الاعتراف بأهمية الهوية الوطنية

منقذ داغر

2025-07-31 04:25

لا تستطيع أن تبني مجتمعاً على أساس المصالح فقط، بل تحتاج الى تعميق الشعور بالإنتماء» الرئيس الفرنسي فاليري جيسكار ديستان.

لم تعد أهمية الهوية الوطنية لأي شعبٍ أو دولة موضع شك في عالم اليوم على الرغم من تباين آراء الكتاب بخصوص المنافع التي تتحقق من تطوير هوية وطنية قوية وصلبة. يلخص المفكر السياسي فوكوياما Fukuyama عدة مجالات تلعب فيها الهوية الوطنية دوراً حاسماً:

الأمن. أن المثل الأشد وضوحاً هنا هو أن غياب الشعور بالهوية الوطنية الجامعة يمكنه أن يؤدي بالبلد الى حرب أهلية، وهذا ما قد يهدد وحدة البلد. فبعد أكثر من 21 سنة من الفشل في جعل الكورد يشعرون أن العراق هو هويتهم، باتت تتعالى أصوات هويات اجتماعيه دينية مطالبةً بنوع آخر من العلاقة مع المركز، بل وشبه انفصال عن العراق. يمكن الإشارة هنا الى أن كل إستطلاعات الرأي العام العراقي التي أجرتها (المجموعة المستقلة للبحوث) تظهر بوضوح وجود علاقة ارتباط قوية بين الشعور بالإنتماء للعراق (الهوية العراقية)، أو الإنتماء للطائفة والعرق (الهويات الاجتماعية المنافسة) وبين الشعور بالأمن ووحدة العراق.

شعور بالأمن

وككل دول العالم فقد ارتبط انخفاض الشعور بالهوية الوطنية الجامعة (الهوية العراقية) بين كل الطوائف العراقية -وبلا استثناء- مع انخفاض الشعور بالأمن كما كشفت عنه ارقام استطلاعات الرأي. ففي عام 2004 مثلاً ومع بدايات الحرب الطائفية في وسط وجنوب العراق عبّر 23بالمئة فقط من العراقيين – بضمنهم 20بالمئة فقط من العرب السنة- عن شعورهم بأنهم عراقيون قبل كل شيء. 

لكن هذا الرقم قفز بقوة الى 63بالمئة بعد القضاء على عصابات القاعدة، في تفس الوقت الذي قفز فيه الشعور بالهوية العراقية الجامعة بين العرب السنة الى 80بالمئة. ولم تكن مصادفة ان تتم المطالبة بأقليم (شيعي) في العراق في عام 2005 في ذات الوقت الذي كان فيه اقل من 30 بالمئة فقط من الشيعة يشعرون انهم عراقيون مقابل حوالي الثلثين ممن يشعرون انهم مسلمين شيعة قبل أن يكونوا عراقيين! وفي إشارة أخرى على ارتباط الأمن بالشعور بالهوية الوطنية فقد أظهرت إستطلاعات الرأي التي أجريت قبيل احتلال داعش للمناطق العراقية أن الشعور بالأمن في تلك المناطق كان في أدنى مستوياته في ذات الوقت الذي أنخفض فيه الشعور بالهوية الوطنية بين عموم العراقيين الى 42 بالمئة وبين سكان تلك المناطق الى حوالي الربع فقط.

الحكم الجيد. دلت كل الأبحاث، ومنها تلك التي قامت بها المجموعة المستقلة من خلال مئات من استطلاعات الرأي منذ 2003 الى اليوم أن انخفاض الشعور بالهوية الوطنية الجامعة مقابل تضخم الهويات الاجتماعية الدينية والعرقية كانت دافعاً أساسياً للمواطنين للتغاضي عن الفساد المستشري وانخفاض مستوى الخدمات. وكما عبّر عن ذلك أحد رجال الدين من على من منبره قائلا ما معناه: ليس المهم أن يوفر لنا هذا النظام السياسي الخدمات ما دام انه يكفل لنا ممارسة شعائرنا الدينية بحرية! وصار شائعاً في العراق دفاع افراد كل هوية اجتماعية (دينية او عرقية) عن ممثليها السياسيين سواء في البرلمان أو الحكومة ما داموا يمثلون نفس الدين والطائفة. في ذات الوقت فأن الفساد وانخفاض مستوى الأداء الحكومي صار يبرر بأن الجميع مشتركين فيه او جزء منه. 

الثقة بالآخر. تلعب الهوية الوطنية الجامعة دوراً رئيساً في زيادة الثقة بالآخر وبالتالي تعزيز رأس المال الاجتماعي بغض النظرعن الخلفية الاجتماعية (الدينية او العرقية) لذلك الآخر.

بناء شبكات

فالثقة بالعراقي لأنه عراقي وليس لأنه شيعي أو سني أو كوردي تساعد على بناء شبكات وشراكات ليست اجتماعية فحسب، بل اقتصادية وحتى سياسية اقوى واشمل بل وأكمل. بالتالي تتعزز قوة الاقتصاد الذي يعتمد على التعاون وتبادل المنافع بين الجميع. 

كما تتعزز السياسات القائمة على خدمة العراقيين وليس خدمة أبناء المذهب او العرق او الطائفة. ومرة أخرى توفر لنا استطلاعات الرأي العام منذ 2003 صورة واضحة عن ارتباط مدى الثقة بالآخر المختلف دينياً وقومياً مع بروز أو انخفاض الشعور بالهوية الوطنية. 

فكلما تعزز الشعور بالهوية الوطنية كلما زادت الثقة بالآخر والعكس صحيح. أن ادراك هذه الحقائق عن أهمية الهوية الوطنية لا ينفي فوائد الهويات الاجتماعية لكنه يسلط الضوء على أهميتها في مرحلة بناء العراق-الأمة الذي يعتمد على صياغة وتصنيع تلك الهوية وهو ما ستتم معالجته لاحقاً.

ذات صلة

صلح الامام الحسن (ع) وأركان الحكم الصالحقوَّة العلم في إحداث التغييرهجمات الطائرات المسيرة في العراق.. استمرار ديناميكيات الصراع الاقليميالإصلاح في المشروع الحسيني نهج قرآني عصيٌّ على المساومةالابتسامة الموسمية