كيف تؤثر اللامبالاة على التكيف النفسي والتوافق الاجتماعي؟
اللامبالاة وباء العصر (9)
مرتضى معاش
2022-02-06 05:39
في مقالات سابقة بحثنا النتائج التي تفرزها ظاهرة اللامبالاة وترك الاهتمام بالمسؤوليات والواجبات على الإنسان، والانكفاء والانزواء والانعزال عن المجتمع، أو اتخاذ موقف الحياد، وتطرقنا لبعض النتائج التي تنتج عن أزمة اللامبالاة وكيفية تأثيرها على الفرد والمجتمع. في هذا المقال سوف نبحث النتائج النفسية التي تخلّفها ظاهرة اللامبالاة في المجتمع.
اللامبالاة في أصلها وأساسها هي في الحقيقة أزمة نفسية، وأغلب الأزمات النفسية للإنسان بطبيعتها تنتج من عدم قدرته على التكيّف مع ذاته ومع الآخرين ومع بيئته ومجتمعه.
واللامبالاة هي أزمة في الصحة النفسية عند الإنسان، التي تقوده تدريجيا نحو الأفق الغامض أو النفق المسدود، لأن اللامبالاة اختيار شخصي للإنسان، بترك التوافق مع ما يحيط به، وحين نتكلم عن أزمة الذات، الإنسان الذي يريد أن يواصل حياته بين الناس، لابد أن يعيش معهم، وعندما يعزل نفسه عنهم ولا يبالي بهم سوف تحصل له أزمة نفسية ذاتية ولا يستطيع أن يعرف نفسه، لأن معرفة النفس نابعة من قدرة الإنسان على التوافق الإيجابي مع الآخرين ومع بيئته وبالتالي التوافق مع نفسه.
وينتج سوء التوافق هذا بسبب التشوش في فهم السعادة، فالبعض يعتقد أنه بلجوئه إلى اللامبالاة وترك الاهتمام وعدم التفاعل الاجتماعي سوف يكون سعيدا، ويعتقد أنه سوف يكون بعيدا عن المشكلات، لكن هذا التصوّر ليس صحيحا، لأنه لن يكون سعيدا، فالسعادة تنتج عن توافق الإنسان الإيجابي مع بيئته ومجتمعه، وليس التوافق السلبي من خلال الانخراط الجمعي في السلوكيات السيئة.
وهناك في المقابل من يسلك طريق (حشر مع الناس عيد)، فيجاري الآخرين وينخرط مع القطيع بكل سلبياته، وهذا النوع لا شخصية له لأنه يكون تابعا لغيره، وليس لديه قدرة على إيجاد نفسه وادراك ذاته بل مستلب الهوية، فالتوافق الحقيقي هو التوافق الإيجابي، بمعنى التفاعل بوعي ومسؤولية مع البيئة والمجتمع، وهذا السلوك المنظم هو الذي يُنتج انتظام التفاعل مع الذات.
الاستلاب يتسبب بالاكتئاب
ان اللامبالاة تعبر عن عدم وجود شخصية متفاعلة، وحدوث اختلال نفسي يعبر عن فقدان التوازن النفسي والتوافق الاجتماعي، وإذا كان هناك انسجام مع بيئة سلبية، فهذا لا يسمى توازن وإنما يسمى اختلال، والذي لا يستطيع أن يتوافق مع بيئته ويحسن الانسجام والتوازن مع نفسه وبيئته، ولا يستطيع التكيّف مع المجتمع، فإن هذا الإنسان مصاب بالاكتئاب وهو من أشد الأمراض المنتشرة في عصرنا الحالي. والاكتئاب له أشكال مختلفة تظهر عند الإنسان لتعبر عن عدم وجود انسجام حقيقي مع مختلف اشكال الحياة.
هناك بعض الأشخاص وليس الكل، يسير معصوب العينين وراء غيره، فلا يتخذ أي قرار شخصي بصورة مستقلة، وهذا ما يسمى بالاستلاب، وينتج عن عدم استقلال الشخصية وعدم الانسجام مع الآخرين، بل هي شخصية تابعة ومسلوبة الإرادة والتفكير، وهذا هو أحد مصاديق اللامبالاة الذي ينتج عن الانخراط السلبي في المجتمع، وعدم تحمّل المسؤولية.
مثال على ذلك، حين نلاحظ اليوم بعض السلوكيات السيئة في المجتمع، فبدلا من الوقوف ضد هذه السلوكيات واصلاحها، نستسلم لها وننخرط فيها، في تعبير عن اللامبالاة والشعور بالعبث وعدم الجدوائية، ومن مسببات هذا الامر هو عدم وجود تكيّف حقيقي، واهتزاز استقلال، وضياع الوجود الحقيقي للذات، وهذا كله يؤدي إلى الاكتئاب الذي يوصف اليوم بأنه مرض العصر.
كلما ينكفئ الإنسان ويعيش اللامبالاة تزداد حالة الكآبة عنده، ويصح العكس أيضا، فكلما تزداد كآبته تزداد لامبالاته، وهذا ينتج عن التراكم السيء لسوء التكيف مع البيئة.
وعن الإمام علي (عليه السلام) انه قال: (خلو الصدر من الغل والحسد من سعادة العبد)، هذا هو مفهوم السعادة، أن يكون الإنسان خالِ من السلوكيات السيئة كالحسد، والحقد والكراهية والبخل والأمراض السيئة الأخرى، هذه هي الأمراض التي تجعل الإنسان مكتئبا وتعيسا، لكن حين يكون الإنسان خاليا من الأمراض، بالتكيّف الاجتماعي الصحيح، والبناء النفسي الجيد، والتوافق مع الآخرين والتوازن بين الحقوق والواجبات، سوف يصبح سعيدا في حياته.
الاستلاب واستنبات الشخصية الهشة
ان تبعية الشخصية وفقدانها للإرادة الحرة والقدرة على تحمل المسؤولية، وفقدان استقلاليتها يؤدي إلى استلابها واغترابها واختلال هويتها، وبالتالي تمركز اللامبالاة في هذه الشخصية.
إذا أردنا أن نبني إنسانا صحيح النفس، سويّ النفسية وسليم السلوك، فلابد أن نعلم هذا الشخص الاستقلال الذاتي، والوعي الذاتي بإرادته وحريته واختياراته، واتخاذ القرار الصحيح في حياته، حتى يكون قادرا على تحمّل المسؤولية، وإلا فان الاستلاب سينتج شخصية هشة، فهؤلاء الآباء الذين يفرضون قرارات معينة على أبنائهم بالقوة والقسر، فإنهم إنما يصنعون من حياة أبنائهم شخصيات هشة غير سويّة وغير قادرة على التوافق الاجتماعي والتكيّف النفسي.
عندما يضغط الاب على ابنه بشدة ويربيه بالعنف، يظن أنه يربيه تربية جيدة، وهذا النوع من التربية سوف يسلب منه القدرة على التفكير واتخاذ القرار الصحيح، فيصبح الابن شخصية منقادة تعيش التبعية وغير قادر على أن يعيش حياته بشكل مستقل.
أسباب تصاعد حدة القلق والخوف
هناك قلق شديد عند الكثير من الناس وخوف شديد من المستقبل، وهذا القلق والخوف ناتجان عن عدم وجود توافق وتكيف مع بيئتهم وحياتهم، فهناك شعور بالوحدة والعزلة وعدم القدرة على الانسجام والتعايش مع الآخرين، وسبب ذلك هو سلوك اللامبالاة المتفشي بقوة بسبب أنماط الحياة العصرية الجديدة التي تسبب الانكفاء والانزواء.
وكلما ينعزل الفرد عن المجتمع تزداد لامبالاته، وعندما تزداد لامبالاته يشعر بأنه غريب عن هذا المجتمع، ويشعر بعدم الانتماء وفقدان الهوية، وبالتالي يكون وجوده شكليا وغير حقيقي فتختفي المشاعر والإحساس بالمشاركة الوجدانية المتفاعلة مع الآخرين، فيبدو وكأنه منفصل والانفصال صعب ينتج أسئلة وجودية متشابكة، لأنه لايمكن الا ان يكون كائنا اجتماعيا، والعزلة تفكك غاياته الوجودية وتزيد من كآبته.
العيش المتشتت في جزر مشتّتة
ما الذي يحدث لشخص لامبال عندما تتكرس لامبالاته في المجتمع وتصبح ظاهرة كبيرة متفشية بين أفراد المجتمع، سوف تكون هناك فوضى، ويفقد المجتمع الأواصر الوجدانية المتفاعلة، فيعيش الناس منعزلين منفردين في جزر مشتتة، ولا علاقة لأحد بالآخر، والشخص الذي لا يشعر بوجود التفاعل الوجداني بالرخاء والشدة، فلن يتقبل الانتماء الاجتماعي، وبالنتيجة يسيطر عليه الخوف والقلق من المستقبل بشكل دائم.
مثال عن ذلك، بعض الناس يشعر بعدم القدرة على العيش في المجتمع الذي يتواجد فيه، مع أن مقومات العيش متوفرة له كحصوله على وظيفة وحالته المادية جيدة ولديه بيت سكن، لكنه مع ذلك يريد أن يهاجر ويترك المجتمع الذي يعيش فيه، وحين تسأله السبب، يجيب بالقول انه يوجد عندي خوف من المستقبل.
هذا الخوف من المستقبل ناتج من لامبالاته وعدم مشاركته الوجدانية الاجتماعية مع الآخرين، وبسبب التطور التكنولوجي الحديث في العصر الحالي وتغول المادية بشكل قوي مما أدى إلى انفصالات اجتماعية أدّت بدورها إلى حدوث تفكك اجتماعي، تسبب في انتثار الافراد وانقراض المشاركة الاجتماعية والتضامن الانساني والانزواء إلى العزلة والانفراد.
سُئِل الامام الصادق (عليه السلام) عن: (قوم عندهم فضول وبإخوانهم حاجة شديدة وليس تسعهم الزكاة أيسعهم أن يشبعوا ويجوع اخوانهم فإن الزمان شديد؟ فقال: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحرمه فيحق على المسلمين الاجتهاد فيه والتواصل والتعاون عليه والمواساة لأهل الحاجة والعطف منكم ويكونون على ما أمر الله فيهم (رحماء بينهم) متراحمين).
هكذا نخلق مجتمع الرحمة، بالتكافل والتواصل والتعاون والمواساة، أما إذا غابت هذه القيم فسوف يكون المجتمع متوحشا.
اللامبالاة نتيجة وناتج للنرجسية
من النتائج النفسية أن اللامبالاة هي نتيجة للنرجسية والأنانية، والنرجسية أشد قوة من الأنانية التي قد يتخلص منها الإنسان أحيانا، لكن النرجسية تبقى طاغية على الإنسان، فيشعر بالتكبر والغرور وأنه أفضل من الآخرين وهو البطل والقائد، ويتحدث عن نفسه ويمتدحها حتى في التفاصيل الصغيرة. حيث يشعر النرجسي بتمركز حول ذاته ومحورية حول نفسه.
حيث يتصوّر البعض أنه من خلال الانزواء يستطيع أن يحقق الراحة النفسية، ويبتعد من المشاكل والأزمات، لنفترض أن هنالك إنسان غني يمتلك الكثير من الأموال فيبني قصرا كبيرا حوله جدران شاهقة ويضع كاميرات مراقبة، ويهيّئ مخازن كبيرة للطعام والشراب وينعزل أو ينكفئ عن المجتمع ويقول أنه لا يحتاج للآخرين، فهل يمكنه ذلك فعلا؟، لايمكن ذلك لأنه إنسان وليس آلة.
بعض الدول ذهبت وراء (الأتمتة) وجعل كل شيء في حياتهم آلي، واستبدلت الانسان بالآلة فصارت طموحها ان تصنع كل شيء من دون وجود أو تدخّل الإنسان، في مشروع واسع نحو المحو التدريجي للإنسانية، وتقليل الوجود البشري استهدافا للعيش الأفضل والعيش في فقاعة فردية كما تزعم أيدولوجياتهم، لكن هذا التصوّر خاطئ.
لأن أهم شيء يحتاجه الإنسان لتحقيق الاستواء النفسي هو التعاطف والتكافل، حين يمرض الإنسان يشعر أنه في حالة نفسية سيئة جدا، والشيء الذي يخفف عليه مرضه هو الزيارات الاجتماعية، حين يأتي الناس ويطمئنون عليه، فيشعر براحة نفسية ويبدأ بالتماثل للشفاء، وهذا يسمى الحاجة إلى التعاطف وهي حاجة أساسية للإنسان، والذي يشعر أنه لا يحتاج للتعاطف فهذا الإنسان مريض نفسيا قاسي القلب متبلد المشاعر.
فاللامبالاة مرض خطير يقود الإنسان إلى عدم التعاطف وعدم التكافل وإلى الأنانية والنرجسية والطموحات العمياء.
وعن الإمام علي (عليه السلام): (إنما أنتم إخوان على دين الله، ما فرق بينكم إلا خبث السرائر، وسوء الضمائر، فلا توازرون ولا تناصحون، ولا تباذلون ولا توادون).
الطموحات المدمرة
وعندما تكون الطموحات شخصية وخاصة جدا تصبح هناك مشكلة، حيث يسعى الإنسان لطموحاته بنفسه لنفسه ومع نفسه، وليس لغيره، والإنسان الذي يسعى للطموح الشخصي فقط، فهو لا يحقق ذلك بل يعيش في دوامة الإرهاق والتعب النفسي، كما ان الطموحات الشخصية تتسبب بالنرجسية والطغيان والأنانية والتحجر الذاتي والاغتراب الاجتماعي، فالإنسان يعيش في مجتمع وبيئة جماعية، ولا يمكنه العيش منفردا أو منعزلا عن الآخرين او مستفردا بنفسه.
وعن الامام علي (عليه السلام): (كذب من ادعى الإيمان وهو مشغوف من الدنيا بخدع الأماني وزور الملاهي).
اللامبالاة المطلقة بالآخرين
لنفترض أنك وضعت إنسانا ما في زنزانة انفرادية لعدة ايام، فكم يستطيع تحمل ذلك؟، وإذا أبقيته في الزنزانة الانفرادية لمدة شهر أو شهرين او اكثر، فإنه سوف يُصاب بالجنون، لأنه كائن اجتماعي، فالمشكلة التي لاحظناها عند البعض تكمن في الطغيان الشخصي الذي يتحول إلى حالة تدميرية لنفسه ولغيره، مولدة لديه لامبالاة مطلقة بالآخرين.
إن الطموح الشخصي مدمِّر نلاحظ ذلك في بعض الأغنياء في العالم وخصوصا أباطرة الشركات المعلوماتية، فهم يمتلكون القدرة المطلقة والأموال اللامتناهية، فهم من أجل طموحاتهم الشخصية يصنعون تكنولوجيا افتراضية مدمّرة للبشر، حيث تقود البشر إلى مديات مأساوية، ونلاحظ الآن ما يعانيه البشر من هؤلاء المنفلتين الذين يعيشون في دوائرهم الخاصة المنغلقة على اوهامهم الذاتية، فأصحاب الطموحات الشخصية لا يشعرون بهموم الآخرين ولايتألمون لآلامهم، وبالنتيجة مهما سعوا لا يصلون إلى شيء.
وعن الامام علي (عليه السلام): (من اتكل على الأماني مات دون أمله).
وقد رأينا في التاريخ كيف دمرت الطموحات الشخصية للطغاة الشعوب والمجتمعات بسبب الحروب التي اشعلوها بحثا عن المجد والحكم الابدي، ولكن العواقب كانت سيئة على الجميع.
شروط الانسجام الاجتماعي
إذا أردتَ أنت تعيش، فلابد أن يعيش جارك أيضا، ولا يمكن أن تكون شبعانا وجارك جائع، لأن احتواء التفاوت الطبقي في المجتمع شرط اساسي لتحقيق الانسجام الاجتماعي.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع).
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) من دعائه يوم عرفة: (أعوذ بك من دنيا تمنع خير الآخرة، ومن حياة تمنع خير الممات، ومن أمل يمنع خير العمل)، فهؤلاء الذين يذهبون وراء طموحاتهم الشخصية دنياهم ليست فيها آخرة لأنهم يصنعون في دنياهم جهنما للآخرين ولأنفسهم، وحين يموت الدكتاتور كأنما أزيح شرّ كبير عن الدنيا، فالطموح الشخصي عبارة عن آمال سيئة وتمنيات رديئة.
وعن الامام علي (عليه السلام): (حاصل المنى الأسف وثمرته التلف).
والحاكم الطاغية يستهلك أموال الشعب في بناء القصور، وفي تحقيق ملذّاته وترفه ويوزّع الأموال على حاشيته ومادحيه، فالطموح الشخصي طغيان هادر يؤدي إلى تدمير الإنسان وانهدار المجتمع.
اللامبالاة وسيرورة الإدمان
اللامبالاة تؤدي بالنتيجة إلى الإدمان، لأن الإدمان هو محاولة للإشباع، والذي يعيش اللامبالاة لديه غياب في حالة الإشباع النفسي والذاتي، والإدمان هو عملية تكرار الشيء من أجل الحصول على الحاجة النفسية التي يحتاجها لإثبات الذات والحصول على التعاطف والتكافل.
هذا الإنسان يوجد لديه خواء وفراغ داخلي، فيحاول أن يملأ هذا الفراغ بالإدمان، وهناك أنواع متعددة للإدمان، منها الإدمان على المخدرات، وهو نوع من محاولات الهروب عن الواقع ومحاولة لإشباع النفس بلذة خيالية أو متخيَّلة.
كذلك بالنسبة للإدمان على الخمر الذي يعدّ محاولة لنسيان الواقع من خلال خلق واقع وهمي آخر، فيحدث لديه خواء وفراغ، وكلما يخرج من حالة السكر يشعر بالتعب والإرهاق الشديد، فيحاول مرة ثانية اللجوء إلى المسكر من أجل عملية النسيان حتى يصل إلى الإدمان الشديد. والإدمان على شراء الأشياء بدون حدود، ليس لأنه محتاج لها لكنه لايحصل على الاكتفاء النفسي من الوله المادي.
كذلك الإدمان على الطعام، فهذا النوع من الناس يذهب بشكل يومي إلى المطاعم، لدرجة أن الطعام أصبح له نوع من الإدمان، يحرك الهرمونات الداخلية في وعيه، ويحاول من خلال ذلك تغطية الضغط النفسي الموجود عنده ومحاولة بلوغ الإشباع.
سيكولوجية الإدمان تقوم على أساسين وهما، الصراعات النفسية التي تحدث بسبب الحاجة إلى الإشباع الذاتي، وتلبية الحاجة داخل نفسه، وبعض الناس عندما يأكل الطعام فإنه لا يشبع!!، فيبقى يواصل الأكل لان الإشباع الذي يريده لا يحصل عليه.
الهروب إلى داخل النفس
المدمن يحاول أن يحصل على الأمن، لأنه لا يستطيع أن يتحمّل العالم الخارجي فيهربُ منه إلى نفسه من خلال الإدمان على شيء معين كالخمر أو المخدرات أو الأشياء الأخرى.
بالنتيجة هي محاولة منه لإثبات الذات والنفس، ولكنه لا يحصل على ذلك، ولا على الإشباع، بل تبقى لديه حالة فراغ وخواء كاملة، لأن الملذات التي يقبل عليها الإنسان تؤدي به إلى فراغ نفسي كبير، فيضطر إلى التكرار، كما يفعل المدخِّن، فحين يشعر أن السيجارة الواحدة لا تكفيه يلجأ إلى تدخين الثانية ثم الثالثة ثم يستهلك نصف علبة السجائر، ثم يقضي على العلبة كلها، وبعضهم يدخّن ثلاث أو أربع علب من السجائر، وبعضهم غير معلوم متى تنطفئ السيجارة عندهم، حيث لا يحصل الإشباع مطلقا، بل يبقى جائعا شرها.
وحين يترك المدمن الشيء الذي أدمنه لمدة يومين أو ثلاثة، فإنه يُصاب بحالة شديدة من التوتر والعصبية، والشعور بالفراغ الكبير.
ادمان الاوهام
إن اللامبالاة هي هروب من الواقع، إلى واقع آخر وهمي غير الواقع الذي يعيشه، إننا اليوم نعيش مشكلاتنا لأننا لا نريد أن نتصدى لها، بعض الناس لا يريد أن يعالج مشكلاته، فيصاب بالخوف والقلق بسبب عدم حلّ المشكلات التي تحيط به، ومن ثم تتراكم عليه فيهرب من هذه المشاكل، لكن الحياة تحتاج إلى التصدي والمبادرة والشعور بالمسؤولية.
اللامبالي عندما يترك مسؤولياته ويبتعد عن الواقع،، فهو يحتاج إلى شيء يملأ به فراغه وصنع واقع وهمي غير حقيقي، كما نلاحظ اليوم الإدمان الغريب على شبكات التواصل الاجتماعي مثل الادمان على الانستغرام والفيس بوك.
إن الإدمان مشكلة حقيقية وهي هروب من الواقع، وعدم التصدي لمشكلاتنا، وهروب من المسؤولية، وهذا ناتج أيضا عن عدم وجود استقلال ذاتي وعدم وجود شخصيات قوية، لأن الشخصيات الهشّة هي التي تكون مقبلة على الإدمان أكثر، ولديها حالة لامبالاة كبيرة، كذلك التربية على اللامبالاة، وبالنتيجة كل هذه الأمور تقود الإنسان نحو الإدمان بكل أنواعه.
في بعض الأحيان الإدمان على شبكات التواصل لا يلبي حاجات الشخص بل يتسبب له بالمزيد من الاحباطات، فيتجه نحو الإدمان على سلوكيات أخرى مثل المخدرات والخمر والقمار والعنف.
لابد أن نعالج المشكلات الشخصية من خلال بناء الاهتمام والاحترام والمسؤولية، حتى نستطيع أن نخلق شخصية صحيحة في افكارها، سالمة نفسيا، وقادرة على التكيّف مع الواقع والتصدي لمشكلاته، وبالنتيجة يحدث التوافق الإيجابي مع البيئة الاجتماعية، وخلق التوازن النفسي في هذه الشخصية.