تقنية التأمين وتطبيقها في مواجهة مخاطر جائحة كورونا
دراسة قانونية
د. عبد الرسول عبد الرضا الاسدي
2020-07-06 08:13
نظرا للازمات والمخاطر التي يتعرض لها المجتمع الدولي والمجتمع العراقي على وجه الخصوص وتحديدا في المرحلة الحالية التي يواجه فيها العالم جائحة كورونا، فقد ثبت ان هناك تقصير عالمي واضح على المستوى الصحي والمالي والانساني في التعامل مع هذه الجائحة.
فهي كانت اختبارا للمؤسسات الداخلية والدولية في اليات المواجهة، وكانت نتائج الاختبار مخيبة للآمال ففي بداية ظهور الفايروس لم يكن هناك تنسيق في التعاون وتبادل المعلومات بين الدول على المستوى الاقليمي او العالمي عبر الاتحادات المنظمة لها كالاتحاد الاوربي او المنظمات ومنها منظمة الامم المتحدة غيرها، واستمر غياب التنسيق لحد هذه الحظة، كما كان دور منظمة الصحة العالمية مجرد استشاري ومتذبذب في توجهاته فضلا عن عجز الدول وشركات التامين والمؤسسات المعنية عن تحمل الاضرار التي خلفتها الجائحة على المستوى الاقتصادي والمالي والخدمي والصحي، فلم يكن هناك غطاء مالي يستوعب حجم الاضرار ويعوضها لغياب تقنية واضحة ومحددة ومعلومة مسبقا في هذا الاطار، مما تطلب ضرورة البحث عن تقنية تتلائم مع هذه المستجدات وما يرتبط بها من مخاطر سابقة عليها ام للاحقة.
ونظرا للطبيعة الاقتصادية للآثار التي تخلفها اغلب المخاطر ومنها هذه الجائحة والخسائر المالية والبشرية التي ترافقها فكان علينا البحث عن تقنية تتناسب وتتلائم مع هذه الاثار وتتحمل نتائجها فتوقفنا عند تقنية التامين في إطار المخاطر الداخلية لنتأكد من صلاحية تطبيقها وتوظيفها في اطار المخاطر الدولية، وتساءلنا حول مدى صلاحية هذه التقنية في مواجهة المخاطر على اختلاف انواعها وفي اطار جائحة كورونا؟ وهل ستلبي حاجة العالم لها نظرا لتزايد مخاطر لا تقوى عليها مؤسساتها الداخلية المعنية بتعويض الخسائر المالية والبشرية ومنها شركات التامين او اعادة التامين؟
الاجابة عن ذلك ستتطلب منا اولا الاحاطة بهذه التقنية من حيث عرض المشكلة التي تستدعي اللجوء لهذه التقنية واستحداث مؤسسة تعنى بها، وبعدها بيان هذه التقنية كحل مثالي يفترض بالعالم ان يستعمله في المواجهة وعرض هذه الحل يكون من خلال بيان الاساس الذي تقوم عليه التقنية والاطار الموضوعي والاجرائي الذي تعمل فيه، واخيرا ما نستهدف التوصل اليه من نتائج، ومدى استفادة العراق منها في ظل مخاطر كورونا وغيرها من المخاطر وعلى النحو الآتي:-
اولا:- مشكلة الدراسة
تتمثل المشكلة موضوع الدراسة في وجود عدد متفاوت من المخاطر التي تواجه الدول بعض من هذه المخاطر تكاد تكون متقاربةً في النوع وإن كانت متباينةً في قوة الحدوث، ومنها مخاطر الإرهاب وغسيل الأموال والتلوث البيئي والجرائم السبرانية وتقلبات سعر صرف العملة في حين خصت بعض المخاطر عدد من الدول، ومنها مخاطر الفيضانات والزلازل والحرائق وانتشار الأوبئة علما أنَّ وباء كورونا حقق انتشاره مواجهة متقاربة بين الدول، وتباينت هذه المخاطر بين شديدة ومتوسطة وخفيفة، وممكن أن تجتمع مخاطر عدة سواء أكانت خفيفةً أم متوسطةً، أم شديدةً منفردة أو مجتمعة فيصعب مواجهتها من الدولة الواحدة؛ نظرا لحجمها والأضرار والخسائر التي تخلفها إذ تكون أكبر من الإمكانيات البشرية والمادية للدولة بمعزل عن تعاون الدول الأخر عن طريق انضمامها إلى إتحادات مثل الإتحاد الأوربي، إذ إنّ مواجهة مثل هكذا مخاطر لم يجدِ نفعا ولا سيما في ظل مواجهة جائحة كورونا إذ بان عجز الإتحاد عن ذلك في الجوانب الصحية او المالية او، وأصبحت الحاجة ماسة إلى وجود تقنية بديلة للمواجهة.
فضلا عن ذلك يظهر دخول الدول في اتفاقيات ثنائية أو جماعية هو الآخر عدم جدواه في المواجهة أيضا، مثال ذلك اتفاقيات مجلس التعاون الخليجي لم تكن بمستوى المواجهة في ظل هذه الجائحة، وكذلك في ظل مخاطر إفلاس بعض الشركات أو عجز بعضها عن الوفاء بالتزاماتها تجاه موظفيها لا سيما شركات الطيران رغم وجود بعض القوانين الداخلية تقر بذلك لكن حجم المخاطر كان اكبر من تحمل ما تقضي به تلك القوانين، فضلا عن أنّ انضمام الدول إلى المنظمات الإقليمية لم يجدِ نفعا أيضا مثال ذلك لم تؤدِ الجامعة العربية دورا في مواجهة مخاطر النزاعات والأوبئة وجرائم الإرهاب، والحال يتكرر في ظل الانضمام إلى منظمة دولية والمتمثلة بالأمم المتحدة وهذا ما لاحظنه على دور صندوق النقد الدولي في دعم الدولة المتضررة من الجائحة وطول الاجراءات وقلة الدعم، والسبب وراء عجز التقنيات أعلاه يتمثل بالآتي:
1- المخاطر المتقدمة تفوق امكانيات التقنيات أعلاه
2- قد تكون تلك المخاطر خارج وظيفتها.
وأياً كانت الأسباب فإنها حتما تستدعي ضرورة البحث عن تقنية تتلاءم مع طبيعة هذه المخاطر ومنحها وظيفة المواجهة المتفوقة ويجب أن تراعى فيها الأبعاد القانونية والمالية والإقتصادية اكثر من مراعاة الأبعاد السياسية لتكون تقنية تقوم بمقومات قانونية مالية واقتصادية، لأنّ تلك المخاطر تخلف أثارا مالية وإقتصادية سلبية على الدول بشكل متقارب في اغلبها ومتباين في بعضها الآخر، مما يتطلب اصلاح تلك الأضرار بوسائل إقتصادية وموارد مالية ويجب أن يكون كل ذلك بغطاء قانوني، فهناك مخاطر وأضرار بشرية ومادية ممكنة الحدوث اي احتمالية مما يتطلب تعاون الدول فيما بينها للتخفيف أو الحد منها عن طريق استيعاب آثارها السلبية، ووجدنا أنّ نقل فكرة التأمين من محيط القانون الداخلي إلى محيط القانون الدولي أفضل تقنية للمواجهة وتتلاءم مع طبيعة المخاطر وتبعاتها وصلاحيتها للعمل على المستوى العالمي.
ثانيا:- مبرارات استعمال تقنية التأمين
تقوم هذه التقنية على استثمار القواعد التقليدية للتأمين في إطار الأضرار التي تحدث بفعل حدوث المخاطر المؤمن ضدها داخل الدولة في العلاقات بين الأفراد، وتوظيفها وتطويعها في إطار محيط المخاطر التي تواجه الدول، ويمكن أن يبرر ذلك على أساس كون المؤمن عليه ممكن أن يكون شخصا طبيعيا أو معنويا والدولة في ظل فرضية البحث تكون في هذا المركز القانوني، فضلا عن أنّ فكرة التامين تقوم على أساس التخفيف من حدة المخاطر وأضرارها وتضيقها، فهي حتما في إطار مواجهة المخاطر التي يتعرض لها الأفراد وما ينشأ عنها من أضرار أقل بكثير في إطار المخاطر التي تواجه الدول، لان مساحة المتضررين أوسع فهي تشمل في الوضع الأخير الدول والأفراد في حين التأمين التقليدي ضد مخاطر الأفراد تقتصر أضرارها عليهم، وفي الوضع الأول يمكن أن تُستحدث تقنية التأمين الدولي للوصول إلى تحقيق العدالة والتناسب بين عدد المستفيدين من هذا التامين مع عدد المخاطر وحجمها ونوعها فنجاح هذه الفكرة معناه تقليل عدد المتضررين وحجم الأضرار وبالمقابل زيادة دائرة المستفيدين فكل متضرر سيكون مستفيدًا، وبذلك سوف نشهد استقرارًا في العلاقات الدولية.
فرضية البحث تقتضي تتبع مدى صلاحية فكرة التأمين التقليدي وجدوها في إطار مواجهة مخاطر تحصل بفعل متعمد أو تقصير أو إهمال الدولة في منع أو تدارك ما ينشأ من مخاطر وما يترتب عليها من أضرار لها أو للأفراد أو للدول الأخرى، فهي تقنية جديدة في إدارة المخاطر وتوزيع مسؤولية تحملها لتحقيق العدالة بين فاعل الضرر والمضرور من جهة وبين الدولة والأفراد من جهة أخرى وأفضل ضمان للمضرور ولفاعل الضرر في حلول المؤمن محل الأخير في تعويض الأول. وقد فشلت الدول والمؤسسات الدولية في ادارة ازمة كورنا صحيا وماليا ونلاحظ ذلك من خلال حجم الخسائر المادية والبشرية وما تستتبعه من اثار نفسية. ولا يمكن ان نعتمد هذه التقنية رغم المبررات اعلاه مالم تكن لها جذور واسس تمتد منها.
ثالثا:- أساس فكرة التأمين الدولي
تقوم فكرة التأمين الدولي على أساسين مهمين هما: الأساس القانوني والأساس الفني سنتناولها تباعا على النحو الآتي:
1. الأساس القانوني
ويمكن أن نتتبع هذا الأساس على مستوى القانون الداخلي والقانون الدولي وعلى النحو الآتي:
أ. الأساس في القانون الداخلي
يمكن أن نتأكد من أساس الفكرة من خلال منظومة القوانين الوطنية، وبالرجوع للقانون العراقي وعلى وجه التحديد قانون التأمين لعام 2005 نجد في صياغته نوعًا من المرونة والعمومية التي يمكن أن تعطي إشارات إلى إمكانية القبول بفكرة التأمين على المستوى الدولي بجانب التأمين على المستوى المحلي، فعند مراجعة المادة (1) نجد فيها استيعاب ممارسات التأمين عبر شركات أجنبية والأخيرة يمكن أن تكون كل شركة غير وطنية منشأها خارج العراق وهذا يعني ممكن أن تكون هذه الشركة تابعة لدولة أو مجموعة دول ويمكن أن تكون مؤسسة بموجب قانون وطني أو اتفاقيه دولية فإطلاق النص يفيد هذا المعنى ويمكن أن نستخلصه من قراءة المادة أعلاه عندما تنص على أن (تسري أحكام هذا القانون على المؤمنين ومعيدي التأمين سواء أكانوا شركات عامة أم خاصة عراقية أم أجنبية التي تزاول في العراق كل أو بعض أعمال التأمين أو أعمال إعادة التأمين المنصوص عليها في هذا القانون وكذلك تسري على وكلاء ووسطاء التأمين الذين يزاولون تلك الأعمال في العراق)، وقد استكمل المشرع موقفه في المادة (2) من القانون أعلاه بخصوص طبيعة الشخص المؤمن وصفته القانونية في التأمين، وهذا يعني إن القانون العراقي لا يمانع أن يكون هذا الشخص حاملاً للجنسية العراقية أو للجنسية الأجنبية فيكون في الوضع الأخير أجنبيا وهذا المعنى ينصرف إلى كل شخص طبيعي أو معنوي لا يحمل الجنسية العراقية فيستوي أن يكون حاملاً لجنسية واحدة أو جنسيات عدة.
وأيا كانت طريقة نشأته فالمشرع جعل النص أكثر مرونة بالانفتاح على أكثر من معنى فقد يكون المؤمن شركة وممكن أن يكون كيانا وهذا يستوعب مفهوم المؤسسة التأمينية الدولية مقصود دراستنا، وهو ما نستخلصه من قراءة المادة أعلاه التي نصت في الفقرة (السابعة عشرة) على ان.... (– المؤمن – القائم بالتأمين أو إعادة التأمين الذي تسري عليه أحكام هذا القانون، وهو قد يكون شركة تأمين عراقية، أو فرع شركة تأمين أجنبية، أو أي كيان أو جهة مخولة ممارسة أعمال التأمين في العراق) ويعزز الاستنتاج من النص المتقدم ما نصت عليه المادة (102/أولا) من القانون كما أكدت الفقرة (الثامنة عشرة) من المادة(2) على أن (– المصلحة التأمينية – وتعني التأمين في الحياة للمؤمن نفسه أو لغيره و التأمين في الأموال التي قد يلحقها ضرر مباشر للمؤمن) فهذا يعني إمكانية التأمين على الشخص المؤمن عليه أو لحساب غيره، وهذا يقودنا إلى استنتاج أن الدولة يمكن أن تؤمن على رعاياها عبر الحدود ضد كل ما ينشأ عنهم أو عليهم من مخاطر وبالتبادل مع الدول الأخرى والتأمين يمكن أن يكون على الأشخاص أو الأموال.
وذهبت الفقرة (التاسعة عشرة) من المادة نفسها لتحديد معنى الطرف المقابل للمؤمن وهي لم تحدد كونه شخصا طبيعياً أو معنويا عندما نصت على أن (– المؤمن له – الشخص الذي برم مع المؤمن عقد التأمين ويسمى حامل وثيقة التأمين) وهذا يعني بإمكان الشخص الطبيعي والمعنوي أن يمثل هذا الطرف والدولة بوصفها من أكبر الأشخاص المعنوية وأوسعها بإمكانها أن تكون في هذا الطرف على المستوى الدولي، كما ذهبت الفقرة (الخامسة عشرة) إلى تعريف طرف آخر وهو المستفيد بقولها (– المستفيد – الشخص الذي يؤدي إليه المؤمن قيمة التأمين)، وهذا يعني يمكن أن يشغل هذا المجال رعايا الدولة، ويظهر من خلال المادة (2) أعلاه أن أطراف عقد التأمين يمكن أن يكونوا أشخاص طبيعيين وممكن ان يكونوا معنويين، وهنا نثبت فرضية إمكانية أن يكون أطراف عقد التأمين دول والمستفيد الرعايا من أفراد كأشخاص طبيعية أو معنوية شركات أو مؤسسات.فعبارات أطراف العقد جاءت عامة لم تحدد طبيعية الشخص كونه طبيعياً أم معنويا، وحسب هذه النصوص فالمؤمن يمكن أن يكون مؤسسة تأمين دولية أيا كانت طريقة تكوينها بقرار دولي أم باتفاقية أممية، والمؤمن لهم دول والمستفيدين الرعايا حاملي جنسيتها، فمواجهة المخاطر ومنها جائحة كورونا على المستوى الدولي ستكون مواجهة دولية نظرا لطبيعة المخاطر التي تواجه تلك الدول.
كما أكدت المادة (6) من القانون بخصوص وظائف ديوان التأمين في الفقرة (خامسا) على (– توثيق روابط التعاون والتكامل مع جهات تنظيم قطاع التأمين على المستويين العربي والعالمي) وهنا توجد إمكانية للديوان الانفتاح بمساحة واسعة وبمرونة على التعاون مع جهات عالمية وبحسب فرضية البحث يمكن أن تكون مؤسسة تأمين عالمية تبادر الدول لإنشائها فقوانيها الوطنية تسمح بذلك التعاون من أجل استحداث ما يحقق الفائدة القصوى من التأمين ولعل استحداث تقنية المؤسسة الدولية للتأمين فيه امتداد لمفهوم التأمين لمواجهة مخاطر تهم الدول وتشكل تأثيراً أوسع وأكثر ضرارا من تلك التي يواجهها التأمين الداخلي. وقد أشارت المادة (13) الفقرة (رابعا) من القانون إلى إمكانية مزاولة التأمين في العراق من قبل كيانات التكافل أو إعادة التكافل وهذه الكيانات طالما مسموح لها العمل في العراق فتوجد إمكانية أن تكون صفتها دولية فكونها غير عراقية تمتد إلى كل كيان سواء مرتبط بدولة أم بمنظمة دولية مثل الأمم المتحدة وهو ما يؤيد فرضية البحث أيضا ويجعلها أقرب للتطبيق، كما عززت الفرضية المادة(14) ثانيا – استثناءً من أحكام البند أولا من هذه المادة فنصت على أن (لرئيس الديوان أن يسمح بممارسة أعمال التأمين في العراق قبل منح الإجازة وفقا لأحكام هذا القانون لأي مؤمن أو فرع معيد تأمين أو فرع مؤمن أو معيد تأمين أو مؤمن تابع من المجازين في بلدان تطبق أفضل السبل المثبتة في مبادئ التأمين الأساسية للهيئة الدولية للمشرفين على أعمال التأمين، على أن يلتزم أي من المذكورين بإكمال شروط الحصول على إجازة ممارسة أعمال التأمين في العراق خلال ٩٠ تسعين يوما من تاريخ صدور قرار رئيس الديوان بالسماح له بممارسة أعمال التأمين).
وهنا مرة أخرى منح فرصة المشرع لممارسة أعمال تأمين في العراق من قبل مؤمن أو معيد تأمين مجازين في بلدان تطبق أفضل السبل المثبتة في مبادئ التأمين الأساسية للهيئة الدولية للمشرفين على أعمال التأمين، وهؤلاء المؤمنين ومعيدي التأمين لم يبين المشرع فيما إذا كانوا منضمين إلى شركة أو كيان أو أي جهة مما يعطي فرصة للاجتهاد في إجازة أعمال أي كيان لممارسة أعمال تأمين في العراق ممكن أن يأخذ الوصف الدولي أي منشأ من قبل دول عبر قرار دولي أو إتفاقية أممية دولية تريد أن تمد الفائدة من التأمين إلى أوسع مساحة، فالعراق يرحب بهذه الممارسة في ظل تزايد المخاطر في المرحلة الحالية، كما نجد المشرع أجاز ممارسة أعمال التأمين عبر الحدود من قبل المجازين وذلك في المادة (22/أولا) وقد عززت ذلك أيضا المادة (٢٧/ أولا) التي نصت على أن (– يجوز للمؤمن إعادة التأمين داخل العراق أو خارجه) كما اشارت المادة (46) للمؤمن الأجنبي الذي يفتح فرعا له في العراق فكل تلك الإشارات تحمل معنى الامتداد لاستيعاب مفهوم التأمين الدولي الذي ممكن أن ينشأ لمواجهة مخاطر أوسع من تلك التي يواجهها التأمين في إطار المخاطر الداخلية ولعل من تلك المخاطر الأكثر ضررا مخاطر الزلازل والحرائق والفيضانات وانتشار الأوبئة ومنها فايروس كورونا والإرهاب والتلوث.
ونذكر هنا ان هناك منظومة من القواعد تحدد الاليات التي يمكن التامين بموجبها تعكسها بعض القرارات التي لازالت سارية المفعول لحد الان ومنها قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 192 لسنة 1998 لا يجيز التامين خارج العراق على أشخاص وأموال موجودة في العراق او حتى أي مسؤولية تترتب داخل العراق، ومن ناحية أخرى نجد قانون تأسيس شركة التأمين الوطنية رقم 56 لسنة 1950 والساري المفعول أيضا أوجب على الدوائر الحكومية و الرسمية ان تؤمن حصرا لدى شركة التأمين الوطنية العراقية.... وهنا مرة اخر يترك المشرع فرصة التدخل للتامين عن مخاطر لم يغطيها داخليا لحساب التامين الدولي لتكون موضوعه. اي ما لا يتحمل شموله من مخاطر بموجب التامين الداخلي يمكن ان يشمل بالتامين الدولي، ليكون التامين الاخير على غرار تامين المؤسسة العربية لضمان المخاطر غير التجارية التي وافق عليها مجلس الوحدة الاقتصادية العربية في عام 1970 وصادق العراق عليها بموجب قانون رقم 123 لسنة1971 [1].
لقد تأكدت الأحكام المتقدمة أيضا ليس فقط في محيط القانون العراقي إنما كان لها حضور بخصوص الصفة الأجنبية والدولية لأطراف التأمين (المؤمن والمؤمن له والمستفيد) ولشركات التأمين الأجنبية على مستوى القوانين العربية والأجنبية، ففي إطار القوانين الأولى فعلى سبيل المثال نجد أن المشرع الإماراتي عبر عن تلك الأحكام في المادة (1) من القانون الاتحادي الإماراتي رقم (6) لسنة 2007م بشأن إنشاء هٌيئة التأميٌن وتنظٌم أعماله في الإمارات وبخصوص السريان أكدت ذلك المادة (2) وأكدت المادة (7) التعاون مع المؤسسات العربية والعالمية في قطاع التامين كما جوز القانون إعادة التأمين داخل الدولة وخارجها المادة (26/2) في حين الفقرة (1) لم تجوز التامين لدى شركة خارج الدولة عن أموال داخلها. كما نظمت التأمين الأجنبي على أراضيها في المادة (55) وهذا يعني تكرار الموقف بين المشرع العراقي والإماراتي.
وقد ذهب إلى معنى قريب من ذلك موقف المشرع المصري الذي أجاز إنشاء جمعيات التأمين التعاوني وذلك في المادة ٢٢ /1 التي نصت على أن - (يقصد بجمعية التأمين التعاوني تلك التي يتم تكوينها في إطار الأحكام العامة للتعاون وتكفل لأعضائها نظاما تأمينيا فيما بينهم، ويشترط ألا تقل قيمة أسهم أو حصص رأس مالها عند الإنشاء والمدفوع منه عن الحد الذى تبينه اللائحة التنفيذية لهذا القانون. وتتولى الهيئة تسجيل هذه الجمعيات والترخيص لها بمزاولة نشاطها والرقابة والإشراف عليها وتكتسب الجمعية الشخصية الاعتبارية بمجرد قيدها في السجل المعد لذلك بالهيئة، وتحدد اللائحة التنفيذية لهذا القانون القواعد والشروط اللازمة لإنشاء تلك الجمعيات وتسجيلها والأسس الفنية التي تسير عليها (وبخصوص صناديق التأمين الخاصة فقد نصت المادة (٢٣) على أن (يقصد بصندوق التأمين الخاص في تطبيق أحكام هذا القانون النظام في هيئة أو شركة أو نقابة أو جمعية من أفراد تربطهم مهنة أو عمل واحد أو أية صلة اجتماعية أخرى تكون بغير رأسمال، ويمول باشتراكات أو خلافه بغرض أو يؤدى أو يرتب لأعضائه أو المستفيدين منه حقوقا تأمينية في شكل تعويضات أو معاشات دورية أو مزايا مالية محددة.
ويطبق في شأن هذه الصناديق أحكام صناديق التأمين الخاصة الصادر بالقانون رقم 54 لسنة 1975) صناديق التأمين الحكومية ونصت المادة (٢٤ /1) على أن (يقصد بالصناديق الحكومية للتأمين، الصناديق التي تتولى عمليات التأمين ضد الأخطار التي لا تقبلها عادة شركات التأمين أو تلك التي ترى الحكومة مزاولتها بنفسها. ويكون إنشاء صندوق التأمين الحكومي بقرار من رئيس مجلس الوزراء ويصدر بتحديد شروط وأسعار عمليات التأمين المشار إليها قرار من الوزير المختص بناءً على اقتراح مجلس إدارة الهيئة. وتتضمن اللائحة التنفيذية لهذا القانون الأحكام المنظمة لأوجه رقابة الهيئة على هذه الصناديق الاتحادات والأجهزة المعاونة، كما نصت المادة (٢٥) فقرة (1) إلى أن - (ويجوز لشركات التأمين وإعادة التأمين الخاضعة لأحكام هذا القانون أن تنشئ فيما بينها اتحاداً أو جهازاً معاوناً أو أكثر وذلك بقصد الاتفاق على القيام بجمع وتحليل ونشر المعلومات أو القيام بأعمال منع وتقليل الخسائر أو تقوية الروابط مع اتحادات التأمين بالخارج أو غير ذلك من الأعمال التي تهم الأعضاء من قانون رقم 10 لسنة 1981 وإن أشارات المشرع المصري كانت واضحة بخصوص فكرة التعاون لمواجهة مخاطر أكبر من تحمل الشركات المحلية عندما نقلت المسؤولية إلى شركات تامين حكومية.
أما في إطار القوانين الأجنبية فعلى سبيل المثال ذهب المشرع الفرنسي في قانون التأمين لعام 2020 والذي سبقه قانون عام 2015 إلى بعض تلك الأحكام المتقدمة وخاصة فيما يتعلق بممارسة شركات تأمين أجنبية نشاطها في فرنسا في المادة (310/2) والمادة (329/1) وما بعدها وكذلك الحال في موقف المشرع البريطاني الذي عبر عنه في قانون التأمين لعام 2015 إذ أشار الجزء الأول منه إلى تعاريف تتعلق بأطراف عقد التأمين بصورة مطلقة فهو لم يحدد جنسية المؤمن أو المؤمن عليه أو المستفيد وهذا يعني أنه يسري على جميع حالات التأمين سواء أكان أطرافها أجانب أم وطنيين أم خليط، كما أنه يعطي مرونة التأمين لدى شركة تأمين أجنبية عن مخاطر على الأراضي البريطانية أيضا.
وعلى وفق ما تقدم من نصوص تشريعية نقف عند صحة الاستنتاج الذي تتمحور حوله فرضية الدراسة وهي أن كل مشرع وطني أعطى فرصة واحتمال إن المخاطر التي تواجه الأفراد داخل حدود الدولة وتلك التي تواجه الدولة قد تفوق قدرة أو تحمل واستيعاب شركات التأمين الوطنية أو الأجنبية فكانت لها إشارات نحو السماح بتدخل كيان أو مؤسسة تضطلع بمهمة التأمين أو إعادة التأمين عن مخاطر أكبر من تحمل تلك الشركات نظر لجسامة الأضرار وشدة الخسائر التي تخلفها وانتشارها في مساحة جغرافية واسعة لا يمكن تداركها بسهولة أو توقع حصولها وهذه المخاطر يمكن أن نصطلح عليها بالمخاطر الدولية أو العالمية بالنظر لامتدادها على مساحة أكثر من دولة وتوزعها على عدة دول، مثل مخاطر الأوبئة ومنها فيروس كورونا والحرائق والفيضانات ومخاطر الإرهاب وإفلاس الشركات والتلوث والهجرة فهذه المخاطر تتطلب جهدا مضاعفا أكبر من أن تضطلع به جهود دولة واحدة، فلابد من تعاون دول عدة وأفضل مواجهة لتلك المخاطر تكون من خلال التأمين الدولي الذي تضطلع به مؤسسة دولية تتعاون الدول على انشائها عبر قرار يصدر من مجلس الأمن أو إتفاقية دولية تتم برعاية الأمم المتحدة لمواجهة ما تتعرض له من مخاطر.
فالأضرار التي تخلفها تلك المخاطر مساحتها تمتد للعالم فيقتضي أن تكون المواجهة لها بالمثل عبر تقنية عالمية لا بجهود فردية معزولة من قبل كل دولة لأنها تفوق تحملها بمفردها، وتضافر الجهود وتوحدها في هذا الإتجاه سيفيد في سهولة التغلب عليها وتقليل الخسائر المادية والبشرية الناجمة عنها، وستكون الدول مجتمعه بمستوى تحمل تلك المخاطر عبر كيان أو مؤسسة تمثلها. فالدول ستكون في مركز المؤمن عليه والمؤسسة ستكون في مركز شركة التأمين.
ب. الأساس في القانون الدولي
يمكن أن نلمس أساسا لفرضية البحث في ضوء تطبيقات عدة على المستوى العالمي تلتقي معها في وحدة العلة والتي تفترض وحدة الحكم والآلية، نبدأ على سبيل المثال، باتفاقية الوكالة الدولية لضمان الاستثمار التابعة للبنك الدولي فمن المسلّم به أن الاستثمار الأجنبيّ يلعب دوراً مهماً في عملية التنمية الإقتصادية. فقد دخلت فكرة الوكالة الدولية لضمان الاستثمار لمساعدة الدول النامية التي لا تملك المؤهلات المالية لدعم ما يواجه المستثمر الأجنبي من مخاطر وخلق بيئة جاذبة له، فالوكالة تضطلع بمهمة التأمين عن تلك المخاطر والخسائر غير التجارية وتشمل مخاطر تحويل الأموال والاجراءات الحكومية والتشريعية التي تعيق الاستثمار والإخلال بعقد الاستثمار والحروب والاضطرابات الداخلية تقاعس الدولة في حماية الاستثمار مقابل ذلك تدخل الوكالة يكون في ظل عدم وجود هيأة قضائية داخلية أو دولية تضطلع بمهمة انصاف المستثمر فيأتي دور الوكالة تكميليا لصالح المستثمر الاجنبي[2] وقد صادق العراق على إتفاقية الوكالة الدولية لضمان الاستثمار (M I G A) والتي دخلت حيز التنفيذ في 12/4/1988 بالقانون رقم (29) لسنة 2007 [3].
وكذلك حالة التأمين عن حوادث السيارات الأجنبية عبر الحدود فعلى سبيل المثال الإتفاقية الموحدة للبطاقة العالمية الخضراء لتأمين السيارات لعام 1968 نظمت أحكام تغطية الأضرار التي تلحق بالسيارات بين الدول، ومن جدير بالذكر أن الدول العربية قد نظمت أيضا اتفاقية خاصة بالتأمين عن حوادث السيارات وهي إتفاقية تونس لعام 1975 المسماة (باتفاقية البطاقة البرتقالية) والتي حددت آلية دفع مبلغ التأمين واستيفاء الأقساط وشروطه وبموجب هذه الاتفاقية تفتح الدول الأعضاء مكاتب إقليمية لمتابعة حوادث السيارات والتي تقع ضمن حدودها وقد صادق العراق على هذه الاتفاقية ونظم احكامها في قانون التأمين الإلزامي رقم 52 لسنة 1980 المعدل والتي صادق عليها بالقانون رقم 140 لسنة 1975 علما أن قانون التأمين الإلزامي أعلاه أشار إلى الاتفاقيتين في المادة (12) منه.
وهذا يعني أن الدول أخذت على عاتقها من خلال مؤسسات إقليمية جبر الأضرار التي تحدث من جراء حوادث سيارات مسجلة لديها وعائدة لمواطنيها من طريق تقنية التأمين بشكل يستوعب حوادث مرورية عبر الحدود. وهناك تأمين يصطلح عليه بتأمين السفر الدولي الذي اعتمدته المملكة العربية السعودية وهو تأمين ضد المخاطر التي يتعرض لها المسافر في الرحلات الدولية خارج السعودية من فقدان الحقائق أو الغاء الرحلة أو تعرضه لحوادث شخصية أو حاجته للمصاريف الطبية الطارئة على ان تدفع شركة التامين تعويضات تتناسب مع أقساط التأمين المدفوعة من المسافر[4] وهي فكرة بسيطة تقترب من فكرة الدراسة.
كما نجد لفرضية الدراسة امتداد لاتفاقية تامين المؤسسة العربية لضمان المخاطر غير التجارية التي وافق عليها مجلس الوحدة الاقتصادية العربية في عام 1970.
2. الأساس التقني
لما كانت المخاطر التي تواجه الدول على المستوى الدولي تنطوي على أبعاد مركبة بعضها اقتصادية وأخرى قانونية واجتماعية وسعة مساحة تحققها، فيكون من المناسب استيعابها عبر تقنية التأمين الدولي موضوع الدراسة وعدم ملائمة التامين التقليدي الداخلي لها لأن عدد المشتركين (فئة الدول أو الافراد) سيكون في التأمين الأول اوسع فيكونوا بعضهم في مركز المؤمن عليهم، وبعضهم الآخر في مركز المستفيدين، فالتأمين سيغطي كل فرد في العالم عن طريق ما تضطلع به دولته من مهمة دفع أقساط تامين عن أفرادها الرسمين وغير الرسمين.فحجم الأموال من الناحية الاقتصادية سيكون ضخمًا وبالتالي هذا سيفتح أبوابا واسعة لاستثماره عالميا لا سيما في الدول التي تعاني من قصور في التنمية. ومن ناحية أخرى ستعمل مؤسسة التأمين الدولي تحت مظلة الأمم المتحدة وتعد أحد أجهزتها وتتمتع بالاستقلال عن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وغيرها من المؤسسات والوكالات.
فهي ستكون تقنية وقائية جديدة لإدارة المخاطر عالميا بعد أن نعلم أن بعض المخاطر التي تواجه الدول تكون متشابهة واحتمالية وهذه هي من شروط المخاطر القابلة للتامين، ومنها مخاطر الإرهاب وغسيل الأموال وتقلبات سعر صرف العملات والهجمات السبريانية والأوبئة والتلوث البيئي، ويمكن ان يواجه التأمين الدولي المخاطر التي لا تتكرر الحدوث في أغلب الدول ومواجهة هذه المخاطر تعبر عن تضامن دولي في إدارة المخاطر وتحمل اعبائها جماعيا لا فرديا هو أقصى ما يصل إليه المجتمع الدولي من تعاون، فضلا عن أن المؤسسة التأمينية الدولية المستحدثة ستتحمل إدارة الأخطار العالمية فتتحول إليها بصورة موحدة لمواجهة المخاطر التي تتعرض لها الدول كلا على حدة.
رابعا:- الإطار الموضوعي لفكرة التأمين الدولي
من الناحية الموضوعية تعد الفكرة المستهدفة في الدراسة استحداثًا لتقنية التأمين الدولي وعلّة ذلك الاستحداث عدم وجود مانع من اعتمادها، بل توجد فرص كثيرة تشجع عليها، ولاسيما في هذه المرحلة التي تمر بها البشرية ويمكن ان نورد مبررات عديدة في ذلك تتمثل في:
1. إن تقنية التامين الدولي تحقق التزام الدولة في بذل العناية المعقولة لضمان احترام قواعد القانون الدولي وتدارك نتائج عدم الاحترام [5]، وفي الوقت نفسه تتدارك اغفالات الدولة التي تعبر عن تقصيرها بواجب العناية والحيطة المطلوبة لغرض تلافي خرقها لالتزام دولي عملا غير مشروع موجب للمسؤولية الدولية[6] فالتامين سيخفف من هذه المسؤولية ولاسيما عن وطنييها عبر الحدود فتأمينها عن رعاياها يأتي من مبدأ سيادتها الشخصية عليهم.
2. قواعد التأمين التقليدي لها طبيعة مرنه أي قابله للتطبيق في مواجهة المخاطر سواء تلك التي يتعرض لها الأفراد داخل حدود الدولة أم تلك التي تتعرض لها الدول بفعل ممارسة نشاطها أم بفعل مواطنيها في الخارج.
3. إن مبدأ المحافظة على السلم والأمن الدوليين واجب الاحترام عالميا، فهذه التقنية ستضمن تعزيز هذا الاحترام لأن جميع الدول ستتكافل وتتضامن في مواجهة مخاطر محتملة الحدوث فستكون مستظلة بمظلة التعاون مما يقلل ذلك فرص دخولها في نزاعات فهي حتما في ظل التامين ستبحث عن كل ما يوجد من مشتركات بينها لغرض تحقيق افضل النتائج وصولا إلى التكافل فيما بينها فتكون بذلك فرص التعاون أكثر بكثير من فرص التنافر والتنازع.
4. إن تقنية التامين تفضي إلى حلول المؤسسة التأمينية محل الدولة المسؤولة في مواجهة الدولة المتضررة وهذا حتما سيخفف من مسؤولية الثانية وسيؤكد احترامها للدول في ضمان ما يترتب لها بذمتها من حقوق سواء نشأت بفعل عمل قامت به هي ام قام به مواطنيها.
5. إتفاقية الحد والتخفيف من حالات اللاجنسية لعام [7]1961 تلزم الدول المتعاقدة إلى ضرورة اصدار وثائق سفر لعديمي الجنسية المقيمين بصورة نظامية في إقليمها لتمكنهم من السفر إلى الخارج ومن ثم يكون إلتزام التأمين عنهم على عاتق دولة الاقامة.
وبناءً على ما تقدم يعني أن تقنية التأمين الدولي ستخفف مسؤولية الدولية للدولة وممكن أن تصل الى مستوى الإعفاء منها إزاء أعمالها او أعمال موظفيها أو مواطنيها عبر الحدود ولاسيما في إطار الاعمال الإرهابية أو أي أعمال ذات آثار سلبية خطيرة بصورة عمدية ام بصورة غير عمدية.
وإزاء الجوانب الموضوعية للتأمين الدولي ستعتمد قواعد ومبادئ التامين التقليدي الداخلي من ناحية التزامات أطراف التأمين وحقوقهم، وكذلك حلول المؤسسة الدولية للتأمين محل الطرف المسؤول قبل الطرف المتضررة في جبر الضرر والتعويض عنه وتناسب قيمة التعويض بحسب أقساط التامين المدفوعة ونوع المخاطر المؤمن عنها. إلا أن الاختلاف في القواعد أعلاه سيكون بحسب اتساع مساحة المخاطر وتعددها وتنوعها مما من شأنه أن يجعل اختلافًا وتباينًا في الدول في أقساط التامين فالدول الصناعية والمتقدمة اقتصاديا سيكون حجم المخاطر ونوعها وعددها أكثر من الدول الأخرى فستكون التزاماتها المالية في اقسام التأمين أكثر في حين يقل ذلك الإلتزام في الدول الأقل فالأقل تقدما.
خامسا:- الإطار الاجرائي لفكرة التأمين الدولي
تقنية التامين المستحدثة من الناحية الاجرائية المتوقع أنها سوف تعيد ترتيب توزيع الأموال بين دول العالم بشكل عادل بحيث تتحمل الدول الأقل ضررا كلف مخاطر الدول الأكثر ضررا وفيه أنصاف للدول الفقيرة لأن التأمين سيتناسب مع المقدرة المالية لكل دولة معتمدين في ذلك على المؤسسات الدولية في تصنيف الدول ومنها البنك الدولي للإعمار إلى غنية وفقيرة، بعد أن نعلم ان المخاطر التي تواجه الدول الفقيرة تكون أكثر تأثيرا من تلك التي تواجه الدول الغنية زيادة على ذلك أن استثمار أموال التأمين ستكون عوائده موظفة لحساب الدول الأكثر فقرا فالتامين الدولي سيكون عبارة عن خط صد للمخاطر وحماية لاقتصاديات البلدان بشكل عام وعلى وجه الخصوص الأكثر فقرا، فالمؤسسة المزمع استحداثها ستخفف من المنازعات أمام محكمة العدل الدولية؛ لأنها ستتولى الحلول بوصفها هي المسؤولة قبل الدولة المتضررة فهذه التقنية تضمن تعويضات سريعة وعادلة وسيؤدي التأمين الدولي وظائف التامين الداخلي، كما ستكون مؤسسة التامين مكملة لدور صندوق الاستئمان في منظومة المحكمة الجنائية الدولية في التعويض عن الأضرار التي تخلفها الجرائم الدولية.
وبهذه التقنية سيتحقق مبدأ المساواة بين الدول في السيادة على مستوى الجمعية العامة ومجلس الأمن ونشهد استقرارًا اكثر في مستوى السلم والأمن الدوليين كما ان هناك هدفًا بعيدًا سيتحقق وهو أن الدول الأكثر حرصا على تجنب المخاطر ستكافئ في الحصول على الدعم لها من خلال الاستثمار المتمخض عن أموال التأمين الدولي وفي ذلك تعزيز للتنمية، وبهذه المناسبة ستتشكل مؤسسة استثمار دولية لأموال التأمين وكل ذلك سيصل بنا إلى أفضل مستوى من التعاون والتكافل بين الدول في مواجهة المخاطر بتقنية موحدة تلتقي عندها جهود الدول وتتوجه إلى هدف واحد وهو مواجهة مخاطر خاصة بكل دولة مثل النزاعات المسلحة والإرهاب.
وعامة تواجه كل الدول مثل جائحة كورونا والتلوث والافلاس كما أن هذه التقنية سوف تخفف العبء المالي عن صندوق النقد الدولي في ظل تعرض دولة ما إلى مخاطر معينة فبدلا من اللجوء للاقتراض ستتدخل مؤسسة التأمين الدولي للتخفيف من الأضرار التي لحقتها من خلال دفع التعويض الذي يغطيها، وسوف يكون التأمين على أنواع فهناك التامين العام ويشمل كافة المخاطر والتأمين الخاص الذي يتمثل بمخاطر ستشعرها الدول مثل مخاطر الحرائق الفيضانات الاعمال الإرهابية النزاعات المسلحة التلوث مخاطر الأوبئة والمخاطر الاقتصادية كتقلبات سعر صرف العملة وبذلك يكون مبلغ التأمين بحسب نوع المخاطر وعددها.
ومن الناحية التطبيقية الافتراضية سبق وجود مثل هكذا تقنية عبر قرار من مجلس الأمن أو اتفاقية أممية كان سيغني مثلا عن دفع ليبيا تعويضات لأمريكا عام 2003 بشأن قضية لو كربي التي حدثت في عام 1988، وكذلك بالمثل سوف يكون الحال بالنسبة لتعويضات بلغاريا إلى ليبيا بخصوص قضية الممرضات عام 2007، وكذلك لما احتاجت أمريكا إلى إصدار قانون جاستا لمواجهة المملكة العربية السعودية في عام 2016 بشأن تعويضات أحداث ١١ سبتمر لعام 2001، كما لا حاجة ستكون للاتفاق بين أمريكيا والسودان لتسوية التعويضات عام 2020 اثر تفجير السفارتين الأمريكية في كينيا وتنزانيا عام 1998، والحال يصدق كل مرة تتكرر فيها مخاطر قابلة للتامين.
سادسا:- الجدوى من الدراسة والنتائج المترتبة عليها
تتمثل الجدوى من الدراسة في توحيد الجهود الدولية على مستوى الدول والمنظمات الدولية والاقليمية باتجاه هدف واحد وعبر تقنية واحدة لسد العجز المالي الذي تواجهه في ظل تعرضها لمخاطر جسيمة ومنها جائحة كورونا في المرحلة الحالية وان اعتماد هذه التقنية سيرتب لنا جملة نتائج سنوردها على النحو الآتي:-
1. توحيد جهود مواجهة المخاطر مجتمعة من قبل مؤسسة تأمين دولي يخفف المسؤولية الدولية عن الدول في ظل المخاطر التي تحصل من جراء ممارستها عمدا أو اهمالا مثال التسبب في نشر فيروس كورونا، كما يسهل على الدول المتضررة الحصول على التعويض عن الأضرار التي خلفتها تلك الممارسات.
2. ستكون مؤسسة التأمين الدولية صمام أمان بين الدول، فالأخيرة سوف لا تحتاج إلى اللجوء إلى الوسائل القضائية أو غير القضائية وما يستتبع ذلك من تكاليف ووقت للحل لان المؤسسة هي التي ستضطلع بمهمة تسوية النزاعات الناشئة عن المخاطر التي تحصل بفعل الدول كمخاطر التلوث البيئي وانتشار الاوبئة ومنها فايروس كورونا.
3. سوف لا تكون الدول الفقيرة والنامية تحت سيطرة وهيمنه الدول الغنية اثر تعرضها لمخاطر تتطلب مساعدات أو منح لمواجهة اضرارها وخسائرها وسوف لا تشكل تلك الدول ايضا عبء على المؤسسات المالية الدولية في ظل احتياجها لدعم مالي او صحي وهي الاكثر تأثرا وهذا ما لاحظناه في ظل جائحة كورونا.
4. سيخفف العبء على الدول الغنية في سد حاجة الدول الفقيرة ذلك لأن اقساط التأمين في المؤسسة ستستثمر في الدول الأكثر حاجة للتنمية بحسب استراتيجية توضع لهذا الغرض.
5. تحقيق التعاون الدولي بين الدول في مواجهة المخاطر سواء تلك التي تواجه بعض الدول أم تلك التي تواجه أغلب الدول وستتوحد الدول في ظل المخاطر العالمية وهو ما لم نلحظه بشكل كاف في الوقت الحاضر ازاء هذه الجائحة.
6. إشاعة ثقافة التكافل ماليا في تحمل المخاطر يخفف من حدة الخلافات والنزاعات عالميا.
7. استغناء الدول عن اللجوء للاقتراض لمواجهة الخسائر الناجمة عن المخاطر من صندوق النقد الدولي او أي مؤسسة دولية أو اقليمية.
8. سعي الدول إلى إيجاد أفضل الوسائل لتلافي المخاطر التي تحصل بفعل إرادي أو لا إرادي عن طريق مؤسساتها أو أفرادها مما يشيع ذلك السلم والأمن الدوليين الذي هو احد أهم أهداف منظمة الأمم المتحدة.
9. سوف تقل النزاعات العالمية بشكل ملحوظ في ظل اعتماد التقنية المتقدمة.
10. تمثل هذه التقنية حاجة عالمية بعد أن فشلت كثير من الاساليب والتقنيات عن مواجهة المخاطر لاسيما في المرحلة الحالية التي اجتاحت العالم جائحة كورونا.
11. هذه التقنية متعددة الوظائف من خلال صلاحيتها للعمل في مواجهة عدة مخاطر ومنها مخاطر الاوبئة ومنها فايروس كورونا.
12. إن العراق في الوقت الحاضر أكثر حاجة إلى استحداث مثل هذه التقنية عالميا لأنه سيستفاد منها حتما بوصفه جزءا مؤثرًا ومتأثرا في المنظومة العالمية لذا نوصي بضرورة تحرك وزارة الخارجية من طريق الجهات المعنية لممثلياتها في الأمم المتحدة للترويج لمثل هكذا تقنية وشرحها بما يسهل فهمها وقبولها وستحسب لصالح العراق هذه المبادرة العالمية في وقت ينتظر العالم ما يخفف عنه اعباء هذه الجائحة.
نسأل الله التوفيق والعز والشموخ لبلدنا العزيز العراق