توماس بيكيتي وجولته اليابانية
بروجيكت سنديكيت
2015-03-04 06:01
يوريكو كويكي
طوكيو ــ بعد ستة أشهر من صدور كتاب توماس بيكيتي رأس المال في القرن الحادي والعشرين، وما أثاره من انفعالات وضجة في الولايات المتحدة وأوروبا، أصبح الكتاب الأكثر مبيعاً في اليابان. ولكن الاختلافات الشاسعة بين اليابان ونظيراتها من الدول المتقدمة في الغرب، تعني أن حجة بيكيتي، مثلها في ذلك كمثل العديد من الصادرات الغربية الأخرى، اتسمت بخصائص فريدة.
كان التأكيد الأساسي الذي ركز عليه بيكيتي هو أن المحرك الرئيسي لفجوة التفاوت المتزايدة الاتساع في العالم المتقدم يتخلص في تراكم الثروة لدى أولئك الذين هم أثرياء بالفعل، مدفوعاً بمعدل عائد على رأس المال يتجاوز دوماً معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي. ولكن مستويات التفاوت في اليابان أقل من نظيراتها لدى كل الدول المتقدمة الأخرى تقريبا. وبرغم أنها كانت قوة صناعية نشطة لفترة طويلة، فإن اليابان نادراً ما يُطلَق عليها وصف الدولة الشيوعية الأكثر نجاحاً في العالم.
إن معدل ضريبة الدخل على الأثرياء في اليابان (45%)، وقد ارتفع معدل ضريبة المواريث هناك مؤخراً إلى 55%. وهذا يجعل تراكم رأس المال عبر الأجيال أمراً صعبا ــ وهو الاتجاه الذي استشهد به بيكيتي باعتباره محركاً مهماً للتفاوت وعدم المساواة.
ونتيجة لهذا فإن أكثر الأسر ثراءً في اليابان تخسر ثرواتها عادة في غضون ثلاثة أجيال. وهذا يدفع عدداً متزايداً من اليابانيين الأثرياء إلى الانتقال إلى سنغافورة أو أستراليا، حيث الضريبة على المواريث أقل. ويبدو أن سلاسة الأمور في اليابان لم تعد كافية لإرغام الأثرياء على تحمل الضرائب المرتفعة المفروضة عليهم.
وليس من المستغرب في هذا السياق أن يظل "فاحشو الثراء" في اليابان أقل ثراءً بشكل كبير من نظرائهم في بلدان أخرى. ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال، كان متوسط دخل أعلى واحد في المائة ثراءً بين الأسر نحو مليون و264 ألف دولار أميركي في عام 2012، وفقاً لشركة الاستثمار سادوف لبحوث الاستثمار. وفي اليابان كان متوسط دخل أعلى 1% ثراءً بين الأسر نحو 240 ألف دولار (بأسعار صرف عام 2012).
ورغم هذا، يظل اليابانيون حساسين تجاه مسألة التفاوت وعدم المساواة، الأمر الذي يدفع حتى أكثر الأثرياء ثراءً إلى تجنب الاستعراض المتباه للثروة. فلا يرى المرء ببساطة تلك الوفرة من القصور واليخوت والطائرات النفاثة الخاصة، المعتادة في بيفرلي هيلز أو بالم بيتش.
على سبيل المثال، اجتذب هاروكا نيشيماتسو، رئيس شركة الخطوط الجوية اليابانية ومديرها التنفيذي سابقا، اهتماماً كبيراً قبل بضع سنوات بسبب أسلوب حياته المتواضع. فكان يعتمد على وسائل النقل العامة ويتناول طعام الغداء مع الموظفين في كافيتريا الشركة. وعلى النقيض من هذا، في الصين، يشتهر رؤساء الشركات الوطنية بحفاظهم على أنماط حياة فخمة.
ونحن اليابانيون نتسم برزانة عميقة الجذور، والتي تعكس فكرة الكونفوشيوسية بأن الناس لا يشكون الفقر عندما يشكوه الجميع بنفس القدر. وكان هذا الاستعداد لتقبل أي موقف مهما كان سيئاً ما دام يؤثر على الجميع بنفس القدر هو الذي مكن اليابان من تحمل عقدين من الانكماش، من دون اندلاع غضب شعبي إزاء فشل السلطات المستمر في معالجته.
وأخيراً أصبح لدى اليابان حكومة، بقيادة رئيس الوزراء شينزو آبي، ملتزمة بإنهاء الانكماش وإعادة تنشيط النمو الاقتصادي، وذلك باستخدام تركيبة من السياسة النقدية التوسعية، والسياسة المالية النشطة، وإزالة القيود التنظيمية. والآن في عامه الثالث، يُظهِر ما أطلق عليه وصف "اقتصاد آبي" بعض النتائج الإيجابية. فقد ارتفعت أسعار الأسهم بنحو 220% منذ وصل آبي إلى السلطة في ديسمبر/كانون الأول 2012. كما تحسن أداء الشركات ــ أولاً في صناعات التصدير التي استفادت من انخفاض قيمة الين ــ مع تحقيق العديد من الشركات أعلى مستوي لأرباحها على الإطلاق.
ولكن فوائد اقتصاد آبي لم تعم على الجميع بعد. وهناك شعور بأن سياسات آبي تساهم في اتساع فجوة التفاوت. ولهذا السبب يجتذب كتاب بيكيتي اهتمام عدد كبير من اليابانيين.
على سبيل المثال، برغم أن الخفض الأخير في معدل ضريبة الشركات كان ضرورياً لتشجيع النمو الاقتصادي واجتذاب الاستثمار، فإنه العديد من اليابانيين يرون فيه خطوة مريبة في وقت شهد زيادة في معدل ضريبة الاستهلاك وكانت التدابير التي اتخذت لمعالجة الانكماش سبباً في دفع الأسعار إلى الارتفاع. ولمعالجة هذه المشكلة، ينبغي للشركات التي تتمتع بالتخفيضات الضريبية أن تعمل على زيادة أجور موظفيها لمواكبة ارتفاع الأسعار، بدلاً من انتظار قوى السوق لكي تدفعها إلى الارتفاع.
وهنا يكمن تطور فريد من نوعه طرأ على نظرية بيكيتي في اليابان: فالفارق ليس كبيراً بين فاحشي الثراء والجميع غيرهم، ولكنه كبير بين الشركات الكبرى القادرة على الاحتفاظ بأرباحها وتكديس رأس المال والأفراد الذين يتعرضون لضغوط شديدة في هذه العملية.