على رصيف الحقيقة: السعودية في قوائم الإرهاب الامريكية
مسلم عباس
2018-04-09 06:52
اثارت زيارة ولي العهد السعودي للولايات المتحدة الامريكية صدى إعلاميا واسعا تخطى كل التوقعات، فيكفي ان تطالع وكالة إخبارية عالمية كانت او عربية لتجد ان ما يزيد عن نصف تلك المواد الصحفية يتعلق بولي العهد محمد بن سلمان، يتحدث عن التحولات التاريخية لبلاده في ظل الإدارة الامريكية الجديدة والمرحلة الجديدة في العلاقات مع واشنطن، وحتى وسائل الاعلام المعادية للسعودية كانت قد ملأت مساحتها بالتغطية لهذا الحدث وان كان فيه الكثير من الإدانة.
الاعلام الأمريكي والسعودي وحتى الأوربي، كان يهلهل للإنجازات العظيمة، وهي بالفعل عظيمة، فالعقود التي جلبها محمد بن سلمان لبلاده لم يقوم بها احد غيره في فترة وجيزة، والانقلاب الأبيض الذي قام به ضد المعتقدات السائدة في البلاد ليس سهلا على الاطلاق، انها أمور يجب ان لا يغفل عنها أي باحث عن الحقيقة.
لكن الحقيقة دائما ما يكون لها وجه قبيح قد لا تكشفه الا القليل من وسائل الاعلام، وبتغطية هامشية، فزيارة بن سلمان لم تستطيع تبرئة السعودية من تهمة التطرف حتى الان، وهو ما أراد السعوديون ابعاد شبحه عنهم عبر اتهام أمريكا بإصدار الأوامر بدعم الجماعات المتطرفة فيما كانت الرياض هي الممول بالمال والأفكار. هكذا أجاب محمد بن سلمان على التساؤلات التي طرحتها الصحافة الامريكية عليه.
اصدقاؤنا ارهابيون
خلال أيام الزيارة التي بدت زهرية بإنجازاتها العظيمة التي وصلت الى وادي السليكون ولقاء عمالقة الصناعات الامريكية، كان القضاء الأمريكي يؤكد ان قانون جاستا لم يتم اسقاطه، اذ رفض قاض أمريكي طلب المملكة العربية السعودية إسقاط دعاوى بالولايات المتحدة تتهم المملكة بالمساعدة في التخطيط لهجمات 11 سبتمبر أيلول عام 2001 وتطالبها بتعويضات للضحايا.
وقال القاضي جورج دانيالز بالمحكمة الجزئية الأمريكية في مانهاتن إن مزاعم رافعي الدعاوى "توفر أساسا معقولا" له لتأكيد الاختصاص بنظر الدعاوى بموجب قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب الصادر في عام 2016.
وزيارة محمد بن سلمان التي كان محورها الاقتصاد لم تستطع اسقاط أجزاء من القانون، فقد بقي على حاله، اذ يشمل قرار القاضي دانيالز دعاوى رفعها ضد السعودية أسر القتلى ونحو 25 ألف مصاب وعدد من الشركات التجارية وشركات التأمين. ومن بين هؤلاء المدعى عليهم بنكان سعوديان هما البنك الأهلي التجاري ومصرف الراجحي، ومجموعة بن لادن السعودية وهي شركة بناء تسيطر عليها عائلة بن لادن.
مدارسهم متطرفة
الصورة السلبية عن السعودية لا تزال مشوهة جدا ليس بسبب جاستا فقط، انما فيما يتعلق بالشأن الداخلي أيضا وكأن أمريكا تريد ان تعيد ترتيب البيت السعودية وفق مقاساتها او على الأقل وفق ما تتطلبه المرحلة الحالية، في هذا الشأن قالت هيئة رقابية حكومية أمريكية إن السعودية لم تحرز تقدما يذكر في حذف المناهج الدراسية التي تحض على العنف والكراهية تجاه الأقليات الدينية وغيرها، مشجعة الرياض على معالجة هذه القضية بجدية أكبر.
وفي دراسة جديدة لمجموعة منتقاة من الكتب المدرسية في السعودية، قالت اللجنة الأمريكية للحريات الدينية الدولية في بيان إنها قارنت 12 كتابا دينيا كانت ضمن المنهج الدراسي بالمدارس الثانوية في 2017-2018 مع نسخ من الفترة 2012-2014، ووجدت أن الكتب الحالية لا تحتوي فقط على عدد من الفقرات المتعصبة و“التحريضية“، بل تحتوي كذلك على عدة فقرات يعتقد على وجه الخصوص أنها حذفت من كتب سابقة.
وذكرت اللجنة أن من أمثلة المحتويات المتعصبة فقرات تمجد "الجهاد" باعتباره قتالا ضد غير المسلمين وتنص على قتل المرتدين أو كل من يهزأ بالذات الإلهية أو النبي محمد وتحط من قدر غير المسلمين وتحذر المسلمين من مصاحبتهم.
الأولوية لإصلاح الكتب
تتماشى مراجعة اللجنة الأمريكية مع تقرير أصدرته منظمة هيومن رايتس ووتش العام الماضي وقالت فيه إن مراجعة للكتب الدينية الصادرة من وزارة التعليم السعودية للسنة الدراسية 2016-2017 كشفت عن أن المناهج الدراسية تحض على التعصب.
وقالت اللجنة إن مثل هذه الفقرات تظهر عدم إحراز تقدم يذكر على مدى الخمس عشرة سنة الماضية في إصلاح الكتب المدرسية بالمملكة، التي أطلق فيها الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز عملية إصلاح للمدارس والجامعات الحكومية في 2005 في إطار إصلاحات تهدف إلى تقليص نفوذ رجال الدين وبناء دولة حديثة وتوفير فرص عمل.
وقال دانييل مارك رئيس اللجنة الأمريكية للحريات الدينية الدولية إن اللجنة "تحث الكونجرس والإدارة (الأمريكية) على إعطاء أولوية لإصلاح الكتب الدراسية في إطار تعاونها مع الحكومة السعودية، خصوصا في ضوء تقدم الحكومة في مجالات أخرى للإصلاح".
الختام "استفزاز مالي"
الملفات السابقة تطرقت اليها السلطات الامريكية اثناء زيارة بن سلمان للولايات المتحدة الامريكية، وما ان شد رحاله لمغادرة البلاد، حتى تلقى الضيف "المتطرف" وفق المنطق الأمريكي، صفعة أخرى تخبره بان الرئيس دونالد ترامب يريد سحب قواته من سوريا، وهذا يعني عمليا انهيارا لكل مساعي بن سلمان الذي كان يركز جهوده الى الاقتصاد ليبدو كبيرا امام ايران، بالإضافة الى الحصول على ضمانات بمحاربة طهران في المنطقة (سوريا والعراق ولبنان واليمن).
هذا التحرك الأمريكي اعتبر "تكتيكا استفزازيا"، ضد السعودية، لا سيما وان ترامب، قال بان من يريد بقاء جنود بلاده في سوريا عليه ان يدفع مصاريف البقاء هناك والتي يمكن ان تصل الى أربعة مليارات دولار. وعلق رائد المصري، المتخصص في العلاقات الدولية بقوله "الإدارة الأمريكية تعلم أن وجودها في سوريا لم يجديها نفعا، على مستوى الحلول السياسية أو واقعها الميداني العسكري، لكنه (ترامب) رمى بهذه الكرة ثم انسحب، كتنفيذ لمادة استفزازية رخيصة في وجه ولي العهد السعودي (الأمير محمد بن سلمان)".