الشرق الأوسط عند مفترق الطرق: بين زلزال جيوستراتيجي أم فوهة بركان؟

مهيمن الأغا

2025-07-01 04:53

في لحظة يتقاطع فيها التاريخ مع الجغرافيا، يبدو الشرق الأوسط وكأنه يقف على شفرة حادة تفصل بين عصر قديم يلفظ أنفاسه الأخيرة، ونظام جديد لم تتبلور ملامحه بعد. بين مطرقة التحولات الدولية وسندان الصراعات الإقليمية، تتكثف التفاعلات وتتشابك المصالح لتجعل من المنطقة مسرحاً لصراع الإرادات وميداناً لتنافس المشاريع. فهل نحن أمام لحظة إعادة التشكيل الجغرافي – السياسي الكبرى؟ أم أن البركان الكامن تحت السطح بدأ يثور ببطء؟

أولاً: خريطة المشاريع المتصارعة – رفض السكون والسعي لإعادة التشكيل

• انهيار سايكس – بيكو 2؟

تصريحات أردوغان حول رفض "سايكس بيكو جديدة" لا يمكن اعتبارها مجرد مزايدة خطابية، بل تعكس تحولا استراتيجياً في مقاربة تركيا الإقليمية. فالتكتلات الإقليمية (تركيا، إيران، وربما مصر والسعودية لاحقاً)، مدعومة بقوى دولية صاعدة (روسيا والصين)، باتت ترفض التسليم بإرث الهيمنة الغربية، وتسعى لفرض ترتيبات جديدة تعبّر عن توازنات القوى المتبدلة، وخاصة في ملفات الطاقة، والممرات الاستراتيجية، والأمن الحدودي.

• إسرائيل: الفاعل غير القابل للترويض

سياسات نتنياهو تقوم على استثمار الصراع لتأجيل أزماته الداخلية، وهو بذلك يكرّس نهجاً تصعيدياً خطيراً. الطموحات التوسعية الإسرائيلية في الضفة والقدس، والتهديد المستمر لإيران وحلفائها، تتقاطع مع رغبة إسرائيل في صناعة فوضى "مضبوطة" تستثمرها لمصلحتها، لكنها في الوقت ذاته تخشى انفلاتها وتحولها إلى خطر وجودي.

ثانياً: مركز الزلزال – المواجهة الإسرائيلية الإيرانية

• الردع النووي على حافة الهاوية

البرنامج النووي الإيراني يمثل العقدة الأساسية في المواجهة. بينما تعتبره طهران أداة بقاء ومساومة، تراه إسرائيل تهديداً وجودياً لا يمكن التسامح معه. التلويح المتكرر بالضربات الوقائية يضع المنطقة أمام سيناريو انزلاق خطير في أية لحظة.

• معركة الأيام الـ12: إعادة تعريف خطوط الاشتباك

إيران أثبتت قدرتها على الرد من أراضيها، بينما فضّلت إسرائيل رداً محسوباً بدعم أمريكي. اللافت في هذه الجولة كان غياب حزب الله والفصائل العراقية عن المشهد، ما يشير إلى رغبة إيرانية في إبقاء التصعيد تحت السيطرة، وإدراك حلفائها أن الحرب الشاملة ستكون مكلفة وخاسرة.

ثالثاً: الفاعلون الدوليون – انقسام وتراجع في القيادة العالمية

• الولايات المتحدة: حضور ضروري... ولكن محسوب

تدخلها المباشر في الدفاع عن إسرائيل، مع تجنب الانخراط البري، يعكس سياستها الجديدة: الالتزام الأمني لإسرائيل مقابل تفادي التورط الإقليمي. كما تسعى واشنطن لإعادة تقديم نفسها كقوة استقرار، ولو بمقاييس منحازة.

• أوروبا: صوت بلا تأثير

خطابها الأخلاقي لم يترجم إلى أفعال. الخوف من اللاجئين وأزمة الطاقة وانقسام البيت الأوروبي يضعف دورها الجيوسياسي.

• روسيا والصين: لعب على حافة النار دون احتراق

إدانتهما للهيمنة الأمريكية لا تخفي دعماً ضمنياً لمحور المقاومة، لكن دون المخاطرة بالتورط العسكري. هدفهما الأساسي هو تقويض النظام الغربي وملء الفراغ الناتج عن التراجع الأمريكي.

رابعاً: استراتيجية إيران – حرب بالوكالة وانتظار اللحظة

إيران تعتمد نهج "الردع غير المباشر" من خلال أدواتها المتعددة:

• حزب الله كقوة توازن وردع.

• الحشد الشعبي كورقة تهديد للقواعد الأمريكية.

• الحوثيون كسلاح استراتيجي في باب المندب.

• الفصائل الفلسطينية للضغط المتواصل على إسرائيل.

هذه الأذرع ليست فقط أدوات عسكرية، بل أوراق تفاوضية وسياسية في لعبة عض الأصابع الكبرى.

خامساً: ثلاثة سيناريوهات تحدد مآلات المرحلة المقبلة

• تصعيد محسوب نحو مشروع "الشرق الأوسط الجديد"

مرجّح على المدى المتوسط، حيث التوترات ستستمر دون انفجار شامل، بهدف خلق ظروف تبريرية لإعادة الترسيم الجيوسياسي.

• هدنة مؤقتة واستعداد استراتيجي

الأرجح في المدى القصير، حيث الجميع يسعى لإعادة ترتيب صفوفه، دون التنازل عن أوراقه.

• حرب إقليمية شاملة – السيناريو الكارثي

احتماله منخفض لكنه قائم. أي خطأ في الحسابات أو مغامرة محسوبة قد يطلق سلسلة حرائق لا يمكن إخمادها بسهولة.

الاستنتاج: منطقة على حافة التحول أو الانفجار

الشرق الأوسط لم يعد ساحة لصراع محلي، بل هو عقدة التوازنات الدولية الجديدة. المشروع الأمريكي يترنح، ومشاريع بديلة تتصارع على الفراغ. الردع المتبادل يمنع الحرب الشاملة لكنه لا يضمن السلام. حروب الوكالة هي المسار الغالب، والسباق مع الزمن هو السمة المشتركة لكل الأطراف.

التوقع الأقرب:

استمرار حرب باردة ساخنة، تتقاطع فيها الاشتباكات المحدودة مع الجهود الدبلوماسية المتعثرة، وتشتد فيها الحروب الاقتصادية والنفسية، بانتظار شرارة تخرج الأمور عن السيطرة… أو لحظة نادرة من نضج سياسي تُعيد رسم المعادلة.

ذات صلة

هوية كربلاء العلميةالنهضة الحسينية.. سلطة القيم في مواجهة أوهام السلطةالمقاربات الاسرائيلية اتجاه قطاع غزة بعد المواجهة العسكرية مع ايرانلماذا يجب أن نشارك في الانتخابات البرلمانية المقبلة؟حرب الـ 12 يوماً.. صمتت المدافع وتعالى ضجيج الأسئلة والتساؤلات