هل مارست الإيجابية السامة في حياتك؟
عزيز ملا هذال
2025-11-25 04:29
الإيجابية من أكثر الأشياء النافعة في حياة الإنسان، فهي سلوك مفيد في معظم المواقف، سيما السيئة منها، لأنها تجعل الإنسان متفائلاً، وهو ما يثير روح الإنجاز في النفس البشرية ويدفعها للعمل، مما يحسن من الحالة المزاجية السيئة. لكن حين يكون الإنسان متفائلاً في المواقف غير الملائمة، تتحول حينها إلى إيجابية سامة. فما هي الإيجابية السامة؟ وما هي تداعياتها على الإنسان؟
الإيجابية السامة هي ضغط للبقاء متفائلاً، بغض النظر عن مدى خطورة الظروف، مما قد يمنع التأقلم العاطفي من خلال الشعور بمشاعر طبيعية. فحتى في الاستجابة للأحداث التي عادة ما تثير الحزن، مثل الخسارة أو المصاعب، يتم تشجيع الإيجابية كوسيلة للتعامل، ولكنها تميل إلى التغاضي عن التعبير الحقيقي ورفضه.
في العادة، يتعرض الإنسان إلى الإيجابية السامة نتيجة توقع غير واقعي بالحصول على حياة سعيدة تماماً طوال الوقت. يمكن أن يشعر الناس بالخجل أو الذنب لعدم قدرتهم على تحقيق الكمال المنشود. وعليه، فإن الإيجابية تصبح سامة عندما يرفض الإنسان المشاعر السلبية حتى عندما تكون مناسبة.
تفسير علم النفس للإيجابية السامة:
في علم النفس، يشار إلى الإيجابية السامة على أنها فكرة كيفية التعامل مع المشاعر، والتي تقوم على فرضية أن المشاعر الإيجابية والسلبية ينبغي أن تتماشى مع الوضع الحالي للإنسان، ويعتبر هذا أمراً صحياً نفسياً. ولكن، يتم نقد الإيجابية السامة لأنها تشترط الشعور بالسعادة في جميع الأوقات، حتى في الظروف السلبية.
يعتقد بعض علماء النفس أن الإيجابية السامة تمثل نوعاً من أنواع التلاعب العاطفي. فمن الجيد أن تسمح لنفسك بالحزن عندما تشعر بالحزن، والغضب عندما تكون غاضباً، وكذلك أن تعبر عن مجموعة واسعة من المشاعر. وفي مثل هذه الحالة، يميل الأشخاص المكتئبون والقلقون إلى مواجهة الضغوطات التي سببت لهم ما هم عليه بإيهام النفس أن الأمور تجري على ما يرام.
وقد يقوم الأشخاص الذين لديهم حاجة مستمرة للتجارب الإيجابية بوصم مشاعرهم السلبية عن غير قصد، مثل الاكتئاب، أو قمع الاستجابات العاطفية الطبيعية، مثل الحزن أو الندم أو التوتر. فقبول المشاعر السلبية يمكن أن يجعل الشخص أكثر سعادة وصحة بشكل عام، والأساس هو جودة الصحة النفسية.
سلبيات الإيجابية السامة:
للإيجابية السامة سلبيات، فرغم دفاع علم النفس عنها إلا أنه يدينها لأنها تتحول سلبية عندما لا نستطيع تحليل الأخطاء التي ارتكبناها في السابق وإصلاحها، حيث إن تجاهل الأخطاء التي لا مفر منها بسبب الثقة المفرطة ليس مفيداً لأنه يمنعنا من التعلم من هذه الأخطاء.
كما من سلبيات الإيجابية السامة هي أن التفكير الإيجابي المتكلف قد يمنع الشخص من تحسين الوضع غير الجيد حتى وإن كان كل شيء تحت السيطرة. فالإيجابية هنا تضلل الفرد وتحجب عنه الصورة الواقعية التي تجعل منه إنساناً واقعياً، وبالتالي تختلط لديه المفاهيم ولا يحسن استخدام الإيجابية.
ومن مردودات الإيجابية السامة أنها تتسبب بالعزلة الاجتماعية لمن يمارسها. فقد تجعل الأشخاص يشعرون بالعزلة لأنهم يشعرون بأنهم لا يستطيعون مشاركة مشاعرهم السلبية مع الآخرين خوفاً من الحكم عليهم أو ذمهم، وبالتالي يتظاهرون بالإيجابية لإرضاء الآخرين، مما يجعلهم يحملون أنفسهم أعباء نفسية كبيرة.
وتؤدي الإيجابية السامة إلى الشعور بالذنب، حيث يمكن أن يعاني الأفراد من مشاعر الذنب أو الخجل عندما ينتابهم الانزعاج، وذلك لأنهم يظنون أنه من غير المناسب لهم أن يُجبروا على أن يشعروا بهذه الطريقة لأنها غير واقعية.
في الختام نقول: أن يكون الإنسان إيجابياً في المواقف التي تتحمل ذلك فهو أمر حسن، لكن حين يُغصب نفسه على الإيجابية يجني المردودات التي ذكرناها أعلاه، وبالتالي هو من يخسر قواه النفسية التي لا تعوض.