مسؤولية الوعي داخل المجتمعات الاستشارية
باسم حسين الزيدي
2019-11-20 05:00
"الشعب المسلح بالوعي لا يقهر أبداً"
الامام الراحل السيد محمد الشيرازي
من اقوى الركائز التي استندت عليها المجتمعات المتقدمة في تحقيق الدولة العادلة على المستوى السياسي بتحقيق (الديمقراطية)، والاقتصادي (الرفاهية والرخاء)، والاجتماعي (المساواة والعدالة)، والديني (التعددية وحرية المعتقد) والإنساني (التنوع وقبول الاخر)، هو ارتفاع نسبة الوعي بين مواطنيها، الوعي الذي يميز بين الحقوق والواجبات وصيانتها واحترامها ضمن دولة المواطنة القائمة على الاستشارية او الديمقراطية، وبالتالي لا يفرط ولا يخلط بينهما، ولا يتنازل عنهما، هذا الوعي مكن المجتمع من التماسك وخلق حالة من الاستقرار والتطور الفكري ونجح في تفعيل دور المجتمع في الحفاظ على مكاسبه وتأشير ورفض اي حالة خرق للقواعد او الأعراف الاجتماعية التي تشكلت بفعل هذا التطور عبر تاريخها.
وقد أشار المرجع الراحل السيد محمد الشيرازي الى هذه الحقيقة الرائعة بالقول: "المجتمع الاستشاري هو الذي تربط أفراده علاقات روحية متبادلة، سواء العلاقات بين أعضاء الحكومة، أو بين الحكومة والشعب، أو بين الشعب والحكومة، في إطار الواقعية والعقلانية، وبذلك سيكون الحكام على مستوى راق من الشعور بالمسؤولية، وبالمقابل سيدعم الشعب الحكام باستمرار دون الالتجاء إلى العنف"، اذ ان الشعور بالمسؤولية تجاه الدولة ومؤسساتها وديمومة عملها وتطور عمل الحكومات المتعاقبة ضمن اطار الدولة هو مسؤولية جماعية لا تقتصر على الجهات الحكومية او النقابية وغيرها، بل تشمل كل مواطن داخل اطار الدولة، وهو شعور يتولد ويتنامى نتيجة لارتفاع الوعي بهذه المسؤولية التي قد تتطلب ان يبذل الانسان من اجلها المزيد من التضحيات.
فالمجتمع على استعداد تام للدفاع عن مكتسباته وحقوقه خصوصاً: "عندما تكون القضية التي تتطلب البذل قضية عادلة وحقة، فإن الناس على استعداد تام للدفع"، وهذا الدفاع عن الحقوق وعدم الاستسلام للظلم او الاستبداد، او حتى العقبات اليومية التي توجه الانسان في مسيرة حياته اليومية، يتبع درجة الوعي التي وصل اليها الفرد او المجتمع ككل، إضافة الى درجة الوعي العالية والشعور بالمسؤولية تجاه الجميع التي ينبغي ان يصل اليها المسؤول عن إدارة الدولة والتي تشمل جميع العاملين فيها من اعلى الهرم الى اسفل القاعدة، على ان يكون هذا الوعي حقيقي وليس شكلي او استعراضي، وان يطبق على ارض الواقع: "ليس استقرار البلاد بالادعاء والكلمات الفارغة، والخطب التي تلقى من على منبر الإذاعة والتلفزيون، بل بفتح الجامعات وأمن الناس على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، فلا مصادرات ولا إعدامات، ولا ضرائب اعتباطية، ولا يخاف الناس من أن يتكلموا، أو أن يكتبوا".
وقد حدد السيد الشيرازي ردود الأفعال تجاه هذه العقبات التي توجه الناس وطريقة التعاطي معها وارتباطها بالوعي في قوله: "تختلف ردود أفعال الناس تجاه العقبات التي تواجههم في حياتهم العملية من شخص لآخر، تبعا لدرجة الوعي والإيمان، وتكامل الشخصية من ناحية الخبرة والنضوج والهمة"، لكن هذا لا يمنع من قول: "إن الإنسان مطوي على أكبر قدر من الطاقات الوثابة، فإذا وجد الحرية الكاملة والظروف المناسبة تقدم تقدماً مدهشاً".
في مقابل ذلك اعتبر السيد الشيرازي ان: "نتيجة لقلة الوعي وضيق الصدر يصبح الاختلاف بين الناس سبباً للتصارع والتصادم"، وقد حدد المرجع الراحل السبب وراء هذا التصادم والصراع داخل المجتمع، والذي لا يقتصر عند حد معين بل قد يشمل صراع (الأفكار/ الأديان/ القوميات/ العنصرية/ الاقتصاد/ الجغرافية/ السياسية)، بأمرين مهمين:
1. مشكلة الحكام وحكوماتهم الظالمة: وهي حكومات تعيش وتتمدد في ظل الازمات التي تخلقها داخل شعبها من جهة، وبين الشعوب من جهة أخرى، إضافة الى استغلالها قلة الوعي والثقافة داخل المجتمع لتفرض حالة من الظلم والاستبداد والعنف المفرط في استخدام السلطة والقمع.
2. غياب الوعي والثقافة عن الامة: وهي المسؤولة عن الحالة الأولى، فبغياب الوعي والثقافة عن أي امة او مجتمع او فرد سيكون من السهل السيطرة عليه وتوجيهه بالطريقة التي يرغب بها المستبد والديكتاتور وبالتالي لن يعاني أي مشكلة او معوق في ذلك.
لذلك فقد أكد الشيرازي في الكثير من كتاباته ومحاضراته ودروسه الى ضرورة الحاجة الملحة لوجود او خلق وعي حقيقي للامة الإسلامية على وجه الخصوص وجميع المجتمعات الإنسانية على وجه العموم من اجل مواجهة الاستبداد والظلم من خلال جميع الوسائل والإمكانات المتاحة: "أمتنا اليوم هي أحوج ما تكون إلى الوعي والتوعية، وحشد كل الوسائل الممكنة من إذاعة وتلفزة وصحف ومجلات وشبكات فضائية وشبكات الإنترنيت، وأخيراً وليس آخراً الكتب"، فيما حث المفكرين والمثقفين على ممارسة دورهم الطبيعي والفاعل في توعية الناس لاختيار الاصلح بالقول: "على أصحاب الأقلام والمفكرين أن يعطوا للناس الوعي بضرورة كون الحكومة استشارية، ووجوب إقامة حكومة عالمية واحدة، ولزوم اتخاذ سياسة اللاعنف في كافة المجالات".
ولا يقتصر دور الفاعلين فكرياً وثقافياً واجتماعياً واصلاحياً على نشر الوعي وتوعية الجماهير فحسب، وانما يتعداه الى تصحيح مسار الأخطاء وتقويم اعوجاج الأفكار والعادات المجتمعية والوقوف بوجه السلطة في حال خروجها عن مسارها الطبيعي في ممارسة هذه السلطة: "ينبغي عليكم ألا تدخروا وسعاً لتقويم كل اعوجاج، والوقوف في وجه كل من يعمل ضد حرية الناس وضد حقوق المسلمين وغير المسلمين، وأن تتحملوا في ذلك مسؤوليتكم الكاملة أمام الله عز وجل وأمام الأمة وأمام الأجيال القادمة".
يقول السيد الشيرازي: "على الذين يريدون الإصلاح تقسيم القدرات حسب المؤهلات"، وبالتالي ينبغي وضع كل شيء في مكانه المناسبة وترك العبثية والعشوائية والمحاصصة والتفكير في المصالح الضيقة او الشخصية في تسيير الدولة ورعاية مصالح المجتمع لان الاستبداد والدكتاتورية والظلم هو حكم خلاف الطبيعة الإنسانية والقوانين السماوية وسقوطه سيكون أسرع بمراحل من انهيار الأنظمة الاستشارية او الديمقراطية، لذلك يمكن تقديم جملة من التوصيات فيما يتعلق بموضوع تنمية الوعي بالمسؤولية والحفاظ عليها من اجل مجتمع امن ومستقر وديمقراطي:
1. ضرورة العمل على تعزيز العلاقة بين المواطن (الشعب) والحكومات (الدولة) من اجل تحقيق الثقة المتبادلة والتي ستنعكس ايجاباً في كافة المجالات.
2. ضرورة توفير المناخ الحر والظروف المناسبة لعمل الطاقات الخلاقة "إن الإنسان مطوي على أكبر قدر من الطاقات الوثابة، فإذا وجد الحرية الكاملة والظروف المناسبة تقدم تقدماً مدهشاً".
3. الامن والاستقرار الاقتصادي امر ضروري، اذ لا تقدم او تطور ولا رخاء او رفاهية من دون توفير الامن للمواطنين والاستقرار الاقتصادي للاستثمار.
4. التعليم ومكافحة الجهل هي أولى مراتب الوصول الى نشر الوعي والتوعية الجماهيرية، ومن دون مكافحة الجهل ونشر التعليم لن يتحقق أي وعي او شعور بالمسؤولية في ظل مجتمع غير متعلم.
5. ضرورة نشر الاخلاق والفضائل داخل المجتمع من اجل تحقيق حالة من الاستقرار النفسي والروحي والايجابية العالية التي توفرها الاخلاق والصفات الفاضلة، والتي اعتبرها السيد الشيرازي (الاخلاق) بانها جوهر الحضارات.
6. تعزيز مستوى الثقافة والوعي الجمعي بالمسؤولية للمجتمع.
7. توفير مناخ الحرية للجميع في ظل نظام استشاري عادل (ديمقراطي).
8. اتخاذ سياسة اللاعنف كمنهاج أساسي ووحيد في كافة المجالات لان العنف لا يولد الا العنف وبالتالي الدخول في دوامة غير منتهية من الازمات والمشاكل الطاردة للاستقرار والتقدم والرفاهية والحرية.
9. وضع الشيء في محلة المناسبة (الفرد/الثروة/الطاقات/الزمن/الجهد) وذلك لتحقيق أفضل النتائج على المستوى الاقتصادي والسياسي والثقافي والأمني.
10. ضرورة ان تكون حرية نشر المعلومة والوصول اليها متاح من قبل الجميع في ظل مناخ اعلامي حر لا تفرض عليه أي قيود او رقابة رسمية او شبه رسمية.