مركز الامام الشيرازي ناقش أسباب هدر الشباب في العراق في قراءة بأحداث تشرين

في ملتقى النبأ الأسبوعي

عصام حاكم

2019-11-28 03:15

ناقش مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث، في ملتقى النبأ الأسبوعي (الشباب في العراق بين الهدر والاستثمار قراءة في أحداث تشرين ٢٠١٩) الذي عُقد في الساعة العاشرة والنصف صباح يوم السبت الموافق 23/ تشرين الثاني/2019 بمقر مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام في كربلاء المقدسة، وبمشاركة عدد من مدراء المراكز البحثية، وبعض الشخصيات الأكاديمية والحقوقية والإعلامية..

أدار الحوار الباحث في المركز محمد علاء الصافي، حيث اورد قائلا:

وفقا لتعريف الأمم المتحدة، يشكل الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة 18٪ من سكان العالم، في حين أن 1.2 مليار شاب، سوف يزداد عددهم بنحو 72 مليونا بحلول عام 2025، والشباب في العراق حسب الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط، يشكلون اليوم نسبة 27.4% من سكان العراق، اذ يبلغ عددهم 10.5 مليون شخص، ويشكلون 36.1% من القوى العاملة، فيما يسكن 2.2 مليون من الشباب في العاصمة.

ولا يزال عدد السكان في ارتفاع، وبالتالي فإن الجيل الحالي من الشباب هو الأكثر عددا من أي وقت مضى في تاريخ العراق الحديث.

هذه الأرقام تكشف عن القوة الديموغرافية الهائلة التي يمثلها الشباب في العراق والتي تفرض على الحكومة والمنظمات الدولية الأخذ بعين الاعتبار القيمة العددية وما تمثله من رصيد طاقي ومعرفي عظيم، وأن تضع على سلم أولوياتها كيفية حسن استغلال هذا المورد البشري وتصريف طاقاته نحو مشاريع العمل والإنتاج الصناعي والمعرفي.

ومن أجل ذلك كان لزاما على الحكومة أن تجعل من الشباب شريكا وقائدا وعنصرا فاعلا في إنجاح برامجها، وقد نجحت دول كثيرة في ذلك فلا غرابة في أن نجدها في مصاف الدول المتقدمة. لكن واقعيا، مازالت الحكومة بعيدة كل البعد عن استثمارهم والطبقة السياسية عامة همها الأول مصالحها دون مصلحة البلاد، وهو ما يعيد ظهور سيناريوهات التوتر والاستمرار بالفشل بعدم استثمار هذه الثروة. فهدر طاقات الشباب ووعيهم هدر لحقوق المواطنة بحيث تصبح المواطنة نوعا من المنّة يُمَّنُ بها عليهم.

يتفاوت الهدر بين انعدام الاعتراف بإنسانية الانسان وبين استبعاده وإهماله والاستغناء عن فكره وطاقته باعتباره عبء او كيان فائض عن الحاجة (كما في تعامل الانظمة الفاسدة التي تستأثر بخيرات الاوطان وتعتبر الجماهير المغبونة عبء على السلطان وحاشيته).

كما قد يتخذ الهدر طابع تحويل الانسان الى أداة تُبَجَّل وتطبل للسلطان المستبد وتخدم اغراض هيمنته وتوسع سطوة نفوذه، او اداة للتضحية بهم في الحروب العبثية للحكام المستبدين.

إن الهدر يضرب مشروع وجود المرء كي يصبح كياناً ذا قيمة وقائماً بذاته ذا دلالة ومعنى، والهدر على هذا المستوى هو نقيض بناء التمكين والاقتدار وصناعة المصير.

ومن ذلك نعرف ان "الانسان المهدور" تترسخ لديه كذلك ثقافة الهدر ويعيد انتاج الهدر ذاتياً.

هدر الفكر وطاقات الشباب العراقي ووعيهم وتهميشهم، من خلال استبعادهم عن صناعة المواطنية والمصير الوطني والتعامل معهم كعبء أو تهديد، سيؤدي بهم الى حالة العطالة والتقهقر والضعف وفقدان المناعة الوطنية، كما انه يجعل الحديث في التنمية والديمقراطية خرافة لا يمكن تصديقها!

الاستبداد والتعصب للجماعة والتهميش هما اهم اسباب هدر الطاقات الشبابية وخاصة الكفاءات العلمية وهذا هو تبديد لإمكانات المجتمع ورصيده المستقبلي الذي هو اساس النمو.

حرمان الشباب من المشاركة الفاعلة في بناء البلد فكرياً وعمرانياً واحدة من أبرز اركان هدرهم الوجودي، تهم (الميوعة وعدم الجدية وقلة تحمُّل المسؤولية وغيرها من التهم يجب أن تنتهي ويفتح باب التعبير لهم عن قضايا الوطن ليأخذوا فرصتهم للتضحية والبذل والعطاء كي لا تسلب منهم هويتهم وحقهم بالاعتزاز بكرامة الانتماء).

أبهرتنا انتفاضة تشرين بخلق وعي جماهيري كبير نلاحظ تصاعده وتزايده يوماً بعد يوم، وخلقت محبة كبيرة وتلاحم ملفت بين كل أبناء العراق، فكشفت كم هو نبلهم وروح المساعدة والايثار عندهم.

علمتنا ان الروح الوطنية هي التي تمتلك أعلى درجات الحب.

قدمت هذه التظاهرات جدلية كبيرة بين جيل شبابي ثائر لا يخشى لغة التهديد والقمع، نشأ في عهد جديد وتعلم التعبير عن نفسه بحرية دون قيود، جيل لم يعاصر الدكتاتورية ويبدو أنه متجرد من اي ايديولوجية سياسية بل هويته الطاغية هي الروح العراقية وشعارات الثورة الحسينية.

{img_1}

وللاستئناس أكثر بآراء الاخوة الحضور نطرح الاسئلة التالية..

السؤال الاول: ماهي الاسباب التي ادت إلى هدر طاقات الشباب وعدم استثمارها في العراق، وما نتائج ذلك؟

الدول المتحضرة تحسد العراق على موارده البشرية والطبيعية

- الشيخ مرتضى معاش، رئيس مجلس إدارة مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، يؤشر إلى ان الموارد الحقيقية التي يراهن عليها العالم المتقدم هي الموارد الانسانية وليست الموارد الطبيعية، التي تصنف على انها موارد مكملة للموارد الانسانية، فالكثير من المجتمعات المتقدمة وصلت إلى مراحل متقدمة مع افتقارها لأبسط الموارد الطبيعية على سبيل المثال (اليابان)، بالمقابل نجد الدول النفطية كالعراق يمتلك موارد طبيعية هائلة جدا، لكنه يعتبر من الدول المتخلفة".

اضاف معاش "سبب التقدم ينحصر في اسلوب التفكير، فالاستثمار الحقيقي ليس في الموارد الطبيعية، الاستثمار الحقيقي هو في رأس المال البشري، وهذا ما لم تهتم به المجتمعات المتخلفة والمأزومة التي اهملت الجانب الانساني، بل اصبح التركيز على الجانب الريعي أي على النفط، وهذه مشكلة كبيرة تؤدي لهدر الطاقات الشبابية في العراق، الان على سبيل المثال المانيا تسببت بمشكلة اقتصادية في العالم تسمى بـ(الفائض الايجابي في الحساب الجاري)، عندما تكون الصادرات اقوى من الواردات بكثير فتحصل على عملات اجنبية كثيرة، وهذا يدل على التقدم الاقتصادي والصناعي الكبير لألمانيا مع انها تعاني شيخوخة كبيرة وانخفاض نسبة السكان، لكنهم استطاعوا حل تلك الاشكالية في العام (2011) من خلال استقبال اليد العاملة الشابة المهاجرة العربية وخاصة السوريين، لذا شهد الاقتصاد الالماني نهضة كبيرة بفضل الطاقات الشبابية الوافدة من الخارج، اما نحن فمنذ تشكل الجمهورية العراقية والشباب العراقي اصبح محرقة للحروب، والبعض الاخر هاجر إلى الخارج واصبح من الكفاءات العراقية التي ساهمت في بعض الاحيان في نهضة بلدان اخرى".

ويؤكد معاش "الشباب العراقي اصبح احد مصاديق الهدر التي يعاني منها المجتمع العراقي، فلماذا لا نفكر بتحويل الشباب من طاقة مهدورة إلى طاقة مستثمرة، فهل وضع الشباب في مستنقع اليأس سيخدم العراق؟".

ويضيف "أن الدول المتحضرة تحسد العراق على موارده البشرية وموارده الطبيعية، اما بالنسبة لفكرة تحديد النسل التي يدعو اليها البعض فهذا خطأ كبير، خاصة وأن تطبيقات هذه الفكرة اصبح يشكل ازمة كبيرة وشيخوخة مجتمعات اخرى، وهذا ما يعانيه المجتمع الايراني الان فقبل ثلاثين سنة اتخذوا قرار تنظيم الاسرة، بالتالي اصبح هذا الامر ثقافة مجتمعية سائدة ويصفها البعض بثقافة الطفل الواحد، بالتالي الحكومة الايرانية الان بدأت تتوسل للمجتمع الايراني حتى بتعدد الزوجات، من اجل أن ينمو المجتمع مرة اخرى، لذلك هذه الطاقات الشبابية الهائلة لابد من استثمارها، لأنها ثروة حقيقية، وأن عدم استثمار تلك الطاقات يعتبر هدرا وحرقا للطاقات".

الحكومات العراقية المتعاقبة لم تضع استراتيجيات

- الدكتور قحطان حسين الحسيني، الباحث في مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية، يعتقد أن كل الدول عندما تنهض وتحقق التنمية هي من خلال الاعتماد على الطاقات الشابة، لكن ما لمسناه في العراق على طول التاريخ السياسي للدولة العراقية الحديثة، إنها اغفلت مسالة استثمار الطاقات الشابة في العراق، وهذا التقصير تكمن وراءه عوامل عديدة منها على سبيل الفرض طبيعة الاوضاع السياسية في العراق، والتي اتسمت بعدم الاستقرار، وأن العراق شهد فترات غير مستقرة ومضطربة عادة نتيجة لتداخل عوامل عديدة ".

اضاف الحسيني "فنلاحظ أن الحكومات العراقية المتعاقبة لم تضع استراتيجيات خاصة بتنمية الطاقات الشابة، والاعتماد عليها من اجل النهوض بالواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وهذا ولد الكثير من عوامل الضعف في المجتمع العراقي، الذي يعاني من وجود خلل بنيوي اجتماعي واضح في هذه المسالة، من العوامل الاخرى ايضا هي غياب مؤسسات تنمية الشباب، العراق من المجتمعات التي تعاني من نقص واضح بهذه المؤسسات، صحيح هناك بعض المعاهد وبعض المؤسسات التي تحاول أن ترعى الشباب، وتمكنهم اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، لكن تبقى هذه المؤسسات هي قاصرة ولا تتناسب مع حجم ونسبة الشباب في المجتمع العراقي".

كما يوضح الحسيني "وايضا من العوامل الاخرى التي أهدرت الطاقات الشابة بسببها، هو أن اغلبية الشباب في العرق لم يهتم بجانب تطوير مهاراته الذاتية، ايضا هناك تقصير واضح جدا لدى العوائل والاسر، فاغلب اولياء الامور لا يخصص جزء من الوقت ليجلس مع ابناءه لينصحهم ويضع امامهم رؤية لرسم مستقبل هذا الشاب، كذلك فان قضية تنظيم الاسرة هي غائبة تماما عن المجتمعات العراقية، بالتالي قد تتحول الاسرة إلى اشبه ما يكون بالوحدة الفوضوية وغير المتكاملة وغير المنسجمة، وعندها سوف تفرز لنا نتائج سلبية تؤثر على السلوك الاجتماعي بشكل عام".

معظم البلدان النفطية لم تهتم بالشباب

- الدكتور حيدر حسين أحمد آل طعمة، التدريسي في كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة كربلاء، والباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية، يؤكد على وجود هدر بالطاقات الشبابية ولكن هناك جملة نقاط.. النقطة الاولى معظم البلدان النفطية لم تهتم بالشباب بالشكل الملائم، في حين بلدان اخرى تمتلك قاعدة انتاجية استطاعت استثمار الطاقات الشبابية في خلق عملية تنمية متينة".

اضاف آل طعمة "الجانب الثاني الطبقة السياسية بعد العام (2003) معروف عنها ضعف انتمائها للوطن، لذلك معظم توجهاتها منصبّ نحو تكريس الاستحواذ على السلطة وتعظيم المصالح والمنافع، بالتالي لا يوجد مشروع وطني، وهذا الامر ليس على مستوى استثمار الطاقات الشبابية، ايضا على مستوى التنويع الاقتصادي خلق قاعدة انتاجية، ترصين البنى التحتية، الاعمار، البناء، بمعنى ادق أن معظم مقومات بناء الدولة القوية كانت غائبة عن مشروع الاحزاب السياسية التي حكمت العراق بعد (2003)".

يكمل آل طعمة "رغم وجود مجموعة من الخطط والاستراتيجيات، فجزء منها اشار ببعض الاليات والسياسات التي يمكن من خلالها استثمار الهبة الديمغرافية، التي اشار اليها اقتصاديون ومختصون في علم الاجتماع، بان العراق دخل ضمن الهبة الديمغرافية، التي تعني أن جزء كبير من السكان تصل إلى (50%) هم من فئة الشباب، لكن مع ذلك لم توفر الحكومة آليات جيدة لاستيعاب واستغلال هذه الهبة، طبعا هذا الامر ليس بيد الحكومة وهي عاجزة عن استغلال هكذا مشاريع".

يختم آل طعمة "هناك جانب اخر لابد من الاشارة اليه حتى لا يكون في الحسبان استغلال هذه الطاقات وتعيينها في المؤسسات والاجهزة الحكومية، لكن في ايجاد بدائل تنموية تخدم من جهة عملية التنمية الاقتصادية، ومن جهة ثانية تستثمر هذه الفئة من الشباب، خصوصا في الدول المتقدمة يبدأ العمل على الطاقات الشبابية والتقاط الكوادر المتفوقة منذ المرحلة المتوسطة والاعدادية، فهنالك تعشيق بين نظم التعليم وبين الشركات والمؤسسات وهذا ايضا مفقود، لذلك المشكلة مركبة".

علينا ان نغادر النظرة الفوقية للشباب

- علي حسين عبيد، كاتب في مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام، يجد من اهم مسببات الهدر هي النظرة الفوقية للشباب من قبل المجتمع ككل وحتى الاباء، على الجانب الاخر السياسيون انفسهم هم ايضا يستصغرون الشباب، فبعض نواب الامة ينظرون للاحتجاجات الشعبية التي يقودها الشباب العراقي باستصغار لان فيها اصحاب(التكتك)، فهذه النظرة الفوقية اذا تصدر من اب ومن قائد سياسي ومن معلم فماذا يبقى للشباب، في ستينيات القرن الماضي مثلا وعندما بدأت الكتابة في مجال الشعر والادب قدم لي الكتاب القدامى الكثير من الدعم المعنوي والمعرفي".

اضاف عبيد "الان هذه الظواهر غير موجودة وللأسف الشديد، عندها نحن كمن يظلم الشباب ونظلم انفسنا في ان واحد، لذا علينا ان نغادر النظرة الفوقية للشباب".

جذوة الانتفاض على الواقع البائس

- حيدر الاجودي، باحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، يبدأ حديثه بقول مقتبس من الرسول الكريم (ص) حيث قال (نصرت بالشباب)، وهذه دلالة اكيدة على أن الشباب هم عماد الدعوة الاسلامية، فالشباب هم القاعدة الاساسية التي تنطلق منها الدول، ولكن الشباب العربي مثخن بالكثير من المشاكل وبالروح الثورية بسبب السياسات الخاطئة التي يقوم بها الواقع السياسي الحالي، فهذه الروح الثورية اشعلت في نفوس الشباب العراقي جذوة الانتفاض على الواقع البائس والمتردي في جميع القطاعات".

الاعتماد على المورد الريعي للنفط

- حامد عبد الحسين الجبوري، باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية، يرى وجود اسباب عديدة ادت لهدر طاقات الشباب على المستوى الثقافي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي، فقبل العام (2003) كانت الدولة هي التي تتبنى مسالة النشاط الاقتصادي، وهي التي تعمل على توفير فرص العمل، بالتالي الشباب ينشغلون في عملهم، اما بعد هذا التاريخ اعلنت الدولة الاتجاه نحو اقتصاد السوق، أي أن القطاع الخاص والشركات والمؤسسات هي التي توفر فرص العمل، لكن في حقيقة الامر هو انسحاب شكلي واللجوء إلى اقتصاد السوق ايضا شكلي".

اضاف الجبوري "كلا الامرين تسبب في تعثر التحول لاقتصاد السوق بشكل حقيقي، هذا مما ادى إلى قذف شريحة كبيرة من الشباب لفضاء البطالة، ايضا من ساعد على تشكل الاقتصاد الشكلي هو الاعتماد على المورد الريعي للنفط، وبالتالي كلاهما أحدث حالة هدر في الطاقات الشابة".

{img_2}

السياسات التوظيفية الخاطئة في العراق

- الدكتور علاء إبراهيم الحسيني، التدريسي في كلية القانون بجامعة كربلاء، والباحث في مركز آدم، يتصور أن عوامل هدر الطاقة الشبابية في العراق كثيرة منها.. العامل القانوني، فهناك ثقافة سادت لدى المشرع العراقي منذ الدولة العراقية الاولى في العهد الملكي ولحد الان، إن هنالك بعض المناصب وبعض الوظائف لا يتولاها الا كبار السن، وهذا الامر ربما تكون له جذور ثقافية، لكنها منافية للعدالة ومنافية للنصوص الدستورية في العراق، فهناك بعض النصوص تشترط في القاضي عمرا معينا، وقد يشترط في عضو مجلس النواب العراقي عمر ثلاثين سنة، وقد يشترط في عضو مجلس المحافظة أن يكون ثلاثين سنة ايضا".

اضاف الحسيني "وهذا ما حاولت الاستفسار عنه، لماذا يشترط الدستور العراقي على رئيس الجمهورية أن يبلغ (40) سنة، فقيل لي لعله تيمنا بتجربة رسول الله (ص) فلم يبعث بالرسالة حتى بلغ الاربعين، على اعتبار ان ملكاته العقلية تكاملت وما شاكل ذلك، فأجبته نحن لسنا بصدد رسالة دينية أو سماوية، بالتالي نحن ازاء وظائف وهذه الوظائف تحتاج لقدرة وتمكين وامكانية للعمل لساعات طويلة، وعندها قد لا يسعف الوضع الصحي لهذا الشخص للقيام بهذه الاعباء الجسمانية، فهذه احدى العوامل التي سببت الاحباط لدى الشباب".

يكمل الحسيني "عامل اخر لعله السياسات التوظيفية الخاطئة في العراق، اليوم كل الشباب يفكر بطريق واحد، وهو الدخول لكلية الطب لكي يحصل على وظيفة، وبالتالي لعله يخالف مواهبه الذاتية واستعداداته الذاتية، الكثير من الشباب لعله يبرع بالهندسة بالقانون بالإدارة والاقتصاد وفي تخصصات علمية واكاديمية اخرى، لكن نجد هناك استقتال من قبل الاسرة العراقية ومن الطالب نفسه وهناك ضغوط نفسية عالية على الطالب، مما تسبب بالكثير من الامراض والاعراض النفسية لدى الكثير من الطلاب نتيجة الضغط الشديد لتحصيل درجات عالية والدخول في ميدان الطب للحصول على فرصة".

يختم الحسيني "وهذا ناتج سياسة خاطئة مارستها الدولة العراقية بعد العام (2003)، انه فقط التخصص الطبي يتم تعيينه بشكل مركزي، اما بقية التخصصات فلا يتسع لهم المجال للحصول على فرصة عمل، لذا يفترض اعادة النظر بهكذا افكار لأننا نحتاج لجميع التخصصات الاكاديمية والمهنية والاقتصادية، اليوم الدخول لمعهد النفط يماثل الدخول لكلية الطب والسر لأنه يوفر فرصة عمل مركزي، بالإضافة إلى ذلك السياسة الخاطئة اماتت التعليم المهني كالصناعة والزراعة، بينما هذا القطاع هو من القطاعات المهمة والحيوية لأنه يوفر لنا الكوادر المهنية، فالدولة لا تحتاج فقط للطبيب، بل تحتاج للفني الذي يشغل الجهاز الذي يعمل عليه الطبيب، وهذا ايضا عامل حقيقي من عوامل اليأس لدى الشباب العراقي".

غياب العدالة الاجتماعية وغياب النصح

- الحقوقي احمد جويد، مدير مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات، يعتبر أن سوء تخطيط الدولة هو الذي يسبب الهدر في الطاقات الشابة، الامر الاخر هي العادات والتقاليد، بالتالي الشاب هو عبارة عن جسد يمتلك طاقة كبيرة ومعنويات، فعندما نأتي على المعنويات دائما ما تكون محبطة لدى الشاب، فكلما يريد أن يتقدم خطوة نحو الامام ونعترض طريقه تحت عنوان انك صغير وغير مدرك وغير ناضج، هذه المفردات تجعل من الشاب العراقي منزوع الثقة، ودائما ما نصور للشاب العراقي بان العالم الغربي هو عالم حالم وسعيد، وأن الجحيم فقط في وطنه، وهذه مغالطة كبيرة جدا صرح بها الكثير من المغتربين".

اضاف جويد "الجانب الاخر هي الطاقة التي يمتلكها الشاب وهي اشبه ما تكون بالشحنات الكهربائية التي تحتاج لتفريغ، فالشاب عندما يريد فرصة عمل لا يجدها، واذا اراد العلم فلن يجد المدارس التي تتوفر فيها وسائل التعليم الحديثة والقاعات الرياضية، بالتالي يجد نفسه امام تعليم بائس ومتواضع جدا، لذا على صناع القرار السياسي في العراق ان يفكروا في رسم الاستراتيجيات الصحيحة والخطط لاستثمار جيل الشباب، بالتالي الشباب العراقي يعاني من مظلومية كبيرة خاصة مع غياب العدالة الاجتماعية وغياب النصح".

إعادة الوضع السياسي إلى المسار الصحيح

- الدكتور عدنان طوفان، تدريسي في المعهد التقني كربلاء، يتحدث عن تدني المستوى الثقافي لبعض الطلبة، فالان الجامعات بالكامل لا تقرأ وهي فقط تطالع المنهاج الدراسي لعبور المرحلة الدراسية، وهذا الامر له نتائج وخيمة حينما يتصدى هؤلاء الشباب للمشهد السياسي في العراق، لذا الوضع السياسي الحالي والطبقة السياسية المحصورة ربما ستنتج لنا حلول ناجعة لإصلاح الوضع العراقي، وهي اشبه ما تكون بتجربة داعش التي ارادت ارجاع البلد للمربع الاول ولكن تلك الاحداث اعادت بناء المنظومة الامنية، بالتالي نستطيع استثمار حالة الاحتجاجات لإعادة الوضع السياسي في البلد إلى المسار الصحيح".

المردود الإيجابي وتعزيز الطاقات

- الدكتور ضياء الجابر عميد كلية القانون جامعة كربلاء، يرى أن هناك العديد من الاسباب التي ادت الى اهدار الطاقات الشبابية وعدم استثمارها بالشكل الصحيح والامثل والذي يحقق المردود الايجابي الذي يساهم في بناء البلد وتطويره من جانب، ويفعل تلك الطاقات ويعززها وينميها من جانب اخر.

وهذه الاسباب منها ما يعود للدولة ومؤسساتها من حيث..

١- عدم وجود سياسة سليمة في التخطيط لاستثمار تلك الطاقات الشبابية وبمختلف التخصصات والمواهب.

٢- عدم الاهتمام الحقيقي بتلك الفئة من قبل مؤسسات الدولة واستثمار تلك الطاقات الشبابية وتنميتها وتوجيهها بالشكل الايجابي الذي يخدم الدولة، فالبرامج الوزارية لم تكن بمستوى الطموح بهذا الخصوص وكانت مجرد حبر على ورق.

٣- البطالة المستشرية وعدم التوظيف الصحيح، سواء في المؤسسات الحكومية (القطاع الحكومي) او على مستوى الاستثمار (القطاع الخاص).

٤- الاحساس بعدم وجود رؤية واضحة بخصوص المستقبل (مجهولية او ضبابية المستقبل) لدى العديد من الشباب بسبب الاوضاع التي يعيشها ويمر بها البلد على خلاف ما نجده في بلدان اخرى، ((فالشاب في مرحلة الاعدادية لا نجد لديه الحافز والدافع في الدراسة فيقول لك وماذا بعد الدراسة... وان دخلت الكلية سأتخرج بدون وجود فرصة عمل وسأبقى عاطلا عن العمل او اعمل في غير الاختصاص الذي تخرجت فيه و..)).

٥- عدم البناء الصحيح لروح المواطنة بسبب السياسات الحكومية الخاطئة طوال السنوات السابقة واستئثار البعض بالسلطة والنفوذ والمال وبشكل عكس جوانب سلبية في بناء وادارة الدولة.

٦- الشعور بفقدان الذات بنسبة لا يستهان بها بسبب الظروف والازمات التي مر ويمر بها البلد مما اثر سلبا في تطلعات تلك الفئة وطموحاتها

٧- التيه الفكري والسطحية في التفكير بسبب كثرة المؤثرات والتأثيرات من خلال وسائل الاعلام ووسائل التطور الالكتروني.

اما نتائج ذلك:

 ١- الشعور بالإحباط الذي تولد لدى الكثير من الشباب.

 ٢- اللجوء الى وسائل بديلة قد تكون غير مفيدة وغير نافعة لملء الفراغ الموجود.

٣- الخروج والتمرد على كثير من الامور المجتمعية

٤- الرغبة في التقليد والمحاكاة وان كانت سطحية وذات مردود سلبي.

5- عدم او ضعف الاهتمام بالجوانب التعليمية والانصراف لأمور اخرى اقل اهمية وفائدة منها.

{img_3}

السؤال الثاني: كيف يمكن ايقاف عمليات الهدر في إمكانات الشباب وكيف يمكن الاستثمار والتمكين في التغيير والإصلاح والتنمية الشاملة، خصوصا بعد أحداث تشرين 2019؟

- الشيخ مرتضى معاش، يعتقد بوجود صراع قوي جدا بين هيمنة السلطة المطلقة على كل شيء، وبين مطالبة الشعب بالتمكين، فالشعب اليوم يطالب بان يكون هو صاحب القرار، لكن بالمقابل الطبقة السياسية ترفض التمكين ومصرة على قانون الانتخابات وعدم التغيير، العراق فيه فرصة كبيرة للاستثمار والحركة والعمل، الا أن الطبقة السياسية مسيطرة على كل شيء على (الاراضي / الاستثمار / الاموال) ولا يوجد تكافؤ فرص، بالتالي كل انسان لديه قدرة على الاستثمار وعلى الحركة وعلى العمل ولديه ارض، سوف يوفر الكثير من فرص العمل ومن التطور".

يكمل معاش "لذا من المقترحات المهمة اذا وفرنا التمكين والاستثمار ووصلنا لاقتصاد السوق الصحيح، نستطيع أن نجذب الكثير من الاستثمارات ورؤوس الاموال العراقية المغتربة في الخارج ومن الكفاءات والمؤهلات العراقية، العقبة الوحيدة هي عدم وجود التمكين فالسلطة العراقية لم توفر فسحة للاستثمار السليم، ايرلندا على سبيل المثال تطورت تطورا كبيرا بسبب شيئين وهما توفير المهارات الجيدة جدا للشباب، وعمدت إلى تقليل الضرائب لاستقطاب الاستثمارات، الامر الاخر على كل الطبقات الاجتماعية والسياسية والمالية ان تدخل في مجال تأهيل الشباب، من خلال بناء معاهد لتطوير الامكانات والمهارات الفردية للشباب العراقي".

كما اوضح معاش "النقطة الثالثة نحن نحتاج لتأهيل الاسرة من خلال وجود معاهد، وهذه الفكرة موجودة لكن المشكلة تتمحور حول الممانعة التي يبديها المواطن العراقي ازاء عملية التأهيل، فهذا الفرد يعاني من مشاكل نفسية واجتماعية واقتصادية، فهذه موانع ثقافية تحول دون التحول الاقتصادي لعبور الجسر، في قضية التمكين تعتمد الدول على بناء الشراكات الاجتماعية، فمثلا العشائر الهامشية هي ممانعة لعملية الاستثمار، والسبب هو عدم وجود ثقافة الشراكة بين العشائر وبين الاستثمارات، فلابد على الشركات العاملة في العراق سواء كانت محلية او اجنبية تمارس عملية بناء الشركات مع هذه العشائر وهذه التجمعات".

يختم معاش "وهذا ما تم تطبيقه فعلا في افريقيا من خلال خلق شراكة بين القبائل الافريقية وبين الشركات الاجنبية العاملة في افريقيا".

- الدكتور قحطان حسين الحسيني، يعتقد ان الخطط والاستراتيجيات والبرامج ومهما كانت متميزة ومبدعة ورصينة، لا يمكن أن ترى النور الا اذا توفر شرط الاستقرار السياسي والامني والاقتصادي والقانوني في البلد، فلا يمكن ونحن نعيش في دولة تشهد صراعات معمقة وفوضى في كل المجالات، ونقترح على الدولة تنفيذ هذه البرامج، فهذا غير ممكن لان الطبقة السياسية منشغلة، لكن نحن نعول اليوم على الوحدة الاجتماعية التي ممكن أن تنهض بهذا الدور، تتبع اجراءات وتنشئة اجتماعية وسياسية وثقافية صحيحة، يمكن من خلالها ان تخلق نموذج لشاب طموح ومبدع، يحاول تجاوز كل العقبات التي برزت بسبب الفوضى السياسية".

يكمل الحسيني "المؤسسات الدينية هي ايضا مدعوة للنهوض بالواقع العراقي، صحيح أن الطبقة الشبابية اليوم لديها عزوف ويأس من المشاركة بالنشاطات التي تقيمها المؤسسات الدينية، لكن عندما ترى لا بديل امام هذه النشاطات، يضطر في نهاية المطاف ان يكون عنصر مشارك وفاعل في هذه النشاطات وفي برامج التمكين والتنشئة الصحيحة، التي تجعل من هذا الشاب ومن هذه الطاقة الايجابية ان نستثمرها ونوظفها نحو مستقبل أفضل".

- علي حسين عبيد، يرى أن الجهد الفردي لابد ان يكون له حضور فاعل في مجال تطوير الطاقات الشابة، لذلك التعويل الحقيقي لابد أن ينطلق من المبادرات الشخصية كي يطور المهارات والقدرات الشبابية نحو الافضل".

- حيدر الاجودي، يؤكد على حقيقة أن الشاب عندما لا يستحصل على عمل سوف يكون مشروع ارهابي، خصوصا وأن (51) ألف معمل بين قطاع حكومي وخاص ومختلط متوقفة عن العمل".

- حامد عبد الحسين الجبوري، يجيب لا يمكن وقف الهدر وتحقيق التمكين ما لم يتم معالجة الفساد والموانع التي تم ذكرها سابقا، اما في حالة نجاح الثورة فلابد الاهتمام بالمعاهد المهنية والفنية لتطوير المهارات لليد العاملة العراقية، عندها سوف تساعد تلك الطاقات في نجاح المستثمر العراقي او الاجنبي اثناء دخوله للسوق العراقية، كذلك لابد على المشرع العراقي الاهتمام بشريحة الشباب من خلال تخصيص قروض معينة للشباب لأنشاء مشاريع صغيرة، وبشكل سريع وسلس وتجنبا للروتين القاتل الموجود في الدوائر العراقية، وهذا مما سيحفز الشباب على العمل".

- الدكتور علاء إبراهيم الحسيني، يرى أن الشاب العراقي اليوم يفتقد للثقة بالنظام السياسي والنظام الاقتصادي والنظام الاجتماعي، لأنه ينظر إلى النظام الاجتماعي نظرة المتخوف باعتبار الكثير ممن يتصدرون واجهات المجتمع هم نفعيون، وكذلك النظام الاقتصادي هو نظام لا اساس له ومبني على اوهام، اما بالنسبة للنظام السياسي فهو بدأ بكذبة اسمها العملية السياسية وانتهت بحكومة، في يومها الاول كذبت على الشعب العراقي باسم النافذة الالكترونية للترشح، وانتهت في سفك دماء الشعب العراقي، لذلك اتصور أن الامل قتل لدى المواطن العراقي والشعب العراقي، فنحتاج لأحياء هذا الامل من جديد".

- الدكتور ضياء الجابر، يعتقد ان ايقاف عمليات الهدر في الطاقات الشبابية يتم من خلال معالجة الاسباب وايجاد الحلول لنتائجها كحلول لذلك، ونراها تتمثل بالاتي:-

١- تبني سياسة واضحة للاهتمام الحقيقي بتلك الفئة والتركيز عليها من خلال التخطيط والتنفيذ والتطبيق.

٢- التقرب من تلك الفئة والوقوف على همومها ومشاكلها عن طريق برامج مخطط لها ومدروسة تعمل على التفاعل الحقيقي مع تلك الفئة وبالشكل الذي يحقق بناء الانسان الايجابي الفاعل.

٣- تحقيق الامن الفكري لتلك الفئة وقاية ومعالجة من خلال تعاون كل المؤسسات المجتمعية في ذلك من اسرة ومؤسسة تربوية وتعليمية ودينية ومؤسسات مجتمع مدني.

٤- الاهتمام بالمواهب الشبابية المختلفة والمتنوعة والعمل على تطويرها وتنميتها من خلال برامج حكومية تشكل دعما ورفدا لها.

٥- العمل على تعزيز روح المواطن وتنميتها في نفوس الشباب واعادة بناءها وتصحيح مسارها،

٦- العمل على تشبيب مؤسسات الدولة واشراك الشباب في الوظائف العامة والقيادية منها والعمل على اشراكهم في القطاع الخاص وتشجيع الاستثمار لديهم وتقديم الدعم الحكومي اللازم بهذا الخصوص.

{img_4}

* مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث/2002–2019Ⓒ
http://shrsc.com

 

ذات صلة

استراتيجية وحدة المسلمين في مواجهة أعدائهمكاميلا هاريس خسارة الانتخابات أم خسارة القيم؟في تفسير ظاهرة تصادم النخب الثوريةحملة وطنية لمكافحة التصحّرالقطاع الخاص وحاجته للقوة الاكاديمية