أن نخصص له وقتا وجهدا وأموال أيضا، حتى نكون رائدين ويكون هذا التقرير مصدرا للآخرين، في مسيرة الإعلام العراقي كالتقارير الاستراتيجية التي نكتبها عن السياسية والاقتصاد وغيرهما.

فنحتاج إلى تقرير خاص بالإعلام العراقي، ومن خلال هذا التقرير يمكن أن نحدد نقاط الضعف، والفرص والتوصيات التي يمكن أنعمل في ضوئها في السنة الجديدة، يعني من الممكن لأن يكون هذا التقرير كخارطة طريق لنا كمؤسسة وأيضا للزملاء والمؤسسات الإعلامية الأخرى.

ابتعاد الإعلام العراقي عن صناعة الأحداث

الباحث محمد علاء الصافي، في مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث:

إن الإعلام العراقي كان ولا يزال بعيدا عن صنع الحدث في الساحة العراقية، لذا نراه يتأثر دائما أما بالإعلام الإقليمي الذي يكون متحكما بالوضع العراقي، لاحظنا الكثير من الأزمات نراه يترقب ردات الفعل الإقليمية حول الوضع العراق. ويتناقل آراء الآخرين بما يدور في الساحة العراقية، لكن الإعلام العراقي لا يجرؤ على توجيه الرأي العام بالداخل إلى بعض القضايا، مثلا تلك التي تساهم في توحيد الناس أو تسليط الضوء على القضايا المهمة والابتعاد عن القضايا الهامشية.

لا يمكننا أن نقيّم من دون استبيانات أو دراسة واسعة للموضوع، كذلك نرى المؤسسات الإعلامية في العراق، رغم أن بعضها يمتلك من التمويل الشيء الكبير، من أحزاب سياسية أو مؤسسات رسمية، نلاحظ أن تمويلها غير قليل لكنها تبتعد عن صناعة الأحداث، وتتأثر بـ (الترندات) التي تنتشر في مواقع التواصل الاجتماعي، أكثر من أن تطرح هي نفسها قضية مهمة وتحاول أن تناقشها وتقدم ملاحظاتها سواء للجهات الرسمية أو حتى للجهات الموجودة في الشارع.

أما التحديات التي تواجه المؤسسات الإعلامية فهي قضية الميول والجهات التي تمثلها، فنحن نعرف جيدا أن الإعلام في العراق تقوده الأحزاب السياسية التي هي بالأساس متورطة في قضايا الفساد وحتى الجرائم السياسية التي أشارت لها الورقة ومنها قضية الإفلات من العقاب، ومحاسبة المتسببين بالاعتداءات على المؤسسات الصحفية أو حتى على المواطنين بشكل عام.

لذا نلاحظ أن الإعلام يبتعد دائما عن هذه المواضيع ويركز فقط على القضايا أو (الترندات) التي تجلب لها المشاهدات، أو إثارة الناس من ناحية الكراهية مثلا والشتم، وتصنع الخلافات بين الناس، حتى على مستوى القضايا الرياضية وليس السياسية فقط. لذلك فإن التحديات هي على المؤسسات الإعلامية أن تثبت رصانتها وحياديتها، في تناول القضايا المختلفة، وهذا هو التحدي الأكبر الذي يواجه الإعلام كما أراه في سنة 2023.

إعلام سلطة

الباحث باسم الزيدي في مركز الإمام الشيرازي لدراسات والبحوث:

من المفترض أن نعود إلى الجذور إذا أردنا أن نقيّم الإعلام، فالمعروف عن الإعلام في العراق هو إعلام سلطة، أي يخلق رأي عام يتناغم مع تطلعات وميول السلطة، بعد 2003 كانت هناك فرصة حقيقية للتغيير، والكل نادى بأن يتحرر الإعلام من قيود الماضي، لكن المشكلة أن مقومات هذا التحرر فُقدت أو تلاشت ويمكن أن نعتبرها تحديات لعام 2023، وأهم هذه التحديات أو المقومات التي كان مطلوبا إنجازها لكي يتحرر الإعلام من جديد هي:

التحدي الأول: الاحترافية، هذه واحدة من المعاناة الكبيرة التي يعاني منها معظم الاعلاميين وهي عدم وجود الاحترافية التي من الممكن أن يجابه بها الإعلام العالمي.

التحدي الثاني: التمويل، ونعني به طبيعة تمويل المؤسسات الإعلامية العالمية لها تمويل خاص بها بحيث تستطيع أن تخلق رأي عام من دون أن تتعرض إلى مضايقات أو حجب، لذا فإن أغلب المؤسسات الإعلامية مصادر تمويلها نضعها بين قوسين.

التحدي الثالث: هامش الحرية الممنوح للمؤسسات الإعلامية، وهو هامش ضيق جدا، لذلك فإن هذه العوامل جعلت الإعلام بالعراق أشبه بالديمقراطية في العراق، حيث ينادي الجميع بالديمقراطية ولكم لا توجد مقومات لبناء ديمقراطية في العراق، لذلك لا توجد مقومات أيضا لبناء إعلام حر وناهض وقوي يؤثر في الرأي العام العراقي لعدم وجود مقومات حقيقية له.

الإمام الشيرازي (رحمه الله) قبل أكثر من خمسين سنة، تحدث عن الإعلام بإسهاب، وفي ذلك الوقت كان ينادي بوجود (قمر صناعي) ومن يسمع هذا الكلام قد يظن إنه شيء من الخيال، وهذا القمر خاص بالعرب، مع مؤسسات رصينة وآلاف الفضائيات والكتب، كذلك رسم خارطة لكيفية جعل الإعلام حر وقوي ويعتبر جزء من حقوق المواطن، لأنه الإعلام يعد خط الصد الأول للدفاع عن حقوق المواطن وحرياته، لأنه من دون الإعلام الحر لا يمكن أن ينهض المواطن.

تجربة ناشئة

الدكتور اسعد كاظم شبيب، أكاديمي وباحث:

من دون شك ان الاعلام يودي ادوارا هامة على مختلف الاصعدة، وتقييم الاعلام في العراقي يتباين من مساحة إعلامية إلى أخرى، لكن الذي يوشر على مجمل الاعلام بأنه لا يزال مسيطر عليه من قبل جهات حزبية تتقوقع داخل ايديولوجيات ضيقة. من هنا ان تجربة الإعلام في العراقي رغم الانفتاح الحاصل بعد التغيير من النظام الاستبدادي تعد تجربة ناشئة ولم تصل لمرحلة الاحتراف.

لا فرص في ٢٠٢٣

الأستاذ جواد العطار، باحث وكاتب:

من الصعب بمكان تقييم واقع الاعلام في بلد يشهد عدم استقرار سياسي وصدامات مسلحة وانتشار للإرهاب، وهذا ما شهده العراق خلال عام ٢٠٢٢ وقبيل نهايتها بشهرين التي تكللت بتشكيل حكومة بعد مخاض عسير استمر لأكثر من عام.

لكن من الممكن تقييم التحديات والفرص في عام ٢٠٢٣ بالنسبة للإعلام في العراق والتي تتلخص بالتالي:

التحديات:

١. استقلالية الاعلام، وهو امر غائب عن المشهد منذ فترة طويلة، فلا يوجد اعلام مستقل بالعراق الا ما ندر.

٢. مشاكل التمويل، حيث يعاني الاعلام من مشكلة تمويل اعماله واستمراره.

٣. التدخل السياسي، في العمل الاعلامي والضغوط التي تمارس عليه.

٤. التحدي الأمني، الذي جعل الاعلاميين جميعا في مرمى معارضيهم، حد القتل والاختطاف.

٥. التحدي القضائي، وهو تحدي جديد دخل الى الساحة وادخل اغلب الإعلاميين في مشاكل قضائية تقام عليهم من الساسة نتيجة انتقاد او إثارة قضية عامة.

الفرص:

حقيقة لا فرص في العام ٢٠٢٣ بإعلام عراقي حر ونزيه ومستقل وايجابي مهني محايد، في ظل التحديات المطروحة، وحتى لا نكون متشائمين فان الفرصة ما زالت قائمة امام الاعلام العراقي للنهوض والارتقاء اكثر ولكن ليس في العام القادم بل في الأعوام القادمة ان توفرت ظروف افضل.

قصور المنظومة التشريعية

الحقوقي أحمد جويد، مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات:

الورقة ركزت على الجانب الصحفي أكثر من تركيزها على الإعلام، ولابد من التفريق بين الصحفي والإعلامي، فكل صحفي هو إعلامي ولكن ليس كل إعلامي هو صحفي، وما تعرض له الصحفي في العراقي هذه السنة والسنوات الماضية، بسبب قصر المنظومة التشريعية في سن القوانين التي تحمي الإنسان أو العامل الصحفي في العراق، لكن الإعلامي الآخر يكون بمنأى عن هذه الانتهاكات لأنه إعلامي أما أن يروج عن شيء أو بضاعة معينة أو غيرها.

كذلك يجب أن نفرق بين الشخص الإعلامي والمؤسسة الإعلامية، الكثير منا يبحث الآن عن الشخص الإعلامي أكثر من البحث عن المؤسسة الإعلامية أو يبحث عن المؤسسة الإعلامية أكثر مما يبحث عن الإعلامي.

النظام السياسي دائما ما يلقي بظلاله على الإعلام، فإذا كان نظاما ديمقراطيا سوف يوفر الحصانة والحماية للصحفي والإعلامي، ويترك هامشا كبير من الحرية للبحث عن الحقائق ولكشف ما هو مخفي عن السلطة، حيث يقوم الصحفي بدوره في توضيحه، وخاصة في القضايا الاستقصائية، لكن في مناخ سياسي مثل المناخ السياسي العراقي لا أعتقد أن السلطة ترتاح إلى عمل الصحفي الذي يبحث عن القضايا المخفية ويخرجها إلى العلن، ودائما ما تعد أن هذا الصحفي يستهدف السلطة، أو يستهدف الجهة التي تنتمي لها هذه السلطة، وبالتالي يكون النظام السياسي عائقا كبيرا سواء كان النظام يتمثل بالدكتاتورية أو التزمت او التسلط فيعد عائق كبير أمام الإعلاميين والمؤسسات الإعلامية.

نأمل في العام الجديد أن تكون الحكومة الحالية، مهتمة بهذه القضية وأن تكون عونا للجهات الإعلامية ومساندة لها، في التركيز على قضايا كبير وخاصة ما يتعلق بملف الفساد الذي ينخر جسد الدولة اليوم، بالإضافة إلى قضايا الانتهاكات التي يتعرض لها الأشخاص وخاصة الناشطون المدنيون، أو الأشخاص الذين يطالبون بحقوقهم.

عمق التحديات القانونية والاجتماعية

الدكتور علاء الحسيني أكاديمي وباحث في مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات:

في البدء هناك تحديات كبيرة يواجهها الإعلام في العراق وفي جميع دول العالم، بدءا من التحدي الأمني الذي أفاضت به الورقة كثيرا، ومرورا بالتحديات الأخرى، كالتحدي القانوني، والتحدي الاجتماعي، والتحدي الثقافي، لا يزال هنالك مثلا لاسيما المؤسسات الرسمية إن ثقافة الإعلام كمّ وليس نوع، وبالتالي لو أخذنا اليوم مكتب رئيس الوزراء، نجده يوميا ينزل ما يقارب 200 خبر في اليوم أو كذا عدد من الأخبار، أي هناك تركيز على الكم من دون نوع، وهناك أخبار بسيطة جدا، مثلا خرج رئيس الوزراء ودخل رئيس الوزراء، يعني نشر أخبار بلا بوصلة وضاع المحتوى.

يبدو لي إن بعض الصحفيين حتى ثقافيا يعوزهم الكثير كأنهم غير مختصين بالإعلام، فيأتي ويزج نفسه مباشرة بهذه المهنة وكأنها مهنة من لا مهنة له، وهذه كارثة عانينا منها حقيقة، حتى على مستوى المحاماة، فكثير من الناس تعمل في المحاماة وكأنها مهنة من لا مهنة له، الإعلام اصبح على هذه الشاكلة أيضا، فكل شخص لا يمتلك مهنة يزج بنفسه كإعلامي من دون مهنية ولا تكوين ثقافي ولا فني ولا أكاديمي، أو مهني، لذلك نلاحظ أن التركيز على بعض الأمور البسيطة التافهة التي لا تعبر عن رسالة الإعلام العظيمة التي يمثلها الإعلام.

كذلك هنالك تحدٍّ قانوني، فكثير من المسائل لا يزال يعاني منها الإعلام بسبب عدم وجود الأرضية القانونية الصالحة، هيأة الإعلام والاتصالات أريدَ لها أن تكون هيأة دستورية ترعى الإعلام لا أن تحاسب وتراقب الإعلاميين وتكون كالشرطي عليهم، تراقب بما ينطقون وما يتكلمون به، وتكون كالسيف المسلط على رقابهم، لكن هذا ما أرادته السلطة اليوم بموجب الأمر الإداري المرقم 64 سنة 2004، جعل هيأة الإعلام سيف مسلط على من يطرح الأمور التي تخدش الحكومة ومؤسساتها، بغض النظر عن نوع الهدف الذي كانت تسعى إليه هذه المؤسسات الإعلامية، هل هي تسعى للإصلاح ومحاربة الفساد أم إنها كانت مسائل عابرة.

التحدي الآخر هو التنظيم أو التحدي التنظيمي، فبعض المؤسسات الإعلامية اليوم هي جزء من منظومة الفساد، بل هي الفساد بعينه، إما لأنها تابعة لمؤسسات إعلامية للأحزاب الفاسدة، وما لأن جهات أخرى تعتاش على الفساد تمول هذه المؤسسات الإعلامية أو لها أهداف معين، لذلك فإن المؤسسات الإعلامية المحايدة المستقلة أصبحت قليلة جدا، ولعلها محدودة جدا ومحاصرة وإمكانياتها قليلة جدا، فالتنظيم جعل بعض الإعلاميين الأحرار أن يذهبوا إلى الفضاء الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي حتى ينشط إعلاما هناك، فيرصد بعض الأخبار وبعض المخالفات وبعض الظواهر ويبدأ يحاول بمعالجتها بطريقته الخاصة، العلمية، المهنية، وهذا ما نلاحظه من بعض الناشطين الإعلاميين، في وسائل التواصل الاجتماعي، وهم يعملون بجهود فردية وبأدوات بسيطة جدا وغير مدعومة.

لذلك كان هذا التحدي كبير جدا خلال عام 2022 وما سبقه من سنوات، ويمكن من التحديات الأخرى التي نلاحظها، التحدي البوليسي وليس الأمني فقط، والمنطق الذي تتحدى به الإعلام أو الإعلاميين، وكذلك عدم إتاحة الفرصة أمامهم للحصول على المعلومة إلا من خلال طرق معينة تكون فيها بعض المخالفات لأحكام القانون، وهذه مشكلة لأننا لا نمتلك قانونا ينظم هذه المسائل، أي الحق في الحصول على المعلومة سواء كان بالنسبة للمواطن أو الإعلامي. إذًا هي مجموعة كبيرة من التحديات.

أما الفرص التي من الممكن استشرافها في عام 2023، أتصور لو كان بالإمكان إعادة النظر في بعض التحديات وتحويلها إلى فرص، من خلال إعادة بعض القوانين النافذة، من خلال السعي إلى تأسيس مؤسسات إعلامية مستقلة مهنية قادرة على مجابهة آلة الفساد في العراق، او دعم مؤسسات الإعلام المستقلة، محاولة هذه المؤسسات الإعلامية الاندماج أو التحالف فيما بينها حتى تسعى ألى وضع تنظيمي أفضل وإلى إمكانيات أكبر قدر على تتبع كثير من الأمور، لأن ما نحتاجه كبير، مثلا الصحافة الاستقصائية في العراق، فهي متأخرة إلى حدود كبيرة جدا، في حين لو أتيح لهذه المؤسسات الإعلامية أن توفر بعض الإمكانيات المادية للصحفيين العاملين فيها لكان من الممكن أن يقطعوا أشواطا متقدمة في الصحافة الاستقصائية، لتقصي الظواهر والجرائم والمخالفات والأشياء التي حصلت سابقا أو تحصل في العراق.

الإعلام الريعي وغياب التثقيف العميق

الشيخ مرتضى معاش:

إذا أردنا أن نركز على أهم قضية في عام 2022 دون أن ننظر إلى الإعلام بشكل عام، فالتقييم يدل على أن الإعلام العراق لم يستطع في عام 2022 ان يستوعب أهم تحد له، ويتفاعل مع الحدث تفاعلا إيجابيا، مهما قادرا على أن يغطيه ويكون له دور في هذا الحدث، وهو قضية تشكيل الحكومة، وقضية الأحداث التي رافقتها والتأخير الذي حدث في ذلك، وهذا تعبير عن خلل كبير جدا وهشاشة في حالة الإعلام العراقي.

هناك عدة أسباب:

أولا- لأنه إعلام ريعي، وهو نتيجة لهيمنة الأحزاب واحتكارها لمصادر القوة والسلطة السياسية والاقتصادية، بالإضافة إلى أنها أصبحت مهنة وليست رسالة، لذلك نلاحظ أن الإعلامي يندمج ويصبح مدجنا في هذا الوضع الريعي الموجود في هذا البلد، فتغيب رسالته ويغيب جوهر الرسالة الإعلامية.

وهذا ما لاحظناه في عام 2022، بحيث نرى أن التغطية الأساسية الإعلامية للوضع العراقي، كان من الخارج وليس من الداخل، مثل وكالات الأنباء العالمية، القنوات الفضائية العربية، هي التي كانت تغطي الأحداث العراقية، بشكل مباشر وقوي. أما الإعلام العراقي فنراه غائبا لاسيما الإعلام الحكومي، وهو إعلام خائف على مصالحه وعلى وضعه.

ثانيا- الوضع الأمني، لا يساعد على مواجهة هذه التحديات بسبب وجود الميليشيات، وصعود القوة الأمنية والبوليسية في البلد، فأصبحت هذه القوى الأمنية مصدر قوة تواجه المجتمع المدني وتواجه المؤسسات الإعلامية المستقلة.

ثالثا- قضية العرض والطلب، فالشارع العراقي اليوم نتيجة لانغماسه في حالة اليأس وحالة التراجع السياسي، أخذ يبتعد عن الوسائل الإعلامية وينغمس بصورة أكثر في شبكات التواصل الاجتماعي، فنلاحظ عدم وجود طلب على وسائل الإعلام، فالعرض بسيط وغير جيد وليس كافيا، وذلك لهيمنة شبكات التواصل بكل مساوئها ورداءتها ومعلوماتها السيئة، وبالنتيجة التدوير الهائل للمعلومات السيئة والكاذبة الذي يتم عبرها.

ولهذا نلاحظ أن شبكات الإعلام حاولت أن تتماشى مع شبكات التواصل الاجتماعي، وان تسير في منهجها، في عملية التدوير السيّئ للقمامة المعلوماتية التي تفرزها هذه الشبكات الاجتماعية، بالإضافة إلى غياب القدرة على الحصول على المعلومة بالنسبة لوسائل الإعلام العراقية، فليس هناك معلومة، وحتى لو كانت لديه معلومة فإن غياب القدرة وغياب الحماية اللازمة لتمرير هذه المعلومات بشكل مناسب حتى تصبح مؤثرة ومفيدة بالنسبة للساحة العراقية.

في ظل هيمنة شبكات التواصل الاجتماعي أصبح الإعلام سطحيا وتفها، وتتفيه وسائل الإعلام العراقية وجزء كبير من التتفيه الذي يحصل تقوم به بعض الجماعات الحاكمة، فهي التي تقوم بتسطيح عمل وسائل الإعلام وجعلها غير مؤثرة لتكريس حالة التجهيل العام، وبالتالي ابتعاد المواطن عن الاهتمام بالشأن العام، بحيث لا يكون مؤثرا وفاعلا ومتفاعلا بالشكل المطلوب.

لذلك غاب التثقيف العميق عن وسائل الإعلام العراقية، الذي يمارس دوره في عملية بناء المواطنة والوعي والتفاعل مع القضايا المهمة، وغابت القضايا الأساسية التي تعتبر مهمة جدا في سنة 2022، والخطرة بالنسبة لمستقبل العراق، مثل قضية التغيّر المناخي، والاحترار المناخي، والجفاف وشح المياه وسوء التعليم والبطالة. والمشاكل الاجتماعية الكبيرة ومنها الهجرة والنزوح من الجنوب إلى الشمال، وهذا لم يسلَّط الإعلام العراقي الضوء عليه، بل المؤسسات الدولية والإعلام الدولي هو الذي سلط الضوء عليه، فالبنك الدولي الذي هو أصدر التقرير حول الهجرة المناخية وأكد على أن العراق من بين أكثر خمس دول في العالم متضررة مناخيا، وليس الإعلام العراقي الذي سلط الضوء على هذه القضايا الخطيرة.

أما بخصوص الفرص المهمة التي يحتاجها الإعلام العراقي في 2023، فهي كما أعتقد الفرصة الأخيرة، لأنه اليوم مع تطور مصادر القوى في الدولة العراقية التي أصبحت بيد قوى تمتلك المال والسلطة والسلاح، فسوف تقوم بخنق وتحجيم وسائل الإعلام إلى أبعد حد، وقمع حرية التعبير إلى أبعد حد، ولكن اليوم هناك فرصة، فمع كل المخاطر فإن العراق له مساحة أفضل في حرية الإعلام والتعبير في المنطقة والدول المجاورة للعراق ودول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وان كان بشكل نسبي.

فالفرصة في سنة 2023 هو النضال من أجل حرية التعبير، أما إذا تم الاستسلام للقوانين القامعة لحرية التعبير، فسوف يؤدي ذلك إلى تدجين كامل وتام للإعلام العراقي، وهذا يحتاج إلى تطوير الإعلام ثقافيا، ليقوم بمعالجة الأمور معالجة عميقة وجيدة، وأيضا من الضروري أن يكون هناك تحالف قوي بين الإعلاميين لمواجهة القوانين القامعة، وضرورة تطوير الإعلام ثقافيا وفكريا، حتى يصبح خطا أو تيارا ناجيا، في عملية الاستقلال والقدرة على ممارسة رسالته ودوره في التثقيف والتوعية.

تعارض بين القوانين والدساتير

المحامي صلاح الجشعمي، مؤسسة مصباح الحسين للإغاثة:

أتكلم في جزئية معينة، تتعلق بالنظام القانوني في الإعلام والصحافة بالعراق، والتحديات والفرص الموجودة، النظام القانوني للإعلام في العراق يبدأ من الهرم وهو دساتير العراق، من الدستور الأول في 1925 إلى 2005، أكد في نصوصه أن الدولة تكفل حماية الإعلام، وينظم الإعلام بقانون، أي أنه هناك أساس قانوني، لكن المشكلة بالاعلام في العراق، أن هناك تعارض واضح بين القوانين العراقية وما جاء في الدساتير.

يعني القانون العراقي فيه الكثير من النصوص تخنق حرية الرأي والإعلام، والصحافة، بتعابير من المفترض أن يتم تعديلها، كالاعتداء، وكثير من المسائل التي لاحظناها، حيث قدم القضاء شكوى على بعض الصحفيين، كذلك هناك ما قيد حرية الرأي والإعلام في هيأة الإعلام والاتصالات، وكذلك قانون الجرائم المعلوماتية، يعد نوع من التقييد للإعلاميين.

ولدينا مسألة أخرى أيضا هي مسألة القضاء، مجلس القضاء الأعلى سنة 2010 صدر توجيه إلى محاكم الاستئناف بإنشاء محاكم للنشر والإعلام، ثم ألغيت هذه المحكمة سنة 2017، وهي محكمة لا تعرف ما هو عملها، وقوانينها مترهلة، وفي 2022 جاء توجيه آخر من مجلس القضاء بتشكيل محكمة النشر، يعني ألغيت محاكم النشر في 2017 وفي الشهر التاسع 2022 نتيجة برامج تشكلت دعاوى ضد إعلاميين.

في المحكمة الأولى كان هناك قضاء ينظر للأمور المدنية والجزائية، أما المحكمة التي تشكلت سنة 2022 أصبحت تنظر للدعاوي جزائيا، وتخصصت بالإعلام والصحافة وهذا مؤشر خطير جدا، لذا نحن نتعرض إلى إرهاب الدولة في الإعلام.

المطلوب من القوى الإعلامي بالعراق، أن تحاول تكوين رابطة إعلامية بالتعاون مع نقابة الصحفيين، والضغط على الدولة والحكومة، لأننا سائرين في طريق يذهب بنا إلى إرهاب الدولة وتضييق الحريات، ومنع الإعلام، نعم نحن سائرين في هذا الاتجاه إذا لم نشكل رابطة للإعلام وبمساعدة نقابة الصحفيين والضغط على البرلمان، أن يكون الإعلام حر وعدم تقييد الموضوعات التي يناقشها، لندع الإعلام هو يقيّد نفسه بنفسه.

هناك قضية كانت موجودة عندي، وهي قناة فضائية اشتكت على قناة أخرى، لهذا نريد أن نصل إلى مرحلة أن الإعلام هو الذي ينظم نفسه بنفسه، وليس موجود كمشرع خارج الإعلام وأقوم بتنظيم الاعلام، بل المفروض الإعلام هو الذي يقوم بتنظيم شؤونه وأموره، وما هو المباح له وما هو غير المباح له، وهذه أفضل الحلول لكي نخرج من هذه المآزق التي سنتعرض لها في المستقبل أيضا.

شيوع الإعلام التجاري

الدكتور قحطان حسين طاهر، باحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية:

رغم الوهن والضعف الذي أصاب الأداء الإعلامي، لكن يبقى الإعلام هو السلطة الرابعة ويكاد يكون تأثيره يفوق تأثير باقي السلطات الأخرى، خصوصا في زمن فسحة الحرية الكبير المتاح في هذا الوقت، لكن يبقى الإعلام يعاني من معدة مسائل وعدة مشكلات.

المشكلة الأولى: هي سيادة وشيوع الإعلام التجاري الاستهلاكي الربحي، الذي يضع الربح في أولوياته وأهدافه لتحقيق أكبر قدر من النفع المادي.

بالمقابل نلاحظ غياب تام للإعلام الوطني، الهادف الإصلاحي وهذا النوع من الإعلام بدأ يتلاشى، بل بدأ ينقرض.

المشكلة الثانية: هيمنة الإعلام السياسي وسيطرة الإعلام الحزبي على الوسط الإعلامي، هذا الإعلام عندما يكون إعلاما انتقائيا يأخذ وصفا حقيقيا ويركز على حدث معين ويتجاهل، أحداثا أخرى، وبالتالي يوظف أداءه وعمله الإعلامي لصالح خدمة أجندات سياسية معينة، تعود لأحزاب أو لجهات سياسية محددة.

المشكلة الثالثة: الفساد، يعاني الإعلام من انتشار الفساد أيضا، وكما نعرف أن الفساد كظاهرة عامة تغلغل كثيرا في مفاصل ومؤسسات المنظومة الإعلامية، هذا الفساد اثر بشكل سلبي على الأداء الإعلامي، وبدا لدينا إعلام غير منضبط، إعلام غير مستقر، وأداءه سيّئ جدا، وظهر لنا ما يسمى الإعلام السلبي الهدام الذي يتبنى أجندات بعيدة عن المصلحة الوطنية، وبعيدة كل البعد عن القيم الاجتماعية الأصيلة.

المشكلة الرابعة: الخوف من ردود الفعل الانتقامية، وهذه المسألة أثرت بشكل كبير، على المؤسسات الإعلامية، إلى درجة أن الإعلامي يخشى من قول الحقيقة، ويخشى من متابعة قضية رأي عام ويجمع المعلومات بشأنها، لهذا غابت تماما عملية الاستقصاء الصحفي أو الصحافة الاستقصائية، وهي أهم دور وأهم واجب يتحتم على المؤسسات الإعلامية القيام به.

بالنسبة للتحديات التي تواجه الإعلام، كتقييم هذا الجانب الإعلامي في عام 2022، فالتحديات التي تواجه الإعلام أكيد هي نفسها التحديات التي واجهت الإعلام في 2022، سوف تمتد لتكون تحديات تواجه الإعلام في عام 2023.

وهي الانتقام لدوافع سياسية، والخوف من التنظيمات السياسية التي تريد أن تخفي الحقائق التي تدينها وتعريها أمام الرأي العام، كذلك قلة التمويل بلا مقابل، فهذه مسألة جدا مهمة لأي مؤسسة تحاول أن تؤسس لجهد إعلامي وطني ينقل الحقيقة كما هي بدون تنميق سوف يواجه مشكلة غياب التمويل بلا مقابل، لأن من يمول أكيد وراء هذا التمويل هناك غايات وأجندات وأفكار يريد أن يروج لها هذا الممول وبالتالي هذا أهم تحد يواجه الإعلام الحر، لأنه في الحقيقة الإعلام الوطني الحر أصبح أسطورة أو خرافة لا وجود لها في هذا الوقت.

التحدي الثالث هو قضية الفساد، وكذلك شيوع صفات المزاج التافه للمتلقي، والذوق الهابط لدى أغلب أفراد المجتمع، فيتابع الإعلام الهابط، ويتابع المنتج الإعلامي السيّئ، ويبتعد عن الإعلام النوعي الهادف والجيد، وهذا من التحديات الكبيرة التي يواجهها الإعلام.

أما الفرص التي من الممكن أن يستغلها الإعلام، وينشط ويعيد دوره المؤثر والبناء، من أهم هذه الفرص ازدياد مساحة التأثير الإعلامي على السلطة والمجتمع، نلاحظ الآن الإعلام، سواء كان الإعلام المرئي أو المسموع أو المطبوع، بالإضافة للإعلام الأهم وهو الإعلام الإلكتروني الذي يتمثل بوسائل التواصل الاجتماعي فإن دوره مؤثر جدا ومخيف، للسلطة وللمجتمع، ومن الممكن للإعلام أن يوسع ويزيد هذا التأثير وهذه المساحة الواسعة للتأثير، ويحدد الأهداف التي من شأنها تمضي به نحو التغيير للأفضل، التغيير الإيجابي على مستوى السلطة ومستوى المجتمع.

كذلك من الفرص التي ممكن يستغلها الإعلام توظيف الفضاء الواسع من الحرية فإذا كان لدينا إعلام هادف من الممكن أن ينتهز هذه الفرصة المتاحة من الحرية ويمارس دوره بشكل إيجابي وبناء.

كذلك لدينا عملية التواصل والتفاعل مع الإعلام الدولي، هذه من الفرص المهمة التي يمكن أن يستغلها الإعلام العراقي، فما عاد هناك شيء منغلق، أو حدود عازلة، فالكل قائم بالتواصل مع ما هو دولي، لذا من الممكن للمؤسسات الإعلامي في العراق إذا ارادت أن تبين وجه الحقيقة في موضوع معين نقل كل ما يدور بحرية إلى الإعلام الدولي والأخير سوف يركز على ذلك ويكون تأثيره في هذا الموضوع كبير جدا.

الإعلام هو الطفل الصغير للسياسة

الدكتور مسلم عباس كاتب في شبكة النبأ المعلوماتية:

لا نستطيع أن نسمي الإعلام اليوم (مهنة من لا مهنة له)، بل يصح أن نسميه بأنه مهنة انتقالية، فهناك الكثير من الصحفيين نراه لا يستمر بالعمل الإعلامي، والمستمرون هم نسبة قليلة جدا، وإنما هي مهنة انتقالية من أي اختصاص آخر ليس لديه مجال، فسوف يشتغل في الإعلام، ولكن لماذا أصبح الإعلام مهنة انتقالية؟

إنها مهنة انتقالية لأن الإعلام لا يزال حتى الآن هو الطفل الصغير للسياسة، لحد الآن لم يتخلص الإعلام من السياسة وهو لحد الآن تابع للسياسة، وغالبية المؤسسات الإعلامية وربما جميعها (أنا أسميها مؤسسات إعلامية بقدر ما أسميها الجناح الإعلامي للحزب الفلاني).

هذه الإشكالية إذا استطعنا أن نفطم الإعلام عن السياسة، سوف نربح كثيرا في العراق، وسوف نكسب كثيرا في المجال الديمقراطي، لكن هذا الهدف صعب جدا، وصعب جدا أن تسمح السياسة للإعلام وتعتبره بالغا وينفطم عنها، فلحد الآن السياسة تعتبر الإعلام بانه لا يزال يحتاج التوجيه وتحدد له المسارات التي يسير فيها، وليس له الحق أن يسير بما يراه هو وبما يشاء، وإنما السياسة هي التي تحدد له المسار.

فالسياسة هي التي تضع المسارات للإعلام، وفي نفس الوقت فما يأتي من السياسة إلى الإعلام، مثلا لنفترض أن أحد الساسة حين ينتقد الإعلام فسوف ينتقد قناة معينة في الحقيقة، هذا هو الإعلام الذي ينتقده ولا ينتقد الإعلام بشكل عام، لأننا في الحقيقة لا نمتلك أية منظومة إعلامية في العراق، لأننا نعاني أصلا من غياب البنية الأساسية بالعراق.

من التحديات الداخلية:

النقطة الأولى: كفاءة الصحفيين، من الواضح أن كفاءة الصحفيين اليوم ليست بالمستوى الذي نتمناه أو نتوقعه، فمهنة الإعلام مفتوحة لكل الاختصاصات، مثلا أحدهم خريج قسم الفيزياء ليس لديه وظيفة، لديه علاقة بالحزب الفلاني، أو لديه علاقة بقناة فضائية فجاء به صاحب الفضائية وبدأ يعلّمه بأية طريقة كانت حتى لو بعيدة عن المهنية، وعندما يحصل على التعيين يترك الصحافة ويذهب إلى اختصاصه الأول.

لذلك فإن أي اختصاص يمكنه أن يصبح إعلاميا، لكن طالما عندك مشكلة بالكفاءة فهناك مشكلة حقيقية، وهذا النوع لا يفكر ينفطم عن السياسة، ولا يفكر بحرية الصحفيين أو غيرها، صحيح هو يتكلم بالصحافة أمام الناس، لكن في الحقيقة هي ليست شيء أساس بالنسبة له، لأنه لا يعتبرها مهنته، بل هي مهنة انتقالية، يسير بها حاله إلى أن تأتيه فرصة التعيين في الدولة.

النقطة الثانية: البيئة المؤسساتية، لا يوجد لدينا اليوم بيئة مؤسساتية، سواء بالمؤسسات الصحفية أو بالأحرى نحن نسميها دائما بالدكاكين، لأنك أولا لن تتمتع بعقد عمل رسمي، وليس هناك سقف رواتب، ولا يوجد قانون يحميك، بحيث لو أن مدير المؤسسة أعجبه في يوم ما أن يطردك من العمل، فهذا أمر ممكن جدا، في اليوم الثاني يقول لك أنت مطرود وعليك أن تغادر المؤسسة، هذه حقيقة موجودة، مع العلم يوجد لدينا قانون حقوق الصحفيين رقم 21 سنة 2011، المادة 13، جاء فيها: (لا يمكن طرد الصحفي تعسفيا)، وإذا حدث شيء ما وأسباب موضوعية أو قانونية بحيث لابد أن يغادر الصحفي المؤسسة، فيجب أن تدفع له المؤسسة راتب شهر عن كل سنة خدمها في المؤسسة، مثلا إذا داوم عشر سنوات يجب أن تعطيه المؤسسة رواتب عشرة شهور، لكن غير معمول بهذا القانون مطلقا.

النقطة الثالثة: تحديات تقنية، التحدي التقني الذي يتعلق بالبث الفضائي، ولا يوجد عندنا في العراق قمر صناعي، وبالتالي يمكن أن يقطع عليك البث في أية لحظة من قبل دولة خارجية تسيطر على القمر الصناعي، لأن أداءك الإعلامي لم يعجبها أو رسالتك الإعلامية، فليس لدينا قمر صناعي خاص بنا بحيث يمكن أن نجاري الآخرين.

النقطة الرابعة: طبيعة التمويل، وتعيدنا إلى الجانب السياسي، وبالتالي سوف يصبح إعلاما سياسيا، بحيث تتحول القناة الإعلامية أو أية مؤسسة إعلامية من مؤسسة لنشر الأخبار والمعلومات إلى مؤسسة للتنكيل بالخصوم، وللتطبيل للمموِّل.

التحديات الخارجية:

النقطة الأولى: تحديات العنف، نشرت منظمة مراسلون بلا حدود يذكر بأن العراق وسوريا هما أكثر دولتين فيها عنف ضد الصحفيين من 2003 ولحد الآن، فتم قتل 578 صحفيا فيهما، بينما يقول نقيب الصحفيين يوجد لدينا في العراق وحده 500 شهيد صحفي من سنة 2003 وإلى الآن، يمكننا أن نتخيل حجم العنف الذي يواجهه الصحفي، وإذا قمنا بمقارنة بين عدد الشهداء الصحفيين مع عدد الأحياء منهم فإنها نسبة عالية إذ لدينا 23 ألف صحفي الآن.

النقطة الثانية: ضعف مؤسسات الدولة وتغييب العمل المؤسساتي، فالصحفي اليوم لا يستطيع أن يتعامل مع مؤسسة حكومية بطريقة قانونية، بل يتعامل معها بطريقة علاقاته الخاصة، أما بالقانون فإنه لا يستطيع أن يحصل على أية معلومة، فيأخذها من خلال علاقاته الخاصة، الصحفي سوف يضطر أن يكون صديقا للمصدر، فعندما تحدث مشكلة صحفية مع هذا المصدر فلا يستطيع أن يتناولها، فيصبح لدينا محاباة لأنه لم يتعامل بطريقة قانونية بل عن طريق الصداقة.

ومن القوانين المقيدة لعمل الصحفي قانون نقابة الصحفيين وتعليمات هيئة الإعلام والاتصالات، وأيضا حتى قانون حقوق الصحفيين يظلم الصحفيين، لأنه كل مواد هذا القانون التي عددها 14 مادة، جميعها تنتهي بكلمة في حدود القانون، وقانون العقوبات العراقي ضمن حدود القانون وهي قوانين صادرة في الزمن الدكتاتوري.

النقطة الثالثة والأخيرة: البيئة الاجتماعية، وهي تتعلق بالذوق العام وتفاهة ما يُعرض في الفضاء الإلكتروني. هناك قلة شديدة للمقالات، في العام الماضي سألت طلاب الإعلام كم مقال تقرأ في اليوم أو في الأسبوع أو في الشهر؟، وجميع الاجابات لا توجد قراءة مقال واحد. فهذه البيئة الاجتماعية لا يمكن أن تولد حافز للصحفي كي يُبدع.

وأخيرا لا يوجد لدينا مؤسسات تقييم، فما هي الجائزة المخصصة للصحافة العراقية؟، ما هي جائزتك لكي تصبح أفضل صحفي في العراق؟ لا يوجد لدينا جائزة يمكن أن تسهم بتحفيز الصحفيين لكي يرتقوا بالعمل الصحفي ولكي يتميزوا من بين أقرانهم.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي