الاتحاد الأوروبي ودَجَل التخضير البيئي والسيارات الكهربائية
بروجيكت سنديكيت
2019-11-28 07:00
بقلم: هانز فيرنر سن
ميونيخ ــ تُـعَد صناعة السيارات في ألمانيا القطاع الصناعي الأكثر أهمية هناك. لكنها تمر بأزمة، ليس فقط لأنها تعاني من تأثيرات الركود الذي جلبته شركة فولكس واجن بغشها في ما يتصل بمعايير الانبعاثات الغازية، والذي ضلل المستهلكين. كما يواجه القطاع خطرا يهدد وجوده، وهو يتمثل في متطلبات الانبعاثات الغازية التي حددها الاتحاد الأوروبي، والتي لا تستند ظاهريا إلا إلى السياسة البيئية.
من الواضح أن الاتحاد الأوروبي تجاوز الحدود بتشريع تنظيم ثاني أكسيد الكربون الذي بدأ سريانه في السابع عشر من إبريل/نيسان 2019. فاعتبارا من عام 2030 فصاعدا، يتعين على شركات صناعة السيارات الأوروبية أن تحقق مركباتها متوسط معدل انبعاثات لا يتجاوز 59 جراما من ثاني أكسيد الكربون لكل كيلومتر، وهو ما يتوافق مع استهلاك الوقود بنحو 2.2 لترا من معادل الديزل لكل 100 كيلومتر (107 ميلا للجالون الواحد). وهذه ببساطة غاية من المستحيل إدراكها.
في عام 2006، كان متوسط الانبعاثات الغازية التي تصدرها سيارات الركاب الجديدة المسجلة في الاتحاد الأوروبي نحو 161 جراما لكل كيلومتر. ولأن السيارات أصبحت أصغر حجما وأخف وزنا، فقد انخفض الرقم إلى 118 جراما لكل كيلومتر في عام 2016. لكن هذا المتوسط عاد إلى الارتفاع خِلسة، بسبب الزيادة التي طرأت على حصة السوق من محركات البنزين، التي تطلق مقادير أكبر من ثاني أكسيد الكربون مقارنة بمحركات الديزل. فبحلول عام 2018، ارتفع متوسط الانبعاثات الصادرة عن السيارات المسجلة حديثا مرة أخرى إلى ما يزيد قليلا على 120 جراما لكل كيلومتر، وهو ضِعف ما سيسمح به في الأمد البعيد.
لن يتمكن حتى أكثر المهندسين موهبة من بناء محركات احتراق داخلي تلبي المعايير التي يوصي بها الاتحاد الأوروبي (ما لم يجبروا عملاءهم على استخدام سيارات صغيرة الحجم للغاية). ولكن يبدو أن هذا هو المقصود على وجه التحديد. إذ يريد الاتحاد الأوروبي خفض الانبعاثات الناجمة عن أسطول المركبات من خلال فرض التحول إلى السيارات الكهربائية. فهي في صيغتها الملزمة قانونا لحساب مجموع الانبعاثات الناجمة عن المركبات، تفترض ببساطة أن السيارات الكهربائية لا ينبعث منها أي مستوى من ثاني أكسيد الكربون على الإطلاق.
النتيجة الضمنية هي أن هدف الوصول إلى متوسط انبعاثات لا يتجاوز 59 جراما لكل كيلومتر من الممكن أن يصبح في المتناول إذا جرى تقسيم إنتاج شركات السيارات بالتساوي بين السيارات الكهربائية وسيارات محرك الاحتراق الداخلي. إذا لم تتمكن أي شركة من إنتاج سيارات كهربائية وظلت عند متوسط مستوى الانبعاثات الحالي، فسوف تضطر إلى دفع غرامة تبلغ نحو 6000 يورو (6600 دولار أميركي) عن كل سيارة، أو الاندماج مع شركة منافسة تنتج السيارات الكهربائية.
لكن الصيغة التي يتبناها الاتحاد الأوروبي ليست سوى عملية احتيال ضخمة. ذلك أن السيارات الكهربائية أيضا تصدر كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون، والفارق الوحيد هو أن العادم يُطلَق في مكان بعيد ــ أي في محطة توليد الطاقة. فما دامت هناك حاجة إلى محطات توليد الطاقة التي تعمل بإحراق الفحم أو الغاز لضمان إمدادات الطاقة خلال فترات الإظلام وتوقف هبوب الرياح، فإن السيارات الكهربائية، مثل مركبات محركات الاحتراق الداخلي، تعمل جزئيا بالوقود الهيدروكربوني. حتى عندما تُشحَن بالطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، فإن كميات هائلة من الوقود الأحفوري تستخدم لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية في الصين وأماكن أخرى، وهو ما يعوض عن الخفض المفترض في الانبعاثات. وعلى هذا فإن تدخل الاتحاد الأوروبي ليس أفضل كثيرا من جهاز قطع لنظام التحكم في الانبعاثات.
في وقت سابق من هذا العام، نشرت أنا والعالِم الفيزيائي كريستوف بوشال دراسة بحثية توضح أنه في سياق مزيج الطاقة في ألمانيا، تطلق السيارة الكهربائية مقدارا أكبر قليلا من ثاني أكسيد الكربون مقارنة بسيارة الديزل الحديثة، حتى برغم أن بطاريتها توفر للسائقين ما يزيد بالكاد على نصف النطاق الذي يوفره خزان الديزل. وبعد ذلك بفترة وجيزة، أكدت البيانات التي نشرتها شركة فولكس واجن أن سيارتها من طراز (e-Rabbit) تطلق من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ما يزيد قليلا على ما تطلقه سيارتها من طراز (Rabbit Diesel) في إطار مزيج الطاقة الألماني. (عندما نستند إلى مزيج الطاقة الأوروبي الإجمالي، والذي يضم حصة ضخمة من الطاقة النووية من فرنسا، يصبح أداء السيارة (e-Rabbit) أفضل قليلا من أداء السيارة (Rabbit Diesel).
ولا يخلو الأمر من أدلة إضافية. فقد نشر مركز الأبحاث النمساوي Joanneum للتو دراسة واسعة النطاق أجراها بتكليف من جمعية السيارات النمساوية ÖAMTC، ونظيرتها الألمانية ADAC، والتي تؤكد أيضا هذه النتائج. فوفقا لهذه الدراسة، يجب أن تقطع سيارة الركاب الكهربائية المتوسطة الحجم 219 ألف كيلومترا قبل أن يبدأ أداؤها في التفوق على سيارة الديزل المقابلة في ما يتصل بانبعاثات ثاني أكسيد الكربون. والمشكلة بطبيعة الحال هي أن سيارات الركاب في أوروبا تستمر لمسافة 180 ألف كيلومتر فقط في المتوسط. والأسوأ من هذا، وفقا للمركز البحثي النمساوي، هو أن بطاريات السيارات الكهربائية لا تدوم طويلا بما يكفي لقطع هذه المسافة في المقام الأول. ومن المؤسف أن قلق السائقين بشأن المدى الذي قد تقطعه السيارة يدفعهم إلى إعادة شحن بطارياتهم أكثر مما ينبغي، عند كل فرصة، وبسرعة عالية، مما يؤثر على عمر البطارية.
أما عن المشرعين في الاتحاد الأوروبي، فلا يوجد الآن سوى تفسيرين لما يجري: فإما أنهم كانوا على عدم دراية بما ينبغي لهم أن يفعلوا، أو أنهم تعمدوا خداع الأوروبيين. ويشير كل من السيناريوين إلى أن الاتحاد الأوروبي يجب أن يعكس سياسته الصناعية التدخلية، وأن يعتمد بدلا من ذلك على الأدوات القائمة على السوق مثل النظام الشامل لمقايضة الانبعاثات.
في ظل مزيج الطاقة، لن تسهم الضوابط التي يفرضها الاتحاد الأوروبي لتنظيم الاستهلاك الجمعي للوقود بأي قدر في حماية المناخ. لكنها ستدمر الوظائف، وتستنزف النمو، وتزيد من حالة انعدام الثقة بين جماهير الناس في بيروقراطية الاتحاد الأوروبي المتزايدة الغموض.