الروس الداعمون الجدد لإسرائيل في المنطقة
قراءة في محاضرة صوتية لسماحة الامام السيد محمد الشيرازي –طاب ثراه-
محمد علي جواد تقي
2017-12-17 06:00
في عهد الاتحاد السوفيتي، كان ثمة تصوراً غريباً في أدمغة العرب بان هذه الدولة – آنذاك - هي الدولة العظمى الوحيدة في العالم تتضامن مع قضاياهم وتناصرهم فيما كان يطلق عليه "الصراع العربي- الاسرائيلي"، وربما الطابع الثوري للنظام الماركسي ومناصرتها والخطاب الشعوبي، وتقديم الاشتراكية، على أنها المنهج الجديد في الحياة يتناغم مع ظلامات الفقراء والمضطهدين، ويكون بديلاً عن الرأسمالية المجحفة، هو الذي مهد الطريق الى قلوب البعض ممن عانوا الاضطهاد والتنكيل، وفي مقدمتهم؛ الشعب الفلسطيني.
ومن الناحية السياسية، فان ميول الروس أو "السوفيت" سابقاً، نحو العرب والقضية الفلسطينية في بعض المراحل، كان منطلقه التنافس المحموم على النفوذ والهيمنة في الشرق الاوسط تحديداً بين موسكو والعواصم الغربية، وبالذات؛ مع واشنطن، وهو ما خلفته حقبة الحرب الباردة بين ما كان يعرف بـ "المعسكر الشرقي" و"المعسكر الغربي"، في كانت الحقيقة الكبرى، غائبة عن الاذهان، وهي؛ الاعتراف المبكر لموسكو بدولة الكيان الصهيوني عام 1948.
المعطيات السياسية على الارض، وما كشفت عنه الحروب الطاحنة وظهور التحالفات والمحاور الجديدة على خارطة الصراع في المنطقة، كشف عما كان يحذر منه الامام السيد محمد الشيرازي قبل حوالي اربعين عاماً، عن حقيقة الموقف الروسي من القضية الفلسطينية وعلاقاتها مع اسرائيل من خلال قراءة هذا المقطع الصوتي التالي:
"على الشباب والشابات ان يعرفوا أن الاتحاد السوفيتي هي الدولة الثانية او الثالثة التي اعترفت بدولة لليهود في فلسطين.
واذا استفادت اسرائيل من الولايات المتحدة في مساعداتها، من المال والسلاح، فانها استفادت من الاتحاد السوفيتي من خبراتها وتجاربها والقوة البشرية.
لا أريد الخوض في الحديث عن السياسة، بقدر ما يهمني أمر الاسلام، و الحرية، وهؤلاء (الروس) يقفون بالضد من كل ذلك، لذا فنحن نقف ضدهم، كما نقف ضد المشاريع الغربية، لذا يجب ان نكون مستقلين في قرارنا، فلا نتبع الشرق ولا الغرب، وهذا ما أوصانا به الله –تعالى- في كتابه المجيد: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}، (سورةالمائدة، 51)، وفي آية اخرى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا...}، (سورةالمائدة، 82)، وهم الذين اتخذوا مع الله شريكاً، وهي الطبيعة.
ولذا علينا نحن المسلمون، ان نكون كتلة واحدة مستقلة؛ لا شرقية ولا غربية، تؤمن بالله الواحد الأحد ولها نبيها الخاتم، صلى الله عليه وآله، وانظمة اقتصادية خاصة، وعدالة اجتماعية صحيحة، وحرية حقيقية، حتى نتمكن من استرجاع أي أرض اغتصبت منّا، سواءً من قبل الاتحاد السوفيتي او من قبل اسرائيل".
مصالح في المياه الدافئة
لم تعد روسيا بحاجة الى المياه الدافئة لتتمتع بأشعة الشمس الشرق أوسطية الرائعة، كما كان يروج لذلك خلال سني السبعينات، إنما تبحث عن المصالح وموطئ القدم في على ضفاف هذه المياه الدافئة، لتنافس بذلك الوجود الاميركي والبريطاني بشكل خاص، والوجود الغربي بشكل عام في المنطقة، وإلا فان الوثائق تشير الى أن موسكو في عهد الاتحاد السوفيتي كانت من أوائل الدول دولة في العالم اتخذت قراراً بتأييد خطة تقسيم فلسطين الذي أقره مجلس الامن الدولي عام 1947، أي قبل عام واحد من إعلان تأسيس الدولة العبرية.
وتشير الوثائق الى أن موسكو تعاملت مع القضايا الاسلامية بشكل عام، والقضية الفلسطينية بشكل خاص، بمنتهى البراغماتية، وكانت تلعب طيلة عقود من الزمن على التناقضات في علاقاتها مع اسرائيل تارةً، ومع الدول العربية ومعها الفلسطينيين تارةً اخرى، وحسب المصادر، فان العلاقات الروسية – الاسرائيلية، تدفعها المصالح الروسية في المنطقة، وتجمدها الميول الاسرائيلية الشديدة نحو الولايات المتحدة والغرب.
من ذلك؛ الحروب الاسرائيلية مع الدول العربية، التي استند فيها الاسرائيليون بشكل رئيس على الغرب، مما دفع موسكو للتناغم مع المواقف العربية والفلسطينية، ومنها؛ قطع العلاقات مع اسرائيل عام 1967 على خلفية احتلالها الضفة الغربية لفلسطين والجولان السوري وسيناء المصرية، وبين مدّ وجزر في هذه العلاقات طيلة العقود الماضية، كان التحول الجذري والاساس مع صعود الزعيم الروسي فلاديمير بوتين الى قمة السلطة في موسكو ليفتح صفحة جديدة من هذه العلاقات قائمة بالدرجة الاولى على مصلحة روسيا واستراتيجتها الجديدة في الشرق الاوسط والعالم بأسره، مستفيداً من خلفية ثقافية تتمثل في كون اللغة الروسية هي الثانية بعد اللغة العبرية في اسرائيل، وان حوالي مليون ونصف المليون يهودي في اسرائيل هم من أصل روسي، وقد مهّد هذا، السبيل الى تطوير العلاقات في مجالات التجارة، والسياحة، والتكنولوجيا، والتسليح.
وهذا جزء بسيط يبدو كافياً للدلالة على ان مفاهيم سياسية حديثة مثل؛ نظام "تعدد الاقطاب في العالم"، او "توازن القوى الدولية" وغيرها، لن تجدي نفعاً للفلسطينيين وعموم المسلمين في استرجاع أراضيهم وحقوقهم وكرامتهم، لذا نجد الامام الشيرازي –طاب ثراه- يحذر منذ تلك السنوات الخوالي، من أن روسيا، او الاتحاد السوفيتي سابقاً، لا يقل خطورة على مصالح المسلمين من الولايات المتحدة والغرب، بدليل القراءة الواقعية (البرغماتية) للساحة التي يتبناها الروس، وبشخص الزعيم المتألق؛ فلاديمير بوتين، الذي لوحظ بشكل لافت كيف انه يحاول الحصول على قصب السبق من الرئيس الاميركي السابق باراك أوباما، خلال السنوات الماضية، لتسجيل حضوره في الدولة العبرية، ومن تحقيق ما يصبو اليه استرايتجياً، وهو أن يكون شريكاً للغرب في إدارة ملف الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي.
وفي حزيران عام 2012، زار بوتين إسرائيل، وذلك قبل تسعة أشهر من قيام باراك أوباما بزيارته الأولى لإسرائيل كرئيس للولايات المتحدة. وفي لقائه مع الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز في القدس، قال بوتين: "تقوم مصلحة روسيا الوطنية على توفير السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، والسلام والاستقرار للشعب الإسرائيلي. وليس من باب الصدفة أن يكون الاتحاد السوفياتي من بين المبادرين والداعمين لإنشاء دولة إسرائيل".
توحيد الرؤية والاستقلال السياسي
عندما أعلن الرئيس الاميركي الحالي دونالد ترامب، عن قراره التاريخي بموافقة واشنطن على اعتبار القدس عاصمة الدولة العبرية، وهو بإجماع كل المراقبين والخبراء، ليس إلا تحصيل حاصل، وجدنا أن الاوساط السياسية في المنطقة والعالم الاسلامي، أصيبت بارتباك شديد، لا تدري كيف تتصرف وترد، فبين التحالفات الهشّة، وبين المصالح المتقاطعة، وبين التوجهات والافكار المتناقضة، لم تتمكن الدول الاسلامية من الخروج بقرار موحد بحجم المخطط الكبير الذي اتفق على رسمه؛ الروس والاميركان والبريطانيين، وهذا لم يكن إلا بوجود رؤية موحدة لجميع الاطراف الدولية الفاعلة على ضمان أمن واستقرار الدولة العبرية، وإعطاء الأولوية لأمنها وبقائها على أمن الشعب الفلسطيني ومصيره وكرامته، بما يعني لأن الدول الاسلامية وتحديداً دول المنطقة، إن كانت تفكر حقاً، بمصير الشعب الفلسطيني وتعد الدولة العبرية، كيان غاصب لابد من اجتثاثه وإعادة الحق لأهله، عليها توحيد الرؤية للواقع الذي تعيشه بما يضمن مصالح الجميع ممن يرتبطون بمشتركات الدين والتاريخ والثقافة، وهو بدوره يقربهم الى صياغة القرار السياسي المستقل، وهذا ما يدعو اليه الامام الشيرازي في هذا المقطع الصوتي من ان استرجاع الاراضي الفلسطينية المغتصبة، بل وأي أرض مغتصبة اخرى، لن يكون بالاعتماد على الدور الروسي مهما كانت الاسباب والدوافع، وإنما من خلال الاستقلال في التفكير والموقف، لاسيما وان زعماء الدول الاسلامية، وايضاً المؤسسات الثقافية والمنظمات المجتمعية باتت مدركة لحقيقة مرة، وهي؛ أن الشعوب العربية والاسلامية هي الوحيدة الخاسرة في الحروب والازمات التي شهدتها المنطقة طيلة السنوات الماضية، وفي المقدمة؛ الشعب الفلسطيني، فاذا لم تصل نيران الحروب الى هذه الدولة أو تلك، ولم تسفك دماء أبناؤها وتدمر بنيتها التحتية، فان حياة ابنائها معرضة لمخاطر التمزق السياسي الداخلي، كما يحصل في السعودية.
وهذا ممكن اذا نجحت بلادنا في التخلّي عن التعصّب في التفكير والتطرف في الرأي، ليس فيما يتعلق بالجانب السياسي وحسب، وإنما في معالجة كافة النقاط الخلافية بين المسلمين، ومن ثمّ تحديد نقطة واحدة يلتقون عليها ويجدون فيها مصلحتهم ومصلحة شعوبهم، وربما يكون الموقف الاميركي من القدس والدولة العبرية، والنفوذ الروسي المتزايد، اختبار جديد وتاريخي للأمة في إعادة بعض ما فقدته، او على الاقل إثبات وجودها في الساحة الاقليمية والدولية، وإلا فانها ستتحول الى مجرد منفذ للسياسات الدولية الطامحة ابداً للحصول على المكاسب والمصالح، وايضاً الهيمنة الكاملة على بلادنا بحيث لن تعد بعد اليوم غنية بالثروات والقدرات.