المالية العامة في الاقتصاد العراقي
حامد عبد الحسين الجبوري
2020-09-29 07:19
تلعب المالية العامة دوراً ما في كل اقتصاد من اقتصادات العالم ويختلف هذا الدور من اقتصاد لآخر حسب طبيعة النظام الاقتصادي الذي تتبناه دولة ذلك الاقتصاد وطبيعة البنيان الاقتصادي الذي تتمتع به.
المالية العامة والنظام الاقتصادي
فإذا ما كان النظام الاقتصادي المُتبع هو نظام اشتراكي فإن المالية العامة ستلعب دوراً كبيراً في الاقتصاد وذلك بحكم تدخل الدولة في الاقتصاد لان هذا النظام قائم على تدخل الدولة في الاقتصاد وإن هذا التدخل بحاجة لمالية كبيرة من أجل قيام الدولة بالنشاط الاقتصادي.
والعكس صحيح، إذا ما كان النظام المُتبع هو النظام الرأسمالي سيكون دور المالية العامة أكثر محدوديةً في الاقتصاد وذلك بحكم عدم تدخل الدولة في الاقتصاد لان هذا النظام قائم على القطاع الخاص وهذا الأخير سيقوم بالنشاط الاقتصادي وهذا ما يعني تقليص تدخل الدولة في الاقتصاد وتقلص دور المالية العامة بشكل تلقائي.
المالية العامة والبنيان الاقتصادي
وكذا الحال في طبيعة البنيان الاقتصادي إذا ما كان الاقتصاد ذو بنيان اقتصادي متخلف والذي يعني إنه يعاني من نقص حاد في التنمية الاقتصادية وضعف القطاع الخاص في تحقيقها فإن الدولة في هذه الحالة ستتدخل من أجل تعويض ضعف القطاع الخاص والقيام بالتنمية والاقتصادية لمغادرة التخلف، وهذا التدخل يتطلب مالية عامة كبيرة.
والعكس صحيح، إذا ما كان البلد يتمتع ببنيان اقتصادي متقدم والذي يعني إن البلد يتمتع بتنمية اقتصادية جيدة وقطاع خاص قوي قادر على تلبية متطلبات الاقتصاد، فإن هذا الاقتصاد لا يتطلب تدخل الدولة لمعالجة ضعف القطاع الخاص وتحقيق التنمية الاقتصادي؛ مما يتبعه بشكل تلقائي محدودية المالية العامة.
نظام وبنيان الاقتصاد العراقي
سار الاقتصاد العراقي على النظام الاشتراكي في تسيير الشأن الاقتصادي قبل عام 2003 وأصبح التخطيط المركزي هو الراسم للسياسة الاقتصادية والدولة وقطاعها العام هي الجهاز التنفيذي للسياسات الاقتصادية التي يرسمها التخطيط المركزي، بمعنى آخر أصبحت الدولة هي المحرك الرئيس في الاقتصاد تخطيطاً وتنفيذاً لان النظام الاشتراكي قائم على الدولة لا القطاع الخاص.
وعلى الرغم من إعلان التحول الاقتصادي بعد عام 2003 كما في الدستور العراق لعام 2005 وبالتحديد في المادة 25 التي تنص على أن "تكفل الدولة إصلاح الاقتصاد العراقي وفق اسسٍ حديثة وبما يضمن استثمار كامل موارده، وتنويع مصادره، وتشجيع القطاع الخاص وتنميته" إلا إن هذا التحول لم يكن واقعياً بل كان شكلياً وذلك لأسباب عديدة لا يتسع المقام لذكرها[1]، حيث لا تزال الدولة تهيمن على كثير من عناصر الإنتاج وبالخصوص الأرض ورؤوس الأموال.
أما على مستوى طبيعة البنيان الاقتصادي فالاقتصاد العراقي ذو بنيان اقتصادي متخلف بمعنى إنه لا يتمتع بتنمية اقتصادية جيدة بل يعاني من نقص حاد في التنمية الاقتصادية وقطاع خاص ضعيف لا يستطيع تلبية متطلبات الاقتصاد فأخذت الدولة دوراً عجيباً وخطيراً في العراق، فمن جانب إنها انسحبت من النشاط الاقتصادي ومن جانب آخر أخذت على عاتقها الأعباء التي خلفها التحول غير المدروس! هذا الدور تطلب دور أكبر للمالية العامة في الاقتصاد العراقي وكما سيتضح بعد قليل.
وزن المالية العامة في العراق
يمكن معرفة وزن المالية العامة في الاقتصاد من خلال نسبة الإنفاق العام إلى الناتج المحلي الإجمالي، وكلما تكون هذه النسبة أكبر كلما تدلل على أهمية المالية العامة في الاقتصاد والعكس صحيح كلما تكون هذه النسبة أصغر كلما تدلل على محدودية المالية العامة في الاقتصاد.
وتجب الإشارة إلى إن الإنفاق العام أكثر دلالة من الإيرادات العامة على أهمية المالية في الاقتصاد لأنه يعبر عن كل ما تنفقه الدولة بصرف النظر عن مصادر هذا الإنفاق ونوعيته، وعلى هذا الأساس تم اعتمادها وليس الإيرادات في تشخيص مدى أهمية المالية العامة في العراق، وتجب الإشارة أيضاً إلى إن الإنفاق العام لا يشمل شركات التمويل الذاتي التي تعود ملكيتها للدولة وإنما فقط الممولة مركزياً.
ونظراً لارتفاع نسبة الإنفاق العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في العراق للمدة 2005-2019 حيث كان متوسط النسبة 39.71% من الناتج المحلي الإجمالي، فإن المالية العامة تشكل أكثر من ثلث الاقتصاد العراقي.
مسيرة المالية العامة في العراق
ونتيجة لامتلاك العراق احتياطي نفطي هائل يُقدر بـ 145 مليار برميل عام 2018 حسب بيانات أوبك، واعتماده عليه بشكل كبير، أصبح النفط يشكل العمود الفقري للاقتصاد العراقي بشكل عام وإيرادات المالية العامة بشكل خاص، حيث تشكل الإيرادات النفطية في المتوسط للمدة 2005-2019 أكثر من 92% من الإيرادات العامة.
ويمكن ملاحظة مسيرة المالية العامة من خلال الشكل أعلاه، والذي يدلل على ريعية المالية العامة في العراق حيث تسير المالية العامة، إيراداً وإنفاقاً؛ للمدة 2005-2019 بشكل ملاصق ومتوازي للإيرادات النفطية، وبما إن الإيرادات النفطية تشكل العمود الفقري للإيرادات العامة فإن الإيرادات النفطية تغطي النسبة الأكبر من الإنفاق العام.
إن هيمنة الإيرادات النفطية على المالية العامة من جانب واحتلال المالية العامة أهمية كبيرة في الاقتصاد العراقي من جانب آخر، أصبح الأخير هو الآخر، بالإضافة للإيرادات العامة؛ يسير بشكل متوازي مع الإيرادات النفطية، ونتيجة لتذبذب الإيرادات النفطية، لأسباب خارج نطاق المقال؛ فإن المالية العامة والاقتصاد العراقي يتصفان بالتذبذب وعدم الاستقرار كما موضح في الشكل أعلاه.
خلاصة القول، إن المالية العامة والاقتصاد العراقي سيظلان يعانيان التذبذب وغياب الاستقرار خصوصاً مع غياب الإدارة الكفوءة وسوء الوضع العام، ما لم يتم العمل على فصل الثروة النفطية عن الدولة وإدارتها بشكل مستقل لصالح الشعب بعيداً عن الدولة والمالية العامة.