هل تنجح العقوبات الأميركيّة في انزواء الفصائل الشيعيّة العراقيّة؟
المونيتور
2018-10-01 04:10
بقلم حمدي ملك
مع ازدياد الضغوط على إيران في المنطقة، بدأت الولايات المتّحدة الأميركيّة استهداف الجماعات المسلّحة العراقيّة القريبة من إيران، ممّا ولّد ردة فعل في اتّجاه الحضور الأميركيّ في العراق.
في إطار التصعيد الأميركيّ ضدّ إيران في المنطقة، زادت الولايات المتّحدة الأميركيّة من ضغوطها على الفصائل العراقيّة القريبة من إيران، ولكنّ نفوذ هذه الجهات في العراق يحدّ من تأثير هذه الضغوط عليها.
وقد جوبه خبر تجهيز مشروع قانون أميركيّ يقضي بفرض العقوبات على الفصائل الشيعيّة المقرّبة من إيران باستهجان واستنكار من قبل هذه الجهات. وفي هذا الإطار، قالت القياديّة في تحالف الفتح النائب انتصار الموسوي في 19 أيلول/سبتمبر إنّ "أيّ عقوبات أميركيّة ضدّ فصائل المقاومة الإسلاميّة لا قيمة لها، وتأتي ضمن مسار خليجيّ-أميركيّ للانتقام من داعمي المقاومة". وتحالف الفتح هو تحالف سياسيّ يجمع الأجنحة السياسيّة للفصائل المسلّحة القريبة من إيران.
من جهتها، وصفت حركة النجباء، أحد الفصائل المسلّحة العراقيّة القريبة من إيران في 13 أيلول/سبتمبر، الضغوط الأميركيّة على الفصائل الشيعيّة بأنّها "إفلاس سياسيّ".
وتمّ الإعلان عن نيّة أعضاء من الحزب الجمهوريّ في مجلس الشيوخ الأميركيّ في 12 أيلول/سبتمبر تقديم مقترح قانون يقضي بفرض عقوبات على الفصائل المسلّحة المقرّبة من إيران، بتهم الإرهاب. ويلزم القانون، في حال سنّه، وزير الخارجيّة الأميركيّ بنشر قائمة بفصائل عراقيّة تتلقّى الدعم من إيران.
وقال المتحدّث باسم حركة النجباء وارث الهاشمي: "لسنا وكلاء لأحد، ولن نسمح لأميركا بأن تسلبنا رداءنا الوطنيّ، ولكنّنا نعتبر إيران جزءاً من محور المقاومة". ومحور المقاومة اسم أطلقته دول في الشرق الأوسط تعارض السياسة الأميركيّة في المنطقة، كإيران وسوريا، على نفسها. وهناك جهات مسلّحة تعتبر نفسها جزءاً من هذا المحور، كحزب الله اللبنانيّ وفصائل مسلّحة شيعيّة عراقيّة.
ويهدف مشروع القانون إلى وضع حدّ للنفوذ الإيرانيّ المتنامي في العراق. ولكنّ الخبير في شؤون الجماعات المسلّحة هشام الهاشمي لا يعتقد بإمكان نجاح هذا القانون في تحديد حركة هذه الجهات المسلّحة. وقال الهاشمي في اتّصال مع الـ"المونيتور": "الفصائل المسلّحة الشيعيّة الولائيّة المرتبطة بإيران عقائديّاً وجهاديّاً، لن يسوؤها وضعها على قوائم الاٍرهاب الأميركيّة، فهي لا تسافر خارج العراق إلى دول موالية لأميركا، كما أنّ القانون العراقيّ غير معنيّ بالقوائم الأميركيّة".
وهذا هو بالضبط ما ينطبق على بعض الشخصيّات، كنائب هيئة الحشد الشعبيّ أبو مهدي المهندس الذي أدرجته الولايات المتّحدة الأميركيّة على قائمة الإرهابيّين العالميّين المحدّدين بصفة خاصّة. ويضيف هشام الهاشمي: "فمن قبل، كان النائب أبو مهدي المهندس على قوائم الاٍرهاب الأميركيّة، وعلى الرغم من ذلك، تمّ انتخابه نائباً في البرلمان وأصبح في منصب تنفيذيّ كبير كقائد عمليّات الحشد الشعبيّ".
ولكن لا يمكن غضّ الطرف عن المحدّدات التي ممكن أن تؤثّر على حركة الجهات أو الأفراد التي تفرض عليهم عقوبات أميركيّة بتهمة الإرهاب. ويقول الزميل الأقدم في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى مايكل نايتس: "أعتقد أنّ هذه العقوبات تستهدف عصائب أهل الحقّ في هذه المرحلة، (بسبب تصاعد دورها السياسيّ والأمنيّ حيث حصلت على 15 مقعداً في الانتخابات الأخيرة، وكان لها دور واسع في مواجهة أزمة التظاهرات الأخيرة في البصرة)".
ويضيف نايتس أنّ "ما قامت به الولايات المتّحدة الأميركيّة ضدّ المهندس لم يكن غير مفيد، حيث أنّ ذلك الإجراء أبعده عن النشاط السياسيّ الرسميّ، بحيث لا يمكنه أن يقوم بدور كبير في المجال السياسيّ الرسميّ".
وعصائب أهل الحقّ هي فصيل مسلّح مقرّب جدّاً من إيران وليست جناحاً سياسيّاً نشطاً. وفي صيف العام الحاليّ، تسرّبت أنباء عن نيّة الولايات المتّحدة الأميركيّة إدراج عصائب أهل الحقّ على قائمة الإرهاب العالميّ.
ويؤكّد نايتس خطورة هكذا قوانين، حيث يقول: "هناك إمكانيّة لدفع هذه الميليشيات إلى العمل المسلّح أكثر، بدلاً من احتمال سير هذه الجماعات تجاه الاعتدال في العمليّة السياسيّة".
وازداد التوتّر بين الفصائل المسلّحة العراقيّة القريبة من إيران والولايات المتّحدة الأميركيّة في الآونة الأخيرة. وفي 5 أيلول/سبتمبر، طالب 11 فصيلاً عراقيّاً القوّات الأميركيّة بمغادرة البلاد، وإلّا ستعامل كقوّات احتلال وتستخدم كلّ الوسائل لإخراجها.
من جهة أخرى، وعقب حرق مقرّات الأحزاب والفصائل المقرّبة من إيران، فضلاً عن القنصليّة الإيرانيّة، في موجة التظاهرات التي عمّت البصرة في بداية أيلول/سبتمبر الحاليّ، اتّهمت هذه الفصائل الولايات المتّحدة الأميركيّة بالوقوف وراء هذه الأحداث. وتزامناً مع هذه الأحداث، تمّ استهداف مناطق قريبة من السفارة الأميركيّة في بغداد وقنصليّتها في البصرة بقذائف هاون عدّة. ومن جهتها، اتّهمت الولايات المتّحدة الأميركيّة الفصائل القريبة من إيران بالوقوف وراء هذه الهجمات، وحمّلت إيران مسؤوليّة استهداف الأميركيّين في العراق، متعهّدة بالردّ بسرعة وحزم للدفاع عن أرواح الأميركيّين.
ولكنّ السؤال الأكبر في كلّ الأحوال يبقى مدى تأثير هذه العقوبات على هذه الجماعات المسلّحة. وإذا كان نايتس يعتقد أنّ أميركا بفرضها هذه العقوبات سوف لن تخسر شيئاً، يعتقد هشام الهاشمي أنّه سوف لن يحصل شيء. ويقول: "لا أظنّ أنّ هناك تداعيات كبيرة على قيادات تلك الفصائل التي تمتلك الأحزاب المسجّلة رسميّاً والاقتصاد الكبير والإعلام المحترف والعلاقات الدوليّة مع المحور الإيرانيّ-الروسيّ-الصينيّ-التركيّ-القطريّ، ولديها جمهور كبير، وعمق حكوميّ ومؤسّسات تعليميّة دينيّة... كلّ ذلك لن يزول بمجرّد تشريع قانون غير قابل للتنفيذ".
وعلى الرغم من امتلاك الولايات المتّحدة الأميركيّة الكثير من الأدوات في الساحة الدوليّة، التي تمكّنها من وضع بعض المحدّدات على الفصائل العراقيّة، لا يبدو أنّها بهذه الخطوات، تستطيع إبعاد هذه الجهات عن الساحة السياسيّة في شكل مؤثّر.