زيارة الأربعين: اليوم العالمي لتعظيم القيم الحسينية
قبسات من فكر المرجع الشيرازي
شبكة النبأ
2025-08-14 05:23
(إن زيارة الأربعين تمثل اليوم العالمي لتلبية الشعوب للاستنصار الحسيني)
سماحة المرجع الشيرازي دام ظله
اليوم يطل العالم كله على مشهد محبّبٍ إلى القلوب والنفوس والعقول، ألا وهو مشهد إحياء مراسيم زيارة الأربعين التي باتت تشكل يوما عالميا لانتصار القيم الأخلاقية الإنسانية العظيمة على قيم التخلف بأنواعها ومصادرها كافة، فمن ينظر من شاهقٍ إلى ما يجري الآن في كربلاء المقدسة، ستُدهشه الأعداد الهائلة التي حجَّت إلى الإمام الحسين عليه السلام كي تشارك في ذكرى أربعينية استشهاده في عاشوراء.
منظر يُبهر القلوب والعقول قبل العيون التي تراه، حتى يتساءل الناظر، من أين أتت كل هذه الأعداد من البشر، وكيف تتسع لها الطرقات والساحات على وسعها، بل كيف تتسع لها مدينة صغيرة جغرافيا ولكنها كبيرة في معانيها ومآثرها ومواقفها، ويكفي هذه المدينة وأهلها أنها تضيَّفي في زيارة الأربعين أكثر من عشرين مليون زائرا، يدخلونها بأمان سالمين غانمين، تضمهم القلوب قبل البيوت، ويخدمهم الكبار قبل الصغار، وهم يستحقون هذا وأكثر.
إنها زيارة الأربعين المليونية التي يتزايد فيها الزوار أضعافا مضاعفة زيارة بعد أخرى، وعلى الرغم من كل الأفعال الشائنة المميتة التي سعت عبر التاريخ إلى منع زوار الحسين عليه السلام من الوصول إليه، وهددت الزوار بأنواع التعذيب والمخاطر حتى بالموت، لكن أحباب الحسين ما فتئوا أن يتدفقوا على كربلاء كالسيول الهادرة التي لا تخشى حتى الموت.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله يقول في هذا المنظر النادر:
(الكثير من المؤمنين والمؤمنات قتلوا في سبيل القضية الحسينية المقدسة على مر التاريخ، وخصوصاً في زمن بني أمية وبني العباس، فلمدة قرن كان القتل والتعذيب والسجن ومصادرة الأموال والأملاك مصير كل من يشترك بعزاء الإمام الحسين (عليه السلام) أو من يذهب إلى زيارته).
إلحاق الهزيمة بالمستبدين الظالمين
وكلما تعاظمت أعداد زيارة الأربعين، تكبر أحقاد الحكام الطغاة، ويزداد الغلّ في القلوب التي لا تعرف الرحمة ولا يربطها شيء بالإسلام، فتطالب بإيقاف هذه المراسيم، وتطالب بإنزال أقصى العقوبات بكل من يخالف أوامر الفاسدين، بل وصل الأمر ببعض الحكومات والحكام الظالمين منع الناس من إطلاق اسم الحسين على مواليدهم الجدد تبركا واستشفاعا، وإن حمل أحدهم اسم الحسين فإن مصيره الإقصاء والملاحقة ومختلف أنواع المضايقات.
حيث يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:
(حتى من كان يسمي ولده حسيناً كان يتعرض للسجن والقتل. ومع كل هذه المظالم التي تعرض لها زوار الإمام الحسين (عليه السلام) ومحبو أهل البيت (عليهم السلام)، التي يقول عنها بعض السذج من الناس بأنها إلقاء النفس في التهلكة وأن القرآن ينهى عن ذلك، مع كل ذلك لم ينهَ الأئمة الأطهار (عليهم السلام) شيعتهم وأتباعهم ومحبيهم عن إحياء القضية الحسينية أو عن زيارة الإمام الحسين (عليه السلام)، بل كان أهل البيت (عليهم السلام) يقرون ذلك).
ومع كل أساليب المنع، وابتكار السبل التي تنشر الخوف في نفوس وقلوب الزائرين، إلا أنهم لم يأبهوا بكل ما فعله الحكام الجائرون، وفي المقابل كان أئمة أهل البيت عليهم السلام، يدعون في صلواتهم وسجداتهم وأدعيتهم لزوار الحسين بالأجر الإلهي العظيم الذي يستحقونه، وبالجزاء الجميل الذي يليق بزائر الإمام الحسين الذي يتحدى المصاعب والمخاوف والأخطار، ويلزم نفسه بما ألزمته به محبة أهل البيت والإمام الحسين عليه السلام.
فواصل محبو الإمام إحياء مراسيم زيارة الأربعين، بحيث تتعاظم في الأعداد وفي الإعداد، وفي المقابل يتعاظم الاستعداد في العراق كله وفي النجف وبابل، وفي كربلاء، فيتم اتخاذ التدابير كافة لتسهيل مهم إحياء مراسيم الأربعين الحسيني على أفضل وجه كونه يمثل يوما عالميا ينتصر فيه الإنسان لنفسه في عموم العالم ضد الظلم والفساد والجور المخطَّط له.
يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:
(كان أئمة أهل البيت يدعون الله (تعالى) في صلواتهم وسجودهم عليهم السلام بأن يمن بالرحمة وبالجزاء الجميل وبالأجر العظيم على زائري الإمام سيد الشهداء عليه السلام وعلى الذين يحيون القضية الحسينية المقدسة).
ولا يخفى عن جميع المؤمنين ذلك الأجر العظيم الذي خصصه الله تعالى لزوار أربعينية الإمام الحسين عليه السلام، وقد ورد ذلك في روايات شريفة أكدت بما لا يقبل الريب، أن زائر الإمام الحسين سوف يحصل على مزايا يستحقها، كونه آزر الإمام وآمن بفكره وخطه، ودعم والتزم بالقيم العظيمة التي خرج من أجل تثبيتها الإمام الحسين وزرعها في روح الأمة.
زيارة الأربعين تتعاظم عامًا بعد آخر
ومن هذ ا الأجر الذي يستحقه الزوار الكرام، غفران الذنوب، وهو ما يحتاجه كل إنسان، لأننا في هذه الدنيا لا نعلم متى وأين تأخذنا نفوسنا وتُقسرنا على ارتكاب ذنب لا يجوز الاقتراب منهم، ولكنها الدنيا التي نحتاط منها، ونتعامل مع مغرياتها وملذاتها بحذر، ولكن كل إنسان يحتاج إلى المغفرة كونها تخفف مما عليه من ذنوب.
لهذا يتوجّب لكل إنسان يريد أن يحمي نفسه من الذنوب، أن يحج إلى زيارة الإمام الحسين وأن يبادر في إحياء الأربعين الحسيني، حتى يفوز بهذا الأجر الذي يستنقذه من عذاب يوم الحساب حيث تنتفي الأعمال هناك، ولا يبقى سوى المواجهة مع النفس وذنوبها وما تستحقه من مقاضاة أوجبها الإنسان على نفسه حين قصُرَ عن ردعها
سماحة المرجع الشيرازي دام ظله أكد قائلا:
(أيها الزائرون الأكارم: ذكرت الروايات الشريفة أن الله (سبحانه وتعالى) جعل لزوار الإمام الحسين (صلوات الله عليه) أجراً عظيماً وخصائص كثيرة، منها: غفران الذنوب، وحق الشفاعة لمن يشفعون له، وغيرها. وإن أهل البيت (صلوات الله عليهم) يحثون شيعتهم ومحبيهم على زيارة الإمام سيد الشهداء (صلوات الله عليه) ويشجعونهم على ذلك).
نعم إن الأئمة الأطهار عليهم السلام، يشجعون الناس على المساهمة في إحياء الأربعين الحسيني، كونها تقدم لهم ما لا يعرفون ولا يتوقعون من جزاء كريم وعظيم، حتما أنهم يستحقونه، ولهذا نلاحظ تزايد زوار أربعينية الحسين عاما بعد آخر، وزيارة بعد أخرى، فالإمام الحسين خرج وسار في الطريق الذي يعمق إنسانية الإنسان وإيمانه بنقسه وإمكاناته.
وهو طريق الحرية، والانتصار للإنسان، وللقيم التي تحمي كرامته، وتصون حرياته، وتحميه من الانزلاق في دروب الكفر والهوان، كما أن الإمام الثائر عليه السلام يجمع الإنسان في أي مكان كان من هذه الأرض على قيم الحرية والإباء والانتصار للخير، والاندفاع المحسوم والمدروس في مواجهة الحكام الطغاة وعموم الظالمين، فالثائر الحسيني لا يأخذه تردّد ولا يصدّه خوف عن مواجهة الفساد والاستبداد، كونه تعلّم هذا الدرس من معلمه الأول وثائر الحرية الأعظم الإمام الحسين عليه السلام.
يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:
(عام بعد عام، وأربعينية بعد أربعينية، تؤكد الوقائع أن الحسين عليه السلام هو الطريق الأوفى الذي به يستكمل بنو البشر إنسانيتهم، وأن الحسين عليه السلام هو السبيل الأوثق الذي به يلتقي الناس على مائدة العدل والحرية والمحبة والسلام).
ولهذا ما يجري اليوم في إحياء مراسيم زيارة الأربعين في كربلاء المقدسة، إنما يمثل يوما عالميا لاستذكار القيم الحسينية، وتعضيدها ودعمها ونشرها عالميا، فالإنسان في كوكبنا هذا بات محاصرا بالقيم الرديئة، وبالأساليب المضلِّلة، وباتت قيم الخداع والتزييف تبتكر أساليبها على مدار الساعة ليصبح كل الناس ضحايا لها، فيسود الاحتقان والشعور بالظلم في هذا العالم، لذا فإن الأربعين الحسيني مناسبة لتعزيز القيم الحسينية ونشرها بين البشر جميعا.