امريكا في العراق: لعبة المصالح بالوقت الضائع

عبد الامير رويح

2020-10-10 07:05

تصاعدت الهجمات ضد القواعد العسكرية والإمدادات الأمريكية المتواجدة في العراق بشكل كبير في الفترة الاخيرة، وهو ما اثار قلق ومخاوف العديد من الاطراف التي تخشى من حدوث حرب جديدة داخل العراق، خصوصا مع تفاقم الخلافات والازمات بين الولايات المتحدة وايران التي ازدادت بعد الغارة الجوية التي استهدفت قائد فيلق القدس قاسم سليمانى ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي بالقرب من مطار بغداد وما تبعها من تطورات واحداث اثرت سلباً على امن وسيادة العراق.

وبحسب بعض المراقبين فأن الاحداث المتصاعدة التي يشهدها العراق، يمكن ان تسهم في تفاقم الخلافات الداخلية، حيث شهدت الفترة الاخيرة تصعيد خطير واتهامات متبادلة بعد استهداف قواعد ومعسكرات الولايات المتحدة في إقليم كردستان، وندد رئيس وزراء إقليم كردستان العراق مسرور البرزاني بالهجوم الصاروخي على أربيل ودعا رئيس وزراء العراق إلى محاسبة الجناة. وقال البرزاني حكومة إقليم كردستان لن تتهاون مع أي محاولة لتقويض استقرار كردستان وردنا سيكون قويا“. يضاف الى ذلك تهديد واشنطن ودول اخرى بغلق سفاراتها في بغداد بسبب الهجمات المتكررة، وكان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أنذر العراق بغلق سفارة بلاده لدى بغداد في حال عدم توقف الهجمات عليها، خصوصا الصاروخية منها، وبسحب ثلاثة آلاف عسكري ودبلوماسي.

وحمل الجيش العراقي ”مجموعة إرهابية“ وكما نقلت بعض المصادر، مسؤولية هجوم صاروخي تعرضت له مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق شبه المستقل، وقال في بيان إن الهجوم انطلق من محافظة نينوى في الشمال باستخدام ”راجمة صواريخ“ على ظهر مركبة، مضيفا أنه ”صدرت توجيهات عليا بتوقيف آمر القوة المسؤولة عن المنطقة التي انطلقت منها الصواريخ، وجرى فتح تحقيق فوري“.

في منطقة تشهد استقطابا بين حلفاء إيران في جانب وحلفاء الولايات المتحدة في الجانب الآخر، يمثل العراق استثناء نادرا إذ تربطه علاقات وثيقة بالبلدين. غير أن ذلك جعله عرضة لخطر دائم أن يصبح ساحة معركة في حرب بالوكالة. وتأكد هذا الخطر عندما استهدفت واشنطن قاسم سليماني أهم القيادات العسكرية الإيرانية في ضربة شنتها طائرة مسيرة في مطار بغداد. وردت إيران بإطلاق صواريخ على قواعد أمريكية في العراق.

هجمات جديدة

وفي هذا الشأن حمّلت سلطات إقليم كردستان في شمال العراق هيئة الحشد الشعبي المسؤولية عن استهداف القوات الأميركية في مطار أربيل بصواريخ أخطأت هدفها وسقطت على موقع مجاور تابع لمتمردين أكراد إيرانيين. وقال جهاز مكافحة الإرهاب في بيان إنّ "ستّة صواريخ أطلقت من أطراف قرية شيخ أمير التابعة لمحافظة نينوى من قبل الحشد الشعبي واستهدفت قاعدة التحالف في مطار أربيل الدولي" حيث يتمركز جنود أميركيون.

بدورها أعلنت وزارة الداخلية في حكومة الإقليم الكردي أنّ الصواريخ أطلقت من على متن شاحنة صغيرة من مكان يقع "ضمن حدود اللواء 30 للحشد الشعبي" ولم تتسبّب بأية أضرار. وقالت الوزارة في بيان إنّه، تم إطلاق ستة صواريخ صوب مطار أربيل الدولي، ولحسن الحظ لم تُصب أهدافها ولم تُلحق أي أضرار". وأضاف البيان أنّ "الصواريخ أطلقت من على متن عجلة نوع بيك أب في حدود برطلة بين قرى شيخ أمير وترجلة، وهي مناطق تقع ضمن حدود اللواء 30 للحشد الشعبي". وأكّدت استعداد سلطات الإقليم "لردع أيّ اعتداء" وطالبت بغداد "باتخاذ التدابير اللازمة". بحسب فرانس برس.

وفي بغداد اتّهمت قيادة العمليات المشتركة "مجموعة إرهابية" لم تحدّد هويتها بإطلاق هذه الصواريخ، مشيرة إلى أنّه "صدرت توجيهات عليا بتوقيف آمر القوة المسؤولة عن المنطقة التي انطلقت منها الصواريخ، وجرى فتح تحقيق فوري". ولطالما اعتبرت كردستان المكان الآمن الوحيد في العراق للقوات الدولية والدبلوماسيين الأجانب.

وأصدر "الحشد الشعبي" في العراق، بيانا علق فيه على الهجوم الصاروخي الذي استهدف مطار مدينة أربيل، وقال في بيانه، إن "الهجوم الصاروخي الذي استهدف مطار مدينة أربيل، لا علاقة له به، وانطلق من منطقة غير مسكونة"، معربا عن أسفه واستغرابه لبعض ردود الأفعال المتسرعة، في إشارة إلى تحميل حكومة الإقليم له مسؤولية القصف. وأضاف، أن "المنطقة التي انطلقت منها الصواريخ باتجاه أربيل تعتبر منطقة فراغ غير مسكونة، وتقع بين مثلث يحيط به الجيش وقوات الحشد الشعبي من أبناء الشبك وقوات البيشمركة، مشيرا إلى أنه "تم فتح تحقيق في الحادث".

وأوضح البيان، أنه "سيتم مراجعة سجلات كاميرات المراقبة في المكان لمعرفة من أين جاءت السيارة المحملة بالصواريخ"، كما توجهت قوة بقيادة آمر اللواء 30 في الحشد الشعبي للبحث والتعقب عن مطلقي الصواريخ، وسيتم الإعلان عن المكان الذي انطلقت منه السيارة والجهة التي تسيطر على المكان. وأكد مسؤولون عراقيون، أن "الهجوم كان يستهدف في الأصل مواقع تابعة لجماعة كردية إيرانية معارضة في مكان غير بعيد عن مطار أربيل"، لكن مسؤولون في حكومة كردستان قالوا إن الهجوم كان يسعى إلى استهداف القوات الأمريكية المتمركزة في المطار.

البعثات الدبلوماسية

في السياق ذاته قال رئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي في لقاء مع 25 من السفراء والقائمين بالأعمال الأجانب إن العراق سيحمي البعثات الدبلوماسية الأجنبية ويحصر السلاح بيد الدولة، وذلك بعدما حذرت واشنطن من أنها قد تغلق سفارتها في بغداد. وقال مسؤولان عراقيان ودبلوماسيان غربيان إن الولايات المتحدة قامت باستعدادات لسحب الدبلوماسيين من العراق بعدما حذرت بغداد من أنها قد تغلق السفارة، وهي خطوة يخشى العراقيون أن تحول بلدهم إلى ساحة قتال.

وقال مكتب الكاظمي في بيان إنه أكد في لقاء مع المبعوثين ”حرص العراق على فرض سيادة القانون وحصر السلاح بيد الدولة وحماية البعثات والمقرات الدبلوماسية“. وشدد على أن ”مرتكبي الاعتداءات على أمن البعثات الدبلوماسية يسعون إلى زعزعة استقرار العراق، وتخريب علاقاته الإقليمية والدولية“. وكثيرا ما يتم إطلاق صواريخ عبر نهر دجلة صوب المجمع الدبلوماسي الأمريكي شديد التحصين.

وزادت الهجمات الصاروخية خلال الأسابيع القليلة الماضية قرب السفارة واستهدفت قنابل مزروعة على الطريق قوافل تحمل عتادا للتحالف بقيادة الولايات المتحدة. وأصابت قنبلة مزروعة على الطريق موكبا بريطانيا في بغداد، في أول هجوم من نوعه على دبلوماسيين غربيين في العراق منذ سنوات. وقال الكاظمي ”هذه الهجمات لا تستهدف البعثات الدولية فقط، وإنما طالت الأبرياء من المواطنين، بما في ذلك الأطفال“.

وقال الدبلوماسيون الخمسة والعشرون في بيان مشترك ”أعربنا عن قلقنا البالغ إزاء ارتفاع أعداد وتطور الهجمات ضد المؤسسات الدبلوماسية في العراق“. وأضافوا ”رحبنا بالإجراءات التي اتخذها رئيس الوزراء الكاظمي وحكومته لمعالجة هذه المخاوف“. وذكر البيان أن سفير الولايات المتحدة حضر الاجتماع. وأعربت بغداد رسمياً في وقت سابق عن الاستياء إزاء تهديد واشنطن بغلق سفارتها وسحب قواتها من العراق على خلفية التعرّض إلى هجمات. ورأت مصادر دبلوماسية أنّ الانسحاب الأميركي سيعني نهاية الحرب على الجهاديين في وقت لا يزال تنظيم داعش يشكّل تهديداً.

وقال وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين إنّ حكومة بلاده "غير سعيدة بالقرار الأميركي". وأضاف أن "الانسحاب الأميركي يمكن أن يؤدي إلى مزيد من الانسحابات" من دول أخرى تشارك في التحالف الدولي لمحاربة التنظيم، الأمر الذي سيكون "خطيراً لأن داعش يهدد العراق ولكن أيضًا المنطقة". وقد يشكّل هكذا انسحاب في حال حصوله ضربة شديدة لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.

ومنذ تشرين الاول/اكتوبر 2019 حتى نهاية تموز/يوليو، استهدف 39 هجوما بصواريخ مصالح أميركية ببغداد وقواعد عراقية تضم جنودا أميركيين. وبدا أنّ وتيرة الهجمات تسارعت عقب زيارة الكاظمي إلى واشنطن في آب/أغسطس. واستهدفت بالإضافة إلى السفارة الأميركية، قواعد عسكرية وقوافل لوجستية لشركات محلية تعمل لحساب الجيش الأميركي وحلفائه في التحالف المناهض لتنظيم داعش. بحسب فرانس برس.

وقال وزير الخارجية العراقي في مؤتمره الصحافي إنّ "الهجمات ضد السفارات هجوم على الحكومة". وتابع "السفارات الموجودة في بغداد تقع في ظل مسؤولية الحكومة الاتحادية وهي مسؤولة عن حماية البعثات الدبلوماسية وهذه الاعمال ليست مقاومة بل هي هجوم على سيادة العراق وأمنه". وأشار الوزير العراقي إلى أن "البعض في واشنطن يستحضر بنغازي"، في إشارة إلى مقتل أربعة أميركيين بينهم السفير في هجوم استهدف ممثلي البعثة الدبلوماسية في المدينة الليبية عام 2012. وقال "لكنه تحليل خاطىء، كما أن هذا القرار خطأ". واضاف "نأمل أن تتراجع الولايات المتحدة عن قرارها" الذي يعد في الوقت الحالي "مبدئيا". ولم تؤكد واشنطن من خلال مسؤوليها الرسميين اتخاذ قرار بإغلاق سفارتها في بغداد، فيما يرى خبراء أنّ الادارة الأميركية "تلعب من جديد" ورقة العراق في خضم الأنتخابات.

من جانب اخر شدد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف خلال استقباله نظيره العراقي فؤاد حسين في طهران، على ضرورة حماية المراكز الدبلوماسية في العراق حيث تعرضت مقار عدة من بينها السفارة الأميركية، لهجمات مؤخرا. وكتب ظريف في تغريدة بالإنكليزية "سعدت باستضافة صديقي وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين. بحثنا الخطوات العملية لتعزيز التعاون الثنائي".

وأضاف "ناقشنا الجريمة الارهابية الأميركية (باغتيال) بطلنا الجنرال سليماني، والهجمات على المنشآت الدبلوماسية الإيرانية. شددنا على أهمية حماية المراكز الدبلوماسية". وتعرضت مقار دبلوماسية في العراق لهجمات مختلفة. فقد أضرم متظاهرون النار في القنصلية الإيرانية في مدينة النجف (جنوب) في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي خلال حركة احتجاجية على الطبقة السياسية، رفعوا خلالها شعارات مناهضة للجمهورية الإسلامية على خلفية اتهامها بالتدخل في شؤون بلادهم.

ومطلع كانون الثاني/يناير، هاجم محتجون السفارة الأميركية في بغداد، تنديدا بغارات جوية استهدفت مقرا لكتائب حزب الله. وبعدها بأيام، اغتيل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني بضربة جوية نفذتها طائرة مسيرة أميركية. وأدى اغتياله إلى تصاعد التوتر بين واشنطن وطهران التي ردت باستهداف صاروخي لقاعدة عسكرية في غرب العراق يتواجد فيها جنود أميركيون. ويسود التوتر علاقة واشنطن وطهران منذ انسحاب إدارة الرئيس دونالد ترامب بشكل أحادي في عام 2018 من الاتفاق حول الملف النووي الإيراني، وفرضها عقوبات اقتصادية قاسية على الجمهورية الإسلامية.

وتعهد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بكبح جماح الجماعات المتطرفة لكنه يبدو عاجزاً عن محاسبة مرتكبي مثل هذه الهجمات. وقال مسؤولون عراقيون كبار إنهم يفسرون هذه الهجمات على أنها رد على أجندة الإصلاح التي يطرحها الكاظمي والتي تخشى هذه الجماعات أن تستنزف مواردها المالية. وفي الواقع، جاء تصعيد بعد إعلان مكتب رئيس الوزراء عن تغييرات كبيرة في مناصب رفيعة في الحكومة، بما في ذلك المستويات العليا في البنك المركزي العراقي وهيئة النزاهة وهيئة الاستثمار. وقال مسؤولون إن التعيينات الجديدة تهدف إلى القضاء على الفساد في تلك المؤسسات. ويُصنف العراق ضمن أكثر 20 دولة فسادًا في العالم وفقًا لمنظمة الشفافية الدولية، فقد اختفت حوالي 450 مليار دولار من الأموال العامة في جيوب السياسيين ورجال الأعمال المشبوهين منذ عام 2003.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا