قصة ثلاث مدن
عريب الرنتاوي
2016-12-10 08:06
قُضي الأمر في "سرت" الليبية، ويكاد يُقضى في حلب السورية، فيما الحرب على "داعش"، ما زالت تقف عند أبواب الموصل، التي ظننا وظن كثيرون، بأن استردادها من قبضة "داعش"، ليس سوى مسألة أسابيع، تنتهي قبل نهاية عامنا الجاري، الذي يكاد يودع أيامه الأخيرة.
سيعترض البعض، على وضع المدن الثلاث في سلة واحدة، وأحسب أن ثمة منطق "نسبي" في هذا الاعتراض، لكنه لا يذهب إلى ما هو أبعد من المسافة التي تفصل "داعش" عن "النصرة"، إذ ظهر بالملموس أن المحاربين في حلب، هم إما من النصرة أو الدائرين في أفلاكها من سلفيات جهادية، في حين لم تظهر "المعارضة المعتدلة" أي تميز أو استقلال عن الفرع السوري للقاعدة، أقله على هذا المحور.
انتهت حكومة الوفاق من حسم المعركة مع آخر معقل مسيطر عليه بالكامل من قبل "داعش"، وسيتعين على "المجاهدين الغرباء" الذي اتخذوا من ليبيا مقراً لهم، أن يبحثوا لأنفسهم عن ممرات لملاذات آمنة.... منسوب الخطر والتهديد، سيترفع ويتعاظم إن بالنسبة لتونس أو للجزائر، وربما يجد البعض منهم، طريقه إلى سيناء أو يتمكن من عبور الصحراء الكبرى إلى مناطق القبائل بين مالي والجزائر، أو إلى نيجيريا، ليلتحق بـ"بوكو حرام".
هزيمة "داعش" في ليبيا، لا تعني بالضرورة، طي صفحة الإرهاب والتطرف في البلاد، وهي وإن شكلت نصراً معنوياً تبدو حكومة الوفاق بأمس الحاجة إليه، إلا أنها "زخم النصر" يبدو أقل بكثير، من أن يحسم "حروب الإخوة الأعداء" المحتدمة، أو أن يضع حداً لصراع الشرعيات والحكومات والجهات في الدولة الممزقة، التي كانت ذات يوم، "جماهيرية عظمى".
على المقلب السوري، نجحت قوات النظام وحلفائه في بسط سيطرتها على أربعة أخماس المنطقة الشرقية من مدينة حلب... القصة لن تقف عن هذا الحد، فإن لم تجر تسويات وترتيبات لإخراج جميع المسلحين من المدينة، فإن من المنتظر أن يشهد المربع الأخير لهم، معارك طاحنة، ستزهق الكثير من الأرواح، وستلحق الكثير من الخراب والدمار... حتى الانهيارات التي أصابت المسلحين في مناطق الشعار والبلدة القديمة، قد لا تتكرر، فلم يعد هناك من ملاذ آمن، "ينهارون ويهرولون" باتجاهه، ظهرهم إلى جدار، والتسوية هي المخرج الوحيد الذي يمكن أن يدرأ الكارثة.
لكن أسئلة ما بعد حلب، تبدو أكثر أهمية من الأسئلة المتصلة بمصائر "الأحياء السبعة" المتبقية للمعارضة المسلحة، بقيادة جبهة النصرة، هنا قد لا يتسع المقام والمقال، للخوض في أسئلة المرحلة، لكن سوريا ما زالت بعيدة جداً من استعادة أمنها واستقرارها، فالمعارك الأكبر ما زالت بانتظار الجميع، عرباً وكرداً وأتراك، متطرفين ومعتدلين، معارضة ونظام، وفي ميادين وعلى جبهات شتى.
ولا ندري في حقيقة الأمر، ما الذي أفقد الهجوم العراقي على جبهة نينوى زخمه الأول، الذي انطلق به صوب ضفاف المدينة، وتصريحات "القائد الأعلى" المطمئنة، لم تعد تثير ما يكفي من الطمأنينة حول سير العمليات، فما زالت الشطر الأيمن من الموصل في قبضة التنظيم الإرهابي، فيما أكثر من نصف شطرها الأيسر ما زال معه كذلك.
ونسمع كثيراً عن هجمات مضادة بات تنظيم "داعش" قادراً على شنها ضد قوات الجيش والحشد الشعبي، والأخير الذي اندفع بسرعة قياسية لملاقاة قوات البيشمركة، وعزل تلعفر عن الموصل والأولى عن الحدود السورية العراقية، يقف مراوحاً في مواقع دفاعية، لم يعد تقدم القوات يتم بالوتيرة المعتادة أو المأمولة التي جرى الترويج لها، والقيادة العسكرية العراقية تتحدث عن خطط واستراتيجيات جديدة، فهل فشلت الخطط والاستراتيجيات القديمة، وهل سيملي هذا "الجديد" جدولاً زمنياً مغايراً، وهل ستدخل الموصل العام المقبل، وهي قابعة تحت سيطرة داعش؟
أسئلة لا نجد لها أجوبة، لا في التحليل العسكري ولا في التحليل السياسي... هل هناك من يعيق حركة القوات، وهل لأزمة الحكم والحكومة في بغداد علاقة بذلك، وهل لرغبة واشنطن في إبقاء وجود عسكري دائم لها في العراق، ورفض الأخير السماح بمنح قواعد أجنبية أثرٌ في تغيير أداء "التحالف الدولي"، هل يجري تأخير الحسم مع داعش، بانتظار حسم الخلاف بين واشنطن وبغداد حول هذه المسألة؟
استراتيجياً، داعش يتآكل، والنصرة كذلك، لكن صفحة الإرهاب لم تطو بعد، والخلافات والصراعات التي تندلع في كثير من الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، قد تعيق أمد الحرب على الإرهاب، وقد تسمح بتجديده وإعادة انتاجه، وربما بصورة أكثر دموية ووحشية، إن لم يسبق السياسيون الجنرالات، وتتفوق الديبلوماسية على المدافع.