التكافل الاجتماعي في المنظور الإسلامي
رؤى من أفكار الإمام الشيرازي
شبكة النبأ
2022-07-04 04:59
(من فوائد التكافل الاجتماعي القضاء على ظاهرة الانحراف والجريمة)
الإمام الشيرازي
التكافل الاجتماعي يعني في أبسط التعاريف التعاون بين الفرد والمجتمع من جهة، وبين الأفراد مع بعضهم البعض من جهة أخرى، والتعاون هنا يشمل المادي والمعنوي، حيث يكفل المجتمع حياة كريمة وسليمة للفرد مع الحفاظ على مكانته وكرامته، فيما يقوم الفرد بالاندماج التام مع المجتمع، استنادا إلى القيم والثوابت التي يؤمن بها.
الفرد عليه واجبات تجاه المجتمع، تشمل الجميع، وليس هناك تفاضل بين شخص وآخر، ولا استثناءات في الثوابت، فالكل عليه واجبات يجب القيام بها، في مقابل ذلك تقع على المجتمع مسؤولية سد الاحتياجات المادية والمعنوية للفرد، حتى يشعر بانتمائه التام والحقيقي لهذا المجتمع، ولا يصح فرض الواجبات على الفرد ثم التخلي عنه عند الحاجة.
الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، يقول في كتابه القيم الموسوم بـ (الفقه السلم والسلام/ الجزء الرابع):
(التكافل يمثل نوعاً من الترابط بين أفراد المجتمع، فيكون كالأسرة الواحدة، فحينما يقوم الإنسان بعمل ما لصالح المجتمع الإسلامي، فهو يقدم خدمة لذلك المجتمع، وفي هذه الحالة يكون له حق عليه إن احتاجه في أمر ما).
الدور التكافلي بين الفرد والمجتمع تبادلي منفعي، وأي خلل من أحد الطرفين تجاه الآخر يخلق مشكلة، لاسيما الفرد الذي لا يلتزم بقيم المجتمع وثوابته، ولا يؤدي الواجبات التي تقع على الفرد لصالح المجتمع، في هذه الحالة تتضرر العلاقة فيما بينهما، فالمجتمع يرفض الفرد الذي يتمرد على قيمه وثوابته وعاداته، ويتقاعس عن أداء واجباته.
كما أن الفرد لا يقبل بالانتماء إلى مجتمع لا يحتضنه، ولا يكفل له حاجاته المختلفة، ولا يحترمه، فمن أهم الركائز التي تستند إليها العلاقة التكافلية بين الفرد والمجتمع، هو التعهّد المتبادل بأداء الطرفين لواجباتهما تجاه الآخر، وهذا يعني أن المجتمع الذي يخل بقضية التكافل للفرد سوف تجعله في حالة إحباط وشعور مؤلم بالغربة عن ذلك المجتمع، أما إذا استجاب لمتطلباته فإنه سيشعر بمكانته الواثقة في المجتمع الذي ينتمي إليه.
هذا ما يؤكده الإمام الشيرازي في قوله:
(إذا استجاب المجتمع للفرد الذي ينتمي له، ويؤدّى متطلباته وما يستحقه من مساعدة، فيشعر حينئذٍ بأنه عضو فاعل في المجتمع ولـه موقع فيه).
كيف نضمن الشعور الآمن للفرد؟
يستطيع المجتمع المتكافل أن يضمن الشعور الآمن للفرد، وأن يجعله مستقرا نفسيا، ويمنحه الشعور التام بالاطمئنان، وبأن هناك من يقف إلى جانبه ويسانده في حل قضاياه المادية وسواها، فمثلا المبلغ الكبير لا يمكن للفرد تحمّله، في حين إذا توزع على أفراد الجماعة فإنه سوف يكون أكثر سهولة ويسرا، وفي نفس الوقت يكون هذا عاملا لتقوية الفرد مع محيطه الاجتماعي وضمان التزامه والقيام بواجباته كما يجب، لكن في حال حدوث العكس فإن الشعور بالغرب سوف ينغّص حياة الفرد ويدخله في متاهات لا حصر لها.
الإمام الشيرازي يقول:
(إذا شعر الفرد بأن المجتمع يدعمه ويقف معه، لا يخاف إن نزلت فيه نائبة لأن هناك من يهتم بأمره ومن هو ملتزم بتقديم المال له والإنفاق عليه. أما إذا لم يتحسس المجتمع مشاعر ذلك الإنسان ولم يسْعَ في سد حاجاته فيشعر بأنه غريب عنه).
من مزايا التكافل الاجتماعي إنه يخفف الحمولات المادية الكبيرة على الأفراد، كما إنه يسهم بشكل كبير في تقوية الجانب المعنوي وبناء الاستقرار النفسي للفرد، وذلك من خلال عملية تكافلية تخلص الأفراد من الأعباء المادية الكبيرة التي تتوزع على أفراد الجماعة، فيقل ضغطها على الفرد حينما يتحمل قيمة ما يتحمله الأفراد الآخرون وإن كان هو صاحب الحاجة أو الدَيْن، وهذه ميزة التكافل الإسلامي حيث المساواة والتعاون المتبادَل.
يقول الإمام الشيرازي:
(هناك بعض الأعمال إذا تحمَّلتها الجماعة الكثيرة يسهل القيام بها، ولا يكون فيها عبء اقتصادي على أحد وتصبح يسيرة، لأن الأموال التي تم تقديمها لهذا العمل توزَّعت على الجميع، وهذا من الفوائد الكبيرة للتكافل الاجتماعي الإسلامي).
في مجتمعاتنا هناك موجة من الانحراف كاللجوء إلى المخدرات أو سواها من الانحرافات، سبب الجوع والظلم والحرمان والتفاوت الطبقي الكبير، حيث تتنعم فئة قليلة متسلطة أو متعاون مع السلطة بالخيرات الوفيرة، فيما يُحرَم منها الأكثرية عن طريق الفساد المالي والإداري وحتى السياسي، لهذا ينشأ الانحراف وتتكاثر الجريمة المنظمة، ويصبح المجتمع في حالة من الفوضى وصعوبة الحياة بسبب غياب التكافل والعدالة.
التكافل يقضي على الجوع والحرمان
تنشيط ثقافة التكافل تعني فيما تعنيه القضاء على الانحرافات، أو تقليلها في أضعف الإيمان، وهذه واحدة من أكبر مزايا التكافل الإسلامي، حيث التعاون المتبادل، والمساواة، وحفظ الحقوق، والتكافل فيما بين الناس، هذه كلها تؤدي إلى بناء مجتمع متماسك قوي متراحم متكافل، لا يُظلَم فيه أحد، ولا يحرَم فيه الفرد من حقوقه المشروعة.
إن الجوع كما تُظهر دراسات متخصصة يعد أحد أهم أسباب عدم الاستقرار النفسي للفرد، وهذا يقود الإنسان إلى حالات انحراف خطيرة، منها الإدمان، وارتكاب الجرائم، والتطرف، أو حتى فقدان الإيمان بسبب الجوع، فالجائع لا يمكن أن يؤدي صلاته التي تمكنه من عدم الاقتراب للفحشاء والمنكر، وهذا يعني أن الجوع قلّل من الأفراد الصالحين، وأحدث اختلالا في البنية الأخلاقية للمجتمع.
الفرد الجائع سوف يذهب نحو ارتكاب الجريمة، بسبب شعوره بالغبن من المجتمع، فيحقد على الناس وينظر إليهم على أنهم أعداء له ولا يشعر بالانتماء لهم:
لذا يقول الإمام الشيرازي
( من فوائد التكافل الاجتماعي القضاء على ظاهرة الانحراف والجريمة التي تنشأ من الحرمان والجوع والفقر، لأن عدم القيام بهذا التكافل والإعانة يؤدي إلى هذه الأعمال، فالجائع لا يبقى عنده استقرار نفسي، وإذا لم يجد الخبز سوف يتهاون في صلاته التي تجعله يأمر بالمعروف ويبتعد عن الفحشاء وينهى عن المنكر، وحينئذٍ سيحقد على المجتمع ويرتكب الجرائم).
مشكلة الجوع تتكاثر في المجتمعات غير العادلة وغير المتكافلة، لهذا قال الإمام علي (عليه السلام): (لو كان الفقر رجلا لقتلته)، في حين جاء في دعاء نبوي كريم، قال النبي (صلى الله عليه وآله): (اللهم بارك لنا في الخبز ولا تفرق بيننا وبينه فلولا الخبز ما صلينا ولا صمنا ولا أدينا فرائض ربنا).
في قضية التكافل لابد من التركيز على الحاجات الأساسية أولا، وأهمها درء خطر الجوع من خلال توفير الطعام والغذاء للناس، فمن يجوع يفقد إيمانه وتضعف صلاته، ولن يعيش حياته بشكل طبيعي مطلقا، بل يتحوّل إلى مشكلة خطيرة دائمة، تهدد السلم الأهلي، لذا يجب أن تنتشر ثقافة التكافل التبادلية بين أفراد وجماعات المجتمع المختلفة، وفق قواعد تنظيمية جيدة تضمن العدالة بين الجميع لضمان إبعاد شبح الجوع عن الناس.
يقول الإمام الشيرازي:
(من هنا يعرف أن الإنسان لا يمكن أن يعيش حياة طبيعية إلا بعد أن يؤمن حاجاته الأساسية مثل الغذاء والطعام).
المنظور الإسلامي للتكافل الاجتماعي يركز على العدالة الاجتماعية، ويدعو إلى ضمان الحاجات الأساسية للناس، ويدعو بل يوجب التعاون المتبادل بين الجميع، على أن يقوم المجتمع بدوره الصحيح والضامن لحقوق الأفراد، فيما يقوم هؤلاء بدورهم تجاه المجتمع دونما إخلال أو تلكّؤ، وبهذه الطريقة يتم بناء مجتمع متكافل رصين ومستقر.