ورثة مانديلا يواجهون أكبر اختبار انتخابي

بروجيكت سنديكيت

2024-05-13 05:46

بقلم: أديكي أديباجو

بريتورياـ احتفلت جنوب أفريقيا مؤخراً بالذكرى الثلاثين لأول انتخابات ديمقراطية فيها والتي جلبت إلى السلطة نيلسون مانديلا الحائز على جائزة نوبل للسلام. يحظى مانديلا والذي يُعتبر "الأب المؤسس" لجنوب أفريقيا ما بعد الفصل العنصري والكاهن الأكبر للمصالحة باحترام عالمي باعتباره قديسًا علمانيًا. لكن اليوم، يواجه مانديلا اتهامات متزايدة بعدم محاسبة الأقلية البيضاء الثرية على 350 عامًا من جرائم الاستعمار والفصل العنصري وبدون دفع تعويضات كافية لضحاياهم الذين غالبيتهم الساحقة من السود.

عندما يتوجه المواطنون في جنوب أفريقيا إلى صناديق الاقتراع في التاسع والعشرين من مايو، فإن إرث مانديلا ــ وورثته السياسيين ــ سوف يواجه أعظم اختبار له حتى الآن، وفي الانتخابات الأكثر أهمية منذ أصبحت البلاد ديمقراطية، فإن حزب المؤتمر الوطني الأفريقي والذي حكم بدون انقطاع منذ أن قاده مانديلا إلى النصر في عام 1994، قد يفقد أخيرًا احتكاره للسلطة.

على الرغم من التغطية الإعلامية الغربية السلبية لجنوب أفريقيا في مرحلة ما بعد الفصل العنصري، فقد حققت البلاد بعض التقدم الاجتماعي والاقتصادي المثير للإعجاب على مدى العقود الثلاثة الماضية حيث تم بناء حوالي 3.4 مليون وحدة سكنية، وتم توصيل الكهرباء الى 90% من الأسر كما أن 82% من الأسر لديها مياه موصولة بالأنابيب، ويتلقى 18.8 مليون مواطن في جنوب أفريقيا منحاً اجتماعية قيمة. (وبطبيعة الحال ليست كل الأخبار طيبة، فقد ارتفعت معدلات البطالة إلى 32%، في حين لا يزال 18.2 مليون إنسان يعيشون في فقر مدقع).

لقد كانت جنوب افريقيا حتى العام الماضي العضو الأفريقي الوحيد في مجموعة البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) ومجموعة العشرين كما لا تزال الدولة الإفريقية الوحيدة التي لديها شراكة استراتيجية مع الاتحاد الأوروبي.

علاوة على ذلك، فرضت جنوب أفريقيا نفسها مؤخراً على الساحة الدولية وذلك من خلال اتهام إسرائيل بانتهاك معاهدة الإبادة الجماعية في قضية أمام محكمة العدل الدولية، وتتوافق هذه الخطوة الجريئة مع قيم حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، الذي يتمتع بتاريخ حافل في دعم حق تقرير المصير وإظهار التضامن مع رفاقه في حركات التحرير.

لقد أربك مانديلا العديد من الغربيين عندما حافظ على علاقات وثيقة مع الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، والزعيم الكوبي فيدل كاسترو، والزعيم الليبي معمر القذافي، وجميعهم أيدوا بقوة نضال جنوب أفريقيا ضد الفصل العنصري، وباعتبارها عضوًا غير دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في الأعوام 2007-2008، و2011-2012، و2019-20، دعت جنوب إفريقيا إلى حق تقرير المصير لشعب فلسطين والصحراء الغربية.

ولكن بعد أن أصبح رئيساً، لم تتمكن رؤية مانديلا لتعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية من الاستمرار عند اصطدامها بالواقع لأول مرة، ففي عام 1995، عندما شنقت الطغمة العسكرية الحاكمة في نيجيريا بقيادة الجنرال ساني أباتشا كين سارو ويوا، الناشط البيئي، وثمانية من زملائه الناشطين، دعا مانديلا إلى مقاطعة النفط وطرد نيجيريا من الكومنولث علمًا أنه في سعيها لعزل نيجيريا، وجدت جنوب أفريقيا نفسها معزولة، حيث اتهمت الدول الأفريقية حكومة مانديلا بأنها حصان طروادة بالنسبة للغرب كما اتهمتها بتقويض التضامن ضمن القارة.

وفي وقت لاحق، عكس نائب مانديلا، ثابو مبيكي، هذا المسار قبل توليه السلطة في عام 1999. لقد كان لدى مبيكي تصور "النهضة الأفريقية" وهو التصور الذي يستلزم إنشاء برامج الرعاية الاجتماعية في الداخل وإقامة علاقة استراتيجية مع الرئيس النيجيري آنذاك أولوسيجون أوباسانجو لبناء المؤسسات التي يقوم عليها الاتحاد الأفريقي، كما أرسل مبيكي قوات حفظ السلام إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية وبوروندي، وشارك في جهود صنع السلام في زيمبابوي وساحل العاج.

لقد ظل مبيكي وأوباسانجو يمارسان الضغوط على مجموعة الثماني لحملها على إلغاء الديون الخارجية المستحقة على أفريقيا وتوفير التمويل اللازم للتحول الاجتماعي والاقتصادي في القارة، ولكن دون جدوى. لقد سعى مبيكي كذلك إلى إضفاء الطابع الديمقراطي على مؤسسات الحوكمة العالمية مثل الأمم المتحدة، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة العالمية. وعلاوة على ذلك، دافع عن مصالح الجنوب العالمي من خلال المساعدة في تأسيس منتدى حوار مجموعة الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا في عام 2003.

خلال رئاسة جاكوب زوما، الذي تم انتخابه في عام 2009، حصلت جنوب أفريقيا على حق الدخول إلى نادي بريك. لقد تبنى زوما سياسة تجارية تصديرية سعت إلى جعل جنوب أفريقيا "بوابة أفريقيا"، وعلى الرغم من أن شركاتها العملاقة التي يهيمن عليها البيض في قطاعات تتراوح من الاتصالات والتعدين إلى محلات السوبر ماركت وسلاسل الوجبات السريعة قد بدأت بالفعل في الانتشار في طول القارة وعرضها، ولكن تم إفراغ مؤسسات الدولة من مضمونها خلال فترة حكم زوما، واتُهمت إدارته بالكسب غير المشروع على نطاق واسع.

لقد تورط الرئيس الحالي سيريل رامافوسا، الذي تولى منصبه في عام 2018 في مشاحنات لا تنتهي داخل الحزب ويُنظر إليه على نطاق واسع بأنه يتبع نهج لا يعكس الحماس في التصدي للفساد كما واجهته صعوبات أيضًا في إحياء مؤسسات الدولة المهملة وسيئة الادارة مثل شركة إسكوم، مرفق الكهرباء الذي أدى انهياره إلى انقطاع التيار الكهربائي بشكل متكرر.

وعلى الرغم من هذه التحديات المحلية، واصلت جنوب أفريقيا السعي لاجتذاب المستثمرين الأجانب وذلك من أجل جعل البلاد سوقاً ناشئة جذابة. لقد حققت سياسة رامافوسا الخارجية بعض النجاحات فبصفته رئيسًا للاتحاد الأفريقي في عام 2020، ضغط من أجل المساواة فيما يتعلق بالحصول على لقاحات كوفيد-19، متهمًا العالم الغني بـ "الفصل العنصري في مجال اللقاحات"، وكرئيس لمجموعة البريكس في العام الماضي، أشرف على توسع المجموعة كما تساهم جنوب أفريقيا أيضًا في جهود حفظ السلام في الكونغو وموزمبيق.

إن من الواضح أن رؤساء حزب المؤتمر الوطني الإفريقي المتعاقبين قد أهدروا رأس المال السياسي لحزبهم من خلال الفشل في كبح الفساد المتفشي وتقديم الخدمات العامة. لقد انخفض الدعم لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي إلى مستويات قياسية، مما يشير إلى أنه قد يحصل على أقل من 50٪ من الأصوات في الانتخابات المقبلة ويضطر إلى تشكيل حكومة ائتلافية.

لكن السياسة الخارجية لجنوب أفريقيا ما تزال تحظى بشعبية واسعة النطاق بين الغالبية السوداء في البلاد وعلى الرغم من إن الأقلية الصاخبة، ومعظمها من البيض، تبدو وكأنها تشعر بالحنين إلى الدفء في علاقة البلاد مع الغرب خلال فترة الحرب الباردة. إن من المؤكد أن ورثة مانديلا كانوا في بعض الأحيان مرتبكين دبلوماسًيا ــ حيث بدا وكأنهم يدعمون الغزو الروسي لأوكرانيا، على سبيل المثال، مما أغضب الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي.

ومع ذلك، فإن هناك العديد من الأسباب الوجيهة التي تجعل جنوب أفريقيا تحافظ على علاقات جيدة مع حلفائها في مجموعة البريكس وغيرها من دول الجنوب العالمي، فضلا عن علاقات سليمة مع شركائها الغربيين التقليديين. يشمل ذلك دورها القيادي في قارة تتزايد أهميتها الاستراتيجية، ودعمها الثابت لحق تقرير المصير في العالم النامي، وحقيقة أن الصين هي أكبر شريك تجاري ثنائي لها، وسوف يظل تبني موقف يعكس عدم الانحياز أمراً بالغ الأهمية بصرف النظر عن نتيجة الانتخابات، لأنه يقدم أفضل طريق إلى الرخاء الاقتصادي واستمرار النفوذ في الشؤون العالمية.

* أديكي أديباجو، أستاذ وزميل أبحاث كبير في مركز جامعة بريتوريا للنهوض بالمنح الدراسية في جنوب أفريقيا، عمل في بعثات الأمم المتحدة في جنوب أفريقيا والصحراء الغربية والعراق. وهو مؤلف كتاب "أفريقيا العالمية: لمحات عن الشجاعة والإبداع والقسوة" و"النسر وسبرينغبوك: مقالات عن نيجيريا وجنوب أفريقيا"

https://www.project-syndicate.org/

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي