شعبويون فاسدون
بروجيكت سنديكيت
2019-01-05 04:15
جانين ر. وديل
أرلنجتون، فيرجينيا ــ كانت الانتخابات سببا في الانقسام العميق الذي أصاب الدولة الأكبر في العالَم بعد أن انتهت إلى تسليم الرئاسة لرجل مثير للفتن، مُحِب للمؤسسة العسكرية، متنمر على الأقليات، مولع بتوبيخ وسائط الإعلام، والذي وعد بسحق المؤسسة الفاسدة. أنا لا أتحدث عن الانتخابات الرئاسية الأميركية في عام 2016 التي وضعت دونالد ترمب على رأس السلطة، بل انتخابات عام 2018 في البرازيل، التي فاز بها الرجل الملقب بـ"ترمب الاستوائي"، جايير بولسونارو، الذي جرى تنصيبه رسميا في الأول من يناير/كانون الثاني.
ينضم بولسونارو إلى سلسلة متنامية من القادة القادرين على التحويل، افتراضا ــ بما في ذلك ترمب، ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، والزعيم البولندي بحكم الأمر الواقع ياروسواف كاتشينسكي ــ الذي فاز بالسلطة عن طريق شجب المؤسسة والاحتجاج عليها والتعهد بإنهاء الفساد الجهازي. ولكن ترى هل ينضم بولسونارو أيضا إلى ترمب وأوربان، وكاتشينسكي بدرجة أقل، في الإشراف على انتشار أنواع جديدة من الفساد، في خضم محاولاته الرامية إلى إعادة تشكيل الحكم وترسيخ سلطته؟
على الرغم من تعهد ترمب المتكرر بتجفيف المستنقع، على حد تعبيره، فإنه عمل على تمكين مستوى من الفساد غير مسبوق في التاريخ الأميركي، والذي أثر على قطاعات ضخمة من البيروقراطية الفيدرالية. فقد فشل في شغل مناصب شاغرة، وعمل على خفض الميزانيات، وتجاوز الإجراءات والبروتوكولات البيروقراطية المعمول بها، وأهمل الدبلوماسيين. والواقع أنه لم يمس بالمؤسسة العسكرية إلى حد كبير، وإن كان هنا أيضا لم يكف عن إهانة خبرة قادة المؤسسة العسكرية لصالح مشاعره الغريزية.
عندما تحرم أجهزة الدولة من صلاحياتها، يُصبِح الحكم أقل رسمية، وتصبح السياسة أكثر شخصنة، والسلطة التنفيذية أكثر هيمنة، ويصبح الولاء للزعيم الأكثر أهمية. وقد عمل ترمب على تعيين أفراد أسرته كمستشارين رسميين وغير رسميين، ووضع كبار مساعديه في الهيئات المختلفة لمراقبة الولاء، وأصدر من الأوامر التنفيذية في سنته الأولى في السلطة أكثر من تلك التي أصدرها أي رئيس طوال نصف القرن الأخير.
إلى جانب محاباة الأقارب على نحو صارخ، والمحسوبية، فضلا عن استغلال المناصب من قِبَل من عينهم ترمب، تسبب هذا في خلق فرص جديدة لما يسمى "جماعات ضغط الظِل"، من ذوي النفوذ غير المسجلين الذين يمتنعون عن الإفصاح عن صلاتهم بالشركات أو حتى الحكومات الأجنبية. على سبيل المثال، كان مستشار ترمب غير الرسمي نيوت جينجريتش يمارس الضغوط لصالح شركات الرعاية الصحية وعملاق الرهن العقاري فاني ماي. كما حصل مستشار ترمب السابق مايكل كوهين على أجر في مقابل "المشورة" من شركات مثل AT&T ونوفارتيس. كما تبين أن كلا من مستشار الأمن القومي السابق مايكل فلين ورئيس حملة ترمب بول مانافورت كان على اتصال بجماعات ضغط أجنبية مرتبطة بروسيا وتركيا.
ثم هناك ما أسميه "النخبة الظل"، التي تتألف من لاعبين ينتمون إلى المؤسسة ويضطلعون بأدوار متشابكة وغامضة وليست شفافة بشكل كامل عبر المجالين العام والخاص. على سبيل المثال، من الممكن أن يساعد الجنرالات وقادة البحرية المتقاعدون الذين يشغلون مناصب استشارية في الهيئات الدفاعية الحكومية في صياغة الأجندات الدفاعية في حين يستخدمون قدرتهم على الوصول ومعلوماتهم لإبرام عقود عسكرية مع شركات استشارية يملكونها أو شركات دفاعية يعملون لصالحها.
على نحو مماثل، كثيرا ما يتمتع المسؤولون المعينون من قِبَل ترمب بصلات عميقة بالصناعة التي يفترض أنهم يتولون الإشراف عليها ــ بما في ذلك التعليم، والتمويل، وبشكل خاص قطاع الطاقة ــ أو ربما يظهرون العداء الصريح تجاه الهيئات التي يتولون المسؤولية عنها. وحتى الرئيس ذاته قام بالدمج بين أعماله الخاصة ومنصبه، مخفقا في التجرد بشكل كامل من أعماله الخاصة، حتى عندما يتخذ قرارات (رسمية أو غير رسمية) تؤثر بوضوح على حصيلة أرباحه.
بطبيعة الحال، لا تزال الديمقراطية الأميركية راسخة نسبيا، وقد واجهت إدارة ترمب مقاومة شديدة من جانب السلطة القضائية وأجهزة الإعلام (وكل منهما لم يسلم من هجماته المتكررة). وهذه ليست الحال تماما في المجر في عهد أوربان، الذي كان الأول بين قِلة من زعماء العالَم الذين أيدوا ترشح ترمب، أو في بولندا تحت حكم كاتشينسكي. ففي حين قام ترمب بتسهيل الفساد من خلال إضعاف الحكومة، ركز أوربان وكاتشينسكي على فرض السيطرة، وتغيير القواعد، وتحويل مؤسسات الحكم إلى ملك خاص.
في المجر، وُضِع الموالين لأوربان في مناصب المسؤولية عن العديد من هيئات مراقبة الحكومة المستقلة، كما تكدس القضاء بهم، الأمر الذي مكن أوربان من إعادة كتابة الدستور على النحو الذي رآه مناسبا. وفي ظل قِلة من القيود المؤسسية المتبقية، أنشأ أوربان ما وصفته مؤسسة فريدوم هاوس بأنه فساد "واسع النطاق دون أي خوف من عقاب".
عندما حقق حزب "فيدز" بقيادة أوربان نصرا حاسما في عام 2010، أعلن أوربان ذلك اليوم "يوم ثورة" لأن الشعب المجري "أطاح بحكم القِلة الذين أساءوا استخدام السلطة". ومع ذلك، أشرف أوربان على رعاية جيل جديد من القِلة الحاكمة، كما قام بالتنسيق مع ساسة مطلعين لاستغلال سلطة الدولة ومواردها لصالح أصدقاء شخصيين وحلفاء سياسيين.
تشير تقديرات منظمة الشفافية الدولية إلى أن 70% من المشتريات العامة في المجر أصبحت الآن مصابة بعدوى الفساد، وربما تكلف البلاد ما قد يصل إلى 1% من الناتج المحلي الإجمالي. وإلى جانب موارد المجر، حَوَّل أوربان لرفاقه المقربين مليارات اليورو من الاتحاد الأوروبي، الذي يطالب الآن بسداد جزئي على الأقل.
ولكن من منظور أوربان، كان الهدف دائما ضمان بقاء أصحاب السلطة والنفوذ في المجر في صفه. وكانت الخطة ناجحة. على سبيل المثال، نجحت القِلة المتصلة بأوربان في تأمين "السيطرة الكاملة والهيمنة على سوق الصحف الإقليمية".
على نحو مماثل، شرع حزب القانون والعدالة الحاكم في بولندا، بقيادة كاتشينسكي الذي لا يشغل أي منصب رسمي في الحكومة، في ضرب الحصار حول مؤسسات الحكومة. ومثله كمثل حزب فيدز، قدم حزب القانون والعدالة نفسه بوصفه ترياقا ضد الفساد، الأمر الذي ساعده في تحقيق نصر انتخابي حاسم في عام 2015. ولكن برغم أن الحكومة لاحقت بعض المبادرات الشرعية المناهضة للفساد، مثل الحملة ضد التهرب من الفساد، فإنها استغلت أيضا الاتهامات بالفساد كسلاح ضد المعارضين السياسيين، مما جعل قسما كبيرا من أجندتها في مكافحة الفساد تبدو أشبه بخطة لاستيلاء حكومة سلطوية على السلطة.
من ناحية أخرى، حاول حزب القانون والعدالة تأكيد سيطرته على الخدمة المدنية، والسلطة القضائية، ووسائط الإعلام التي تسيطر عليها الدولة. كما عمل حزب القانون والعدالة على تغيير قانون الخدمة المدنية بحيث يسمح بإبعاد المهنيين المحترفين ووضع العديد من الموالين في محلهم، فضلا عن استبدال العديد من رؤساء الشركات المملوكة للدولة.
والآن، يتخذ الموالون الذين يحظون بثقة كاتشينسكي قرارات مهمة في بولندا، مع أقل قدر من المساءلة. وعلى هذه الخلفية، تشير الفضيحة المصرفية الحالية، التي تورط فيها مسؤول تنظيمي كبير يبدو أنه طلب رشوة من مصرفي كبير، إلى تورط مؤسسي من قِبَل حزب القانون والعدالة ولاعبين مرتبطين بكاتشينسكي كما تؤكد على الضرر المؤسسي الذي أحدثوه.
على بُعد ستة ألاف ميل، نصبت البرازيل للتو بولسونارو، الذي حاكى هؤلاء القادة في وعدهم بأن "الإدارات الحكومية لن يقودها أي شخص أدين بالفساد". ولكن إذا حكمنا من خلال تصرفات نظراء بولسونارو من الشعبويين في أماكن أخرى، فلا ينبغي للبرازيليين أن ينتظروا أي خير.