الارهاب البيئي.. ثقب اسود يبتلع الحياة في العراق
خالد الثرواني
2017-05-29 04:30
تقف غفران حسين ذات الخمس وعشرين ربيعا اما الصيدلية مع عدد من كبار السن الذين يعلو سعالهم وعطاسهم كلما اشتدت الاجواء صفرة..عاصفة ترابية قادمة من غرب العراق دفعت فاطمة للاسراع بالتزود بالكامات وبخاخ هواء جديد تحضيرا لنوبات الربو المصابة به منذ صغرها والتي ستزاد مع قدوم العاصفة ذات الاتربة الصفراء المحمرة.
قد يبدو الارهاب البيئي مختلفاً عن ما درج على تسميته بالارهاب من جرائم وافعال. لأن الذي درجنا عليه عمل ضار عاجل الأثر، درامي الخطى، إلا أن الارهاب البيئي يمشي في خطى بطيئة بفعل الأثر التراكمي الذي تتصف به الاضرار البيئية. ولكنه في آخر الامر يتهدد حياة الناس، ويتهدد معاشهم والنظم البيئية التي يحصدون منها حاجاتهم من سلع وخدمات، في الحيز المحلي المحدود والحيز الواسع.
البيئة العراقية وواقعية الارهاب البيئي
التلوث البيئي يُعرف بأنه ذلك التغير السلبي الذي يطرأ على أحد مكونات الوسط البيئي، والذي ينتج كُلأ أو جزءأ عن النشاط الإنساني الحيوي والصناعي، وذلك بالمقارنة مع الوضع الطبيعي الذي كان سائدأ قبل تدخل الإنسان. ويظهر ذلك في حدوث تغيرات الطاقة، والمستويات الإشعاعية المختلفة، والتغيرات الحيوية والفيزيائية والكيميائية غير المرغوب فيها، التي تحدث في المحيط الحيوي الذي يحيط بنا، والذي تعيش فيه جميع المخلوقات الحية الأخرى.
يعاني العراق من نسبة تلوث كبيرة في الهواء تسببت فيها عوامل عدة منها ما هو راجع لعوامل طبيعية ومنها ما هو من صنع الإنسان في وقت السلم أو الحرب.
فبعد أن كان العراق يسمى في ماضيه "أرض السواد" لشدة خضرته، حيث يجري الرافدين من الشمال حتى الجنوب، باتت ارض نهرين اليوم تعاني من اتساع رقعة المناطق الصحراوية، وباتت العاصمة بغداد وأغلب المدن العراقية تعاني من مشكلات التغير البيئي الناتجة عن الإهمال الكبير لواقع البيئة في البلاد.
ارتفعت معدلات تلوث الهواء بسبب انتشار مصادر حرق الوقود من عوادم السيارات ومولدات الطاقة الكهربائية وغيرها من الأنشطة الصناعية الأخرى، كما أن هناك العديد من مسببات التلوث الأخرى مثل مصانع الأسلحة في زمن النظام السابق ومواقع وكالة الطاقة الذرية واستخدام مختلف أنواع الأسلحة والذخائر خلال الحروب.
تغيب الارقام الدقيقة عن معدلات معدلات هذا التلوث لافتقار الجهات المعنية في العراق إلى المعدات والخبرات اللازمة، الا ان تقرير دولي خاص بالبيئة العراقية، أعده فريق من الباحثين الأميركيين في "مركز دراسات الحرب" في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، أشار إلى أن الغبار في العراق يحتوي على 37 نوعاً من المعادن ذات التأثير الخطير على الصحة العامة، إضافة إلى 147 نوعاً مختلفاً من البكتيريا والفطريات التي تساعد على نشر الأمراض. بحسب دويتشة فيلة.
ازدياد المعاناة
تقول غفران حسين التي تخرجت من قسم علوم الحياة، ان "اكثر ما اعاني منه في وقت الصيف هو ازدياد حدة العواصف الترابية واستمرار ترددها بين مدة واخرى، وهذا يتطلب ان اتحضر لنوبات الربو التي دائما ما تنتهي بي في المستشفى لتلقي نسمات من الاوكسيجين النقي".
وتضيف حسين "يمكن للدولة ان تحد من ظاهرة العواصف التربية التي بدأت تزداد من خلال تشجيع الزرعة وتطويق المدن بالاحزمة الخضراء، حياتنا مهددة مع كل عاصفة.. بعض المرات ينقلني اهلي الى المستشفى في ساعات متأخرة من الليل.. اشعر بالحرج لان ابي رجل كبير ولا اريد ان اتعبه هكذا لكن المرض اقوى من امنياتي".
من جهتها وزارة الصحة نوهت الى ان "ارتفاع مستويات التلوث في العراق سببت ارتفاع نسبة الامراض المرتبطة بالجهاز التنفسي بشكل كبير ووصولها الى مستويات مخيفة خلال العقود التي تلت حرب الخليج الاولى مع ايران".
واضافت "من اهم اسباب هذه الامراض هي زيادة نسبة التلوث في الهواء والتربة والماء نتيجة الحروب المستمرة منذ اربعين عاما وازدياد مخلفات الوقود وحرائق النفط وعدم الاهتمام بازراعة".
وفي كل عام تخضع المستشفيات العراقية إلى حالة إنذار قصوى لاستقبال مئات المرضى المصابين بحالات اختناق عند هبوب العواصف الترابية، وذكرت مصادر طبية في بغداد ومدن عراقية بأن أكثر من 4360 شخصاً نقلوا إلى مستشفيات عدة بسبب حالات ضيق التنفس الناجمة عن تلك العواصف التي ضربت ربوع العراق منتصف يونيو/ حزيران 2016 فقط. بحسب دويتشة فيلة.
فيما كشف مركز الإشعاع والطب النووي التابع لوزارة الصحة عن أن العراق يعاني من "كارثة صحية" وذلك بارتفاع حالات الإصابة بمرض السرطان بعد تسجيل قرابة 7000 حالة سرطان في البلاد خلال عام 2010.
وايضا سبّب التوث في العراق زيادة الإصابة بالأمراض السرطانية والتشوهات الخلقية وشلل الأطراف واضطراب الأعصاب، بالإضافة إلى أمراض الجهاز التنفسي والعقم، وكذلك انخفاض معدلات الأعمار في المجتمع العراقي بالإضافة إلى كثرة الإصابة بالأمراض المزمنة التي تصيب الصغار والشباب بعد أن كانت تصيب الإنسان بمراحل متقدمة من العمر.
اسباب الارهاب البيئي
اشتدت آثار التلوث في العراق خصوصا بعد حربي الخليج الأولى (1980-1988) والثانية 1991، حيث سقطت آلاف الأطنان من القنابل التي يحتوي بعضها على اليورانيوم المنضب، وكذلك تجفيف الأهوار وتحويلها إلى أراضٍ غير صالحة للزراعة، وقطع الأشجار وتدمير الغابات في وسط وجنوب البلاد.
يقول الكاتب المصري وحيد محمد مفضل، ان الولايات المتحدة الامريكية من أكثر الدول ممارسة لمفهوم الإرهاب البيئي، وذلك بتعمدها استخدام البيئة والموارد الطبيعية كسلاح ضاغط في معظم، إن لم يكن كل، نزاعاتها وحروبها السابقة".
ويضيف "الجرائم التي ارتكبتها بحق البيئة والإنسانية في كل من اليابان وفيتنام وأفغانستان والعراق إبان حروبها المختلفة مع هذه الدول، تؤكد تلك الحقيقة، وتبين أن السياسة الأميركية الخارجية لا يعنيها سوى تحقيق الغاية مهما كانت قسوة وبشاعة الوسيلة".
ويشير مفضل الى ان "أميركا هي أكثر الدول استعمالا لأسلحة الدمار الشامل سواء كانت نووية أو كيماوية أو بيولوجية، والمثال الأبرز على ذلك هو دك ناغازاكي وهيروشيما بالقنابل النووية، فخلف الشعارات الراقية وغيرها من دعوات (التحضر) الأخرى التي استخدمت من قبل ينزوي تاريخ حافل بأبشع الانتهاكات البيئية، وأسوأ الممارسات الإنسانية، ويتجلى هذا في حرب العراق (حرب الخليج الأولى والثانية)، لم يتورع قادة الحرب الأميركيين عن استخدام أسلحة اليورانيوم المخصب، وهي من أشد الأسلحة فتكا ومن أسوإها أثرا نظرا لامتدادها لمناطق شاسعة غير مناطق القتال، ونظرا لديمومة آثارها البيئية قرونا طويلة بوصفها من العناصر المشعة، ما يعني بشاعة تأثيراتها ودمارها للبيئة وللإنسان".
وزارة الموارد المائية أكدت أن "حجب المياه الدولية المتدفقة إلى العراق من دول الجوار، والإهمال الشديد لمشاريع استصلاح الأراضي وتدهور المستصلح منها، والتدمير الهائل الذي لحق بمنظومات الري والصرف، يضاف إلى ذلك كمية التبخّر الكبيرة الناتجة عن ارتفاع درجات الحرارة في العراق وقلة كميات الأمطار الساقطة، زادت من ظاهرة تلوث المياه والتربة وتركيز الأملاح في مياه النهرين".
وأظهرت الاستطلاعات الميدانية والقياسات التي أجراها فريق من مركز أبحاث اليورانيوم الأميركي، بالتعاون مع جهات علمية دولية أخرى، وأجرى مسحا موقعيا لبعض مسارح العمليات العسكرية في وسط البلاد وجنوبها، أن ارتفاع مستوى التلوث الإشعاعي في مناطق شاسعة من أجواء بغداد ومناطق جنوب العراق، كان واضحا، حيث بلغ عشرة أضعاف المستوى الطبيعي. بحسب موقع العربي الجديد.
واشار الفريق الامريكي بتقريره الى أن "القراءات الإشعاعية كانت أعلى في الهواء أكثر من التربة"، ولعل هذا مؤشر على أن الدقائق المشعة التي يحملها الغبار والهواء من النوع الدقيق الذي يسهل استنشاقه وترسبه وبقاؤه في حويصلات الرئة.
للنفط تأثير ملحوظ على الناحية البيئية، وذلك من خلال النشاطات الروتينية التي تصاحب إنتاجه وتشغيله، مثل الانفجارات الزلزالية أثناء إنتاجه والحفر، وتولد النفايات الملوثة.
جون هنت من وودز هول أشار في عام 1986 إلى أن أكثر من 70% من الاحتياطي العالمي من النفط لا يستلزم الإضرار بالبيئة لاستخراجه، إلا أن فقدان الرقابة في العراق وعدم المبالاة بالنتائج التي سوف تتولد جعل من عملية استخراج النفط في العراق عملية ضارة جدا وقد بدأ العراق مؤخرا باستثمار الغاز المصاحب للنفط وهو الذي يستخدم في عمليات توليد الكهرباء ولو استثمر بصورة صحيحة لكانت مشكلة توليد الكهرباء في العراق محلولة منذ زمن بعيد.
كذلك فان المولدات الاهلية وما تطرحه من ابخرة واصوات عالية، وارتفاع اعداد السيارات بشكل غير مدروس وعدم توفر بنية تحتية للمجاري وطرح المياه الثقيلة في الانهار اسباب اخرى تضاف الى القائمة الطويلة من مسببات التلوث البيئي في العراق مما سبب ارهابا للمواطن العراقي لا يمكن اقتلاعه بعملية عسكرية.
ما الحل؟
لكي تعيش غفران حسين وغيرها من العراقيين ويستنشقون هواءً نقيا يجب اتخاذ عدة تدابير مهما كانت مكلفة او تحتاج وقت فالشروع بالعمل الان افضل من التأجيل فيما يأكل التلوث الجسد العراقي من الداخل:
• لابد من وجود تنسيق مشترك بين الوزارات والمؤسسات المعنية كوزارة الزراعة والمرور العامة والبلديات وأمانة بغداد لاتخاذ التدابير اللازمة كزرع البؤر المسببة للعواصف الترابية بغطاء نباتي وزيادة الأحزمة الخضراء التي تحيط بالمدن لتحسين نوعية الهواء بالإضافة إلى رفع المركبات القديمة من الشوارع لما تسببه من تلوث كبير للهواء فضلاً عن تحسين نوع وقود الكازولين أو استخدام التكنولوجيات النظيفة بيئياً في المعامل أو وسائط النقل.
• اخراج الورش الفنية والاحياء الصناعية الى مناطق بعيدة عن المدن والتجمعات السكانية وبناء مدن صناعية تتوفر فيها مقومات معالجة التلوث.
• استصلاح التربة الزراعية خصوصا في وسط وجنوب العراق اذا تعاني تربة هذه المناطق من التلوث والإهمال منذ عشرات السنين فما ظاهرة الملوحة التي اكتسحت ملايين الدونمات من أراضي المنطقتين وتحولها إلى أراض جرداء غير صالحة للزراعة إلا دليلأ واضحأ على ذلك الإهمال الذي لاقته التربة العراقية منذ الخمسينات من القرن الماضي ولحد الآن.
• جمع المخلفات الحربية بطرق علمية سليمة وتحت الإشراف المباشر لمختصين لتجنب إصابة المواطنين بالمواد المشعة والمدمرة، كما حدث سواء منذ فترة قصيرة أو عندما عممت السلطة البعثية بعد عام 1992 على الأهالي بضرورة جمع تلك البقايا بدون إرشادات صحية عن كيفية القيام بذلك.
• إجراء مسح أشعاعي بواسطة الطائرات للعراق من شماله الى جنوبه لأجل تحديد خارطة مسح اشعاعي أولية بأتجاه توضيح المناطق الأكثر تضرراً.
• توزيع مجموعات صغيرة لإجراء المسح الإشعاعي بواسطة العربات المزودة بكشافات (كيكر) لقراءة المستويات الأشعاعية المرتفعة. وهذه العملية تتطلب مسح ميداني تتم حسب الخرائط الجغرافية للمدن والأرياف وتتطلب الجهد والوقت لأنجاز المهمة بأخذ عينات من التربة والمياه وكذلك أخذ جُرع من بول السكان في تلك المناطق وارسالها الى مختبرات التحليل والأشعاع لأعداد الدراسات والأبحاث المطلوبة وطنيا من أجل التأكد من قضية اليورانيوم المستنفذ وأمكانية التطهير الشامل للتربة منه وهي عملية معقدة ومكلفة جدأ.
• إنشاء مصانع متطورة في جميع المحافظات لحرق الفضلات والنفايات أو سحقها (تفتيتها) بعد تخليصها من المواد الصلبة الزجاجية والمعدنية المختلفة.
• لابد من أدخال ثقافة البيئة الى الحياة السياسية والحياة العامة في برامج تعليمية وثقافية موجهة من خلال توعية المواطن بضرورة التقيد بتعليمات دوائر ومؤسسات الحفاظ على البيئة، فما تركه النظام المقبور من مخلفات سلبية على كافة الأصعدة لا يُعالج خلال فترة قصيرة مهما تظافرت الجهود بدون وعي عال ومسؤول من قبل ليس المعنيين والمختصين فقط، وإنما كل أبناء الشعب.
• اخضاع المواد الغذائية والأدوية التي تدخل إلى العراق من مختلف المنافذ والمناشئ إلى السيطرة النوعية.