الإعتدال في الخطاب الإعلامي المعاصر
مؤتمر الاعتدال في الدين والسياسة
2017-03-14 09:12
ا. م. د. سهام الشجيري-كلية الإعلام/جامعة بغداد
يتناول البحث قضية محورية في حقل التواصل الإنساني، ويكشف التجول الواعي في النص ومضمونه عن مجموعات أولية وتراكيب جزئية تهدف الى الاحاطة بموضوعة مفعمة بالقدرة على التعبير عن الواقع الراهن، هي قضية "الإعتدال في الخطاب الإعلامي المعاصر" تلك القضية المؤطرة بعنف اللغة اذا صح التعبير للإحاطة من داخل شرنقة الإعلام وفي اطار الحركة التطورية المتدافعة بسرعة ممكنات التقدم العلمي للنظام الإعلامي الراهن بالغايات والقصديات التي يسعى الإعلام لنشرها وإشاعتها في حياتنا.
واللغة هنا هي تكرار توكيدي يفضي إلى الإعتراف بأن حقل الإعلام هو في الواقع مثال على إمكانية لا حدود لها في تشكل واقع إنساني مغاير عما نألفه أو نعايشه مدركين أو مرغمين في الواقع اليومي، ومصاديق الإعتدال في خارطة جدلية الخطاب الإعلامي المعاصر تطلق قضية مشروعية المفاهيم المؤسسة لمعنى العلاقة بين فعل الإعلام ونظام الحياة الانسانية من مسلمات تبدو لنا أنها إطلاقية وغير قابلة للنقاش، وإعتبار المنظومة التواصلية في إطارها العام تشكل الوعاء والدلالة، واللغة في حقيقتها مؤسسة إجتماعية متسمة بالقدرة على البناء الافتراضي وتتفاعل بإتجاه التأثير وصولا إلى التغيير، هنا علينا أن نعترف بأنواع الغموض الذي يأسر هذه القضية ويجعلها تتأرجح بين تصور حقيقة اللغة (الإعلامية) ومجموعة المعارف والعلوم التي تصور البناء المخيالي الذي يخلق الشيء وبالتالي يدعي أنه يملك إمكانية وصفه وتعميمه، وتضمن البحث فضلاً عن الجانب المنهجي المحاور الآتية:-
-في الجانب النظري، تطرق البحث إلى رصد الخطاب الإعلامي كمقدمات لمشروع إعلامي معتدل في الخطاب الإعلامي.
-الجانب العملي الذي تم فيه التركيز على مسببات الخطاب الإعلامي المعتدل وفق ظروف ومناشئ تتهيأ مسبقا حتى يمكن أن نؤسس خطابا إعلاميا معتدلا.
وفي ضوء النتائج العامة التي توصل إليها البحث إستنبطنا مجموعة من الإستنتاجات أبرزها:
- من منظور مختلف تعرض المعالجة المنهجية في البحث حدود الأزمة البنيوية الراهنة التي تحيط بالفعل الإعلامي الراهن والذي تم اختطافه ومصادرته لغايات متصلة بالهيمنة والاستحواذ والسيطرة، وأية مفارقة حين نحاول أن نكيف نظريا الازمة الراهنة مع متطلبات الاخضاع لمسلمات عرفناها قبل عقود من الزمن في الإطروحات الفكرية التي تناولت مبادئ وأخلاقيات العمل الإعلامي وإنسانيته، إنها قضية أكثر من شائكة وحرجة وتستدعي التوسل الحثيث باللغة كي تحمل أمانة المعنى، والبحث عن ايحائيات إنسانية تدل على الإعتدال والوسطية في مضمون الخطاب الإعلامي.
- وضوح العلامات الفارقة في التناول والمعالجة الفكرية في البحث كانت في الواقع تبدأ من فكرة تسجيل الواقع وإعادة انتاجه، وهي ليست عملية تسعى نحو بناء إستيهامات فكرية مستندة الى الرغبة في تحطيم القشرة التي تغلف فعل الإعلام، بل انها عمليا تسعى الى صياغة شكل معياري يمكن من الاحتكام له بشكل محايد وموضوعي.
وبمعنى آخر السعي نحو افتراض وجود حراك إعلامي هادف متسم (بالإعتدال) المدرك من القائمين على تفعيله في المجتمع لغايات خلاقة وبناءة، هذا الافتراض بحد ذاته يلقي على المتلقي مسؤولية إكتشاف حجم الفجوة القائمة اليوم بين النوايا المضمرة والغايات الحقيقية وراء تمكين الإعلام من الوصل والتأثير في الافراد والمجتمعات، والتأمل في لجة البحر ليس مثل الغوص في أعماقه، والمشاهد المتصلة بواقع دور الخطاب الإعلامي في المجتمع التي تعرض تفاصيل معززة بالقرائن عن (البيئة الملوثة للإعلام)، تعبير يختصر القصة بإسرها، والحوسبة الرياضية الموظفة في أداة التفكير والمعالجة كانت تحاول من خلال الخوض في غمار تفاصيل المعالجات الذي عرضها البحث، تسعى بشكل حثيث نحو بناء فضاء مشترك بين المرسل والمستقبل، فضاء مشحون بالمسؤولية المشتركة لجميع من يرى في الإعلام نشاط معرفي خلاق يمكن ان يسهم في ضمان حياة أفضل للبشرية، وحرية حقيقية للانسان، وفق مبدأ الإعتدال.
- إن الإعتدال في الإعلام، هو الإستواء والإستقامة والتوَسُّطُ بين حالَيْن؛ بين مجاوزةِ الحد المشروع والقصورِ عنه، والاعتدال الذي نقصده، لا يعنى التخلي عن ثوابت الدين في الرسالة الإعلامية، وإنما يعني قراءة هذه الثوابت بعيدا عن الغلو والتطرف والتحريض والمطلوب على هذا الصعيد، هو إظهار قيم الإعتدال والوسطية ونسج العلاقات الايجابية بين مختلف الأمم والشعوب والثقافات والحضارات، والعمل على صياغة خطاب وسطي يفكك نزعات التطرف والغلو، ويبني حقائق الاعتدال والتسامح لأن تعزيز ثقافة الإعتدال تعزيز للحرية الإعلامية وحمايتها، وحفظ التوازن في الممارسة والتعبير، مما يحد من الشطط الذي يؤدي إلى ممارسات سلبية، إذ أنّ الإعتدال لا يعني أبدا عدم الانحياز إلى الحق أخلاقيا وإنسانيا تجاوبا مع حريات الناس وتطلعاتهم وآمالهم.
كما أن الإعتدال لا يعني أيضا تنازلا أو خضوعا أو خنوعا، ومسؤوليته الحفاظ على السلم الاجتماعي ورفع الظلم والدفاع ضد العدوان والتوعية من المخاطر، فضلا عن ضرورة النظر إلى القضايا التي يتم تناولها في وسائل الإعلام برؤية أبعد من حماسة قد تكون إنتحارية أو تهوّرية.