وعود حكومية على الورق: التصريحات التي تصطدم بجدار الواقع

مصطفى ملا هذال

2025-08-06 03:52

حان وقت التصريحات الحكومية الرنانة، وكأننا بلغنا موسم التصريح لا التلميح، وآخر هذه التصريحات هو الذي أطلقه رئيس مجلس الوزراء ووجه فيه تثبيت العقود وتحويلهم على الملاك الدائم مع اقتراب موعد الانتخابات المزمع اجراءها في تشرين الثاني المقبل.

مع اقتراب الحدث الوطني الانتخابي تبرز التصريحات الحكومية من قبل مسؤولين رفيعي المستوى وكأنها حلول سحرية ستنقل البلاد إلى مرحلة جديدة من التنمية والاستقرار، إلا أن جزءا كبيرا من هذه الوعود يواجه تحديات حقيقية تمنع تنفيذها، وتكشف في النهاية أنها إما غير دقيقة أو غير قابلة للتطبيق في الوقت الراهن، لأسباب إدارية ومالية عميقة الجذور.

فمثلا على سبيل المثال التصريح الأخير المتعلق بالتثبيت، ظهرت لنا الجهات المختصة وأثبتت بطلان هذه التصريحات وعدم واقعيتها في الوقت الحالي، نظرا للعديد من الأسباب أولها:

ان الميزانية الثلاثية لا تسمح بإضافة هذه الآلاف من العقود التي تمت وفق شروط معينة واستمرارها لثلاث سنوات، بينما في المقابل التثبيت يمكن ارهاق الموازنة العامة التي لا تزال في الادراج الحكومية، ومن المتوقع عدم إقرارها في الدورة الحالية لضيق الوقت وانشغال الكتل والحكومة في الانتخابات المقبلة.

وثاني هذه الأسباب، ان الوضع القانوني للحكومة الحالية لا يمنحها الحق في التعيين او تثبيت العقود، ذلك انها حكومة أقرب لتصريف الاعمال، وليس من حقها المضي باتجاه تثبيت العقود، لكن مثل هذه الصريحات استطاعت من ايهام شريحة واسعة من البسطاء الباحثين عمن يلبي رغباتهم وطموحهم.

أما السبب الآخر فهو التعقيدات الإدارية والبيروقراطية التي تعيق سرعة التنفيذ. حتى لو توافرت الأموال، فإن مسار الحصول على الموافقات، وإنهاء العقود، ومتابعة الإجراءات الفنية يحتاج إلى شهور طويلة، ما يجعل أي تصريح عن إنجازات سريعة أقرب إلى الشعار الإعلامي من الخطة العملية، يضاف إلى ذلك وجود تضارب في الصلاحيات بين الوزارات والهيئات المحلية، ما يؤدي إلى إبطاء سير المشاريع إلى حد الشلل أحياناً

خلال الأشهر الأخيرة شهدت الساحة السياسية العراقية عددا من التصريحات من مستويات وزارية عليا ورؤساء هيئات خدمية تتعلق ببناء مشاريع عملاقة، مثل إنشاء مئات المدارس في غضون أشهر قليلة، أو إكمال شبكات صرف صحي ضخمة في أحياء مكتظة، أو إطلاق آلاف فرص العمل فوراً في القطاع العام.

هذه الوعود غالبا ما تُعلن خلال مؤتمرات صحفية أو في زيارات ميدانية، لكنها تفتقر إلى خطة زمنية واضحة أو مصادر تمويل مؤكدة.

الخطورة الحقيقية لا تكمن فقط في فشل هذه التصريحات في تحقيق أهدافها، بل في أثرها النفسي والاجتماعي، إذ تُضعف ثقة المواطنين بالحكومة وتجعلهم أقل استعدادا للتفاعل مع خطط إصلاحية مستقبلية حتى لو كانت مدروسة، فحين تتكرر الوعود دون نتائج ملموسة، يشعر المواطن أن الخطاب الرسمي موجه للإعلام أكثر مما هو موجه لخدمة المواطن.

ومع ذلك يمكن أن تكون هذه التصريحات لا تخرج عن كونها رسائل سياسية أكثر منها خططا تنفيذية، فالمسؤول أحيانا يسعى إلى طمأنة الشارع أو تعزيز موقفه السياسي ضمن سياق تنافسي، حتى وإن كان يدرك صعوبة تنفيذ ما يقوله في المدى القريب، لكن هذا النهج على المدى الطويل يضر بمصداقية الدولة ويخلق فجوة بين المواطن وصاحب القرار.

في النهاية تبدو الحاجة ملحة لأن تعتمد الجهات الرسمية خطابا واقعيا يوازن بين الطموح والإمكانات، ويقدم أرقاما دقيقة وخططا زمنية قابلة للتنفيذ، بدلا من إطلاق وعود تصطدم بجدار الإدارة والتمويل، فالمصداقية في زمن الأزمات لا تقل أهمية عن الحلول نفسها، وقد تكون الخطوة الأولى لاستعادة ثقة المواطن الذي يبحث عن نتائج ملموسة لا شعارات عابرة.

ذات صلة

حين تسير العفة نحو كربلاء.. رحلة النِّساء في زيارة الأربعينالعراق بحاجة الى مقاربة سياسية جديدة تجاه سورياقوة الحقيقة في مواجهة الفِتنَةٌالإمام الحسن قائد بمواصفات ربانيةالشخصية القاتمة.. لماذا تتصدر المشهد الانتخابي؟