الامام الحسن ودوره القيادي
مروة حسن الجبوري
2016-06-22 02:44
في ليلة النصف من رمضان المبارك، وعند اكتمال القمر ولد الامام الحسن وذلك في السنة الثالثة للهجرة في ليلة الثلاثاء، أول قمر يشع في سماء الامامة بعد أبية، وبعد انتظار طال ستة أشهر، استقبله الامام علي (عليه السلام) باشتياق وفرح، حتى جاء الرسول (صلى الله عليه والة وسلم) عندما اتاه نبأ ولادة السيدة فاطمة (عليها السلام) تناوله أخذ يشمه، ويقبله بثغره، ويؤذن له، يغير الخرقة التي كان يلف بها الامام الحسن من الصفراء الى خرقة بيضاء ولفّه بها.
في انتظار أمر من السماء، وما كان الرسول يسبق أمر الله، فأهبط جبرائيل فأقرأه السلام ومرسل له التهاني والتبريكات من السماء، قائلة إن الله تبارك وتعالى يأمرك أن تسميه باسم ابن هارون، قال: وما كان اسمه؟ قال: شبّر، قال: لساني عربي، قال: سمّه الحسن، فسمّاه الحسن، وسار العرب يزفون البشرى الى النبي محمد (صلى الله علية واله) بحفيده البكر، ويترعرع الوليد في كنف جده وابيه، وتحت رعاية امه السيدة الزهراء (عليها السلام) لينال الهيبة والحلم من جده، والشجاعة والحكمة من ابية، والعفو والكرم من امه، حتى بزغت فيه علامات الامامة الواضحة.
اوصافه (عليه السلام):
كان أبيض مشرباً حمرة، أدعج (أسود) العينين، سهل الخدّين، دقيق المسربة (مجرى الدمع ونحوه)، كثّ اللحية، ذا وفر، وكان عنقه ابريق فضة، عظيم الكرا ديس (رؤوس العظام)، بعيد ما بين المنكبين، ربعة ليس بالطويل ولا القصير، مليحاً، من أحسن الناس وجهاً، وكان خضب بالسواد، وكان جعد الشعر، حسن البدن (كشف الغمة ج2 ص171ـ عنه في البحار ج44ص137).
ومضات حسنيه:
يروى أن الحسن (عليه السلام) كان يحضر مجلس رسول الله (صلى الله عليه وآلة وسلم) وهو ابن سبع سنين أو أقل فيسمع خطاب النبي (صلى الله عليه وآلة وسلم) وآيات القرآن النازلة ثم يأتي إلى والدته الطاهرة في البيت فيلقي إليها ما سمعه دون زيادة أو نقصان وعندما يرجع الوالد الكريم الإمام علي (عليه السلام) إلى بيته يجد زوجته لديها إطلاع تام بخطاب النبي صلى الله عليه وآلة وسلم وعندما يسألها عن ذلك تقول له من ولدك الحسن.
وروى عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: حدثني أبي عن أبيه (عليهما السلام) أن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) كان أعبد الناس في زمانه وأزهدهم وأفضلهم وكان إذا حج حجّ ماشياً وربما مشى حافياً وكان إذا ذكر الموت بكى وإذا ذكر الممر على الصراط بكى وإذا ذكر العرض على الله (تعالى ذكره) شهق شهقة يغشى عليه منها.
ومن حلمه ما روي عنه (سلام الله عليه) "أنَّ شامياً راه راكباً فجعل يلعنه والحسن لا يردُّ فلما فرغ أقبل الحسن (عليه السلام) فسلّم عليه وضحك فقال أيها الشيخ أضنّك غريباً ولعلّك شبّهت فلو استعتبنا أعتبناك ولو سألتنا أعطيناك ولو استرشد تنا أرشدناك ولو استحملتنا أحملناك وإن كنت جائعاً أشبعناك وإن كنت عرياناً كسوناك وإن كنت محتاجاً أغنيناك وأن كنت طريداً آويناك وإن كان لك حاجة قضيناها لك فلو حركت رحلك إلينا وكنت ضيفنا إلى وقت ارتحالك كان أعود عليك لأن لنا موضعاً رحباً وجاهاً عريضاً ومالاً كثيراً، فلما سمع الرجل كلامه بكى ثم قال أشهد أنك خليفة الله في أرضه، الله أعلم حيث يجعل رسالته وكنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إلي والآن أنت أحب خلق الله إلي وحوّل رحله إليه وكان ضيفه إلى أن ارتحل وصار معتقداً لمحبتهم.
مراحل حكم الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام):
قد عاش الامام الحسن مع جدة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ما يزيد عن سبع سنوات، ومع ابيه الامام علي طيلة فترة حياته وامامته البالغة من العمر ثلاثين سنة، تولّى الإمام الحسن (عليه السلام) منصب الإمامة والقيادة بعد استشهاد أبيه المرتضى (عليه السلام) في الواحد والعشرين من رمضان " سنة 40 هجرية " وهو في السابعة والثلاثين من عمره المبارك، عرف عنه حسن الخلق والكرم والحلم، شارك في ادارة دولة أمير المؤمنين على بن أبي طالب (عليه السلام) فعاصر الخلفاء الثلاث أبي بكر وعمر وعثمان، واستمر بعد أبيه يحمل الامامة على عاتقه كإمام معصوم مفترض الطاعة يحقق اهداف الرسالة الإسلامية الكبرى، ويسير على نهج ابيه وجدة في ادارة الحكم.
بين الصلح والثورة:
قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) "الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا"، لقد قام الإمام الحسن والحسين (عليهما السلام) بأداء رسالة واحدة، ولكن أول من قام بها هو الإمام الحسن (عليه السلام) بالإعداد الكامل وتهيئة الأرضية اللازمة، وأكمل الثورة الامام الحسين بثورته المشهورة بين صلح الامام الحسن مع معاوية الذي اراد منه ان يكشف افعال معاوية الشنعة، هنالك ترابط وثيق بين دور الإمام المجتبى (عليه السلام) وأخيه الإمام الحسين (عليه السلام) إلا أن الإمام المجتبى ( عليه السلام) فإن الامتحان الإلهي والتكليف الرباني الذي قام به الإمام كان صعباً جداً.
وفي ذلك العهد، تسلّم الإمام الحسن (ع) الخلافة، وكان عليه أن يواجه اشد المعاندين الذين كانوا قد تسلّموا مناصبهم في ذلك الحين، وجلّهم من بني أميّة، وقد كانوا من سنواتٍ طويلة في انتظار هذا المنصب، كانت خلافة الإمام الحسن (ع) في ذاك العهد، تغطّي أقساماً واسعةً من العالم الإسلامي، تشمل فارس وخراسان، واليمن والحجاز، والكوفة والعراق.
أدرك الإمام منذ الأيّام الأولى لخلافته أن معاوية يضمر له السّوء ويستعدّ لحربه، فبعث بعددٍ من رسله إلى حكّام المدن والولايات، يطلب منهم الاستعداد والتأهّب للقتال، كما أرسل إلى معاوية كتاباً يلقي عليه فيه الحجّة، وينصحه ويبصّره بعواقب أعماله، ويبيّن فيه حقّه وجدارته بالخلافة، وأنّ الحرص على الإسلام ووحدة المسلمين يقتضي البعد عن الحرب والخصام، نهض الامام ضد حكم الاستعباد إلا أن نهضته المباركة انتهت بالصلح، حفاظاً منه على الشيعة الذين أراد معاوية القضاء عليهم بأكملهم، والذين كانوا يمثلون الخط الصحيح الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وآلة وسلم، قبل الكثيرون من أعيان تلك الأيّام عروض معاوية وإغراءاته، ونقضوا عهودهم مع الإمام الشرعيّ وانضمّ بعضهم علناً إلى معسكر معاوية، ومضت شهور اشترى معاوية خلالها بأمواله وهداياه كثيراً من زعماء القبائل، ممّن اعتاد على قبول الأموال والرّشاوي، وممّن هو على استعداد لبيع نفسه ودينه وضميره بثمنٍ بخسٍ، لقد أدرك أولئك الزّعماء أنّ طريق الإمام هو طريق أبيه أمير المؤمنين (عليهما السلام) وأنّ الطريق الآخر هو طريق المغانم والكسب الوفير، فاختاروه، وباعوا دينهم بدنياهم، وبأ ارخص الأثمان!!
تحرّك معاوية بجيش كبيرٍ نحو الكوفة، وكان الإمام يسعى بدوره لدفع الكوفة إلى الجهاد، ويلقى في سعيه العناء والتعب، لأنّ القليلين كانوا على استعدادٍ لذلك، وكانوا فرقاً لكلّ منهم رأي مختلف، وإنّ جيشاً يجري تجميعه من مثل هؤلاء، لهو جيش عاجز عن خوض حربٍ جدّيّةٍ وجهاد صادقٍ.
عيّن الإمام (ع) ابن عمّه عبيد الله بن عبّاسٍ لقيادة جيشه، ونحن نعلم أنّ عبيد الله هو من قريش، يعرفه جميع قادة الجيش وزعماء القبائل ويحترمونه ويطيعون أوامره، وكان من أوائل الذين بايعوا الإمام الحسن (ع)، بالإضافة إلى أنّ قلبه كان يطفح كرهاً وعداوةً لمعاوية، الذي قتل أبناءه، بعث الإمام بعبيد الله على رأس جيشٍ من اثني عشر ألفاً نحو معاوية، بينما توجّه هو بجيش كبير نحو المدائن، وأقام معسكره هناك؛ كجزءٍ من خطّةٍ للتّغلّب على جيوش معاوية الجرّارة، لم يكن معاوية قد نسي مرارة حرب صفّين، ولا تزال ذكرى سيوف أصحاب عليّ (ع) تصيبه بالارتجاف، لذا فقد صمّم على أن يتوسّل الحيلة والخداع في حربه هذه؛ فأرسل موفداً إلى عبيد الله خفية يعرض عليه ألف ألف درهمٍ (مليون درهم)، إن قبل أن ينفض يديه من هذه الحرب، على أن يدفع له نصف المبلغ في معسكره إذا أتى إليه، والنصف الآخر في الكوفة، بقي عبيد الله أيّاماً وهو حائر في أمره، فهو يعلم أنّ قلّةً من الناس قد استجابوا لدعوة الإمام بينما يقود معاوية جيشاً لجباً، وتصوّر أنّ جيش معاوية سينتصر لا محالة، فلم التردّد؟ والعرض فيه إغراء كبير؟.
صمّم عبيد الله أخيراً، واتّخذ قراراً ملؤه الخجل؛ وفي منتصف تلك الليلة. انسحب مع مجموعةٍ من أعيان الجيش وقادته نحو معسكر معاوية، لقد اختار أن يبيع الله ورسوله وإمامه ودينه بثمنٍ رخيصٍ، وأن يفوز بوصمة عارٍ لن تفارقه إلى الأبد، اجتمع الناس لصلاة الصّبح، وانتظروا عبيد الله كي يؤمهم في الصلاة، حيث من المقرّر أن ينطلقوا بعد الصلاة إلى القتال. لكنّ انتظارهم ذهب عبثاً، فعبيد الله لم يحضر إلى الصلاة، ثم عرفوا الحقيقة إذ سمعوا منادياً من معسكر أهل الشام يقول: أيّها الناس، تفرّقوا وعودا إلى بيوتكم، فإنّ عبيد الله وأنصاره في معسكر معاوية، وقد اختاروا الصّلح على الحرب، فلا خير في قتال الإخوة ، أحسّ جماعة من أنصار الإمام المخلصين بالخدعة، وحاولوا إعادة المتخاذلين لكنّ محاولتهم باءت بالفشل، وبقيت قلّة صادقة الإيمان ثابتةً في موقفها، وقد نذر أفرادها أنفسهم للموت في سبيل الحقّ، وأرسلوا إلى الإمام يطلبون إمدادهم بالرّجال، كان الفارّون والمتخاذلون يتّجهون نحو المدائن، وينشرون في طريقهم أخباراً كاذبةً مفادها أنّ جيش معاوية قد انتصر على طليعة جيش الإمام، وغدت هذه الأنباء عذراً لأولئك الذين خرجوا مع الإمام، وحجّةً تذرّعوا بها في تخاذلهم وعودتهم إلي الكوفة، وإنّ القصّة تعيد نفسها، قصّة الخوارج مع أمير المؤمنين (ع)، قصّة أولئك الذين يخذلون إمام زمانهم، لا بل يقتلونه، فلأعجبا يدّعون أنّهم حماة الإسلام والحقّ، ثمّ يفتحون الطريق واسعاً أمام أعداء الإسلام والحقّ،
لم يبق أمام الإمام الآن غير طريقين لا ثالث لهما، فإمّا القتال والتّضحية بأولئك الأوفياء المخلصين، وإمّا قبول الصلح، والصبر على الألم، واختار (عليه السلام).
قبل الإمام الصّلح بعد أن أخذ من معاوية عهداً اعترف فيه هذا بكثير من الحقائق التي كانت سبباً في وعي الناس وإدراكهم، وهذا ما كان يرمي إليه الحسن (ع)، وقد تعهّد معاوية بألاّ يعيّن وليّاً لعهده، فليس ذلك من حقّه، وأن يدع الشيعة وشأنهم فلا يتعرض لهم بقتلٍ أو أذيّةٍ، وأن يمنع أعوانه من شتم أمير المؤمنين (ع)، تمّ الاتّفاق والتوقيع عليها، وتوقّف القتال، وعاد الإمام وأهله وأصحابه إلى الكوفة، احتجّ الكثيرون على قبول الإمام بالصّلح ، وهو أنّ معارضتهم للإمام هي في حكم معارضتهم للقرآن الكريم الذي يعرّفنا بعصمة أهل البيت ( عليهم السلام)، وأنّ ما يقرّرونه من صلح أو حربٍ أو أمرٍ أو نهيٍ فهو أمور مبرمة مقدّسة، وأنّ اعتراضهم هو ردّ على رسول الله إذ يقول: الحسن والحسين إمامان إن قاما وان قعدا، لكنّ الناس يتسرّعون بالحكم دون معرفة او تفكير، أمّا الحسين (ع) فقد كان الوحيد الذي تقبّل هذا الصّلح ولم يعترض عليه قطّ، مسلمّاً بحكم أخيه الإمام (ع)، وراضياً بصواب تصرّفه.
توجّه معاوية بعد الصلح، معقل أمير المؤمنين وأصحابه، وهناك وقف على منبر مسجدها الكبير، يملأ الغرور والخبث، وبدا يتناول أصحاب عليّ (ع) بكلامٍ غير لائق، فغدر بهم ونكر كلامه، فالذّين أقدموا على خيانة الإمام (ع) لم يظفروا بكلام معاوية، توجّه الإمام وأهله بعد هذه الأحداث نحو يثرب، حيث استقرّوا هناك، وتسلّم بنو أميّة حكم الكوفة، وفي مكان عليّ وعلى منبره حلّ زياد ابن أبيه ومن بعده ابنه واضطرّ أولئك الذين بايعوا معاوية، ورفضوا قبول حكم العدل والتقوى من ابنه بعده، اضطرّوا ان يسلموا رقابهم تحت سيف معاوية، وندموا على ما قدّمته أيديهم، لكنّ الندّم لا ينفع.
وحين أدرك معاوية اقتراب أجله، خشي أن تنتقل الخلافة بعده إلى الحسن، فتضيع جهوده التي أفنى عمره من اجل الوصول الى المنصب، ويعود أهل البيت إلى حقهم، فعزم على دسّ السمّ للإمام الحسن (ع)، ونفّذ ما عزم عليه، وقضى على الإمام مسموماً بيد زوجته، متنكّراً لكلّ عهدٍ أبرمه أو ميثاق أقسم عليه، وغمر الفرح باستشهاد الإمام ولم يسلم جثمانه الشريف من حقدهم رموه بسهام ومنعوا ان يدفن بجوار جده (صلى الله عليه واله وسلم) وتم تشيعه في البقيع الفرقد.
(السلام عليك أيها الحسن المجتبى يا ابن رسول الله أيها التقي النقي الطاهر المظلوم المسموم المهدوم قبره، السلام عليك يأبن أمير المؤمنين وسيد الوصيين السلام عليك يا ابن فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين وبنت رسول رب العالمين سيد الأنبياء والمرسلين وحبيب الله).