أزمة كوفيد-19 تفاقم المشاكل النفسية في مخيمات النازحين بالعراق

وكالات

2020-12-07 08:23

بالكاد بدأ النازح الأيزيدي زيدان (21 عاما) يتخلّص من الكوابيس التي يعاني منها منذ سنوات بسبب ممارسات تنظيم الدولة الإسلامية الوحشية في العراق، ويحاول التعافي لإعالة أسرته، حتى جاء وباء كوفيد-19 والحجر ليفاقما مشاكله النفسيّة. بحسب فرانس برس.

يجلس هذا الناجي من الطائفة التي اضطهدها تنظيم الدولة الإسلامية العام 2014 على كرسيّ مرتديا سترة وسروالا قماشيين، يقول للأخصائية النفسية في منظمة "الإسعاف الأولى الدولية" بيداء عثمان في مخيم باجد كندالا (شمال غرب) "كنا مزارعين، وكان وضعنا جيدا"، ويواصل "ثم جاء تنظيم الدولة الإسلامية" الذي قتل الرجال وجنّد الأطفال قسرا وحوّل النساء إلى سبايا، ما يمثل "إبادة جماعية" محتملة وفق الأمم المتحدة.

نتيجة ذلك، يضيف زيدان "صرت أرى كوابيس كل ليلة، أرى رجالا يرتدون الأسود جاؤوا لقتلنا"، على غرار كثيرين في المخيم، يعاني الشاب من اضطراب ما بعد الصدمة، وبفضل متابعة عثمان له وتمارين التنفس التي أوصته بها، خفّت نوبات الهلع، حتى أنه استعاد القدرة على النوم ليلا.

رغبة في الموت

لكن في بداية مسار تعافيه، فرض العراق حجرا في آذار/مارس لاحتواء جائحة كوفيد-19، يؤكد زيدان وهو يشبك أصابعه "منذ عشرة أشهر، عادت الكوابيس ومعها الرغبة في الموت"، أضيف إلى الخوف من الجهاديين الخوف من فيروس كورونا المستجد والفقر المرافق له، يقول في هذا الصدد "أخشى أن تصاب عائلتي بفيروس كورونا أو تنقله لي، صار يتملكني هذا الهاجس"، بموازاة ذلك، فقد شقيقه وظيفته في مكتبة على أطراف المخيم. نتيجة ذلك "لم تعد العائلة تجني مالا، عندما أفكر في الأمر أصاب بنوبات هلع".

ينتظر كثيرون في طابور أمام المركز الطبي الصغير ليدخلوا بعد زيدان، ووفق منظمة الصحة العالمية، يعاني واحد من كل أربعة عراقيين من هشاشة نفسية في بلد يوجد فيه ثلاثة أطباء نفسيين لكل مليون شخص، في مقابل 209 في فرنسا مثلا.

من جهتها، قالت بيداء عثمان لوكالة فرانس برس "لاحظنا زيادة في تكرر اضطرابات ما بعد الصدمة ومحاولات الانتحار والميول الانتحارية"، وأوضحت أنه في تشرين الأول/أكتوبر فقط "شهد المخيم ثلاث محاولات انتحار" لنازحين يعانون جراء القيود على الحركة وأثرها على العلاقات الاجتماعية.

تزايد عدد العاطلين في المخيم إثر تسريح موظفين من مصنع مناديل ورقية وإغلاق مزرعة بطاطا ومشاريع أخرى، وخسر نحو ربع العمال في أنحاء العراق وظائفهم نتيجة الحجر، وقد طاول ذلك خصوصا الفئة العمرية بين 18-24 سنة التي خسرت 36 بالمئة من الوظائف، وفق منظمة العمل الدولية، وشرحت عثمان أن "ذلك يسبب مشاكل مالية، وتراجع الثقة في النفس، ما يجدّد الصدمة".

أضرب أبنائي

تتقدم جميلة بخطوات مترددة نحو كرسي جلدي، عانت المرأة الأربعينية أيضا من مشاكل نفسية عقب فرارها من مدينة سنجار الأيزيدية العام 2014. على غرار الآخرين، تخشى أحكام المجتمع الذي لا يزال ينظر سلبيا إلى المشاكل النفسية لذلك تفضّل عدم ذكر اسمها العائلي، هذه العراقية المقيمة في خيمة مع عائلة ابنها وبناتها الأربع جاءت للأخصائية النفسية مع تجدد مشاكل التوتر إثر الجائحة.

تقول جميلة "أهملت أبنائي كليا"، وتضيف "أشعر بالعزلة وإن كانوا دائما في المنزل. أضربهم خلال نوبات الهلع، لا أعرف ماذا علي أن أفعل"، تشرح عثمان أن "الكراهية نتاج حزن لم يتم علاجه، فتُوجه نحو الأقارب، خصوصا عندما يشعر المرضى بالتقليل من شأنهم: يعتدي الرجال على النساء وتعتدي النساء على الأطفال".

حتى من نجحوا في العودة إلى منازلهم بعد الحرب ما زالوا يعانون، كما يعاني أطفالهم من بعدهم، تقول الطبيبة لينا فيلا من منظمة أطباء بلا حدود، وهي مديرة قسم الصحة العقلية في مستشفى سينوني بسنجار، "مع نقص العلاج والعزلة، يشهد الأطفال الذين عايشوا إبادة جماعية صعوبات في سن الرشد"، لذلك، تضيف فيلا "نخشى تزايد حالات الانتحار في الأعوام المقبلة".

شبح داعش يطارد عائلات مع إغلاق العراق للمخيمات

انتقلت العراقية تقى عبد الله وأفراد أسرتها من مخيم للنازحين إلى آخر خلال السنوات الثلاث الماضية يحدوهم الأمل في أن يكون باستطاعتهم ذات يوم العودة إلى ديارهمـ كانت تقى في سن الرابعة عشر لا أكثر عندما اصطحب والدها الأسرة إلى الموصل وقت أن كانت المدينة معقلا لتنظيم الدولة الإسلامية. وورثت تقى إرثا قد يحتاج محوه إلى أجيال. وفي نفس الوقت تنفد الاختيارات المتاحة أمامها. بحسب رويترز.

عندما سيطرت القوات العراقية على الموصل في الأيام الأخيرة للخلافة التي أعلنها تنظيم الدولة الإسلامية والتي استمرت ثلاث سنوات قُتل والدها وأشقاؤها الأكبر، أفراد الأسرة الباقون من بين آلاف كثيرة من أقارب المتهمين بالانتساب للدولة الإسلامية الذين انتقلوا بعد هزيمة التنظيم إلى مخيمات مؤقتة.

في الشهر الماضي بدأ رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في إغلاق المخيمات الباقية قائلا إن ديار الأسر أولى بها، لكن كثيرا من المقيمين في المخيمات ما زالت مجتمعاتهم المحلية تمنعهم من العودة قائلة إنهم كانوا ضمن التنظيم الذي فرض حكمه الوحشي على أجزاء كبيرة من شمال العراق، وعندما تم إغلاق مخيم الجدعة 1 الذي كانت تقيم فيه تقى وأسرتها لم يعودوا إلى قريتهم بالقرب من بلدة القيارة في شمال العراق لكنهم ذهبوا خلافا لذلك إلى مخيم الجدعة 5، قالت تقى التي تقيم في خيمة مع والدتها وجدتها وأشقائها الأصغر "ليس لنا مكان نذهب إليه إذا أغلقوا هذا المخيم".

ليس أمامنا غير الانتحار

تقول الحكومة في بغداد إن ثلاثة مخيمات فقط ما زالت مفتوحة من بين 47 مخيما خارج إقليم كردستان، وإنها تأمل في إغلاق المخيمات الثلاثة بحلول أوائل العام المقبل وترفض قول منظمات إغاثة إنسانية إن عملية الإغلاق متعجلة للغاية.

وليس من الواضح متى يتم إغلاق 26 مخيما في إقليم كردستان شبه المستقل، ولجأ أيضا أحمد خليف وأسرته إلى مخيم الجدعة 5 خلال عمليات إغلاق المخيمات الأخيرة رغم أن ديارهم لا تبعد عن المخيم سوى حوالي 15 كيلومترا.

وقال خليف "إذا أغلقوا الجدعة لن يكون أمامنا مكان نذهب إليه. ليس أمامنا غير الانتحار"، قال نجم الجبوري محافظ نينوى التي توجد فيها مخيمات الجدعة لرويترز إن بعض أفراد الأسر المتهمة بأنها كانت مع تنظيم الدولة الإسلامية يمكنهم العودة إلى ديارهم لكن لم يتم بعد التوصل إلى حل وسط حول العودة مع بعض زعماء العشائر.

وقال الجبوري "يبقى عدد يجوز أن يصل إلى ألف عائلة أو أكثر من الصعوبة أن يرجعوا إلى أماكنهم"، وبالقرب من بلدة القيارة حيث يوجد مخيم الجدعة كان عبد الكريم الوكاع زعيم عشيرة الجبوري من بين من قرروا مصير أقارب أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية خلال اجتماع عقد عام 2016، يقول الوكاع إن من بايعوا الدولة الإسلامية أو تباهوا بها أو استفادوا منها ممنوعون من العودة إلى ديارهم.

واصل خليف عمله سائقا لسيارة أجرة تحت حكم الدولة الإسلامية مما جعله موضع شبهة استغلال الصلات الأسرية. وقال إن ثلاثة من أبنائه في السجن لصلاتهم بالدولة الإسلامية، ويقول حسين علي، ابن مختار بلدة خليف والمسؤول عن ملفه، إنه يتمنى عودة جميع الأسر لكن السلطات المحلية لا يمكنها ضمان سلامة خليف، وحتى إن لم تكن موضع شبهة فإن الأسر المرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية تحتاج غالبا إلى القيام بعملية أكثر بيروقراطية وتكلفة لتجديد بطاقات الهوية أو غيرها من الوثائق.

قالت تقى إنها وأفراد أسرتها ظلوا خلال الشهور الماضية يبيعون حصص الطعام التي يحصلون عليها من المخيم يحدوهم الأمل في أن يكون لديهم من المال ما يكفي لتجديد وثائقها وأن تكون قادرة على العمل، وقال الجبوري محافظ نينوى إنه قلق من أن الأسر عاشت معا في عزلة قترة طويلة، مضيفا أن الحكومة ما زالت تبحث عن مخرج آمن لإعادة دمجهم، وقال "عندنا الثأر موجود. ما تقدر كل العوائل (الأسر) أن ترجع إلى مناطقها. هذه معضلة حقيقية تواجهنا ونحاول نلاقي حلول لها".

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا