ثقافة الانتخابات

حسب الله يحيى

2025-08-11 05:27

الانتخابات حق من حقوق كل مواطن في اختيار من يمثله في إدارة الدولة. والوقوف عند هذا الخيار، يحتاج إلى ثقافة خاصة تتعلق بطبيعة هذه الانتخابات. لأن هذا الصوت الذي يدلي به المواطن، لا يمكن أن نجرده عن الوعي والنباهة والدراية ومن ثم وضع الثقة بمن نجده مؤهلاً لأن نقلده صوتنا، ووسامنا وموقفنا ومعرفتنا. 

نحن لا ننتخب عن الهوى، ولا عن مصلحة شخصية، أو قرابة أو صداقة وديّة، إنما ننتخب من عرفنا صدقه ونبله ومواقفه الوطنية في كل القضايا التي تتعلق بالوطن وبالشعب، من هنا نرى أنّ الكتاب الصادر عن دار المأمون في وزارة الثقافة والسياحة والآثار مؤخراً بعنوان (جغرافيا الانتخابات/ دروس عالمية مستخلصة من أجل كسب الانتخابات) والذي يضم عددا من الدراسات المتخصصة في شؤون الانتخابات، والتي ترجمها مجتمعة وليد كاصد الزيدي، كتاب له أهميته وضرورته، خاصة وأن بلادنا مقبلة على إجراء انتخابات في الحادي عشر من تشرين الثاني/ 2025.

صحيح أنّ هناك بلداناً عدة اخفقت في انتخاباتها وتم تزييفها، وتشويه نزاهتها، وحتى في البلدان التي قطعت شوطا كبيرا في تقدمها، إلا أن الانتخابات، تبقى الإجراء السلمي الوحيد أمام الشعوب في انتقاء من يدير شؤون البلاد، ولا نقول يحكمها لأن الحكم هنا يبدو وكأنه سلطة تفرض إرادتها بالقوة، وهذا لا يراد من أي انتخابات تحظى بقبول إرادة الناس في اختيار ممثليهم ليكونوا أعضاء في البرلمان ويصبحوا نوابا يعبرون ويدافعون عن حقوق الناس، إذا ما تمّ الهدر والتعسّف أو التغاضي أو التغافل عن هذه الحقوق.

وهذا الاختيار لممثلي الشعب، لا ينطق عن الهوى، ولا يخضع لإرادات خاصة ورغبات ذاتية، إنما هو موقف قائم على ثقافة انتخابية لا بدَّ أن تتوفر عند كل مواطن ينشد احقاق الحقوق سلميا، وقراءة هذا الكتاب، يعزز عند كل مواطن، مكانته وموقعه وإرادته ووعيه، ومن ثم ثقافته في خوض الانتخابات. ويضع الكتاب أمامنا تجارب العديد من البلدان التي خاضت الانتخابات وخرجت بنتائج ايجابية باهرة، وحققت للبلاد رخاء وازدهارا وللشعب أمانا ورفاهية، وإذا كانت كلمة "جيوبوليتك" تعني بإيجاز جغرافية الانتخابات، كما عرفت في أواخر القرن التاسع عشر من قبل استاذ العلوم السياسية السويدي رودولف كيلين، كما يشير الكتاب ص 15 فإن هذه المعرفة بقيت معلقة بالمكان والزمان والثروة.

وهذا يعني أننا ننتخب من أجل اصلاح البلاد وتحقيق الرفاهية لأفراد المجتمع عن طريق استخدام ثروات البلاد، استخداما مخلصا ومنظما ودقيقا ولا يتم هذا إلا عبر شخصيات منتخبة بشكل دقيق خال من النفعية الفردية، لأن ثروات أي بلد لا يمكن امتلاكها أو الهيمنة عليها من قبل اشخاص بعينهم، وتمت تزكيتهم والاتفاق على اخلاصهم وتضحيتهم ومعرفتهم ونزاهتهم ودرايتهم ونظامهم، وبعكس ذلك لا يكون للانتخابات أهمية تذكر، إذا ما تم اختيار شخصيات ليس لها رصيد شعبي من القبول نظرا لما تمتلكه من تاريخ غير محمود. ومن ثم ستكون النتائج سلبية وتحمل الكثير من الاخفاقات التي يمكن تجنبها سلمياً عن طريق ادراكنا وفهمنا ودرايتنا بمن ننتخب.

صحيح أن "المتغير الديني والطبقة الاجتماعية يظلان من بنى السلوك الانتخابي" ص32 إلا أن هذا السلوك يواجه جملة مصدات منها أن الدين الحنيف لا بد أن يكون مشفوعا بالأخلاق الحميدة والأمانة والوطنية والحرص على المال العام. كما أن الطبقة الاجتماعية لا يمكن أن تكون عاملا أساسيا في هذا المنجز، ذلك أن الانتماء الطبقي والاجتماعي هنا عرضة لجملة متغيرات تتعلق بجغرافية الزمان والمكان والظروف المؤاتية والمؤثرة على كل فرد وانعكاساتها على المجتمع.

وعندما يقول البروفيسور ماتيزو باكوندا نائب المدير العام للمعهد الجغرافي للكونغو إن "أي انتخابات من دون الرجوع إلى المبادئ الأساسية للسكان يمكن أن تسبب خللا في الجهاز السياسي والإداري للدولة" ص 42. إنما يؤكد أن التعداد السكاني أحد أوجه الحرية والأساسية في نجاح أي انتخابات نزيهة.

ومن هنا تأتي الدعوة الى التعداد السكاني كضرورة ليس لإجراء الانتخابات حسب، وإنما لكل مشاريع التنمية المستدامة والقائمة على أسس تنظيمية سلمية. وما ورد في ص 73 فإن "كل شيء يتحرك ولا شيء يتغير: سر دوام المشهد الانتخابي "فيشكل موقفا سلبيا.. لأن الانتخابات قائمة أساسا على الحركة والتغيير والتخلّص من اخفاقات وعثرات الماضي.. ولا يتم اصلاحها إلا بالانتخابات، والدفاع عن نزاهتها وإشاعتها ونشرها وتثقيف الناس بضرورتها.

وجاءت الدعوة إلى عدم احتكار الخبرة الاقليمية والعمل على اختيار المشاركين في وسائل الاعلام "ص 116، بحيث لا تكون لهم ولاءات مسبقة ولا تقاطعات معترضة سلفا، فمثل هذا الإعلام الانتخابي من شأنه أن يلحق الضرر بالوجه السليم والمطلوب لنصاعة الانتخابات والسبيل الأساس والأهم الذي يبني به إرادة المستقبل المنشود والقائم على شخصيات من الواقع الذي تعاني من سلبياته إلى واقع جديد قائم على أسس فنية، وعلى منطق سليم وموقف واع ومسؤولية تنطلق من وعي ثقافي يعرف ويدرك ما سيؤول اليه صوته في الحياة الرغيدة المنشودة عبر شخصيات المستقبل المنشود.

ذات صلة

زيارة الأربعين: منكرٌ يتبدد ومعروفٌ يتجسدطريق الحسين طريق الله: عندما تلتقي الخطوات بالمعنى الأسمىبين الحبر والدم.. صلح الحسن وثورة الحسين في ملحمة الإمامةالدين والدولة.. إشكالية التعارض وأفق التكاملأهمية تعديل الدستور العراقي للمضي نحو الإصلاح المنشود