خارطة طريق المرجعية الرشيدة لعراق بعد 2003

عباس الصباغ

2025-11-09 03:41

سجلت مرجعية النجف الاشرف متمثلة بالمرجع الديني الاعلى سماحة السيد السيستاني (دام ظله الوارف) اكثر من موقف مشرف ومصلح ازاء العملية السياسية، التي يفترض انها منتخبة جماهيريا وتحظى بدعم دولي واسع، ولكون عناصر تلك العملية من اغلب السياسيين قليلي الخبرة بالممارسات الديمقراطية التي قامت بفاعل خارجي (امريكا)، ولكونهم لم يمارسوا اي فعالية ديمقراطية طيلة عصر الدولة العراقية المعاصرة منذ تأسيسها عام 1921 بجميع عهودها الملكية والجمهورية على حد سواء.

 فكان من الطبيعي ان يشوب تلك الممارسات الكثير من الاخطاء كالفساد الذي نشأ وترعرع في ظل المحاصصة التي ارسيت بموجبها دعائم العملية السياسية لمابعد 2003 وهو جوهر الاخطاء والخطايا التأسيسية لهذا العهد رافقته اخطاء وخطايا حكومية مقصودة او غير مقصودة تتعلق بالنخب السياسية العراقية.

 ونتيجة لاستفحال واستمرار اخطاء النخب السياسية ومتصدري القرار -الامر الذي ولّد اكثر من خيبة امل واحباط للشارع العراقي الذي فقد ثقته تماما بالعملية السياسية- وانسحب الحال على المرجعية الرشيدة التي فقدت ثقتها ايضا بتلك العملية واعربت عن غضبها تجاهها في الكثير من المرات الرسمية وغير الرسمية تجاه العملية السياسية، وبعد توجيه ما يعدّ او يحصى من النصائح والارشادات والتوجيهات لهذه النخب خاصة في خُطب الجُمعة التي يلقيها ممثلوها في الصحن الحسيني الشريف فقد ارتأت المرجعية الرشيدة الممثلة بالسيد السيستاني (دام ظله) غلق الباب نهائيا بوجه جميع تلك النخب كدليل على عدم الرضا وسحب اليد من جميع السياسيين فضلا عن ارجاء او الغاء الخطبة السياسية الى اشعار آخر بعد ان بُح صوتها (وهي التي تأتي بعد الخطبة الاولى العقائدية مباشرة)، وهو تعبير اخر عن الامتعاض والرفض لجميع ممارسات تلك النخب (لقد اسمعت لو ناديت حيا).

 ولكن هذا الرفض الصارم والصادم من اعلى جهة روحية في العراق (والعالم الاسلامي) تم التغاضي عنه ولم يكن ضمن اولويات النخب السياسية لتحسين ادائها السياسي (والاخلاقي ايضا)، فاستمرت وتائر الفساد السياسي والاخلاقي ونهب ثروات العراق على اعلى المستويات، وكان موقف المرجعية التاريخي حازما بوجه الفساد الذي استشرى في جميع مفاصل وهياكل الدولة العراقية ومايزال، ولكن بدون شيطنة تلك النخب حفاظا على سمعة البلد امام الراي العام الدولي وحفاظا على ماتبقى من السلم الاهلي واللحمة الوطنية من التفتت وتسقيطها بدواعي الفساد، واطلاق توصيفات صارخة مثل العتاكة وحكومة بني العباس والنشالة... الخ (كما يحدث حاليا في العراق للاسف الشديد)، فهذه التوصيفات المخجلة لاتليق بالمستوى الحضاري للعراق "العظيم" او اسقاط العملية السياسية، حفاظا على منجز التغيير الديموقراطي ولإعطاء (خط رجعة) للنخب السياسية ليراجعوا انفسهم ولاصلاح الامور قدر الممكن.

 فالمرجعية الرشيدة امسكت بالعصا من المنتصف تاركة هامشا معقولا للإصلاح بدون شيطنة الطرف الاخر (السياسيون) وتأجيج الشارع العراقي -لان تأجيج الشارع ذو حدين وقد تصعب السيطرة عليه مستقبلا- لاسباب سياسية واستخدام المعارك الاعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي لهذا الغرض، وهو جوهر موقف المرجعية الذي يوصف بالاعتدال والوسطية والعقلانية مع مراعاة حقوق الشعب العراقي ومستواه وسمعته امام الراي العام الدولي بعيدا عن مزاجات السياسيين واهوائهم لان المرجعية هي صمام امن العراق وبيضة القبان فيه.

ذات صلة

فلسفة النظم والنظام في رؤية الإمام الشيرازيالشباب العراقي وإرادة التغيير في الانتخابات البرلمانيةالصديقة الزهراء: المرأة الحُرة التي يقتلها الصمتالغنيمة بين اللغة والشرع: عموم الدلالة وأثرها على أحكام الخمسالاقتصاد العالمي: لعبة بلا قواعد