جدل مثير: هل يشفي حقاً عقار إيفرمكتين من مرض كوفيد-19؟
موقع للعلم
2021-10-19 07:08
بقلم كريستينا سالينسكي
ساعد عقار «إيفرمكتين» Ivermectin في علاج مئات الملايين من الأشخاص ومليارات من الحيوانات الأليفة وحيوانات المزارع من الأمراض الطفيلية، بل إن مكتشفه حاز جائزة نوبل في الفسيولوجيا أو الطب في عام 2015، بَيْدَ أنّ مجموعاتٍ عديدةً من الأطباء تتجه الآن إلى تشجيع الناس على تناوُل العقار من دون تصريحٍ لعلاج مرض «كوفيد-19» أو الوقاية منه، رغم عدم وجود أدلة قوية على فاعليته ضد المرض، ورغم الحقيقة القائلة بأن الجرعات العالية منه يُمكِن أن تُلحِق ضررًا بالمرضى، وفي هذا الإطار، يعتقد بعض الخبراء أن هذه المجموعات من الأطباء تعرقل جهود التطعيم المبذولة.
بيير كوري -طبيب الرعاية الحرجة في مدينة ماديسون بولاية ويسكونسن الأمريكية- وصف عقار «إيفرمكتين» الذي اشتُق من مُرَكَّبٍ تم اكتشافه في أحد ميكروبات التربة في اليابان، بأنه "العقار المعجزة" و"بنسلين «كوفيد»"، يشغل كوري منصب رئيس تحالف الخط الأمامي للرعاية الحرجة لمرضى «كوفيد-19» (FLCCC)، وهذا التحالف يتألف من مجموعة من الأطباء والعلماء يدعمون استخدام عقار «إيفرمكتين» في علاج مرض «كوفيد-19»، جنبًا إلى جنب مع العقاقير والفيتامينات الأخرى المشكوك في فاعليتها في علاج مرض «كوفيد»، وقد تعرض التحالف المذكور، جنبًا إلى جنب مع مؤسستين أخريين -مجموعة وضع توصيات عقار «إيفرمكتين» البريطانية (BIRD) وتحالف أطباء الخطوط الأمامية في أمريكا (AFLDS)- لانتقاداتٍ من العديد من الأطباء والعلماء الآخرين، ومع ذلك، فإن بروتوكولات العلاج والروابط ومقاطع الفيديو التي تطلقها هذه المجموعات تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما يُروِّج لها المشككون في اللقاحات.
يقول دانييل جريفين، الطبيب والباحث في الأمراض المعدية بجامعة كولومبيا ورئيس قسم الأمراض المعدية في شركة «بروهيلث»: إن الفكرة القائلة بأن عقار «إيفرمكتين» دواءٌ معجزة تمنح الأشخاص الذين يرفضون اللقاحات إحساسًا زائفًا بالأمن، وقد أشار استطلاعٌ أجرته مؤخرًا مجلة «إيكونوميست» Economist وشركة «يوجوف» YouGov إلى أن إجماليًّا يبلغ نحو 56% من الأشخاص الذين يعتقدون أن عقار «إيفرمكتين» فعَّال في علاج مرض «كوفيد-19» إما لا يعتزمون تلقِّي التطعيم أو غير واثقين باللقاح، ولكن خلافًا للبيانات التي تدعم اللقاحات، يقول جريفين إن الأدلة التي يستند إليها استخدام عقار «إيفرمكتين» تُثير التساؤلات وتفتقر إلى الوضوح، ولا يقتصر قلق جريفين على أن الضجة المُثارة حول العقار المضاد للطفيليات قد تثني بعض الناس عن الحصول على التطعيم فحسب، بل تشغل باله أيضًا احتمالية تأخُّر المرضى الذين يتناولونه في المنزل عن الذهاب إلى المستشفى وتفويت فرصة الاستفادة من فاعلية علاجات «كوفيد-19» القائمة على الأدلة.
غير أن الاتجاه نحو عمليات وصف عقار «إيفرمكتين» آخذٌ في التنامي، إذ تجاوز عددها 88 ألفًا أسبوعيًّا في الولايات المتحدة الشهر الماضي (مقارنةً بمتوسط 3600 أسبوعيًّا عام 2019)، وعلى الرغم من أن شكل العقار الذي يُباع في الصيدليات يُوصَف بشكلٍ روتيني للاستخدامات المُعتَمَدة من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية مثل علاج العدوى الطفيلية، فإن جرعات العقار ومواعيد تناولها التي ينشرها تحالف الخط الأمامي للرعاية الحرجة لمرضى «كوفيد-19» على موقعه الإلكتروني لا تتوافق مع تلك التي يُنصَح بها عادةً للبشر، يقول سيدريك دارك، طبيب الطوارئ والأستاذ بكلية بايلور للطب: إن عقار «إيفرمكتين» يُعطى عادةً في جرعة واحدة عند استخدامه كعلاج للطفيليات، وعلى النقيض من ذلك، يقترح بروتوكول الوقاية الخاص بتحالُف الخط الأمامي للرعاية الحرجة لمرضى «كوفيد-19» تناوُله "مرتين في الأسبوع طالما أن احتمالية التعرُّض لخطر [كوفيد] مرتفعة في مجتمعكم المحلي"، غير أن جريفين يوضح أنه "ليس لدينا بيانات أمان يُعَوَّل عليها حول الدورات العلاجية المُطوَّلة التي يُوصى بها حاليًّا أو حول المرضى الذين يتناولون عقار «إيفرمكتين» خلال فترة إصابتهم بمرض «كوفيد-19» وكذلك حول جميع التغيرات المناعية والأيضية المُصاحِبة لهذا المرض".
لم يكن إيفرمكتين هو العقار الأول الذي أقره تحالف الخط الأمامي للرعاية الحرجة لمرضى «كوفيد-19» من أجل علاج مرض «كوفيد»؛ ففي عام 2016، بدأ بول ماريك، طبيب الرعاية الحرجة والأستاذ في مدرسة الطب في فيرجينيا الشرقية، والذي قد ساعد في تأسيس التحالف المذكور، بإعطاء ما أصبح يُعرف لاحقًا باسم «كوكتيل ماريك» لعلاج تعفُّن الدَّم، وهذا المرض هو استجابةٌ مُهَدِّدة للحياة، تحدث نتيجة عدوى تُسَبِّب التهابًا في جميع أجزاء الجسم، يحتوي هذا الكوكتيل الذي يُعطى عن طريق الوريد على جرعةٍ مرتفعة من فيتامين «سي»، وهيدروكورتيزون (ستيرويد) وفيتامين «بي1»، وفي نهاية المطاف، أظهرت تجربةٌ مُعشاة أن الكوكتيل غير فعَّال في علاج تعفُّن الدَّم، إلا أنه عندما ضربت الجائحة العالم، بدأ ماريك يُجرِّب هذا الكوكتيل على المرضى المُصابين بمرض «كوفيد-19»، وفي أبريل 2020، شكَّل هو وكوري وعددٌ قليل من زملائهما تحالف الخط الأمامي للرعاية الحرجة لمرضى «كوفيد-19»؛ للتَّشجيع على اعتماد كوكتيل مُعَدَّل اعتقدوا أنه يُمكِن أن يكون فعَّالًا في علاج المرض، وفي أواخر عام 2020، أضافت المجموعة عقار «إيفرمكتين» إلى بروتوكولاتها.
ويُعزى الكثيرُ من الاهتمام الجماهيري بعقار «إيفرمكتين» كعلاجٍ لمرض «كوفيد-19» والوقاية منه إلى دراسةٍ أشرفَ عليها العالم الأسترالي ليون كالي، في تلك الدراسة التي أُجريَت في ربيع عام 2020، أضاف العلماء تركيزاتٍ مرتفعة جدًّا من العقار إلى خلايا مزروعة في «أطباق بتري»، وأفادوا بأن العقار يمنع الفيروس المُسَبِب لمرض «كوفيد-19» من نسخ نفسه، وأشارت دراساتٌ مماثلة أُجريَت في السابق إلى أن عقار «إيفرمكتين» كانت له خصائص مضادة للفيروسات عند إضافته إلى الخلايا المزروعة في المختبر؛ فقد منع تكاثر الفيروسات التي تُسبِّب حُمَّى الضَّنْك ومرض «زيكا» وحمى «غرب النيل» ومرض نقص المناعة البشرية المكتسب (الإيدز) وغيرها من الأمراض، إلا أنه لم تُجرَ سوى تجربةٍ سريرية واحدة قبل الجائحة لتقييم فاعلية عقار «إيفرمكتين» في علاج مرض فيروسي (حُمَّى الضَّنْك) على وجه التحديد، ولم يُظهِر أي جدوى سريرية.
غير أن التجارب السريرية التي تختبر فاعلية عقار «إيفرمكتين» في الوقاية من مرض «كوفيد-19» أو علاجه قد بدأت "مدفوعةً بدافعٍ سخي للغاية لمحاولة إيجاد علاجات زهيدة التكلفة، من شأنها أن تقي الناس من الموت من جرَّاء الإصابة بمرض [«كوفيد-19»]"، حسبما يقول خبير الصحة العامة هوارد فورمان من جامعة ييل، ويقول دارك إنه مع ذلك، فقد استخدمت التجارب جرعاتٍ مختلفةً تُعطى في مواعيد مختلفة، "مما يجعل من الصعب للغاية مقارنة واحدةٍ بأخرى".
وإضافةً إلى ذلك، فإن العديد من الدراسات التي أُجريَت على عقار «إيفرمكتين» كان فيها عيوبٌ في التصميم تحول دون أن تؤدي إلى تغييراتٍ في الممارسة السريرية، وفق قوله، وكان تقريرٌ في شهر يوليو نشرته «كوكرين» Cochrane -وهي مؤسسة مستقلة مرموقة تتولى مراجعة الأبحاث الطبية وتساعد في توجيه الممارسات السريرية- قد سلَّط الضوء على عشرات الدراسات التي أُجريت على عقار «إيفرمكتين»، ووجد أن 14 منها فقط مؤهلة للتقييم، استبعد التقرير 38 دراسةً بسبب مشكلات تتعلق بمنهجيتها، إما أنها لم تتضمن مجموعة ضابطة، أو كانت المجموعة الضابطة فيها غير مناسبة، أو اشتملت على صورٍ أخرى من التحيز، وخلص التقرير إلى أن الدراسات الأربع عشرة المتبقية التي شارك فيها 1678 شخصًا، لم تدعم استخدام عقار «إيفرمكتين» للوقاية من مرض «كوفيد-19» أو علاجه.
وعلى النقيض من عقار «إيفرمكتين»، فإن الأدلة على فاعلية لقاحات «كوفيد-19» "مقنعة على نحوٍ مذهل"، وفق قول جريفين، كما أن معظم حالات الوفاة الناجمة عن مرض «كوفيد-19» وكذلك الحالات التي تستدعي دخول المستشفى يُمكِن تجنُّبها عن طريق تلقِّي اللقاح.
ومع ذلك، لا يبدو أن المجموعات التي تُروِّج لعقار «إيفرمكتين» تدعم بقوة لقاحات «كوفيد-19»، فلا يذكر تحالف الخط الأمامي للرعاية الحرجة لمرضى «كوفيد-19» الكثير بشأنها على وسائل التواصل الاجتماعي، كما يدوِّن في الإصدار الحالي من بروتوكول الوقاية الخاص به أن عقار «إيفرمكتين» يُعَد "شبكة أمان" لأولئك الذين لم يتلقوا اللقاح (وإن كان البروتوكول يُتبِع ذلك بقوله: "لقد أظهرت اللقاحات فاعليةً في الوقاية من أشد تبعات مرض «كوفيد-19»)، بل وشارك كلٌّ من سيمون جولد، مُؤسِّسة تحالف أطباء الخطوط الأمامية في أمريكا، وهي طبيبةٌ أُلقيَ القبض عليها بسبب أنشطتها المتعلقة بتورطها في تمرد السادس من يناير في مبنى الكابيتول، كما أنها على صلةٍ بجماعة سياسية محافظة، وتيس لوري، مديرة شركة «إفيدنس-بيزد ميديسين كونسلتنسي» Evidence-Based Medicine Consultancy ومُنَظِّمة مجموعة وضع توصيات عقار إيفرمكتين البريطانية، معلوماتٍ مُضَلِّلة عن اللقاح في مقاطع فيديو على شبكة الإنترنت، كما يقدم تحالف أطباء الخطوط الأمامية في أمريكا المشورة حول الإعفاء من تلقي اللقاحات على موقعه الإلكتروني.
بالإضافة إلى ذلك، يشير الموقع الإلكتروني لتحالُف أطباء الخطوط الأمامية في أمريكا -دون الاستناد إلى أدلة- إلى وجود بعض الأسباب الشائنة التي تدعو إلى الترويج للقاحات أو الإعلان عنها في حين لا ينطبق ذلك على العقاقير والمكملات الغذائية زهيدة الثمن (مثل عقار «إيفرمكتين» و«هيدروكسي كلوروكين» والزنك والفيتامينات والمضادات الحيوية)، كما لمَّح تحالف الخط الأمامي للرعاية الحرجة لمرضى «كوفيد-19» في تغريدةٍ على حسابه الرسمي إلى وجود مؤامرة، وجاء نص التغريدة كالتالي: "تأمل إدارة الغذاء والدواء (FDA)، ومراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)، ووسائل الإعلام الرئيسة وغيرها أن تصدقوهم حينما يخبرونكم بأن عقار [«إيفرمكتين»] مُخصَّص للحيوانات فقط، وأنه من الخطير استخدامه لعلاج مرض [«كوفيد-19»]".
وتصف هايدي لارسون -مديرة مشروع الثقة باللقاحات في مدرسة لندن لحفظ الصحة وطب المناطق الحارة- هذا النهج بأنه "أسلوبٌ تقليديٌّ لتقويض الثقة بالسلطات"، وتضيف قائلةً: "إن مثل هذا التلاعب يُعد -في حقيقة الأمر- إستراتيجيةً أساسيةً تتَّبعها المجموعات التي تحاول تقويض الثقة باللقاحات".
ويُبين دارك أن عقارًا رخيص الثمن متوافرًا على نطاق واسع يُستَخدَم في علاج أعراض مرض «كوفيد-19»، وهو ستيرويد يُسمى «ديكساميثازون»dexamethasone، فعندما أظهرت تجربة سريرية جيدة التصميم أن عقار«ديكساميثازون» ساعد في علاج بعض المرضى الذين دعت الحاجة إلى إيداعهم المستشفى من جرَّاء إصابتهم بمرض «كوفيد-19»، اعتمد الأطباء استخدامه على نطاقٍ واسع، ويقول جريفين إن عقار «هيبارين» heparin المضاد للتجلُّط مثالٌ آخر على عقارٍ رخيص الثمن يُستَخدَم في المستشفيات للمساعدة في علاج مرضى «كوفيد-19».
يمكن أن يكون عقار «إيفرمكتين» سببًا لجني الأموال أيضًا؛ فتحالف أطباء الخطوط الأمامية في أمريكا يتقاضى رسومًا قدرها 90 دولارًا أمريكيًّا مقابل زيارات الرعاية الصحية عن بُعدٍ مع أطباء لديهم استعدادٌ لكتابة وصفات طبية غير رسمية لعقار «إيفرمكتين» أو «هيدروكسي كلوروكين» -وهو عقارٌ آخر أُشيدَ به كثيرًا، وقد تبيَّن لاحقًا أنه غير فعَّال بل إنه ضار في بعض الأحيان- لعلاج مرضى «كوفيد-19»، ويربط تحالف أطباء الخطوط الأمامية في أمريكا الأشخاص بصيدلية رقمية تتولى صرف تلك الوصفات الطبية أو ترسلهم إلى صيدلية محلية، وأحيانًا يكون ذلك مقابل أسعار باهظة، وعند التواصل للتحقق من هذا الخبر، رفضت المجموعة التعليق على هذه الممارسات، كما يتولى تحالف الخط الأمامي للرعاية الحرجة لمرضى «كوفيد-19» إعداد قائمة بالصيدليات التي تصرف وصفات عقار «إيفرمكتين» غير الرسمية، وتقديم قائمة بالأطباء الذين يستعينون ببروتوكولات المجموعة، ولم يستجب التحالف للاستفسارات، ومن بينها الاستفسار عما إذا كان يكسب أموالًا من خلال هذه الخدمات أم لا.
ثمة مزاعم تُفيد بوجود مؤامرة ضد عقار «إيفرمكتين»، غير أن جريفين يُشير إلى أن الباحثين يواصلون دراسة هذا العقار إلى جانب دراسة العقاقير الأخرى المُعاد توظيفها لأغراضٍ علاجية غير أغراضها الرسمية للوقوف على مدى فاعلية كلٍّ منها في علاج مرض «كوفيد-19»، وتُجرى في المملكة المتحدة حاليًّا تجارب سريرية مُعشاة مُضبَّطة بعقارٍ وهمي، من بينها تجربة «كوفيد-أوت» (COVID-OUT)، ودراسة «أكتيف-6» (ACTIV-6) وتجربة «برينسيبل» (PRINCIPLE) في المملكة المتحدة.
يقول فورمان: "سيصير من دواعي سروري أن يكون عقار «إيفرمكتين» فعَّالًا، برهنوا على صحة ذلك فحسب"، وتقول لارسون إنه حتى إذا كان لدينا علاجٌ فعَّالٌ لمرضٍ ما، فإن هذا لا ينفي الحاجة إلى لقاح، وتضيف: "نحن بحاجةٍ إلى جميع الأدوات الموجودة في حقيبة معداتنا".