حين يصبح سؤال بسيط عن المدرسة: بوابة لعالم طفلك الخفي
أوس ستار الغانمي
2025-10-08 02:04
تخيّل أن طفلك يعود من المدرسة، يحمل في قلبه أحداث يوم طويل، لكنه يكتفي بكلمة عابرة مثل: "بخير" أو "ماكو شي". خلف هذه الإجابة القصيرة قد تختبئ قصص، مشاعر، صعوبات أو حتى لحظات نجاح يريد أن يشاركها، لكنه يحتاج من يفتح له الباب.
الحديث عن المدرسة ليس مجرد أسئلة عابرة، بل هو جسرٌ يربطك بعالم طفلك، يطمئنه بأنك حاضر في تفاصيل يومه، ويغذّي ثقته بأن صوته مسموع وأفكاره مهمة. وحين تُصغي له، فأنت لا تتابع فقط درجاته أو دروسه، بل تلمس نبضه النفسي، وتكتشف مبكرًا ما قد يزعجه أو يُضعف حماسه.
إنها لحظات صغيرة من الحوار، لكنها تصنع فرقًا كبيرًا في سعادة الطفل، وتمنحه شعورًا بالانتماء والأمان، وتعلّمه في الوقت ذاته أن المدرسة ليست مكانًا للواجبات فقط، بل ساحة للتجارب، والقيم، وبناء الذات.
لماذا الحديث عن المدرسة مهم؟
التحدث مع طفلك عن يومه الدراسي يُظهر اهتمامك بما يجري في حياته. هذا الاهتمام يُعزز صحته النفسية وسعادته ورفاهيته. كما يُمكن أن يكون له تأثير إيجابي على سلوكه وإنجازاته. يُظهر لطفلك تقديرك للمدرسة والتعليم، مما يُشجعه على تقديرهما أيضًا.
يساعدكِ التحدث معًا عن المدرسة على معرفة المزيد عما هو متوقع من طفلكِ في المدرسة ، وكيفية تعلمه، وكيفية تعامله مع التحديات. كما يساعدكِ على فهم متى يشعر طفلكِ بانخفاض اهتمامه بالمدرسة أو يواجه مشاكل.
عندما تتفاعل مع مشاعر طفلك تجاه المدرسة، تزداد احتمالية رؤيتك للمشاكل قبل أن تتفاقم. بهذه الطريقة، يمكنكما العمل معًا على تجاوز التحديات.
والتحدث عن قضايا المدرسة - مثل المشاريع المدرسية أو مشاكل الصداقة - هو أيضًا فرصة رائعة لك للتعبير عن قيم عائلتك حول أشياء مثل العمل الجماعي واحترام الذات والآخرين والصداقات والعلاقات وحل المشكلات وما إلى ذلك. وفق ما نشره موقع "شبكة تربية الأطفال".
تجاوز الإجابات مثل "بخير" و"لا شيء"
عميدة قسم التعليم والتنمية البشرية في جامعة نورث داكوتا، شيلبي ويت، تقدم خمس طرق بسيطة لإثارة محادثة حقيقية مع الأطفال:
1_كن مبدعًا في أسئلتك
وينشأ جزء من المشكلة من طرح أسئلة يمكن الرد عليها بإجابة مكونة من كلمة واحدة.
يرغب الأطفال بمعرفة ما إذا كان الكبار في حياتهم مهتمين حقًا بيومهم. لكن طرح الأسئلة نفسها يوميًا، بشكل روتيني، يُظهر عكس ذلك.
حاول تغيير الأمور وطرح أسئلة أكثر تحديدًا ومفتوحة بدلاً من ذلك: "ما هو الشيء الأكثر إثارة للاهتمام الذي فعلته اليوم؟"
"إذا كان بإمكانك إعادة الزمن إلى الوراء وتغيير الطريقة التي تعاملت بها مع شيء ما في المدرسة اليوم، فماذا سيكون؟"
"إذا كنت مسؤولاً عن صفك غدًا، ماذا ستعلم؟"
2_تفاعل مع فضولهم
بقدر أهمية طرح الكبار للأسئلة التي تثير اهتمامًا حقيقيًا، فمن المهم أيضًا التفاعل مع الأسئلة التي يطرحها الأطفال.
يسأل الأطفال الصغار "لماذا" في كثير من الأحيان، مما قد يدفع الكبار إلى اللجوء إلى الرد الكلاسيكي: "لأنني قلت ذلك!"
عندما يُكتم سؤال "لماذا"، يُخمد فضول الطفل وتساؤله أيضًا. بدلًا من ذلك، حاول الإقرار بهذا الفضول والتفاعل معه: "سؤال جيد. إليكم رأيي..." أو "لنتحدث عن أهمية هذا..."
في الوقت نفسه، يمكنك أيضًا ابتكار طرق أخرى لطرح الأسئلة: "لقد تساءلت عن ذلك أيضًا. هل تعتقد أن السبب هو...؟"
3_ فكر بصوت عالٍ
عندما يعبّر الكبار عن أفكارهم بصوت عالٍ، فإنهم يظهرون للأطفال كيف تعمل أدمغتهم وكيف يتم حل المشكلات.
هل تساءلت يومًا لماذا تخرخر القطط؟
هل تعتقد أنني أستطيع خلط المكونات الجافة والرطبة للكعكة في نفس الوقت؟
لاحظتُ أن الأعلام مُنكّسة اليوم أمام مدرستكم. هل يُمكنكم سؤال أحدٍ لمعرفة السبب؟
إن القيام بذلك يشجع الأطفال على الاستماع إلى صوتهم الداخلي - والثقة في الأسئلة التي تظهر، بغض النظر عن مدى سخافتها.
4_كن باحثًا
قد يكون الاعتراف بعدم معرفة إجابة شيء ما أمرًا مزعجًا، خاصةً وأن الأطفال غالبًا ما يتوقعون من آبائهم معرفة كل شيء. لكن مجرد الإجابة بـ "لا أعرف" على سؤال ما لا يكفي. من المهم أن نوضح للأطفال كيفية إيجاد الإجابات، سواءً من خلال أدلة التجميع أو الوصفات أو ملصقات التغذية.
إذا صادفت فقرة مربكة في كتاب ما، فيمكنك إظهار للأطفال كيفية استخدام الأدوات الموجودة داخل الكتاب: مسرد المصطلحات أو جدول المحتويات أو الفهرس.
ثم هناك أسئلة ليس لها إجابة واحدة بسيطة. يمكنك شرح ضرورة إجراء أكثر من بحث واحد على الإنترنت، وربما ليس من الحكمة قبول أول إجابة تظهر.
من خلال إظهار للأطفال أنه من الجيد ألا يعرفوا جميع الإجابات، فإنك تمنحهم الثقة لطرح المزيد من الأسئلة.
5_ ما سمعته منك كان ...
قد يواجه الأطفال صعوبة في التعبير عما يثير فضولهم أو ارتباكهم.
لهذا السبب، يُعدّ الاستماع الفعّال سلوكًا أساسيًا يُنصح بتقليده. إذا كنتَ مُرتبكًا بشأن ما تسمعه، فبدلًا من قول شيء مثل: "لا أفهم ما تقوله"، يُمكنك تكرار ما سمعته، ثم اسأل: "هل هذا ما تقوله؟"
إذا أعطوا إجابة ملتوية لسؤالك - حتى لو خرجوا عن الموضوع - يمكنك تسليط الضوء على ما لفت انتباهك لإظهار أنك كنت تستمع حقًا: "ما أقدره حقًا في إجابتك على سؤالي هو ..."
تجنب إغراء تعدد المهام عندما يسألك أطفالك. إذا وضعت هاتفك جانبًا، وتواصلت معهم بصريًا، واسألتهم أسئلةً متابعة، فسيكونون أكثر استعدادًا لطرح الأسئلة في المستقبل.
يولد الأطفال بفطرةٍ مُبدعةٍ وحماسٍ للتعلم. وكما قال كارل ساجان: "إن المشكلات المعقدة والدقيقة التي نواجهها لا يمكن أن تجد إلا حلولاً معقدةً ودقيقةً، ونحن بحاجةٍ إلى أشخاصٍ قادرين على التفكير بأفكارٍ معقدةٍ ودقيقة. أعتقد أن الكثير من الأطفال يمتلكون هذه القدرة إذا شُجِّعوا".
إن حث الأطفال على استغلال فضولهم مع احترام احتياجاتهم وحدودهم ومخاوفهم يمكن أن يكون له تأثير قوي على قدرتهم على طرح الأسئلة والإجابة عليها حول العالم، كبيرها وصغيرها - أو على الأقل، منحهم الثقة لمحاولة ذلك. نقلًا عن موقع "جامعة داكوتا الشمالية".
مهارات المحادثة النموذجية للأطفال
يتعلم طفلك الكثير عن الحوار من خلال التحدث والاستماع إليك. لذا، يمكنك مساعدته على تطوير مهارات الحوار من خلال التحدث معه كلما أمكنك ذلك.
يتعلم طفلك أيضًا من خلال مشاهدة محادثاتك مع الآخرين. لذا، يمكنك مساعدة طفلك على تطوير مهارات محادثة جيدة من خلال التحدث مع شريكك والبالغين الآخرين والأطفال بالطريقة التي ترغب أن يتحدث بها طفلك مع الآخرين. على سبيل المثال:
-ابتسم، وتواصل بصريًا، واستخدم تحيات ودودة. على سبيل المثال، قل "صباح الخير" للعائلة، و"مرحبًا" للزوار، و"كيف حالك؟" لأفراد المجتمع.
-تحدث مع شريك حياتك بطرق إيجابية، وتعامل مع الصراع بطريقة بناءة .
-استخدم لغة الجسد ونبرة الصوت لإظهار الاهتمام والانتباه عندما تتحدث مع الآخرين.
-إذا أراد أحدهم التحدث معك وأنت تستخدم هاتفك، فضعه جانبًا أو أخبره أنك ستكون معه قريبًا. بهذه الطريقة، ستمنحه كامل انتباهك.