دور الرغبة الشعبية في توجيه المساعدات الدولية: بين السيادة الإنسانية والمصالح الاستراتيجية

د. جمانة جاسم الاسدي

2025-07-26 04:16

لطالما كانت المساعدات الدولية أحد أدوات العمل الإنساني والتنمية العالمية، سواء في أوقات الكوارث، أو ضمن برامج الدعم المستدامة للدول النامية، إلا أن هذه المساعدات، رغم طابعها الإنساني الظاهري، لا تنفصل عن سياقات سياسية واقتصادية وثقافية تؤثر في توجيهها وتنفيذها، ومن بين أبرز العوامل المؤثرة، تظهر الرغبة الشعبية – سواء في الدول المانحة أو المتلقية – كعنصر حيوي غالبًا ما يُهمل في التحليل التقليدي، في هذا المقال، نناقش دور الرغبة الشعبية في توجيه سياسات المساعدات الدولية، وحدود تأثيرها، والإشكاليات المرتبطة بها، وهي في واقعها تشير إلى توجهات الرأي العام، والمواقف الاجتماعية والثقافية السائدة، التي تعكسها استطلاعات، أو حملات جماهيرية، أو سلوك انتخابي، تجاه قضايا معينة – وفي هذا السياق، المساعدات الخارجية، والمساعدات الدولية هي الموارد التي تقدمها دولة أو منظمة أو مؤسسة إلى دولة أخرى بهدف دعم التنمية أو مواجهة الكوارث أو تعزيز الاستقرار، وهذه الاخيرة تشمل مساعدات إنسانية (طارئة)، ومساعدات تنموية (طويلة الأجل)، ومساعدات فنية وتقنية، ودعم مؤسسات الحكم والمجتمع المدني.

تؤثر الرغبة الشعبية في الدول المانحة عبر الضغط السياسي على الحكومات فالرأي العام في الدول المانحة يلعب دورًا كبيرًا في زيادة أو تقليص المساعدات وفي توجيه المساعدات إلى مناطق “محبوبة” شعبياً (مثل فلسطين المحتلة)، ومنع التمويل عن أنظمة تُعتبر قمعية أو فاسدة، كذلك تعتبر المنظمات غير الحكومية كناطق للرغبة الشعبية مثل الـ NGOs التي تعتمد على التبرعات تعكس مباشرة أولويات شعوبها، وتُوجّه برامج المساعدات وفقًا لما يجد صدىً شعبيًا، أما الإعلام وتشكيل الرغبة العامة فالاهتمام الإعلامي بكارثة إنسانية قد يؤدي إلى تعبئة جماهيرية هائلة، كما حدث في زلزال هايتي أو انفجار مرفأ بيروت، مما يدفع الحكومات والمؤسسات للتدخل.

ولكن الرغبة الشعبية في الدول المتلقية للمساعدات يتجسد في القبول الشعبي شرط للنجاح في برامج المساعدات التي لا تحظى بتأييد شعبي غالبًا ما تفشل أو تُواجَه بالمقاومة، خصوصًا إذا فُرضت دون مراعاة السياق المحلي أو احتياجات المجتمع، ولكن هنالك نوع من المساعدات المشروطة وفقدان السيادة وهذه قد تثير بعض برامج المساعدة – مثل تلك المرتبطة بإصلاحات سياسية أو اقتصادية – رفضًا شعبيًا واسعًا إذا اعتُبرت مساسًا بالسيادة الوطنية أو القيم الثقافية.

يبدو ان هنالك توازن معقد بين الرغبة الشعبية والمصالح الاستراتيجية تنبثق من أولوية المصالح على الرغبات ففي كثير من الحالات، تُوجّه المساعدات وفق أولويات جيوسياسية، وليس بناءً على الرغبة الشعبية – كما في حالات (الدول الحليفة) التي تتلقى دعمًا رغم انتهاك حقوق الإنسان، كما ان هنالك تسييس للمساعدات عندها يمكن للرغبة الشعبية أن تُستخدم كغطاء لأجندات سياسية أو اقتصادية، وهو ما يؤدي إلى ازدواجية المعايير في تقديم الدعم.

والنماذج الواقعية توضح دور الرغبة الشعبية ففي فلسطين التفاعل الشعبي الواسع في الدول العربية والغربية ساعد على الحفاظ على تدفق مساعدات إنسانية رغم الضغوط السياسية، وفي أوكرانيا الدعم الشعبي في الغرب عزز من حجم المساعدات غير المسبوقة، نتيجة تصويرها إعلاميًا كرمز للحرية والديمقراطية، أما في اليمن وسوريا فانخفاض الاهتمام الشعبي والإعلامي أدى إلى ضعف الاستجابة الدولية رغم تفاقم الكارثة الإنسانية.

ولتعزيز الرغبة الشعبية الإيجابية في المساعدات يجب ان يكون هنالك شفافية في العمل الإنساني وكلما كانت عمليات المساعدة شفافة وخاضعة للمساءلة، زاد الدعم الشعبي لها، وفي التثقيف العام وبناء وعي جماهيري بأهمية المساعدات كوسيلة لتعزيز الاستقرار العالمي والقيم الإنسانية، كذلك في إشراك المجتمعات في تصميم المشاريع فحين يشعر المواطنون أنهم شركاء، تزداد شرعية المساعدات وفعاليتها.

ختامًا- تُعد الرغبة الشعبية عاملًا محوريًا في توجيه المساعدات الدولية، وإن كان يُهمل أحيانًا أمام اعتبارات السياسة والمصالح، وبين الاستجابة النابعة من التعاطف، والرفض المدفوع بالشكوك، تبقى الرغبة الشعبية مرآةً تعكس وعي الشعوب، وقدرتها على التأثير في السياسات الخارجية، إن تعزيز هذا الدور يتطلب شفافية، وتثقيفًا، وانفتاحًا أكبر على احتياجات الواقع، واحترامًا للكرامة الإنسانية في كل سياق.

ذات صلة

الفجوة الكهربائية في العراق.. من أزمة مزمنة الى قطاع قائداحذر الباطل حين يبتسم!مدننا التي لا يريدون أن تُرىموت الصحفيين في غزة جوعاً.. انهيار قواعد القانون الدوليسلعنة التعليم أم أنسنته؟