العراق هشّ ولكن ليس ميؤوس منه
كيف تضعف هشاشة العراق الاستقرار الإقليمي؟
د. حسين أحمد السرحان
2021-01-21 07:50
بقلم: كاثرين لولور (Katherine Lawlor)، كيتي دافيسون Ketti Davison
معهد دراسات الحرب (ISW)/ واشنطن
ترجمة: د. حسين احمد السرحان/مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية
نشر معهد دراسات الحرب تقريرا مهما يناقش الاوضاع في العراق وطبيعة التفاعلات الاقليمية والدولية على الساحة العراقية وكيفية التعامل معها اميركيا، ليكون بمثابة نهجا سياسيا لصناع القرار في الولايات المتحدة تجاه العراق بعد التطورات التي شهدتها الساحة العراقية والتظاهرات الرافضة للأحزاب وادارة السلطة، وتطورات التعامل الاميركي مع العراق بعد الانسحاب العسكري من كثير من القواعد العسكرية والتهديد بإغلاق سفارة واشنطن في بغداد، وكيفية بعث الروح في الشراكة العراقية – الاميركية.
وترى الدراسة انه لايزال بإمكان الولايات المتحدة تحقيق نتيجة استحقت 17 عاما من التضحيات المشتركة بين البلدين، ولذلك هم بحاجة الى فهم الحقائق على الساحة العراقية، وليس فهم ما يرغبون فيه. ويمكن تلخيص اهم ما ورد فيه بالآتي:
يبقى استقرار العراق ذو اهمية استراتيجية للولايات المتحدة الاميركية ويستحق تضافر الجهود السياسية الاميركية. فالهشاشة والضعف في الداخل العراقي يخلق مساحة للأطراف الاجنبية لخوض معاركهم في العراق بالوكالة، مما يؤدي الى تفاقم عدم الاستقرار في العراق وعدم الاستقرار الاقليمي في حلقة يعزز كل منهما الآخر. ولذلك فان حرمان الاطراف الخارجية من الوصول الى الداخل العراقي يكون من خلال اقامة دولة عراقية قوية ومستقرة وذات سيادة وهو شرط اساسي للاستقرار في الشرق الاوسط والحفاظ على المصالح الاميركية في المنطقة. ان استقرار العراق ومعه المنطقة، سيسمح للولايات المتحدة التركيز على اولويات السياسة الخارجية الاخرى دون التعرض لمخاطر اضافية في الشرق الاوسط.
يبقى العراق حيويا لجهود الامن القومي الاميركي، ويتضمن ذلك:
- تحقيق الاستقرار الاقليمي: يوفر استمرار عدم الاستقرار في العراق ساحة معركة بالوكالة تتفاقم وتتصاعد فيها الصراعات الاقليمية والعالمية. وان اقامة عراق ديمقراطي ومستقر وذو سيادة شرط اساسي لإحلال السلام في الشرق الاوسط.
- الحفاظ على الانتصارات في مكافحة الإرهاب: استمرار الوجود العسكري الأمريكي في العراق لدعم قوات الأمن العراقية والحفاظ على خطوط الإمداد والتعزيزات في سوريا أمر ضروري لمنع عودة ظهور داعش في العراق وسوريا. إن الحفاظ على الهزيمة الدائمة لداعش ومنع ظهور متطرفين سلفيين جهاديين جُدد يستحق الاستثمار الصغير نسبيًا لوجود القوات الأمريكية المستمر في العراق ومساعدة استقرار الدولة العراقية.
- التنافس مع القوى العظمى المتنافسة الناشئة: بدأت كل من روسيا والصين في تهديد المصالح الأمريكية في العراق. إن الحفاظ على الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والعراق وتعزيزها سيمنع هؤلاء المنافسين من القوى العظمى من إقامة موطئ قدم آخر يزعزع الاستقرار في الشرق الأوسط.
- تقييد إيران: إن إقامة دولة عميلة عراقية ضعيفة يقودها الشيعة هو هدف أساس للمشروع الإقليمي للنظام الإيراني. إن الدعم الأمريكي لتقوية الدولة العراقية لا ينهي هذا الهدف الأساس للنظام فحسب، بل ينهي أيضًا رغبات النظام الإيراني بساحة عراقية أسيرة وإنهاء النفوذ الإقليمي للولايات المتحدة.
الدولة العراقية لعام 2020 هشة، لكنها ليست ميؤوساً منها. ان تأثير مؤسساتها السياسية والدينية والأمنية القوية تاريخياً يتلاشى مع انفصال مصالح النخب عن مصالح الشعب العراقي. وان انهيار هذه المؤسسات يخلق مساحة لمشاركين جدد وتغييرات حقيقية في العملية السياسية في العراق. وقد تكون الانتخابات العراقية المقرر إجراؤها في عام 2021 الفرصة الأخيرة والأفضل لإعادة ترسيخ ثقة الشعب العراقي في نظامه السياسي المجزأ وغير التمثيلي بشكل متزايد. ويجب أن تكون زيادة مشاركة الناخبين وزيادة الاحزاب والتيارات السياسية غير الطائفية مصدر تفاؤل للدورة الانتخابية لعام 2021، لكنهما يتطلبان دعمًا من الجهات الفاعلة الدولية المحايدة ومؤسسات المجتمع المدني العلمانية.
تفتقر الحكومة العراقية الى القدرة على تقوية واستقرار الدولة العراقية، حتى عندما يمتلك قادتها الإرادة. ان وجود سياسة أمريكية متجددة تتضافر فيها جهود جميع السلطات الاميركية وتركز على بناء القدرات ضروري لتعزيز قدرة القادة العراقيين والمؤسسات الذين لديهم الإرادة فعلاً، ولكن ليس لديهم القدرة، على تحقيق الاستقرار في العراق.
ويعمل جيران العراق والجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى على زعزعة استقرار الدولة العراقية وتفاقم ضعفها:
- ايران: ايران تعمل بقوة من اجل اقامة دولة ضعيفة وعميلة لها بقيادة الشيعة، وتكون دولة مجزأة لا تهدد ايران مرة اخرى كما في عهد صدام. وان تدخل ايران الكبير في اقتصاد العراق وقطاع الامن يزعزع استقرار الدولة ككل.
- تركيا: تركيا تتجاهل الاستقرار العراقي. تتعامل تركيا مع كردستان العراق على أنها امتداد طبيعي لمنطقة عمليات مكافحة الإرهاب المحلية دون أي اعتبار للسيادة العراقية، وتتدخل بانتظام في الشؤون السياسية العراقية، وتقوم ببناء نفوذ متزايد على موارد العراق المائية.
- المملكة العربية السعودية: لقد أهملت المملكة العربية السعودية العراق لمدة ثلاثين عامًا وهي بدأت الآن فقط في إعادة تأسيس علاقة ثنائية مثمرة. إن زيادة التدخل السعودي في العراق يهدد بزيادة ردة الفعل الإيراني العنيف في العراق والمنطقة الأوسع، ولكنه قد يساعد العراق أيضًا على موازنة الهيمنة الإيرانية والتركية.
- الصين: تعمل الصين على دمج العراق في مبادرة الحزام والطريق (BRI)، وهي استثمارات اقتصادية لن تحقق الاستقرار في العراق. تقوم المجاميع المناهضة للولايات المتحدة في العراق بتأطير استثمارات الحزام والطريق الصينية بشكل متزايد وخطأ كبديل محتمل للدعم الاقتصادي الأمريكي.
- روسيا: تنظر روسيا إلى العراق على أنه مسرح آخر يمكن أن تعمل فيه على إنهاء النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة وإعادة تأسيس نفسها كقوة عظمى، ولكن القيام بذلك يضر بالاستقرار العراقي. يستغل الكرملين التوترات في الشراكة الأمريكية العراقية ويؤدي إلى تفاقمها لتسريع خروج الولايات المتحدة المحتمل من المنطقة. العلاقات الروسية المتزايدة مع شبكة الميليشيات التي تعمل بالوكالة لإيران في العراق، يمكن أن تهدد ليس فقط الاستقرار في العراق ولكن أيضًا القوات والمصالح الأمريكية في العراق وسوريا.
يجب أن تكون الجهود الأمريكية المتسقة في إقامة دولة عراقية مستقرة مكونًا أساسيًا لنهج أمريكي جيد القياس تجاه الشرق الأوسط. إن تخفيض القوات الأمريكية طوال عام 2020، والانسحابات الأمريكية من أكثر من اثنتي عشرة قاعدة أمريكية عراقية مشتركة، والتهديدات الأمريكية بإغلاق السفارة في بغداد، كل ذلك يبعث برسائل الى المجاميع المناهضة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط بأن الولايات المتحدة في طريقها للخروج من المنطقة. لا قوات الأمن العراقية المجزأة ولا المجتمع المدني الناشئ قادر على تولي جهود تحقيق الاستقرار التي يحتاجها البلد.
وبالتالي، يجب على الولايات المتحدة أن تتبنى نهجًا متسقًا وشاملًا تجاه استقرار العراق، وتكثيف دعمها الدبلوماسي، ومساعدتها لتحقيق الاستقرار، ومساعدتها الإنمائية للعراق. يمكن لالتزامات الولايات المتحدة بهذا النهج ووجود قوة استشارية أمريكية صغيرة ولكن مستدامة في العراق أن يفتح الأبواب أمام شراكات محلية دائمة ودعم الحلفاء. الاتساق هو المفتاح ؛ ويجب على الولايات المتحدة أن تثبت لحلفائها العراقيين أنها يمكن أن تكون شريكًا موثوقًا به في مساعدة العراقيين على المطالبة بمستقبل أفضل. ويجب على الولايات المتحدة أيضًا الضغط على الحلفاء الإقليميين مثل تركيا والمملكة العربية السعودية لاحترام السيادة العراقية وتجنب إثارة صراعاتهم بالوكالة في الساحة العراقية.