امريكا ومصر.. عودة العلاقة تفرضها المصالح الاستراتيجية
باسم حسين الزيدي
2015-04-02 12:13
في اتصال هاتفي ابلغ الرئيس الامريكي "باراك اوباما"، الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي"، إنه وافق على إنهاء تجميد تسليم طائرات (F-16) وصواريخ "هاربون" وقطع الغيار الخاصة بدبابات (إبرامز ام1 ايه1)، كما وعد بأنه سيطلب من الكونغرس الامريكي إعادة صرف المعونة العسكرية المخصصة لتسليح الجيش المصري، والبالغة 1.3 مليار دولار سنويا، وقد توقفت جميع هذه المساعدات على اثر عزل الرئيس المصري السابق "مرسي" من قبل الجيش المصري بقيادة "السيسي"، اضافة الى قمع انصار الرئيس المعزول (الاخوان المسلمين) بصورة اغضبت الولايات المتحدة الامريكية والمجتمع الدولي الذي اتهم الحكومة والقوات الامنية بانتهاكات خطيرة لحقوق الانسان، ومع ان مصر حاولت تعويض خسارتها للولايات المتحدة بالبحث عن شريك، بالتقارب من روسيا وبوتين الذي استقبل استقبالا رسميا حافلا، فضلا عن توقيعها لصفقة شراء طائرات "رافال" الفرنسية، إلا ان هذه المراجعة الاخير للقرار الامريكي يمكن ان تؤشر البداية لعودة الدفء للعلاقة الاستراتيجية بين البلدين في ظل الاوضاع الراهنة.
هذا التغيير في الموقف الامريكي تزامن مع التصعيد العسكري للازمة اليمنية ودخول مصر كشريك وداعم رئيسي لموقف السعودية وحلفائها الخليجيين تجاه اليمن، ومع ان الولايات المتحدة الامريكية رفضت ربط هذا الانفراج في المواقف مع ما يحدث في اليمن، لكن ما يراه الكثير من الباحثين يؤكد ارتباط الموقف بالأزمة في اليمن ومصالح الولايات المتحدة الامريكية القريبة منها، وقد اشار الباحث في (معهد واشنطن لسياسة الشرق الاوسط) "اريك تراجر" بالقول ان "لدى واشنطن مصلحة قوية في مساعدة مصر على النجاح في اليمن، وتعتمد القوات العسكرية الأمريكية على عبور آمن من خلال مضيق باب المندب لدعم جهود التحالف ضد تنظيم (الدولة الإسلامية)، فضلاً عن الحفاظ على وجودها في المنطقة على نطاق أوسع، بالإضافة إلى ذلك، أعلنت إدارة أوباما عن دعمها لقوات التحالف الذي تقوده السعودية والذي "يهدف إلى استعادة السلطات الشرعية في اليمن"، ومن المرجح أن تكون مصر لاعباً رئيسياً في هذا الجهد"، واضاف "يمثل دخول مصر في الصراع فرصة هامة لتوضيح سياسة الولايات المتحدة تجاه القاهرة وتحسين العلاقات الثنائية التي كانت متوترة منذ الإطاحة بمرسي، فمن خلال إرسال طائرات مقاتلة من طراز "F-16" وصواريخ "هاربون" كان قد تم حجبها منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2013، بإمكان واشنطن أن تؤكد شراكتها مع مصر وتجهز القاهرة (بالأسلحة التي تحتاجها) من أجل تعزيز المصالح الأمنية المشتركة في المنطقة، ومن خلال دعم المشاركة المصرية ضد الحوثيين المدعومين من إيران، بإمكان الإدارة الأمريكية أن تعيد طمأنة حلفاء الولايات المتحدة العرب بأنها لن تتخلى عنهم حتى في الوقت الذي تسعى فيه للتوصل إلى اتفاق نووي مع طهران".
الوجه الاخر لهذا التقارب يمكن ان يحسب على تعزيز التعاون في مجال مكافحة الارهاب، في مصر (سيناء ذات الملف الشائك والصعب على الحكومات المصرية المتعاقبة)، فضلا عن ليبيا التي تتنازعها المليشيات المسلحة والتنظيمات المتطرفة، وفي كلا الدولتين تمكن تنظيم "داعش" من الحصول على موطئ قدم له يمكن ان يهدد فيها بشكل مباشر المصالح الامريكية والممرات المائية الامنة للقطعات العسكرية الامريكية، في حال تمكن من تجنيد المقاتلين للقيام بهجمات مباشرة، وهو ما يحتاج الى انهاء حالة التوتر بين الولايات المتحدة الامريكية ومصر والتعاون العسكري لاحتواء تمدد التنظيم في هذه المناطق، وقد اكد "مجلس الامن القومي" الامريكي، بان برامج طموحة للتعاون بين البلدين في مجال مكافحة الارهاب يمكن ان تبدأ خلال الاعوام القادمة "تضمن تحقيق الرؤية المشتركة للبلدين في ضمان أمن المنطقة وإلحاق الهزيمة بالجماعات الإرهابية".
وتبدو الحكومة المصرية في الفترة القادمة اقرب من اي وقت مضى في اعادة التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الامريكية بصورة اكثر جدية وواقعية، بعيدا عن العواطف التي تتعلق بإثارة حقوق الانسان والانتهاكات في مجال الحريات والتعبير عن الرأي في مصر او غيرها من بلدان العالم العربي، والتي اوضحها اوباما بضرورة الموازنة بين هذا الجانب الحقوقي ومصالح الولايات المتحدة الامريكية، التي تقدم في نهاية المطاف على اي جانب عاطفي اخر، ويرى متابعين ان الضغوط التي مارستها السعودية تجاه حليفها الامريكي قد ولدت قناعات اضافية لدى البيت الابيض بضرورة تعديل المواقف السياسية والعسكرية تجاه مصر، سيما وان تحركات الملك السعودي الجديد "سلمان بن عبد العزيز" تجاه "الاخوان المسلمين" التي اعطت انطباعا مغايرا لسلفه في امكانية احتواء العداء بين الاخوان والسعودية بدلا من محاولة القضاء عليهم، قد ساهم ايضا في رؤية سعودية تهدف الى تقوية "المحور السني" في مقابل "ايران"، وهو ما يخدم بالنتيجة النهائية استراتيجية الولايات المتحدة الامريكية في "خلق التوازنات" في منطقة الشرق الاوسط، خصوصا بين المحور "السني" والمحور "الشيعي" في المنطقة، من دون ان تكون هناك غلبة او هيمنة لطرف على حساب الاخر، وهو توجه سعى اليه الرئيس الامريكي" "اوباما" منذ توليه الرئاسة الامريكية.