الانفراجة القادمة بين الولايات المتحدة والصين

بروجيكت سنديكيت

2025-11-04 04:35

بقلم: جيمس جالبريث

أوستن ــ في العام الماضي، قررت ولاية تكساس حظر الاتصال المهني من جانب موظفي الولاية (بما في ذلك أساتذة الجامعات) ببر الصين الرئيسي، وذلك "للتحصن" ضد نفوذ الحزب الشيوعي الصيني ــ الكيان الذي يحكم الصين منذ عام 1949، والذي حضر زعيمه آنذاك، دينج شياو بينج، إحدى مسابقات رعاة البقر في تكساس عام 1979.

في معرض دفاعه عن هذه السياسة، كتب رئيس جامعة تكساس الجديد وزميلي ويل إنبودن، في مجلة National Affairs: "وفقا لتقديرات الحكومة الأميركية، اختلس الحزب الشيوعي الصيني ما قد تصل قيمته إلى 600 مليار دولار أميركي من التكنولوجيا الأميركية كل عام ــ بعضها من الشركات الأميركية لكن قسما كبيرا منها من الجامعات الأميركية". يبلغ الناتج المحلي الإجمالي الأميركي حاليا نحو 30 تريليون دولار، وعلى هذا فإن 600 مليار دولار تمثل 2% من هذا المبلغ، أو ما يقرب من 70% من ميزانية الدفاع الأميركية (880 مليار دولار). كما أنها تمثل نحو ثلث إجمالي إنفاق جميع الكليات والجامعات الأميركية (1.8 تريليون دولار)، على كل المواد والأنشطة كل عام. وهذا يعني 30 سنتا من كل دولار من الرسوم الدراسية وثلث كل منحة بحثية فيدرالية.

علاوة على ذلك، يبدو أن الصينيين نجحوا في الاستفادة من المعرفة المنهوبة بشكل أفضل من استفادتنا منها. ما عليك إلا أن تقارن معدل نموهم بمعدل النمو في أميركا، أو انظر إلى المدن الصينية، وسككها الحديدية الفائقة السرعة، وصناعاتها المتقدمة. هذا فضلا عن القضاء على الفقر الجماعي، و3.5 مليون مهندس وعالِـم تضيفهم البلاد كل عام. يجب أن تكون هذه السرقة شبيهة بسرقة الزمرد من متحف اللوفر ــ لعبة محصلتها صفر. فلم يحصل الصينيون على الأشياء الجيدة فحسب، بل منعوا أميركا بطريقة ما من استخدامها. يا لها من عقلية شيطانية.

بالطبع، الرقم الذي يستشهد به "إنبودن" سخيف، وإن كنت لا أشك في أن حكومة الولايات المتحدة ذَكَرَت الرقم ذاته في مكان ما. مثل هذه الادعاءات حول الصين (وليس الصين فقط)، أصبحت أمرا روتينيا في السنوات الأخيرة. والتكتيك واضح ومباشر. فمن خلال إشباع الفضاء المعلوماتي بتأكيدات مُـتَـكَـلَّفة وغزيرة ويصعب دحضها، تصبح المعارضة، ناهيك عن المخالفة، مرادفا لعدم الولاء، بل وحتى الخيانة.

مع ذلك، من الواضح أن الجامعات من غير الممكن أن تعمل كمختبرات سرية لدولة الأمن القومي. فنحن بطبيعتنا منفتحون. وبقدر ما ننتج من معرفة مفيدة أو تكنولوجيات جديدة، فإنها تصبح بطبيعة الحال ملكية مشتركة للعالم أجمع. هذا هو المقصود من "النشر". أما عن الشركات الأميركية، فقد ذهبت إلى الصين لكسب المال. ونجحت في ذلك شركات عديدة. وبوسعنا أن نعترف بأن حصول الصين على شيء من ذلك ــ على حساب العمال الأميركيين ــ كان جزءا من الصفقة. إنها تسمى الرأسمالية.

وهذه ليس أول مرة. في الخمسينيات من القرن الماضي، أصبح شعار "من خسر الصين؟" صيحة حرب وطنية حيث دمر صائدو السحرة الطموحون في الكونجرس وأماكن أخرى حياة ومِـهَـن مسؤولين أميركيين عرفوا البلاد عن كثب. عندما كان والدي يعمل سفيرا إلى الهند في عام 1961، أرسل برقية إلى وزارة الخارجية الأميركية ساق فيها الحجج لصالح الاعتراف بالجمهورية الشعبية، ليتلقى هذا الرد الملحمي: "آراؤك، بقدر ما تحمل من وجاهة، وضِعَت في الاعتبار بالفعل، ورُفِضَت".

برغم هذا، في مؤتمر في عام 2003، أخبرني تشيستر كوبر، وهو من قدامى المحاربين في مجال الأمن القومي في تلك الحقبة، أن حتى وزير الخارجية آنذاك دين راسك وافق سرا، قائلا: "أنا لست أبله القرية". كان بوسع الولايات المتحدة أن تعترف بجمهورية الصين الشعبية بعد انتخابات عام 1964 لو ظل جون كينيدي على قيد الحياة وأعيد انتخابه؛ ولكن بدلا من ذلك، كان ريتشارد نيكسون هو من فتح الباب في عام 1971، ودلف عبره جيمي كارتر في عام 1977. كنت حاضرا ضمن ذلك الحشد الصغير الذي استقبل دينج العظيم ــ الضئيل الحجم ــ عند دخوله مبنى مكاتب الكونجرس رايبورن في عام 1979.

في الوقت ذاته، بدأت الأحوال تتبدل مرة أخرى. فقد نشرت مؤسسة راند (RAND)، معقل الفِكر الأمن القومي الأميركي البارز، ورقة بحثية تاريخية تدعو إلى التعايش مع الصين، وقبول شرعية الحزب الشيوعي الصيني. تخيل ذلك. يستشهد مؤلفو البحث بآراء مماثلة يحملها آخرون من كبار المتعاونين مع الصين، وأبرزهم راش دوشي الذي كان يعمل سابقا في مجلس الأمن القومي ويعمل حاليا في مجلس العلاقات الخارجية، وهم يصححون بعناية الترجمات الأميركية الخاطئة التي جعلت الوثائق والبيانات الرسمية الصينية تبدو أكثر عدوانية مما هي عليه في حقيقة الأمر. على نحو مفاجئ، بدأت أصوات تحتل مناصب رفيعة تلمح إلى ما كان لفترة طويلة موضع شك من جانب كثيرين منا والذين كانوا يراقبون الصين دون الاستفادة من المصادر الداخلية: ومفاده أن الحكومة الصينية مهتمة في الأساس بحكم الصين.

ولكن ماذا يكمن وراء هذه الانفراجة الواضحة؟ تقدم التطورات الأخيرة التي طرأت على الحرب التجارية دليلا مفيدا. لنتذكر هنا أن الصين أعلنت مؤخرا عن فرض قيود على تصدير العناصر الأرضية النادرة وخاصة الجاليوم، وهو منتج ثانوي لإنتاج الألومنيوم (والزنك) الضروري للإلكترونيات المتقدمة. تسيطر الصين على أكثر من 98% من الإمدادات العالمية من الجاليوم، بفضل قدرتها في إنتاج الألومنيوم، التي تبلغ 59% من الإجمالي العالمي و 60 ضعف ما تنتجه منه الولايات المتحدة. بعد مرور نصف قرن من التحول عن التصنيع، لا تستطيع الولايات المتحدة سد هذه الفجوة ــ ولا توجد بدائل جيدة للجاليوم (ولا لكثير من مواد أخرى تسيطر عليها الصين). وعلى هذا، فقد خفضت الصين فعليا من احتمالات وقوع مواجهة عسكرية أميركية مع الصين. 

في اجتماعه مع نظيره الصيني في ماليزيا هذا الأسبوع، نجح وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت في تأمين تأجيل لمدة عام واحد للقيود التي فرضتها الصين على تصدير العناصر الأرضية النادرة. وأكد ترمب هذا الاتفاق مع الرئيس الصيني شي جين بينج في بوسان في التاسع والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول. يُـعَـد هذا التأجيل في الواقع فترة اختبار: حيث تُـقَـيِّم الصين، لمدة عام، ما إذا كان من الممكن أن تترسخ روح جديدة من عدم الاعتداء، والتعاون، وخطاب خفض التصعيد، والتجارة المفتوحة. إذا لم يكن الأمر كذلك، فلن يكون الوضع أفضل بالنسبة للولايات المتحدة بعد عام من الآن، وكلا الجانبين يعرف ذلك.

يعود تاريخ صعود الصين وتراجع أميركا الطويل الأمد إلى سبعينيات القرن الماضي على الأقل: نهاية عهد ماو في الصين، وصعود اقتصاديات السوق الحرة في الولايات المتحدة، وسياسة الدولار القوي التي انتهجها بول فولكر، وقدوم رونالد ريجان. إنها ليست قصة بسيطة عن أميركا المنهوبة كما يحلو لرئيسنا، وحاكم ولايتنا، ومحترفي بث الذعر في وكالاتنا الأمنية، ومراكز الأبحاث، ووسائل الإعلام أن يَـدّعوا. لكننا أصبحنا حيث نحن الآن. وحتى أكثر قادتنا بلادة بدأوا يدركون أن الولايات المتحدة لم تعد مسيطرة بالكامل.

هنا في تكساس، سيكون من الجميل أن يتمكن عدد قليل منا، الذين تتبعوا الوضع بدقة لعقود من الزمن من استعادة حقنا في السفر والتعامل باحترافية مع الصين. قد نبدأ آنئذ في إعادة إحاطة قادتنا المحليين عِلما بالعالم الحقيقي. ومن يدري؟ ربما عندما يزور شي الولايات المتحدة في العام المقبل، نستضيفه في مسابقة رعاة البقر. ولن تكون أول مرة. 

خلال الفترة من عام 1993 إلى عام 1997، عمل المؤلف في إطار برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بصفته كبير المستشارين الفنيين المعنيين بإصلاح الاقتصاد الكلي وتعزيز المؤسسات في لجنة تخطيط الدولة في الصين.

* جيمس ك. جالبريث، أستاذ الحكومة وكرسي العلاقات بين الحكومة وقطاع الأعمال في جامعة تكساس في أوستن، وهو خبير اقتصادي سابق في اللجنة المصرفية في مجلس النواب الأمريكي ومدير تنفيذي سابق للجنة الاقتصادية المشتركة في الكونغرس. وفي الفترة من 1993-1997، شغل منصب كبير المستشارين الفنيين لإصلاح الاقتصاد الكلي في لجنة تخطيط الدولة الصينية. وهو مؤلف مشارك (مع جينغ تشين) لكتاب "اقتصاديات الانتروبيا": الأساس الحي للقيمة والإنتاج، سيُنشر كتابه القادم، "القدرة على التدمير: كيف قادت النظريات الاقتصادية القديمة إلى الانحدار الأمريكي"

https://www.project-syndicate.org/

ذات صلة

الانتخابات في العراق.. من التأثير الإيراني الى الجفاف التركيحماية الفئات الأكثر ضعفاً من الاستغلال الانتخابيمستقبلنا في عالم متغيرإلى البناء التنمويابنوا الأطفال: ستبنى الاوطان