العنف الطائفي في الهند: إبادة المسلمين تحت انظار الحكومة

عبد الامير رويح

2018-10-29 04:59

تتواصل معاناة الأقليات الدينية في الكثير من دول العالم، حيث تعرض المسلمون في الهند وكما ذكرت بعض المصادر ولا يزالون في لاضطهاد وتهميش مستمر لطمس هويتهم الدينية من خلال قمع حرياتها وتحجيم دورهم‏، وتذكر تقارير المراكز الحقوقية ومنها مراكز هندية بارزة مثل اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان واللجنة الوطنية للأقليات، انه جري تهميش الاقلية المسلمة التي توازي نحو14% من المجتمع الهندي خلال مأساة تواصلت علي مدي150 عاما, إلى جماعة يتميز أبناؤها بأنهم الأقل عمرا مقارنة بالأغلبية الهندوسية التي تمثل80% تقريبا من تعداد السكان. المسلمون في الهند هم الأسوأ تغذية والأكثر فقرا, حتي إذا توفرت فرص العمل فإنهم مجبرون علي العمل بأقل الأجور, محرومون فعليا من الوظائف الحكومية, لا تصل إلى قراهم مياه نظيفة, في ظل أكثر أساليب التمييز المؤسسي جورا في التاريخ.

وبعيدا عن ذلك التمييز الرسمي للحكومة, فان موجات العداء الشديد تجاه المسلمين كانت قد تصاعدت بقوة خلال ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي وتزامنت مع دخول أعداد كبيرة ممن يعتبرون من المنبوذين إلى الإسلام, ثم كانت موجة حادة تزامنت مع انفصال باكستان عن الهند عام1947, وكان الهدف منها إجبار المسلمين علي الرحيل إلي باكستان حتي تبقي الهند للهندوس, الذين نظروا دائما إلى المسلمين الهنود باعتبارهم غزاة وخائنين ومشكوكا في ولائهم للهند. واعتبر عام1947 بداية مذابح وحشية تعرض لها المسلمون علي يد الهندوس وبلغت ذروتها فيما أطلق عليه مذابح احمد أباد عام1969 ثم كانت موجة ثانية خلال النصف الأول من التسعينيات تبلورت في تدمير مسجد بابري عام1992 ومسجد شرار شريف عام1995 واستمرت تلك الأعمال بدرجات متفاوتة حتي يومنا هذا, وكان من أبرزها ما حدث عام2002 الذي شهد ما عرف بمجزرة ولاية جوجارات حيث تعرض المسلمون لمذابح علي يد عصابات هندوسية أسفرت عن مقتل نحو2500 مسلم واغتصاب400 سيدة وتدمير270 مسجدا, وترجع تقارير المراكز الحقوقية السبب بازدياد عمليات العنف والقتل إلى انحياز الشرطة للهندوس وتجاوزها عن تنفيذ الأحكام.

قتل وتعذيب

وفي هذا الشأن لقي مسلم مصرعه بعدما انهال عليه بالضرب أشخاص اعتقدوا أنه يهرب أبقارا وذلك بعد 15 شهرا فقط من هجوم مماثل، مما يلقي الضوء على تنامي نفوذ جماعات متطرفة مؤيدة للهندوس. ويقدس الكثير من الهندوس الأبقار لكن المسلمين الذين يشكلون أقلية في الهند يبتاعون الماشية سواء لذبحها بغرض الأكل أو للاستفادة من ألبانها. وقالت شرطة ولاية راجاستان في شمال غرب البلاد إن ما بين خمسة وسبعة أشخاص أحاطوا بالرجل الذي أشارت له باسم (أكبر) بينما كان يسير ومعه بقرتان في قريته بولاية هاريانا القريبة، وأوسعوه ضربا مما أفضى لوفاته.

وقال شيام سينغ مسؤول الشرطة في منطقة ألوار”نحقق في الحادث وسنمسك بالجناة قريبا“. وذكرت الشرطة أن المجني عليه (28 عاما) نقل إلى مستشفى قريب وهو في حالة سيئة لكنه كان قد لفظ أنفاسه. وقال أنيل كومار بنيوال المسؤول بشرطة المنطقة في اتصال هاتفي أجرته رويترز ”في الطريق، قال المجني عليه إن اسمه أكبر وإنه كان بصحبة صديق تمكن من الهرب“.

الى جانب ذلك اعتذرت الشرطة في ولاية اوتار براديش بشمال الهند بعد أن أثارت صورة لرجل اعتدي عليه وقتل من قبل حشد من الناس بحضور ثلاثة ضباط غضبا عارما في البلاد. وتوفي الضحية، الملقب بقاسم، بعد وقت قصير من التقاط الصورة، في الطريق أثناء نقله إلى المستشفى. وقالت الشرطة إنه تعرض للضرب بعد "مشاجرة بسيطة" بسبب حادث دراجة نارية. وأنكروا أنه تعرض لهجوم بسبب أخبار عن ذبحه لبقرة. ونشرت شرطة الولاية تغريدة اعتذار على موقع التواصل الاجتماعي تويتر.

وفي حديث لبي بي سي، قال المتحدث باسم شرطة الولاية راهول سريفاستافا إن الصور "مضللة" وإن "رجال الشرطة لم يتواطؤوا أو يسكتوا عن قتل الرجل دون وجه حق". وأضاف "تُظهر الصورة الرجل أثناء جره، بحضور رجال الشرطة الذين لا يفعلون شيئا حيال ذلك، لكن هذا ليس صحيحا، لقد أرادت الحشود الاستمرار في مهاجمة الرجل، ورجالنا كانوا يحاولون إبعادهم. لكن كان يجب أن يكونوا أكثر حذرا في طريقة حملهم للضحية ورعايته بشكل أفضل، ولهذا السبب اعتذرنا وأمرنا بفتح تحقيق".

وأُدين الاعتذار من قبل البعض ووُصف بأنه "تبرير واه" لما حدث. وقد أثارت الصورة، التي انتشرت على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، غضبا عارما وسط تقارير تفيد بأن الضحية استُهدف من قبل مجموعة من "حماة الأبقار". ووفقا للمعتقد الهندوسي تعد الأبقار مخلوقات مقدسة، وبالنسبة للكثيرين، يعد تناول اللحم البقري من المحرمات. كما يُحظر ذبح الأبقار في العديد من الولايات الهندية. وقد تعرض مسلمون لهجمات في عدة مناطق من البلاد للاشتباه في أنهم إما ذبحوا أبقارا أو أكلوا لحم البقر.

تهديد ضابط

الى جانب ذلك تلقى ضابط شرطة هندي تهديدات بالقتل، وذلك بعدما أنقذ مسلما من حشد هندوسي غاضب، بحسب مسؤولين. وقد ذاعت شهرة غاغنديب سينغ، وهو ضابط في إقليم أوتاراخند شمالي الهند، بعدما تداول مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي على نطاق واسع فيديو له أثناء إنقاذه الرجل المسلم. وكان الرجل يزور معبدا مع رفيقته الهندوسية، فأحاط به الحشد وحاولوا الاعتداء عليه، متهمين إياه بممارسة "جهاد الحب".

وقد استخدم التعبير من قبل مجموعات هندوسية تدعي أن بعض الرجال المسلمين يقيمون علاقات مع نساء هندوسيات بهدف تحويلهن إلى الإسلام. وحين انتشر الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، قال كثيرون إن الضابط سينغ مثال يحتذى، واننتشرت قصته عبر عدد من وسائل الإعلام. وقال سينغ "لم أعمل شيئا سوى أن أديت عملي. حتى لو أكن أرتدي الزي الرسمي كنت سأفعل ذلك، وهذا ما يجب أن يفعله كل هندي". لكن الضابط تعرض لهجمات وانتقادات أيضا، حيث اعتبر البعض أنه دافع عن "سلوك غير لائق".

وقال زملاء له في الشرطة إنه تعرض لتهديدات بالقتنل، ومنح إجازة. وقال راكيش ماينوال العضو بالحزب الحاكم "من الخطأ أن يأتي رجل مسلم بصحبة رفيقته إلى معابدنا. يجب أن يعرف أن هذا مكان محفوف بالتقوى والقداسة". ونقلت وكالة أنباء "أي أن آي" عن سياسي محلي آخر قوله "نحن لا نذهب إلى المساجد لأننا لا نملك حق الوجود هناك". بالمقابل، استنكر مواطن يدعى أجيت ساني ما حدث ، متساءلا "حين يذهب شاب وفتاة إلى مكان معا برغبتهما، كيف لأولئك اليمينيين أن يروا في ذلك (جهاد حب) ويهاجموهما؟".

الحزب الحاكم

في السياق ذاته قال حليف سياسي لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إن حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم يجد صعوبة في تغيير ”انطباع“ سائد عنه بمعاداة الأقلية المسلمة والمنتمين للطبقات الاجتماعية الدنيا وهو ما قد يكبده خسارة أصوات في الانتخابات العامة التي تجرى العام المقبل. وهزم حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي القومي الذي ينتمي له مودي المعارضة في آخر انتخابات عامة أجريت في عام 2014. لكنه خسر في عدة انتخابات تكميلية أجريت في الآونة الأخيرة بعدما تحالفت جماعات المعارضة معا.

وتوقع السياسي الكبير رام فيلاس باسوان أن يفوز مودي بفترة ثانية. وباسوان هو وزير اتحادي ورئيس حزب لوك جان شاكتي (قوة الشعب) المتحالف مع حزب بهاراتيا جاناتا ويقول إنه يمثل الطبقات الدنيا في المجتمع الهندي. لكنه قال إن حزب بهاراتيا جاناتا ينبغي أن يعمل على تغيير صورته كحزب يهتم بشكل رئيسي بالهندوس المنتمين لطبقات المجتمع العليا. وقال خلال مقابلة أجريت معه في منزله ”أيا كان ما تفعله الحكومة فإنها تفعله للجميع، وفعلت الكثير أيضا للأقلية“ وأضاف ”لكن برغم كل شيء لا يتغير الانطباع بين الأقليات والطبقات الدنيا في المجتمع بغض النظر عن العمل الذي يتم“.

ووفقا لبيانات أحدث إحصاء يبلغ عدد سكان الهند 1.3 مليار نسمة 80 بالمئة منهم تقريبا هندوس و14 بالمئة مسلمون. وتمثل الطبقات الدنيا من المجتمع نحو ثلاثة أرباع عدد السكان من الهندوس. ويقول نقاد إن أجندة حزب بهاراتيا جاناتا القومي تسببت في حالة استقطاب بين السكان. وقال باسوان إن المعارضة يمكن أن تستغل الصورة السائدة لحزب بهاراتيا جاناتا بأنه حزب يدعم طبقات الصفوة بين الهندوس ويتعين التصدي لذلك بقوة. بحسب رويترز.

وعندما تولى مودي السلطة عام 2014 كان حزبه أو شركاؤه يحكمون سبع ولايات فقط من بين 29 ولاية في الهند. أما اليوم فإنه يتولى السلطة في 21 ولاية فضلا عن هيمنته على البرلمان كأقوى حزب في البلاد. لكن في الانتخابات التكميلية التي جرت لشغل عشرة مقاعد في البرلمان منذ العام الماضي فإن حزب بهاراتيا جاناتا خسرها جميعا وانسحب حزبان إقليميان صغيران من الائتلاف الحاكم.

من جانب اخر قالت الشرطة الهندية إن اشتباكات بين أنصار حزب رئيس الوزراء ناريندرا مودي وحزب معارض تحولت إلى أعمال شغب بين مسلمين وهندوس أسفرت عن مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة العشرات في العنف الذي استمر يومين. وبدأ التوتر في ولاية البنغال الغربية الواقعة بشرق البلاد بعدما نظم حزب بهاراتيا جاناتا الذي ينتمي له رئيس الوزراء مودي وحزب مؤتمر ترينامول الحاكم في الولاية موكبين للاحتفال بمولد الإله الهندوسي راما.

وامتد العنف وتحول إلى اشتباكات بين الهندوس والمسلمين. وقال أنوج شارما، المسؤول الكبير في شرطة الولاية، إن المسؤولين عقدوا اجتماعا طارئا وجرى تعزيز الأمن مع نشر قوات مكافحة الشغب بينما اعتقل نحو 100 شخص لإنهاء العنف. وقال ”يجري تنفيذ عمليات اعتقال واسعة النطاق“. ويثير خطر العنف الطائفي قلقا مستمرا في الهند.

وزاد التوتر بين المسلمين والهندوس في بعض المناطق منذ وصول مودي وحزبه الهندوسي القومي إلى السلطة في عام 2014. واتهم بابول سوبريو الوزير في الحكومة الاتحادية من حزب بهاراتيا جاناتا من ولاية البنغال الغربية المسلمين بارتكاب عنف. وقال ”الحمقى من الأقلية أشعلوا النار في المتاجر وجذبوا الهندوس من منازلهم وهاجموهم وأصابوهم بوحشية بالسواطير والسيوف“.

استهداف المسلمين

من جانب اخر حشدت الهند نحو 60 ألفا من الشرطة والقوات شبه العسكرية بولاية حدودية متوترة قبل نشر قائمة إحصائية سكانية تقول إنها ستساعد في ضبط وترحيل المهاجرين غير الشرعيين، وتحديدا المسلمين، الذين جاءوا من بنجلادش المجاورة. وتعهد حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم الذي يتزعمه رئيس الوزراء ناريندرا مودي باتخاذ إجراء ضد المسلمين الذين يقيمون بشكل غير شرعي ويستحوذون على فرص العمل من الهنود المحليين.

وتنشر حكومة الولاية السجل القومي للمواطنين بعد إجراء إحصاء رسمي للسكان للمرة الأولى منذ عام 1951. وقد يؤدي هذا الإجراء إلى توترات طائفية في الولاية التي تضم ثاني أكبر نسبة من المسلمين في ولاية هندية. ووصف زعماء مسلمون السجل القومي للمواطنين بأنه أداة لتشريدهم وربط مصيرهم بمصير أقلية الروهينجا المسلمة المضطهدة في ميانمار. وقال هيمانتا بيسوا سارما وزير مالية حكومة ولاية اسام ”هذا السجل يُنفذ للتعرف على مواطني بنجلادش الذين يقيمون بشكل غير قانوني في اسام“. وأضاف ”سيتم ترحيل كل من لم ترد أسماؤهم في السجل... نحن لن نخاطر ولهذا تم اتخاذ كل الإجراءات الأمنية“. وقال سارما إن مواطني بنجلادش الهندوس الذين يواجهون اضطهادا هناك سيحصلون على ملاذ في الهند وفقا للسياسة الاتحادية.

وقال وزير الداخلية في بنجلادش أسد الزمان خان إن بلاده ليس لديها علم بشأن خطط لترحيل المواطنين مضيفا ”لم نتسلم أي معلومات من الحكومة الهندية ولم يخطرنا أحد رسميا أو بشكل غير رسمي“. وتشير تقديرات إلى وجود ما يزيد على مليوني مسلم في ولاية اسام تعود جذورهم إلى بنجلادش. وليتم الاعتراف بهم كمواطنين هنود يجب أن يحصلوا على وثائق تثبت أنهم هم أو عائلاتهم عاشوا في الهند قبل 24 مارس 1971.

وقال عاصف رحمن وهو مدرس في معهد للتعليم الثانوي الإسلامي في منطقة يغلب على سكانها المسلمون في ولاية اسام ”أجدادي وآبائي ولدوا جميعا في الهند لكن اليوم نجد من الصعوبة بمكان أن نوفر وثائق تدعم دعوانا بأننا هنود“. وأضاف ”آباؤنا وأجدادنا كانوا أميين ولم يحتفظوا أبدا بوثائق قانونية ولهذا السبب نواجه اختبار إثبات جنسيتنا الهندية الآن“. بحسب رويترز.

وفر عشرات الآلاف من الأشخاص إلى الهند من بنجلادش أثناء حرب استقلالها عن باكستان في أوائل السبعينات. ويتواجد غالبيتهم في ولاية اسام بشمال شرق الهند وولاية غرب البنغال المجاورة والتي تنتشر فيها مطالب مماثلة بترحيل المهاجرين المسلمين غير الشرعيين. وصعدت حكومة ولاية اسام من الإجراءات الأمنية بعد أن قال زعيم مسلم كبير إن أي تسجيل للمواطنين على أساس الدين سيكون ”مفجعا“ للدولة وقد يؤدي إلى ”اضطرابات“.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي