القراءة الهادفة للقران
محمد عبد الجبار الشبوط
2024-03-13 03:51
يوصف شهر رمضان بانه شهر القران، وذلك ارتباطا بقوله تعالى:"شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ". والقران يصف نفسه بانه "هدى للناس"، او "هدى للمتقين" كما في قوله تعالى:"الم. ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ. أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ".
ويتحقق جعل القران هدى بالقراءة الهادفة له. وفي هذه اللحظة اعني بالقراءة الهادفة قراءة القران بهدف التعرف على منظومة القيم القرانية، وفهمها، والعمل بها وتطبيقها، ونشرها. ولتسهيل هذه العملية يفضل ان تبدأ قراءة القران بالسور المكية، اي السور التي نزلت خلال السنوات التي قضاها الرسول في مكة، ثم قراءة السور المدنية، اي السور التي نزلت في المدينة بعد ذلك. والسبب في ذلك ان السور المكية تركز على العقيدة، فيما تنشغل السور المدنية بضرورات الدولة.
ينطوي القران الكريم على منظومة واسعة للقيم العليا الحافة بالمركب الحضاري. ومنظومة القيم العليا ضرورية جدا في المعركة ضد التخلف من جهة، والمعركة من اجل النهضة من جهة ثانية. ولما كان المجتمع العراقي بمجمله مجتمعا مسلما، اي مجتمع كتاب هو القران، فانه من الممكن جدا بناء منظومة القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري للمجتمع العراقي بالاستفادة من ايات القران ذات العلاقة.
والقران الكريم مزدحم بايات القيم العليا التي بالامكان تدوينها ودراستها وفهمها والعمل على تطبيقها ونشرها، مثل قوله تعالى: "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً". وهذه الاية من امهات الايات القرانية حيث تبين الاساس المتين لاقامة المجتمع الفعال الصالح، وهو المركز القانوني للانسان في الارض وهو كونه خليفة الانسان في الارض.
وهذا يشمل كل فرد في المجتمع. ومعنى خلافة الله في الارض اعمار الارض واستثمارها والاستماع بخيراتها وثرواتها الظاهرة والباطنة والحفاظ على البيئة واقامة المجتمع ومن ثم تأسيس الدولة بموجب الاسس والمبادئ التي تتضمنها منظومة القيم العليا التي يتضمنها القران باعتباره كلمة المستخلِف (بكسر اللام) وهو الله الموجهة الى المستخلَف (بفتح اللام) وهو الانسان.
ومن هذه الاسس حفظ كرامة الانسان الواردة في قوله تعالى:"وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا". وهذه الاية هي المنطلق في كتابة منظومة حقوق الانسان مثل حق الحياة، وحق الاستمتاع بالخيرات (الحياة الطيبة كما يصفها القران)، والحق في تقرير المصير، وحق الحرية، وغير ذلك مما تضمنته لاحقا لائحة حقوق الانسان التي اقرها العهد الدولي لحقوق الانسان الذي اقرته شعوب الارض في عام ١٩٦٦ ومن قبله الاعلان العالمي لحقوق الانسان في عام ١٩٤٨.
بامكان قارىء القران قراءة هادفة ان يكتب قائمة تفصيلية بالقيم العليا الواردة في القران بخصوص العناصر الخمسة للمركب الحضاري المستخرجة من اية الاستخلاف التي ذكرتها قبل قليل وهي: الانسان، والارض، والزمن، والعلم والعمل، والايات التي تبين خصائص الفرد الحضاري، والمجتمع المتحضر، القادر بعد ذلك على اقامة الدولة الحضارية كما في قوله تعالى: "وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ". ومن الواضح ان هذه الاية تتضمن آربعة مبادىء هي: الاستجابة لله، واقامة الصلاة، والشورى، والانفاق العام. واذا كانت الشورى امرا فرديا وشخصيا، فان المبادئ الثلاثة الاخرى قواعد اجتماعية عامة تنهض بالمجتمع وتمنحه الحصانة ضد التخلف .