البصرة تستعدّ لبناء سدّ على شطّ العرب

لإنقاذ سكّانها من ملوحة المياه

المونيتور

2018-08-09 05:45

بقلم عدنان أبو زيد

 

بعد أن عمّت التظاهرات الغاضبة على الحكومة في البصرة، بسبب نقص المياه الصالحة للشرب وانعدام الخدمات، تستعدّ المحافظة الجنوبيّة لمعالجة المشكلة ببناء سدّ على شطّ العرب.

كشف وزير النقل كاظم فنجان الحمامي، في 25 تمّوز/يوليو من عام 2018، عن موافقة إيران على المشاركة مع العراق في إنشاء سدّ على شطّ العرب لمواجهة أزمة ملوحة المياه، في استفادة ثنائيّة من المشروع المقرّر إنشاؤه في منطقة أبو فلوس بقضاء أبي الخصيب، تحت ضغوط الاحتجاجات الشعبيّة التي عمّت البصرة في 8 تمّوز/يوليو من عام 2018، بسبب نقص المياه الصالحة للشرب والخدمات، وهو الأمر الذي اضطرّ عشائر البصرة في 5 تمّوز/يوليو من عام 2018 إلى إرسال رسالة للحكومة الإيرانيّة لوقف اطلاق مياه المبازل نحو الأراضي العراقيّة، والتي تزيد من ارتفاع الملوحة في مياه شطّ العرب والمياه المقدّمة إلى المواطنين.

ويبدو أنّ هناك اهتماماً واضحاً بمشكلة الملوحة والمياه الصالحة للشرب، أكثر ممّا كان الوضع عليه قبل التظاهرات، إذ تفاعل محافظ خوزستان الإيرانيّة في 11 تمّوز/يوليو من عام 2018 مع مشكلة المياه، بتأييد إنشاء سدّ على شطّ العرب لحلّ أزمة شحّة المياه في كلّ من البصرة العراقيّة ومدينتيّ آبادان وخرمشهر في خوزستان الإیرانیّة.

هذه المشكلة الأزليّة التي رفعت شعاراتها التظاهرات الشعبيّة في مدن الجنوب، كانت الحكومة العراقيّة قد سعت إلى معالجتها في عام 2016، حين اضطرّت إلى بناء ساتر ترابيّ عند منفذ الشلامجة الحدوديّ مع إيران بطول (80 كيلومتراً) لمنع وصول مياه البزل الإيرانيّة الشديدة الملوحة إلى شطّ العرب.

إنّ عضو لجنة الخبراء في منظّمة الأرصاد العالميّة الناشط البيئيّ صادق عطيّة، الذي كتب في صفحته التفاعليّة على "فيسبوك" أنّ "ملوحة المياه في شطّ العرب باتت خطراً حقيقيّاً يهدّد أهالي البصرة"، اقترح الحلّ في حديث لـ"المونيتور" بـ"منح المدينة حصّتها الكاملة من مياه دجلة التي تتناوب عليها محافظتا ميسان وواسط، وفي إنشاء سدّ على شطّ العرب يمنع الأمواج البحريّة المالحة من الوصول إلى عمق شطّ العرب".

من جهته، كشف مستشار محافظ البصرة لشؤون الخدمات عبد الواحد بركات في حديث لـ"المونيتور" أنّ "أحد الحلول لمشكلة الملوحة في مياه الشرب بالبصرة تمّ تأمينه بموافقة الحكومة الاتحاديّة ‏السبت في 28‏ تمّوز‏ من عام 2018 على إقرار مشروع محطّات التحلية، بعد الاحتجاجات الشعبيّة"، وإنّ الحلّ الاستراتيجيّ هو في "تشييد السدّ على شطّ العرب للتقليل من تزايد نسب الملوحة فيه بسبب تحوّل مجرى نهر الكارون، الذي ينبع من إيران، إلى مكب للمياه الصناعيّة والبزل".

وأشار إلى أنّ "المشروع شرع في خطواته المتمثّلة في دراسة تنفيذه على الأرض من قبل جهات فنيّة، منها مركز دراسات علوم البحار وجامعة البصرة، فضلاً عن مكاتب هندسيّة استشاريّة".

وتحدّث عبد الواحد بركات عن المعطيات الفنيّة للسدّ، التي تشير إلى أنّ "السدّ يحتوي على نوافذ تعمل كسدّ غاطس مصنوع من مادّة البلاستيك المسلّح"، مشيراً إلى أنّه "سيتمّ التعاقد مع شركة هندسيّة استشاريّة لتحديد الموقع المناسب والنموذج الملائم للبيئة البحريّة العراقيّة".

وكان وزير الاتصالات العراقيّ السابق محمّد توفيق علاوي قد اقترح في 6 تمّوز/يوليو من عام 2018 إنشاء سدود على شطّ العرب، الذي يبلغ طوله حوالى 200 كلم، بحيث تكون المسافة بينها نحو مائة كيلومتر، لتوفير مياه الإرواء للأراضي الزراعيّة والمياه الصالحة للشرب.

ورأى الخبير الأقدم وعضو الهيئة الاستشاريّة في وزارة الموارد المائيّة المهندس عون ذياب في حديث لـ"المونيتور" أنّ "هناك صعوبة في تجهيز شطّ العرب بالمياه العذبة من نهريّ دجلة والكارون الإيرانيّ بسبب استحواذ المزارعين على طول مجاري الأنهر على المياه، متجاوزين الحصّة المائيّة لشطّ العرب"، معتبراً أنّ ذلك "يبرز الحاجة إلى إنشاء سدّ على شطّ العرب لمنع تغلغل مياه البحر إلى داخل شطّ العرب، مثلما حدث في عام 2018"، وقال: "هناك صعوبة في خيار إنشاء السدّ بمنطقة أبو الفلوس التي تكون فيها ضفّتا الشطّ داخل الأراضي العراقيّة لأنّ مياه الصرف الصحيّ في البصرة وأبو الخصيب وقضاء شطّ العرب وكلّ المدن الأخرى ستصبّ في شطّ العرب، وإنّ عدم معالجة ذلك سيجعل من المياه التي يخزّنها السدّ آسنة وملوّثة وغير صالحة للاستعمال".

وأيّد عون ذياب الخيار الآخر المتمثّل في "إنشاء سدّ مشترك مع إيران على شطّ العرب في منطقة التقائه بالخليج، في منطقة رأس البيشة، ويدار بشكل مشترك وتؤمّن فيه ممرّات ملائمة لمرور السفن".

ما تحدّث به ذياب عن احتمال إنشاء موقعين للسدّ تجلّى في خلاف قديم على موقعه، حين أبدت الحكومة المحليّة في محافظة البصرة بـ19 كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2015 اعتراضها على قيام وزارة الموارد المائيّة باختيار موقعه، في مكان غير الذي قرّره مجلس المحافظة في منطقة أبو فلوس الواقعة ضمن قضاء أبي الخصيب.

وتعزّز هذا الخلاف في 10 أيلول/سبتمبر من عام 2016 بإعلان وزارة الموارد المائيّة أنّها لا تمتلك تخصيصات ماليّة تمكّنها من معالجة مشاكل المياه في البصرة، لكنّ كلّ الاعتراضات أصبحت جزءاً من الماضي، تحت ضغوط التظاهرات الشعبيّة العارمة في البصرة. ولقد تجلّى ذلك في دعم الأمانة العامّة لمجلس الوزراء بـ25 تمّوز/يوليو من عام 2018 موقف حكومة البصرة في إنشاء السدّ على خلفيّة تهدئة الأوضاع المضطّربة في هذه المحافظة الجنوبيّة، إذ طالبت وزارة الموارد المائيّة بدراسة استكمال إنشاء السدّ التنظيميّ على شطّ العرب، للاستفادة القصوى من الإيرادات المائيّة المتاحة ومنع دخول المدّ الملحيّ.

وهكذا، أصبح تشييد السدّ على شطّ العرب، واقع حال، بسبب المطالبات الشعبيّة للحكومة المحليّة بتوفير الماء الصالح للشرب، ليصبح المشروع أبعد من كونه إنجازاً مائيّاً، إلى اعتباره وسيلة لتهدئة غضب الجماهير، التي حملت قناني الماء الملوّث، في تظاهرات عارمة انتقلت من البصرة إلى مدن الجنوب الشيعيّة.

http://www.al-monitor.com

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي