استراتيجية للعراق: مبادئ توجيهية لإدارة بايدن
معهد واشنطن
2021-07-20 04:15
بقلم: بلال وهاب، جوي هود، جين عراف
تكمن قيمة حركة الاحتجاج الأخيرة في العراق في جمعِها مجموعة واسعة من العراقيين من مختلف الانتماءات. ولكن تم سحق الحركة عمداً وبشكل فعال، حيث قُتل قادتها أو أُرغموا على الاختباء. ويستكشف مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية ومديرة مكتب بغداد لصحيفة "نيويورك تايمز"، وباحث عراقي في معهد واشنطن الفرص والأخطار المتزايدة التي تواجه السياسة الأمريكية تجاه البلاد.
"في 14 تموز/يوليو، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي مع بلال وهاب وجوي هود وجين عراف. ووهاب هو "زميل واغنر" في المعهد ومؤلف مذكرته الأخيرة لعام 2021: "تعزيز السيادة والمساءلة في العراق" التي نشرها المعهد مؤخراً. وهود هو القائم بأعمال مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى. وعراف هي مديرة مكتب بغداد لصحيفة "نيويورك تايمز". وفيما يلي ملخص المقرر لملاحظاتهم".
بلال وهاب
تمثّل الحوكمة التحدي الرئيسي الذي يواجه العراق اليوم. والسؤال هو: هل تستطيع الدولة العراقية توفير الكهرباء وفرص العمل والرعاية الصحية وغيرها من الخدمات الأساسية لشعبها؟ لقد أخفقت [الحكومة] حتى الآن، وباستمرار في تحمّل هذه المسؤوليات الأساسية. ومن ناحية وسائل الإعلام الدولية، فبدلاً من أن تلفت الانتباه الضروري لهذه المشكلة، فهي تميل إلى التركيز على القضايا التي تُعطي الإحساس بأنها تُشتت انتباه المواطنين العراقيين. وتهيمن الأنباء عن الطائرات بدون طيار والصواريخ والصدامات العسكرية الإقليمية على عناوين الأخبار، وعلى الرغم من أهمية هذه القضايا، إلّا أنّ لدى المواطن العراقي العادي مخاوف أساسية وعاجلة لم تتم معالجتها.
وفي الوقت نفسه، هناك شعور متزايد بالسيطرة على الأفعال وعواقبها في أوساط الدولة العراقية. فمن سقوط صدام حسين إلى صعود تنظيم «الدولة الإسلامية»/ «داعش»، أبرزت التطوّرات الكبرى في العراق في السابق مشاركة مكثّفة من جانب المجتمع الدولي. أما اليوم، فيقود الشعب العراقي الجهود المبذولة لمعالجة قضايا الحوكمة الأساسية.
وتمتلك إدارة بايدن كادراً من الخبراء تتمحور حياتهم المهنية حول العراق، وهم على إلمام بالقضايا والشخصيات. ومع ذلك، فقد تغير الكثير داخل العراق في السنوات القليلة الماضية. وانتقلت السلطة من الأحزاب السياسية إلى الميليشيات، حيث تمارس «قوات الحشد الشعبي» الآن نفوذاً كبيراً داخل الحكومة. على سبيل المثال، في الوقت الذي انخفضت فيه ميزانية وزارة الصحة بنسبة 16 في المائة منذ عام 2019 -أثناء تفشي الجائحة، لا أقل- ازدادت ميزانية «قوات الحشد الشعبي» بنسبة 27 في المائة. كما كثرت التحولات السياسية الطائفية، حيث أصبحت الانقسامات الداخلية في صفوف الأحزاب الشيعية والسنية والكردية متجذرة الآن، كما هو عليه الحال في الانقسامات بين هذه الفصائل، مما أدى إلى ظهور تحالفات انتخابية جديدة.
وعلى الرغم من تزايد حرية التصرف في أوساط العراقيّين، إلا أن العديد منهم يشعرون أنّهم ما زالوا يدفعون ثمن التطورات الجيوسياسية الخارجة عن سيطرتهم. وبناءً على ذلك، من الضروري أن تعمل الولايات المتحدة على بناء علاقات وثيقة مع العراق تتجاوز مكافحة الإرهاب والمناقشات التي لا تنتهي حول مستويات الجنود والمسؤوليات. وعلى وجه الخصوص، يجب على واشنطن الضغط على النخبة السياسية في العراق للاستثمار بشكل أكبر في النجاح الاقتصادي المحلي والحوكمة الرشيدة. فالعراق لم يصبح بعد دولة ديمقراطية، لكن لديه سياسات تنافسية يمكن دفعها نحو إطار يخدم الناس بشكل أفضل. إلّا أن ذلك سيتطلب كبح جماح الميليشيات والحد من الفساد.
وتُعد مواجهة الميليشيات مهمّة صعبة بشكل خاص بسبب الافتقار إلى الإرادة السياسية. فالدولة العراقية ليس لديها راع دولي، خلافاً للميليشيات. ولا تشعر الدولة بالقوة الكافية للرد بمفردها.
ولكن مواجهة الميليشيات لا تكفي. فمن الضروري أيضاً أن يعمل المسؤولون الأجانب على توسيع فهمهم لما يمكن اعتباره انتهاكاً لحقوق الإنسان. فالفساد وسوء الإدارة والكسب غير المشروع في العراق يستهلكون كل شيء لدرجة أنها ترقى إلى حد انتهاك حقوق الإنسان.
وأخيراً، يجب ألّا ينسى المسؤولون الأمريكيون أن عراقاً مستقراً وديمقراطياً هو مفتاح السياسة الأمريكية في جميع أنحاء المنطقة. وقد أثبتت النماذج العراقية الأخرى -من ديكتاتورية قوية إلى دولة ضعيفة وفاشلة- أنها مصادر عدم استقرار كبير.
جوي هود
علاقتنا مع العراق ستكون دائماً مهمة في حد ذاتها. ونواصل السعي إلى [قيام] عراق يتمتّع بالسيادة والاستقرار والازدهار، واليوم تمثّل الميليشيات أكبر عقبة أمام هذا العمل. وتستخدم الميليشيات المدعومة من إيران الدعاية والهجمات للفت الانتباه إلى الوجود العسكري الأمريكي لأنّها لا تريد التحدث عن العلاقة الأمريكية الأوسع نطاقاً بالعراق، حيث تتعرّض مصالحها ورؤيتها للبلاد للتهديد فعلاً.
نحن نشيطون للغاية في القيام بأعمال هادفة لتحقيق الاستقرار ومساعدة العراقيين على التعافي من تنظيم «الدولة الإسلامية». وقد أصبح لدى المواطنين الذين يعيشون في المناطق المحرّرة من «داعش» مياه نظيفة وكهرباء ورعاية صحية ومدارس للأطفال، وهم يستخدمون على الأرجح مرافق أعيد تأهيلها بتمويل من الحكومة الأمريكية.
كما نتحدّث مع الحكومة العراقية حول واجبها الأخلاقي في حماية ناشطي المجتمع المدني. لقد مضى عام على مقتل هشام الهاشمي [الخبير في شؤون الأمن والجماعات المسلحة]، ونواصل الضغط من أجل محاسبة المسؤولين عن قتله [الذين اعتقلوا مؤخراً] وقَتل إيهاب الوزني وآخرين.
وتريد الميليشيات التسبب بصراع وتصوير الولايات المتحدة كقوة احتلال. لكنّنا لسنا في حالة حرب مع الميليشيات، ونريدها فقط أن تتركنا نحن والشعب العراقي وشأننا. وكلّما زاد الوقت الذي نخصصه لتفادي الصواريخ والدفاع عن أنفسنا -وهو ما سنفعله- قلّ الوقت المتاح لتقديم المساعدة المنقذة للحياة. ولكن ردع المليشيات هو دور يتعيّن على الحكومة العراقية تأديته، وبالتالي فهو مسألة إرادة سياسية. وتملك بغداد جهاز مكافحة إرهاب هو من الدرجة الأولى في المنطقة، وقادر على مواجهة أقوى عناصر تنظيم «الدولة الإسلامية». وإذا لم يقم العراقيون بتحديد الميليشيات والتعامل معها بالمثل، فلن تتمكن الولايات المتحدة من القيام بذلك نيابة عنهم.
ويرغب الكثير من القوميين العراقيين في رؤية مستقبل أكثر إشراقاً مع دولة قوية، وهذا ما سنعمل عليه معاً. وإذا ثبت أنّ الانتخابات المقبلة غير شرعية، فسنكون واضحين للغاية في قول ذلك. ولن نخجل من الحقيقة بينما يقترب العراق أكثر فأكثر من الكارثة.
جين عراف
في 12 تموز/يوليو، اندلع حريق مميت في مستشفى في جناح فيروس" كورونا" في الناصرية. ومع استمرار ارتفاع عدد القتلى [مباشرة بعد الحادث]، تُوضّح العديد من جوانب المأساة - من البناء الرديء إلى التحذيرات المتجاهَلة بشأن تسرب الأوكسجين - أنّه كان من الممكن تجنّبها تماماً. لقد نشأ جيل كامل من الشباب العراقي دون أن يعرفوا صدام، وأدت حوادث رهيبة كما حصل في المستشفى إلى جعلهم يعتقدون أنّ العيش في ظل حكمه أفضل من ظروفهم الحالية. ويبدو أن إقناعهم بخلاف ذلك أمراً مستحيلاً في ظلّ عدم وجود مستقبل [واضح] لهم على الإطلاق في العراق في الوقت الحالي.
في تقاريري، أرى الشباب في الناصرية وبغداد يظهرون شجاعة خيالية حتى عندما تطلق قوات الأمن النار عليهم. وأكثر من أي وقت مضى، يعبّرون اليوم عن تَوقهم لمغادرة البلاد. ومؤخّراً سألني طفل في العاشرة من عمره عمّا إذا كان بإمكانه العودة معي إلى كندا، قائلاً إنّه يخشى أن تطلق الميليشيات النار عليه. لقد رأيتُ أطفالاً بين سن العاشرة والثانية عشر مصابين بأعيرة نارية من مسلحين يطلقون النار على الاحتجاجات.
كيف وصلت الأمور إلى هذا الحدّ؟ لا يمكننا حلّ هذه المشاكل دون فهم كيفية وصولنا إلى هذه النقطة. عندما زرتُ مستشفى عراقي جديد قبل الحدث الذي وقع في مستشفى الناصرية، علمتُ أنّه كان مشروعاً تركيّاً استغرق إكماله عشر سنوات - وهو في منطقة لم يتم فيها إنشاء أي مستشفى جديد منذ عام 1981. وهذه ليست مجرد مشكلة تتعلق بالبنية التحتية؛ فثقة العراقيين في انتخاباتهم وقادتهم ضئيلة جداً حاليًّاً. لقد أصبح من المبتذل القول إن "العراق على مفترق طرق"، ولكن البلاد على وشك الوقوع في كارثة فعلية هذه المرة.
وتكمن قيمة حركة الاحتجاج الأخيرة في أنّها جمعت مجموعة واسعة من العراقيين من مختلف الانتماءات - عائلات ونساء وأطفال وأشخاص من جميع الأديان ومن دون دين. ولكن تم سحق الحركة عمداً وبشكل فعال، حيث قُتل قادتها أو أُرغموا على الاختباء. وعلى الرغم من استمرار الاحتجاجات في بعض الأماكن، إلّا أنّ أيّاً من بنود جدول الأعمال الكبيرة التي كانت الحركة تأمل في تحقيقها لم تتحقق، ولم يتم تقديم أي شخص إلى العدالة على خلفية عمليات القتل على أيدي قوات الأمن والميليشيات.
وقلّل هذا النقص في المساءلة من رغبة الناشطين في المشاركة في الانتخابات. بالإضافة إلى ذلك، وضع قانون الانتخابات الجديد حواجز كبيرة أمام الترشح، فمن الصعب للغاية جمع الأموال الكافية وإيجاد مرشّحين أقوياء بما يكفي لتأسيس حزب سياسي وطني. ولقد قوّضت هذه المشاكل إلى حد كبير فرص إحداث تغيير ذي مغزى في العراق في الانتخابات المقبلة.