حرب الحدود: هل انهت اللعبة في سوريا؟

عبد الامير رويح

2018-07-26 09:19

تطورات ميدانية مهمة يشهدها ملف الصراع في سوريا، حيث استطاعت القوات الحكومية السورية تحقيق انتصارات عسكرية كبيرة في معاركها الأخيرة ضد المجموعات المسلحة في درعا والسويداء، تمكن الجيش الحكومي بعد هذا الهجوم الناجح كما نقلت بعض المصادر، من حشد قواته على الجبهة الغربية في اتجاه مرتفعات الجولان، وهو ما اثار قلق ومخاوف اسرائيل التي سعت هي الاخرى الى تحشيد قواتها في الجزء الإسرائيلي من مرتفع الجولان لضمان أمن حدود إسرائيل.

وقالت مصادر إن الرئيس السوري بشار الأسد بصدد السيطرة على الحدود مع هضبة الجولان التي تحتلها إسرائيل ليحقق نصرا كبيرا على مقاتلي المعارضة الذين وافقوا على شروط الاستسلام. وبدعم من القوة الجوية الروسية ودون اعتراض من خصوم الأسد الأجانب، واستعادت القوات الحكومية السيطرة على مساحات شاسعة من جنوب غرب سوريا ، في واحدة من أسرع الحملات خلال الحرب السورية، وأجبرت مقاتلي المعارضة الذين تتفوق عليهم بشكل كبير في التسلح على الاستسلام.

وتعد الحملة، التي مكنت الأسد بالفعل من استعادة السيطرة على قسم مهم من الحدود مع الأردن، إنجازا مهما في جهوده التي تهدف لاستعادة السيطرة على كامل الدولة التي مزقها الصراع الدائر منذ أكثر من سبع سنوات. وعند انتهاء حملة الحكومة في جنوب غرب سوريا، سيوجه الأسد تركيزه على الأرجح إلى آخر منطقتين لا تزالان خارج قبضته.

والمنطقتان هما الشمال الغربي الذي تسيطر عليه المعارضة، حيث سيعقد وجود قوات تركية أي حملة عسكرية، والمساحات الموجودة في الشمال الشرقي وفي الشرق التي تسيطر عليها قوات يقودها الأكراد ويدعمها نحو ألفي جندي أمريكي على الأرض. ومع سعي دمشق وحلفائها للنصر العسكري، تبدو فرص تحقيق السلام من خلال التفاوض ضئيلة. ويقول خصوم للأسد إن تحقيق السلام ضروري لإعادة الاستقرار وتشجيع ملايين اللاجئين على العودة. وتفيد التقديرات بأن الحرب أودت بحياة مئات الآلاف من الأشخاص وأدت لنزوح 11 مليونا وأجبرت نحو ستة ملايين منهم على الفرار إلى خارج البلاد ليصبحوا لاجئين.

تمثل الحملة القريبة من الحدود بالجولان حساسية خاصة بسبب المخاوف الإسرائيلية. وأشارت إسرائيل إلى أنها لا تمانع استعادة الأسد السيطرة على المنطقة طالما بقي حلفاؤه الإيرانيون وحلفاؤه الذين تدعمهم إيران بعيدا عن الحدود. وقالت إسرائيل أيضا إنها ستطالب بالالتزام الصارم باتفاق فض الاشتباك في الجولان المبرم مع الجيش السوري في 1974.

وهددت ”برد عنيف“ على أي محاولة من القوات السورية للانتشار في المنطقة. وأُبرم الاتفاق بعد حرب عام 1973 وأدى لإقامة منطقة فاصلة تقوم قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك بدوريات فيها. وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قال في مؤتمر صحفي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في هلسنكي إنهما اتفقا على العمل معا للمساعدة في ضمان أمن إسرائيل.

وأشار بوتين، أقوى حلفاء الأسد، إلى الحاجة إلى إعادة الوضع على امتداد حدود الجولان إلى ما كان عليه قبل اندلاع الأزمة السورية في 2011. وتضغط إسرائيل على روسيا لتكبح القوات الإيرانية والقوات المدعومة من طهران التي تقاتل دعما للأسد. وكثفت إسرائيل هجماتها على ما تصفه بأهداف إيرانية وأهداف مدعومة من إيران في سوريا هذا العام.

الجيش يتقدم

وفي هذا الشأن قال التلفزيون السوري ومقاتلون بالمعارضة إن الجيش السوري وحلفاءه حققوا تقدما في جنوب غرب البلاد وأصبحوا أقرب إلى حدود هضبة الجولان التي تحتلها إسرائيل فيما صعد مقاتلون من المعارضة رفضوا العودة لحكم الدولة على متن حافلات لتنقلهم إلى منطقة تسيطر عليها المعارضة في الشمال. ويتقدم الجيش بدعم جوي روسي إلى مشارف محافظة القنيطرة بعد حملة بدأها في وقت سابق وأخرجت مقاتلي المعارضة من محافظة درعا المجاورة.

وأعاد الهجوم سيطرة الحكومة السورية على قطاع من جنوب غرب البلاد، في منطقة استراتيجية على حدود الأردن وإسرائيل. ويأتي إعلان الجيش عن سيطرته على عدد من القرى في منطقة بين المحافظتين فيما استؤنفت عملية إجلاء مقاتلي المعارضة وعائلاتهم من قرى على حدود الجولان إلى منطقة في شمال سوريا خاضعة لسيطرة المعارضة. وقال ماهر علي (38 عاما) وهو ناشط قرر المغادرة هو وأسرته بدلا من المخاطرة بالتعرض لعمليات انتقامية بسبب سجله الطويل في المعارضة السلمية لحكم الرئيس بشار الأسد ”احنا بالباص هون شي (نحو) ستين واحد.. عوائل وشباب هلاء رح تطلع (ستتحرك الحافلة) ونتهجر من بيوتنا“.

ويحكم الجيش سيطرته على سلسلة مرتفعات مهمة تطل على الحدود مع الجزء الذي تحتله إسرائيل من الجولان، وهي نقاط منحت مقاتلي المعارضة الإسلامية في الأساس والذين كانوا يسيطرون عليها يوما ما وضعا قويا في المنطقة الحدودية الحساسة. ويقول مقاتلو المعارضة إن اتفاقا تفاوض بشأنه ضباط روس مع المعارضة في منطقة القنيطرة يسمح بالعبور الآمن للمقاتلين الرافضين للعودة إلى سيادة الدولة كما يمنح من يختارون البقاء ضمانات روسية بعدم حدوث تعديات من جانب الجيش.

ويسمح هذا الاتفاق أيضا بعودة وحدات الجيش السوري، التي كانت موجودة قبل تفجر الصراع عام 2011، إلى مناطق تمركزها بالقرب من المنطقة المنزوعة السلاح المتفق عليها عام 1974 مع إسرائيل والواقعة على الحدود مع الجزء المحتل من هضبة الجولان. وغادر المنطقة في يوم واحد أكثر من 2500 شخص منهم مقاتلون من جماعات إسلامية رفضوا الاتفاق، واتجهوا إلى مناطق تسيطر عليها المعارضة في شمال البلاد.

وأكدت وكالة إنترفاكس الروسية نقلا عن الجيش الروسي أن حافلات نقلت العدد نفسه إلى منطقة إدلب. ويريد الجيش السوري السيطرة على محافظة القنيطرة بالكامل في حين تساور إسرائيل مخاوف عميقة بشأن وجود مقاتلين تدعمهم إيران في المنطقة التي يطلق عليها مثلث الموت. وذكرت مصادر استخبارات غربية أن هذه المنطقة هي معقل مقاتلين تدعمهم إيران ومنهم جماعة حزب الله. وأشارت إسرائيل إلى أنها لن تعرقل وجود الجيش السوري في القنيطرة طالما ظل بعيدا عن المنطقة منزوعة السلاح. وقالت إنها ستواصل تصعيد الهجمات على حدودها وفي أنحاء أخرى من سوريا تعتقد بتمركز قوات تدعمها إيران فيها.

وقال قيادي في تحالف إقليمي مؤيد للأسد إن انتصار الجيش في جنوب غرب سوريا أجبر إسرائيل على قبول عودة الجيش السوري لحدود معاهدة 1974. وقال ”الإسرائيلي رضخ ...وملف الجنوب انتهى لصالح الجيش السوري“ مضيفا أن من المتوقع استعادة السيطرة على القنيطرة بالكامل خلال الأيام المقبلة. وقال بعض مقاتلي المعارضة إن روسيا تحاول إثناء الجيش والجماعات المسلحة التي تدعمها إيران عن القيام بتجاوزات في بلدات كانت تخضع لسيطرة المعارضة. وقادت روسيا الحملة العسكرية وتفاوضت على أغلب اتفاقات الاستسلام ووعدت بإشراف الشرطة العسكرية على تنفيذها. بحسب رويترز.

وتوقع مصدر في المعارضة تنفيذ بقية مراحل الاتفاق الأخرى في الأيام المقبلة، ومن ذلك تسليم الأسلحة ودخول الشرطة العسكرية الروسية إلى بعض القرى. ولجأ عشرات الآلاف إلى منطقة الحدود منذ أن بدأ الجيش السوري بدعم روسي حملة قصف جوي قبل شهر وصفتها المعارضة بأنها سياسة أرض محروقة. وقال مسؤولون في الأمم المتحدة إن روسيا تمارس ضغوطا على الجيش السوري لتسهيل عودة الكثير من النازحين وإنها طالبت الأمم المتحدة بإرسال قوافل مساعدات منتظمة لتخفيف الأزمة الإنسانية الناتجة عن الهجوم. وقال مصدر دبلوماسي غربي كبير إن موسكو، التي توصلت لتفاهمات مع إسرائيل والأردن أتاحت المجال للمضي في الهجوم، تسعى لتحقيق الاستقرار في منطقة الحدود لتثبت أن تدخلها في سوريا يهدف للتوصل لتسوية سياسية للحرب التي تجاوزت عامها السابع.

تل استراتيجي

الى جانب ذلك قال التلفزيون السوري إن الجيش السوري أعلن السيطرة على تل استراتيجي مطل على هضبة الجولان التي تحتلها إسرائيل. وأضاف أن الجيش سيطر على تل الحارة في ثاني يوم من هجوم كبير للسيطرة على المناطق المتبقية في جنوب غرب سوريا من يد مقاتلي المعارضة. وكانت توجد قاعدة رادار رئيسية مضادة للطائرات ضمن دفاعات الجيش السوري ضد إسرائيل على قمة هذا التل قبل سقوطه في يد مقاتلي المعارضة في أكتوبر تشرين الأول 2014.

وقال معارضون والمرصد السوري لحقوق الإنسان إن التل تعرض لضربات روسية وسورية مكثفة في الوقت الذي واصل فيه الجيش السوري اقترابه من الحدود الإسرائيلية بعد استعادة السيطرة على معظم محافظة درعا. ونقلت وسائل الإعلام الرسمية عن مصدر عسكري سوري قوله إن الجيش حقق مكاسب على الأرض في محافظة القنيطرة حيث سيطر على بلدة مسحرة الواقعة على بعد 11 كيلومترا من الحدود مع الجولان. وهددت إسرائيل ”برد عنيف“ على أي محاولة من القوات السورية للانتشار في هذه المنطقة. ولا تريد إسرائيل أن تحرك إيران أو حزب الله، وكلاهما حليف للأسد، قواتهما المتمركز في المنطقة قرب حدودها. بحسب رويترز.

ويهدف هجوم الجيش إلى استكمال السيطرة على منطقة تعرف باسم ”مثلث الموت“ تصل ريف دمشق بدرعة والقنيطرة. والمنطقة معقل لمقاتلين مدعومين من إيران منهم مقاتلو حزب الله اللبناني وفقا لمصادر مخابرات غربية. وتقول إسرائيل إنها لن تعترض سبيل الجيش السوري في القنيطرة طالما ظل بعيدا عن المنطقة منزوعة السلاح، رغم أنها استهدفت مواقع للجيش السوري قرب الحدود وفي مناطق أخرى اشتبهت بتمركز قوات تدعمها إيران بها.

ازمة انسانية

من جهة اخرى غادر آلاف السوريين منطقة كانوا قد تجمعوا بها قرب معبر نصيب-جابر الحدودي مع الأردن إثر هجوم للجيش السوري في جنوب غرب البلاد. وقال أندرس بيدرسن المنسق المقيم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية في الأردن إن ما بين 150 و200 شخص فقط بقوا في المنطقة. وقال الأردن وإسرائيل إنهما لن يسمحا بدخول لاجئين. وقاما بتعزيز الأمن عند الحدود وتوزيع بعض المساعدات داخل سوريا.

ولم يتضح بعد الأماكن التي عاد إليها النازحون في جنوب سوريا بعد استعادة الجيش السيطرة على المعبر وموافقة المعارضة على وقف إطلاق النار خلال محادثات مع ضباط روس. وقال شهود إنهم غادروا منطقة الحدود إلى مناطق مختلفة داخل محافظة درعا حيث توقف القتال تقريبا. وانتشرت القوات الحكومية السورية عند المعبر لتسيطر على مسار حيوي للتجارة سيطرت عليه المعارضة لثلاث سنوات.

وقالت وحدة الإعلام الحربي، التي تديرها جماعة حزب الله المتحالفة مع الجيش السوري، إن القوات أمنت بشكل كامل الطريق السريع الرئيسي الممتد من دمشق إلى عمان. كما دخل الجيش إلى قاعدة جوية قرب مدينة درعا مما قطع الاتصال بين مسلحي المعارضة داخل المدينة وباقي المسلحين في منطقة تقع إلى الغرب منها. وتقول الأمم المتحدة إن الهجوم المدعوم من روسيا شرد ما يربو على 320 ألف شخص في اسبوعين فقط، في أكبر عملية نزوح جماعي في الحرب المستمرة منذ أكثر من سبع سنوات.

وتجمع نحو 60 ألفا عند الحدود مع الأردن، بينما توجه آلاف آخرون إلى الحدود مع مرتفعات الجولان السورية التي تحتلها إسرائيل. وطالب بيدرسن بحرية الدخول إلى محافظتي درعا والقنيطرة السوريتين وأضاف أن قافلة مساعدات تنتظر دخول قرية سيطرت عليها القوات الحكومية في الأيام القليلة الماضية. وقال في مؤتمر صحفي”ما نطلبه هو حرية دخول دون عراقيل“ إلى جنوب غرب سوريا. وأضاف أن هناك مخاوف تتعلق بحماية النازحين السوريين العائدين إلى ديارهم. بحسب رويترز.

ووافقت المعارضة على تسليم سلاحها في إطار اتفاق لوقف إطلاق النار توسطت فيه روسيا، وسلمت مناطق كانت تسيطر عليها في محافظة درعا في انتصار آخر يحققه الرئيس السوري بشار الأسد وحلفاؤه. وقال مصدر عسكري سوري إن جنود الجيش وقوات متحالفة معه سيطروا على قرية أم المياذن في شرق درعا. وقال المصدر للوكالة العربية السورية للأنباء ”وحدات من الجيش والقوات المسلحة بالتعاون مع القوات الرديفة نفذت عمليات مكثفة على تجمعات وتحصينات التنظيمات الإرهابية في قرية أم المياذن أسفرت عن إحكام السيطرة على البلدة الواقعة شمال بلدة نصيب“ بالقرب من الحدود الأردنية.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي