التاهو تنتصر على البايسكل: الانتخابات العراقية بين الفخامة والفقراء

أوس ستار الغانمي

2025-10-15 04:03

من يطالع المشهد الانتخابي العراقي في هذه الأيام، يلاحظ مفارقة صارخة: 98% من المرشحين والمرشحات يمتلكون سيارات فخمة، من نوع "تاهو" أو ما يعادلها من الماركات الحديثة الباذخة، وكأن الفخامة شرط من شروط الدخول إلى المنافسة الانتخابية. لكن المثير للسخرية، أن كثيراً من هؤلاء، في أيامهم العادية، لا يملكون حتى "بايسكل" يتنقلون به بين أزقة مدينتهم أو إلى دوائرهم الرسمية.

فخامة على حساب من؟

السيارات الفارهة ليست مجرد وسيلة نقل، بل تحولت إلى أداة دعاية انتخابية متنقلة، تعكس صورة القوة والسطوة والقدرة على "الإنفاق". لكن السؤال الجوهري: من أين جاءت هذه الفخامة؟ هل هي من جيوب المرشحين الشخصية؟ أم من "توفير" سنوات طويلة في الوظيفة العامة؟ أم أنها ببساطة من أموال عامة تسربت بطرق ملتوية؟

المواطن العراقي البسيط لا يحتاج كثيراً من التدقيق ليفهم، فالمعادلة واضحة: من لم يكن يملك بالأمس ثمن دراجة هوائية، صار اليوم يقود موكب "تاهوات" مدرعة، وبجانبه حاشية من الحماية. هذا التحول المفاجئ يثير شكوكاً عميقة حول نزاهة التمويل الانتخابي، ويفضح الفجوة الهائلة بين المرشحين والناخبين.

صورة "التاهو" في ذهن الناخب

السيارة الفارهة باتت جزءاً من المشهد الدعائي: المرشح يظهر على الملصق مبتسماً، وعلى الأرض يمر بين الأحياء في "تاهو" حديثة، تلمع تحت شمس بغداد أو بصري، فيما الناس يلوّحون له بدافع الحاجة أو المجاملة. لكن هل يدرك هؤلاء المرشحون أن هذه الفخامة لم تعد تغري المواطن؟ بل على العكس، صارت تثير الحنق والسخرية، خصوصاً عند الشباب العاطلين، الذين لا يملكون ثمن "دراجة أبو 100 ألف".

انتخابات أم استعراض سيارات؟

المشهد الانتخابي اليوم يشبه إلى حد كبير "معرض سيارات" أكثر مما يشبه منافسة ديمقراطية. ترى الطوابير من "التاهوات" السوداء والبيضاء، تسير خلف المرشح وكأنها إعلان غير مباشر يقول: "شوفوا قوتي المالية". وهنا تكمن المشكلة: بدل أن يكون البرنامج الانتخابي هو معيار الاختيار، أصبح "البرستيج" هو المقياس.

المواطن بين اليأس والتهكم

المواطن العادي صار يعلّق بمرارة: "هذوله ما عندهم بايسكل، فجأة صارت عدهم تاهوات.. باچر إذا فازوا راح يطلعون بطيارات خاصة!". هذا المزاج الساخر يعكس حالة إحباط عميق من العملية الانتخابية. فالناخب يعرف مسبقاً أن هذه الفجوة الطبقية ستتسع أكثر بعد الفوز، وأن الوعود الانتخابية غالباً ما تتبخر بمجرد الوصول إلى البرلمان.

أين الشفافية؟

في معظم دول العالم، هناك قوانين صارمة تكشف مصادر تمويل الحملات الانتخابية، وتحدد سقفاً للإنفاق، وتفرض على المرشحين الإعلان عن ممتلكاتهم قبل وبعد الانتخابات. أما في العراق، فما زالت هذه الإجراءات غائبة أو شكلية، ما يفتح الباب واسعاً أمام المال السياسي الأسود، وأمام تحويل الانتخابات إلى سباق بين "أثرياء" السياسة لا بين خدام الشعب.

مسؤولية الناخب

رغم قتامة المشهد، تبقى المسؤولية الأكبر على الناخب. فإذا كان الناخب يختار بناءً على "التاهو" أو الوجاهة، فالمعادلة ستبقى مغلقة: مرشح يشتري الصوت بالفخامة، وناخب يبيع صوته بالإعجاب أو الحاجة. لكن إذا بدأ المواطن يبحث عن المرشح القريب من همومه، الصادق في برامجه، والمتواضع في أسلوبه، يمكن أن يتحول المشهد.

انتخابات بلا ثقة، مرشحون بلا برامج، و"تاهوات" تسبق الشعارات... هذا هو المشهد العراقي اليوم. وما لم يتغير وعي الناخب أولاً، ويُفرض القانون ثانياً، فإننا سنبقى ندور في حلقة مفرغة: من لا يملك "بايسكل" اليوم، سيستعرض علينا غداً "تاهو"، وبعدها "فيراري"، فيما الشعب يبحث عن وسيلة نقل أرخص توصله إلى أحلام مؤجلة منذ عشرين عاماً.

ذات صلة

لماذا يعيش العراقيون في دائرة الفقر رغم الثروة الهائلة؟حين يتحول الموت إلى حياةاعلان ترامب نهاية حرب غزة.. بين كوابيس الماضي وأحلام المستقبلالأفورزميَّة.. شظايا المعنىسرديات الحرب والسلام: اليوم التالي في حرب غزة